الليلة السابعة
الليلة السابعة
سبعُ ليالٍ يأكُلْنَ سَبعًا شِدادًا من انكساراتِنا !
كلُّ ليلةٍ.
كأنَّها دَهرٌ من فَجرٍ مُمتد.
تَتهيَّأُ مَكةُ.
تَشعر أن فيها لحظَةً خَفِيِّة ؛ يَنتظرُها القادِمون.
لَحظة.
ستُخرِجُ أعمقَ المكنونات.
فَليتَ دَمعَ الخَليقةِ يَكفي لتلك الّلحظة !
تقرأُ الشُجونَ في عيونِ العَاشِقينَ.
تَرتجِفُ ذَواتُهم في مُقلِ الدّموع.
تَطفو الأمَاني على الأهدابِ الغَارِقَة في نَوْحٍ مَهيب.
ما ظَنَّكم بِأُناسٍ يَرتحلون إلى الآخرةِ كلّ يومٍ مَرحَلة !
في مكة.
لا أحَد يُحدِّقُ في القَاع.
الكلُّ يُحدِّقُ في اللامُتناهي من العَطاء.
فتلك لحظةٌ لا تَتسعُ لها الأرضُ !
تلكَ لحظةٌ.
لا يعلُم سِرَّها إلا الله.
لحظةٌ.
تُعيدُ تعريفَ السَّعادَة.
وتَبدو مَعَها كلُّ الأفراحِ صغيرَة !
ويا لله كيف تَنسجُ الشَّعائِرُ الحجيجَ شَيئًا فشيئًا.
يَخلعونَ أسْمالَهم في اتجَاهِ القِبلة.
ويَبكون هناك خَلوَةَ الذُّنوب !
يَتدفَقُ الألمُ إلى زوايا عَميقَةٍ في النّفوس.
تَتلامَسُ الأصواتُ من تَشابِه الوَجَع.
وتَخْفِقُ القُلوبُ لبَعضِ الدُّموع.
فَهذهِ دُموعٌ ؛ تَعرفُ الأرواحُ أسبابَها !
يكادُ قلبٌ ؛ أنْ يُرَبِّتَ على قَلبٍ ويقولُ له:
لا تَجزع.
فَعندَ الله مُتَّسعٌ لنا جميعًا !
َيشتهي الحَجيجُ لو يُغادرُهم الزَّمانُ، ويَظلونَ مُعلقينَ بأسْتارِ الكعْبة.
يَفتَحونَ جراحَهُم عند الله ؛ يُخيطُها لهم ويَلتَئِمون !
في مَكة ؛ تَصغُر الأحزانُ.
فَقط ؛ { اخلع نَعليكَ }.
واخلَع نَفسَك.
واخلعْ عَجْزَك ؛ { إَّنك بالوادِ المُقدَّسِ طوَى } !
تَعلمك الشعيرة أنّه ؛ { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ }.
بهذه اللُّغة الشَاهِقَة ؛ يُهيِّؤُك الحجُّ للمعاني الشّاهِقة.
ويقولُ لكَ: تنبه فإن البُعدُ عن الله هَشاشَةُ الرُّوح !
تَزدادُ هشَاشَتُنا.
كلما أسْرفْنا في الغِياب عن الله !
مُصابُنا.
أننا لا نَشُمُّ ذنوبَنا إلا بعدَ وقوعِ الفَاجِعة !
مُصابُنا.
أننا كلمّا وضَعنَا نهايَةً لِسطرٍ مشَؤومٍ ؛ جَاءَ الشَّيطانُ واسْتأنفَ الذَّنبَ !
الشّيطانُ يريدُ لك ؛ أن تَنتَهي حيثُ انتَهى !
فتأتي الشعائِرُ لِتُرَتِّل عليكَ { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ }.
الذنوبُ هي نُدوبُ الرُّوحِ، لذا قَالَها العارِفونَ بالله:
مَن أطلَقَ هواهُ غُلَّتْ خُطَاه !
من أطلقَ بَصرَهُ ؛ فارَقَتْهُ الرُّؤى.
ومن أرخى الزِّمامَ لِنفسِه، وقالَ لها سِيري ؛ بَلَغتْ به المَحاق !
ألمْ يَقُلْ النَبيُّ ﷺ: (لأعلمَنّ أقوامًا من أمَتي ؛ يأتونَ يومَ القِيامَة بِحسناتٍ أمْثالَ جِبالِ تهامَة بِيضًا، فَيجعَلها اللهُ -عزّ وجل- هباءً مَنثورَا ً.
قال ثوبَان.
يا رسولَ الله صِفْهم لنا.
جَلِّهم لَنا.
أنْ لا نكونَ مِنهم ونَحنُ لا نعلم؟!
قال: أمّا إنّهم إخوانُكم، ومِن جِلدَتكم، ويأخذونَ من الليلِ كَما تَأخذون، ولكِّنهم أقوامٌ ؛ إذا خَلوا بِمحارِم الله انْتَهكوها) !
كَما يَنتهكُ الشَيبُ سوَادَ الضَّفائِر.
فَيغتالُ الجَمالَ !
هو يُعلِّمك ؛ " مَا لمْ تَكنْ جلداً على أزَماتهِ.
لا يَصْطَفيك " !.
فافهم معنى المرابطة على التعظيم.
إن النفسَ إذا تَشبَّعتْ بالتقوى ؛ عَظُمَتِ الشَّعائِر !
لأنَّ التَّقوى هي ؛ القِيامُ للهِ.
ومن قـامَ للَّـهِ ؛ لـم يَقعـد حَتَّـى يَصلَ إلى اللَّهِ !
المُتَّقون هم.
قَومٌ قَعدتْ عنهـمُ الشهوَاتُ ؛ فصـحَّ قيامَهـمْ باللَّهِ.
(فَخَلِّ جِراحَك الدَّكناء) ورَاءَك !
تُلقي الشعائِرُ ملامِحَها في وُجوهِنا.
تَمتَزِجُ زَمزَمُ بِريقِ الحَجيج.
لا شيءَ مَرئِيَ في الحَج إلا المَناسِك.
لَكنَّك كُلما أصْغيتَ ؛ سَمعتَ صوتَ قَلبٍ يَمتلئ !
فيا لله.
كيفَ يَحتَفِي بِه الله.
ويَنْطِقُ مِنه الحَالُ ؛ { إَّنه كانَ بي حَفِيَّا } !
مَع كلِّ شعيرةٍ ؛ يَقلُّ اتِّساعُ الفَراغِ بَينَ الحَجيجِ وبينَ مناجَاةِ الله.
ويَبلغونَ مَقامَ { ولمْ أكنْ بِدعائِكَ ربِّ شقيًا } !
التَقِطِ المَعنَى من حِكايَة إبراهيمَ بنُ أَدْهَم.
يَنزلُ إلى السّوقِ، وكانَ مُسرفًا على نَفسِه، فَيجدُ ورقةً مُلقاةً على الأرضِ وقَد كُتبَ فيها اسمُ اللهِ تباركَ وتعالى ؛ والناسُ يَطَؤونَها بِأقدامِهم، وهم دَاخلونَ إلى السُوقِ وخَارِجونَ ما يَعلمون، فَأخذَ الورقَةَ، فنظرَ فإذا اسمُ الله فيه، فَبَكى، وقالَ: سُبحانَ الله يُهانُ اسمُك هنا؟ لا والله، فَرَفَعَ هذه الورقَةَ، وذهبَ بها، وطَيَّبَها، ورَفَعَها في بَيته، فَلما أمْسى ؛ سَمِع هاتِفاً يَقول:
يا مَنْ طيَّب اسمَ اللهِ، وعَظَّمَ اسمَ الله ؛ ليُعظِّمنَّ اللُه اسمَك !
> خدمة تيلغرام / الدكتورة: كفاح أبو هنود:
《 أيام مَعدُودات 》.
الليلة السابعة
سبعُ ليالٍ يأكُلْنَ سَبعًا شِدادًا من انكساراتِنا !
كلُّ ليلةٍ.
كأنَّها دَهرٌ من فَجرٍ مُمتد.
تَتهيَّأُ مَكةُ.
تَشعر أن فيها لحظَةً خَفِيِّة ؛ يَنتظرُها القادِمون.
لَحظة.
ستُخرِجُ أعمقَ المكنونات.
فَليتَ دَمعَ الخَليقةِ يَكفي لتلك الّلحظة !
تقرأُ الشُجونَ في عيونِ العَاشِقينَ.
تَرتجِفُ ذَواتُهم في مُقلِ الدّموع.
تَطفو الأمَاني على الأهدابِ الغَارِقَة في نَوْحٍ مَهيب.
ما ظَنَّكم بِأُناسٍ يَرتحلون إلى الآخرةِ كلّ يومٍ مَرحَلة !
في مكة.
لا أحَد يُحدِّقُ في القَاع.
الكلُّ يُحدِّقُ في اللامُتناهي من العَطاء.
فتلك لحظةٌ لا تَتسعُ لها الأرضُ !
تلكَ لحظةٌ.
لا يعلُم سِرَّها إلا الله.
لحظةٌ.
تُعيدُ تعريفَ السَّعادَة.
وتَبدو مَعَها كلُّ الأفراحِ صغيرَة !
ويا لله كيف تَنسجُ الشَّعائِرُ الحجيجَ شَيئًا فشيئًا.
يَخلعونَ أسْمالَهم في اتجَاهِ القِبلة.
ويَبكون هناك خَلوَةَ الذُّنوب !
يَتدفَقُ الألمُ إلى زوايا عَميقَةٍ في النّفوس.
تَتلامَسُ الأصواتُ من تَشابِه الوَجَع.
وتَخْفِقُ القُلوبُ لبَعضِ الدُّموع.
فَهذهِ دُموعٌ ؛ تَعرفُ الأرواحُ أسبابَها !
يكادُ قلبٌ ؛ أنْ يُرَبِّتَ على قَلبٍ ويقولُ له:
لا تَجزع.
فَعندَ الله مُتَّسعٌ لنا جميعًا !
َيشتهي الحَجيجُ لو يُغادرُهم الزَّمانُ، ويَظلونَ مُعلقينَ بأسْتارِ الكعْبة.
يَفتَحونَ جراحَهُم عند الله ؛ يُخيطُها لهم ويَلتَئِمون !
في مَكة ؛ تَصغُر الأحزانُ.
فَقط ؛ { اخلع نَعليكَ }.
واخلَع نَفسَك.
واخلعْ عَجْزَك ؛ { إَّنك بالوادِ المُقدَّسِ طوَى } !
تَعلمك الشعيرة أنّه ؛ { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ }.
بهذه اللُّغة الشَاهِقَة ؛ يُهيِّؤُك الحجُّ للمعاني الشّاهِقة.
ويقولُ لكَ: تنبه فإن البُعدُ عن الله هَشاشَةُ الرُّوح !
تَزدادُ هشَاشَتُنا.
كلما أسْرفْنا في الغِياب عن الله !
مُصابُنا.
أننا لا نَشُمُّ ذنوبَنا إلا بعدَ وقوعِ الفَاجِعة !
مُصابُنا.
أننا كلمّا وضَعنَا نهايَةً لِسطرٍ مشَؤومٍ ؛ جَاءَ الشَّيطانُ واسْتأنفَ الذَّنبَ !
الشّيطانُ يريدُ لك ؛ أن تَنتَهي حيثُ انتَهى !
فتأتي الشعائِرُ لِتُرَتِّل عليكَ { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ }.
الذنوبُ هي نُدوبُ الرُّوحِ، لذا قَالَها العارِفونَ بالله:
مَن أطلَقَ هواهُ غُلَّتْ خُطَاه !
من أطلقَ بَصرَهُ ؛ فارَقَتْهُ الرُّؤى.
ومن أرخى الزِّمامَ لِنفسِه، وقالَ لها سِيري ؛ بَلَغتْ به المَحاق !
ألمْ يَقُلْ النَبيُّ ﷺ: (لأعلمَنّ أقوامًا من أمَتي ؛ يأتونَ يومَ القِيامَة بِحسناتٍ أمْثالَ جِبالِ تهامَة بِيضًا، فَيجعَلها اللهُ -عزّ وجل- هباءً مَنثورَا ً.
قال ثوبَان.
يا رسولَ الله صِفْهم لنا.
جَلِّهم لَنا.
أنْ لا نكونَ مِنهم ونَحنُ لا نعلم؟!
قال: أمّا إنّهم إخوانُكم، ومِن جِلدَتكم، ويأخذونَ من الليلِ كَما تَأخذون، ولكِّنهم أقوامٌ ؛ إذا خَلوا بِمحارِم الله انْتَهكوها) !
كَما يَنتهكُ الشَيبُ سوَادَ الضَّفائِر.
فَيغتالُ الجَمالَ !
هو يُعلِّمك ؛ " مَا لمْ تَكنْ جلداً على أزَماتهِ.
لا يَصْطَفيك " !.
فافهم معنى المرابطة على التعظيم.
إن النفسَ إذا تَشبَّعتْ بالتقوى ؛ عَظُمَتِ الشَّعائِر !
لأنَّ التَّقوى هي ؛ القِيامُ للهِ.
ومن قـامَ للَّـهِ ؛ لـم يَقعـد حَتَّـى يَصلَ إلى اللَّهِ !
المُتَّقون هم.
قَومٌ قَعدتْ عنهـمُ الشهوَاتُ ؛ فصـحَّ قيامَهـمْ باللَّهِ.
(فَخَلِّ جِراحَك الدَّكناء) ورَاءَك !
تُلقي الشعائِرُ ملامِحَها في وُجوهِنا.
تَمتَزِجُ زَمزَمُ بِريقِ الحَجيج.
لا شيءَ مَرئِيَ في الحَج إلا المَناسِك.
لَكنَّك كُلما أصْغيتَ ؛ سَمعتَ صوتَ قَلبٍ يَمتلئ !
فيا لله.
كيفَ يَحتَفِي بِه الله.
ويَنْطِقُ مِنه الحَالُ ؛ { إَّنه كانَ بي حَفِيَّا } !
مَع كلِّ شعيرةٍ ؛ يَقلُّ اتِّساعُ الفَراغِ بَينَ الحَجيجِ وبينَ مناجَاةِ الله.
ويَبلغونَ مَقامَ { ولمْ أكنْ بِدعائِكَ ربِّ شقيًا } !
التَقِطِ المَعنَى من حِكايَة إبراهيمَ بنُ أَدْهَم.
يَنزلُ إلى السّوقِ، وكانَ مُسرفًا على نَفسِه، فَيجدُ ورقةً مُلقاةً على الأرضِ وقَد كُتبَ فيها اسمُ اللهِ تباركَ وتعالى ؛ والناسُ يَطَؤونَها بِأقدامِهم، وهم دَاخلونَ إلى السُوقِ وخَارِجونَ ما يَعلمون، فَأخذَ الورقَةَ، فنظرَ فإذا اسمُ الله فيه، فَبَكى، وقالَ: سُبحانَ الله يُهانُ اسمُك هنا؟ لا والله، فَرَفَعَ هذه الورقَةَ، وذهبَ بها، وطَيَّبَها، ورَفَعَها في بَيته، فَلما أمْسى ؛ سَمِع هاتِفاً يَقول:
يا مَنْ طيَّب اسمَ اللهِ، وعَظَّمَ اسمَ الله ؛ ليُعظِّمنَّ اللُه اسمَك !
فَهداهُ اللهُ إلى التَّوبةِ النَّصوح، وأصبحَ من زُهَّادِ الإسْلام، ومِن عبَّادِ الإسلامِ، وحينَ ماتَ ؛ اجتَمعتْ مَدينَتُه في جَنازَتِه أُلوفًا مُؤَلَّفَة من الأمَراءِ، وقَادَة الجَيش، والفُقراءِ والمَساكين، حتى وصَلوا المَقبرةَ ؛ وقدْ تَقطَّعت أحذِيَتُهم من كَثرةِ الزّحام !
يَتقهقَرُ الشَّيطانُ قبلَ الرَجْمِ.
تَمتَلئُ المَناسِك بِصوتِك.
وتَفهمُ ؛ لماذا اختُصَّ الحجُّ بالتكبير !
فتَعظيمِ الله.
هي اللَّحظةُ التي يُريدُ اللَه لكَ أن تَبلغَها.
وتدرِك بها.
أنَّه لا تَصِحَ لكَ عبُودِيَّةٌ ؛ ما دَامَ لِغيرِ الله في قَلبِك بَقِيَّة !
مختارات