الليلة السابعة
الليلة السابعة
سبعُ ليالٍ يأكُلْنَ سَبعًا شِدادًا من انكساراتِنا !
كلُّ ليلةٍ.. كأنَّها دَهرٌ من فَجرٍ مُمتد..
تَتهيَّأُ مَكةُ.. تَشعر أن فيها لحظَةً خَفِيِّة ؛ يَنتظرُها القادِمون..
لَحظة.. ستُخرِجُ أعمقَ المكنونات.. فَليتَ دَمعَ الخَليقةِ يَكفي لتلك الّلحظة !
تقرأُ الشُجونَ في عيونِ العَاشِقينَ..
تَرتجِفُ ذَواتُهم في مُقلِ الدّموع.. تَطفو الأمَاني على الأهدابِ الغَارِقَة في نَوْحٍ مَهيب..
ما ظَنَّكم بِأُناسٍ يَرتحلون إلى الآخرةِ كلّ يومٍ مَرحَلة !
في مكة..
لا أحَد يُحدِّقُ في القَاع..
الكلُّ يُحدِّقُ في اللامُتناهي من العَطاء.. فتلك لحظةٌ لا تَتسعُ لها الأرضُ !
تلكَ لحظةٌ.. لا يعلُم سِرَّها إلا الله..
لحظةٌ.. تُعيدُ تعريفَ السَّعادَة.. وتَبدو مَعَها كلُّ الأفراحِ صغيرَة !
ويا لله كيف تَنسجُ الشَّعائِرُ الحجيجَ شَيئًا فشيئًا..
يَخلعونَ أسْمالَهم في اتجَاهِ القِبلة..
ويَبكون هناك خَلوَةَ الذُّنوب !
يَتدفَقُ الألمُ إلى زوايا عَميقَةٍ في النّفوس..
تَتلامَسُ الأصواتُ من تَشابِه الوَجَع..
وتَخْفِقُ القُلوبُ لبَعضِ الدُّموع.. فَهذهِ دُموعٌ ؛ تَعرفُ الأرواحُ أسبابَها !
يكادُ قلبٌ ؛ أنْ يُرَبِّتَ على قَلبٍ ويقولُ له:
لا تَجزع.. فَعندَ الله مُتَّسعٌ لنا جميعًا !
َيشتهي الحَجيجُ لو يُغادرُهم الزَّمانُ، ويَظلونَ مُعلقينَ بأسْتارِ الكعْبة.. يَفتَحونَ جراحَهُم عند الله ؛ يُخيطُها لهم ويَلتَئِمون !
في مَكة ؛ تَصغُر الأحزانُ..
فَقط ؛ { اخلع نَعليكَ }..
واخلَع نَفسَك..
واخلعْ عَجْزَك ؛ { إَّنك بالوادِ المُقدَّسِ طوَى } !
تَعلمك الشعيرة أنّه ؛ { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ }.. بهذه اللُّغة الشَاهِقَة ؛ يُهيِّؤُك الحجُّ للمعاني الشّاهِقة..
ويقولُ لكَ: تنبه فإن البُعدُ عن الله هَشاشَةُ الرُّوح !
تَزدادُ هشَاشَتُنا.. كلما أسْرفْنا في الغِياب عن الله !
مُصابُنا..
أننا لا نَشُمُّ ذنوبَنا إلا بعدَ وقوعِ الفَاجِعة !
مُصابُنا..
أننا كلمّا وضَعنَا نهايَةً لِسطرٍ مشَؤومٍ ؛ جَاءَ الشَّيطانُ واسْتأنفَ الذَّنبَ !
الشّيطانُ يريدُ لك ؛ أن تَنتَهي حيثُ انتَهى !
فتأتي الشعائِرُ لِتُرَتِّل عليكَ { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ }..
الذنوبُ هي نُدوبُ الرُّوحِ، لذا قَالَها العارِفونَ بالله:
مَن أطلَقَ هواهُ غُلَّتْ خُطَاه !
من أطلقَ بَصرَهُ ؛ فارَقَتْهُ الرُّؤى..
ومن أرخى الزِّمامَ لِنفسِه، وقالَ لها سِيري ؛ بَلَغتْ به المَحاق !
ألمْ يَقُلْ النَبيُّ ﷺ: (لأعلمَنّ أقوامًا من أمَتي ؛ يأتونَ يومَ القِيامَة بِحسناتٍ أمْثالَ جِبالِ تهامَة بِيضًا، فَيجعَلها اللهُ -عزّ وجل- هباءً مَنثورَا ً..
قال ثوبَان.. يا رسولَ الله صِفْهم لنا.. جَلِّهم لَنا.. أنْ لا نكونَ مِنهم ونَحنُ لا نعلم؟!
قال: أمّا إنّهم إخوانُكم، ومِن جِلدَتكم، ويأخذونَ من الليلِ كَما تَأخذون، ولكِّنهم أقوامٌ ؛ إذا خَلوا بِمحارِم الله انْتَهكوها) !
كَما يَنتهكُ الشَيبُ سوَادَ الضَّفائِر.. فَيغتالُ الجَمالَ !
هو يُعلِّمك ؛ " مَا لمْ تَكنْ جلداً على أزَماتهِ.. لا يَصْطَفيك " !.. فافهم معنى المرابطة على التعظيم..
إن النفسَ إذا تَشبَّعتْ بالتقوى ؛ عَظُمَتِ الشَّعائِر !
لأنَّ التَّقوى هي ؛ القِيامُ للهِ.. ومن قـامَ للَّـهِ ؛ لـم يَقعـد حَتَّـى يَصلَ إلى اللَّهِ !
المُتَّقون هم..
قَومٌ قَعدتْ عنهـمُ الشهوَاتُ ؛ فصـحَّ قيامَهـمْ باللَّهِ..
(فَخَلِّ جِراحَك الدَّكناء) ورَاءَك !
تُلقي الشعائِرُ ملامِحَها في وُجوهِنا..
تَمتَزِجُ زَمزَمُ بِريقِ الحَجيج..
لا شيءَ مَرئِيَ في الحَج إلا المَناسِك..
لَكنَّك كُلما أصْغيتَ ؛ سَمعتَ صوتَ قَلبٍ يَمتلئ !
فيا لله.. كيفَ يَحتَفِي بِه الله.. ويَنْطِقُ مِنه الحَالُ ؛ { إَّنه كانَ بي حَفِيَّا } !
مَع كلِّ شعيرةٍ ؛ يَقلُّ اتِّساعُ الفَراغِ بَينَ الحَجيجِ وبينَ مناجَاةِ الله.. ويَبلغونَ مَقامَ { ولمْ أكنْ بِدعائِكَ ربِّ شقيًا } !
التَقِطِ المَعنَى من حِكايَة إبراهيمَ بنُ أَدْهَم.. يَنزلُ إلى السّوقِ، وكانَ مُسرفًا على نَفسِه، فَيجدُ ورقةً مُلقاةً على الأرضِ وقَد كُتبَ فيها اسمُ اللهِ تباركَ وتعالى ؛ والناسُ يَطَؤونَها بِأقدامِهم، وهم دَاخلونَ إلى السُوقِ وخَارِجونَ ما يَعلمون، فَأخذَ الورقَةَ، فنظرَ فإذا اسمُ الله فيه، فَبَكى، وقالَ: سُبحانَ الله يُهانُ اسمُك هنا؟ لا والله، فَرَفَعَ هذه الورقَةَ، وذهبَ بها، وطَيَّبَها، ورَفَعَها في بَيته، فَلما أمْسى ؛ سَمِع هاتِفاً يَقول:
يا مَنْ طيَّب اسمَ اللهِ، وعَظَّمَ اسمَ الله ؛ ليُعظِّمنَّ اللُه اسمَك !
> خدمة تيلغرام / الدكتورة: كفاح أبو هنود:
《 أيام مَعدُودات 》..
الليلة السابعة
سبعُ ليالٍ يأكُلْنَ سَبعًا شِدادًا من انكساراتِنا !
كلُّ ليلةٍ.. كأنَّها دَهرٌ من فَجرٍ مُمتد..
تَتهيَّأُ مَكةُ.. تَشعر أن فيها لحظَةً خَفِيِّة ؛ يَنتظرُها القادِمون..
لَحظة.. ستُخرِجُ أعمقَ المكنونات.. فَليتَ دَمعَ الخَليقةِ يَكفي لتلك الّلحظة !
تقرأُ الشُجونَ في عيونِ العَاشِقينَ..
تَرتجِفُ ذَواتُهم في مُقلِ الدّموع.. تَطفو الأمَاني على الأهدابِ الغَارِقَة في نَوْحٍ مَهيب..
ما ظَنَّكم بِأُناسٍ يَرتحلون إلى الآخرةِ كلّ يومٍ مَرحَلة !
في مكة..
لا أحَد يُحدِّقُ في القَاع..
الكلُّ يُحدِّقُ في اللامُتناهي من العَطاء.. فتلك لحظةٌ لا تَتسعُ لها الأرضُ !
تلكَ لحظةٌ.. لا يعلُم سِرَّها إلا الله..
لحظةٌ.. تُعيدُ تعريفَ السَّعادَة.. وتَبدو مَعَها كلُّ الأفراحِ صغيرَة !
ويا لله كيف تَنسجُ الشَّعائِرُ الحجيجَ شَيئًا فشيئًا..
يَخلعونَ أسْمالَهم في اتجَاهِ القِبلة..
ويَبكون هناك خَلوَةَ الذُّنوب !
يَتدفَقُ الألمُ إلى زوايا عَميقَةٍ في النّفوس..
تَتلامَسُ الأصواتُ من تَشابِه الوَجَع..
وتَخْفِقُ القُلوبُ لبَعضِ الدُّموع.. فَهذهِ دُموعٌ ؛ تَعرفُ الأرواحُ أسبابَها !
يكادُ قلبٌ ؛ أنْ يُرَبِّتَ على قَلبٍ ويقولُ له:
لا تَجزع.. فَعندَ الله مُتَّسعٌ لنا جميعًا !
َيشتهي الحَجيجُ لو يُغادرُهم الزَّمانُ، ويَظلونَ مُعلقينَ بأسْتارِ الكعْبة.. يَفتَحونَ جراحَهُم عند الله ؛ يُخيطُها لهم ويَلتَئِمون !
في مَكة ؛ تَصغُر الأحزانُ..
فَقط ؛ { اخلع نَعليكَ }..
واخلَع نَفسَك..
واخلعْ عَجْزَك ؛ { إَّنك بالوادِ المُقدَّسِ طوَى } !
تَعلمك الشعيرة أنّه ؛ { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ }.. بهذه اللُّغة الشَاهِقَة ؛ يُهيِّؤُك الحجُّ للمعاني الشّاهِقة..
ويقولُ لكَ: تنبه فإن البُعدُ عن الله هَشاشَةُ الرُّوح !
تَزدادُ هشَاشَتُنا.. كلما أسْرفْنا في الغِياب عن الله !
مُصابُنا..
أننا لا نَشُمُّ ذنوبَنا إلا بعدَ وقوعِ الفَاجِعة !
مُصابُنا..
أننا كلمّا وضَعنَا نهايَةً لِسطرٍ مشَؤومٍ ؛ جَاءَ الشَّيطانُ واسْتأنفَ الذَّنبَ !
الشّيطانُ يريدُ لك ؛ أن تَنتَهي حيثُ انتَهى !
فتأتي الشعائِرُ لِتُرَتِّل عليكَ { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ }..
الذنوبُ هي نُدوبُ الرُّوحِ، لذا قَالَها العارِفونَ بالله:
مَن أطلَقَ هواهُ غُلَّتْ خُطَاه !
من أطلقَ بَصرَهُ ؛ فارَقَتْهُ الرُّؤى..
ومن أرخى الزِّمامَ لِنفسِه، وقالَ لها سِيري ؛ بَلَغتْ به المَحاق !
ألمْ يَقُلْ النَبيُّ ﷺ: (لأعلمَنّ أقوامًا من أمَتي ؛ يأتونَ يومَ القِيامَة بِحسناتٍ أمْثالَ جِبالِ تهامَة بِيضًا، فَيجعَلها اللهُ -عزّ وجل- هباءً مَنثورَا ً..
قال ثوبَان.. يا رسولَ الله صِفْهم لنا.. جَلِّهم لَنا.. أنْ لا نكونَ مِنهم ونَحنُ لا نعلم؟!
قال: أمّا إنّهم إخوانُكم، ومِن جِلدَتكم، ويأخذونَ من الليلِ كَما تَأخذون، ولكِّنهم أقوامٌ ؛ إذا خَلوا بِمحارِم الله انْتَهكوها) !
كَما يَنتهكُ الشَيبُ سوَادَ الضَّفائِر.. فَيغتالُ الجَمالَ !
هو يُعلِّمك ؛ " مَا لمْ تَكنْ جلداً على أزَماتهِ.. لا يَصْطَفيك " !.. فافهم معنى المرابطة على التعظيم..
إن النفسَ إذا تَشبَّعتْ بالتقوى ؛ عَظُمَتِ الشَّعائِر !
لأنَّ التَّقوى هي ؛ القِيامُ للهِ.. ومن قـامَ للَّـهِ ؛ لـم يَقعـد حَتَّـى يَصلَ إلى اللَّهِ !
المُتَّقون هم..
قَومٌ قَعدتْ عنهـمُ الشهوَاتُ ؛ فصـحَّ قيامَهـمْ باللَّهِ..
(فَخَلِّ جِراحَك الدَّكناء) ورَاءَك !
تُلقي الشعائِرُ ملامِحَها في وُجوهِنا..
تَمتَزِجُ زَمزَمُ بِريقِ الحَجيج..
لا شيءَ مَرئِيَ في الحَج إلا المَناسِك..
لَكنَّك كُلما أصْغيتَ ؛ سَمعتَ صوتَ قَلبٍ يَمتلئ !
فيا لله.. كيفَ يَحتَفِي بِه الله.. ويَنْطِقُ مِنه الحَالُ ؛ { إَّنه كانَ بي حَفِيَّا } !
مَع كلِّ شعيرةٍ ؛ يَقلُّ اتِّساعُ الفَراغِ بَينَ الحَجيجِ وبينَ مناجَاةِ الله.. ويَبلغونَ مَقامَ { ولمْ أكنْ بِدعائِكَ ربِّ شقيًا } !
التَقِطِ المَعنَى من حِكايَة إبراهيمَ بنُ أَدْهَم.. يَنزلُ إلى السّوقِ، وكانَ مُسرفًا على نَفسِه، فَيجدُ ورقةً مُلقاةً على الأرضِ وقَد كُتبَ فيها اسمُ اللهِ تباركَ وتعالى ؛ والناسُ يَطَؤونَها بِأقدامِهم، وهم دَاخلونَ إلى السُوقِ وخَارِجونَ ما يَعلمون، فَأخذَ الورقَةَ، فنظرَ فإذا اسمُ الله فيه، فَبَكى، وقالَ: سُبحانَ الله يُهانُ اسمُك هنا؟ لا والله، فَرَفَعَ هذه الورقَةَ، وذهبَ بها، وطَيَّبَها، ورَفَعَها في بَيته، فَلما أمْسى ؛ سَمِع هاتِفاً يَقول:
يا مَنْ طيَّب اسمَ اللهِ، وعَظَّمَ اسمَ الله ؛ ليُعظِّمنَّ اللُه اسمَك !
فَهداهُ اللهُ إلى التَّوبةِ النَّصوح، وأصبحَ من زُهَّادِ الإسْلام، ومِن عبَّادِ الإسلامِ، وحينَ ماتَ ؛ اجتَمعتْ مَدينَتُه في جَنازَتِه أُلوفًا مُؤَلَّفَة من الأمَراءِ، وقَادَة الجَيش، والفُقراءِ والمَساكين، حتى وصَلوا المَقبرةَ ؛ وقدْ تَقطَّعت أحذِيَتُهم من كَثرةِ الزّحام !
يَتقهقَرُ الشَّيطانُ قبلَ الرَجْمِ.. تَمتَلئُ المَناسِك بِصوتِك..
وتَفهمُ ؛ لماذا اختُصَّ الحجُّ بالتكبير !
فتَعظيمِ الله..
هي اللَّحظةُ التي يُريدُ اللَه لكَ أن تَبلغَها..
وتدرِك بها.. أنَّه لا تَصِحَ لكَ عبُودِيَّةٌ ؛ ما دَامَ لِغيرِ الله في قَلبِك بَقِيَّة !
مختارات