الأصل الخامس والعشرون : ليس الشأن أن تحبه , إنما الشأن أن يحبك
الأصل الخامس والعشرون: ليس الشأن أن تحبه، إنما الشأن أن يحبك
فهل يحبك الله؟
إخوتى فى الله، والذى فلق الحبة وبرأ النسمة إنى أحبكم فى الله، وأسأل الله جل جلاله أن يجمعنا بهذا الحب فى ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.. أحبتى فى الله، الحب.. حب الله.. اللهم ارزقنا حبك وحب كل عبد صالح يحبك، وحب كل عمل صالح يقربنا إلى حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلينا من أهلينا وأنفسنا ومن الماء البارد على الظمأ.
أحبتى فى الله، يذكر ابن القيم أن الدنيا لا تقوم إلا على الحب، فكل حركة وسكنة فى الحياة إنما الدافع عليها الحب، وأصل الحب حب الله.. وليست القضية أن تعزم وتظل الليل والنعار تقول:
أحبك، وإنما الشأن أن يحبك هو، ولذلك اختار الله قوما، قدم حبه على حبهم، قال جل جلاله:
" يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه " (المائدة: 54)، فقدم حبه على حبهم له، فهو - سبحانه – أحبهم وبحبه لهم أحبوه، ولذلك فإن الأصل فى هذه القضية – أيها الأخ الكريم -: هل يحبك الله؟!!
هذا هو السؤال.. الله يحبك أم لا؟ سؤال يحتاج منك فعلا إلى إجابة.. هل تصلح؟.. هل تستحق؟!
مثال: لو قالوا: إن الممثلة الفلانية تحبك، فنراك تقول لأحد الناس: فلانة تحبنى، فينظر إليك متعجبا ويقول لك: تحبك أنت !! بماذا؟، وعلى أى شىء تحبك؟!!، ومن أنت؟!.. " وله المثل الأعلى فى السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم " (الروم: 27). فلو كنت جالسا مع الناس وقلت: إن الله يحبنى، سنقول لك أيضا: وعلى أى شىء يحبك، ولم يحبك؟ وبماذا يحبك؟ ومن أنت حتى يحبك؟!.. الله الكبير.. الله العظيم.. الله الجليل.. الله الملك المتعال يحبك أنت؟!!.. ماذا فيك يحب لأجل أن يحبك الله؟!!
سهل جدا أن تقول: أحبه، ولكن من الصعب أن تقول: يحبنى..
وإذا قلت: نعم يحبنى، فما طلبت منه شيئا إلا وأعطانيه، أقول لك: ليس شرطا.. فقد أعطى الكفار ما يريدون، فهل معنى ذلك أنه يحبهم؟! القضية إذا خطيرة، والكلام فيها وعنها أيضا خطير.
ويستدل ابن القيم – رحمه الله – لذلك فيقول: كيف وقد أعطى أبغض خلقه عنده.. يعنى: أن إبليس لما سأله الإنظار أعطاه له.. " قال أنظرنى إلى يوم يبعثون * قال إنك من المنظرين " (الأعراف: 14 – 15).. إبليس طلب فأعطاه الله فهل يحبه؟!.. لا.. فليس شرطا فى الإعطاء أن يحبك.. قد يعطيك لأنه يكرهك.. لا يريدك.. خذ ولا أريد أن أسمع صوتك..ولذلك فإن من الاصول المهمة: تمام الخذلان انشغال العبد بالنعمة عن المنعم.
هل يحبك الله، وهل تحب الله؟.. نعم: أحبه، إذا فما الدليل؟.. إن أى ولد ممن يجلسون على النواصى فيواعد البنت الفلانية، تجده وهو ذاهب لمقابلتها فى أحسن شكل، وقلبه يرفرف، ويكاد يطير فرحا.. فهل وانت قادم إلى الصلاة يرفرف قلبك فرحا لملاقاة ربك؟!!.. إن لم يكن فاعلم أنك لا تحبه.. هذا كلام منطقى.. إذا لم تكن سعيدا بلقاء الله، وانت فى بيت الله، ومع الله فأنت لا تحبه.
ولذلك فإن من ادعى محبة الله ثم مال بلقبه إلى الدنيا فهو كذاب.. نعم: إذا لم يرفرف قلبك بحبه فأنت كذاب..، المشكلة فى أن تحبه، المشكلة فى أن يحبك – الله أحبنا يا رب -، إذا أحبك نلت السعادة والوصول.
يقول ابن القيم: " فهى محبة تقطع الوساوس، وتلذذ الخدمة، وتسلى عن المصائب "..
فإذا أحبك انقطعت عنك الوساوس.. كثير من الشباب الملتزم اليوم مبتلى بالوسوسة.. نعم: لأنه لا يحب الله، ولو أحبه لانقطعت عنه الوساوس.. وسبب آخر هو: أن الموسوس دائما يسأل عن الوساوس ويشتكى منها – كما قلنا فى الأصل السابق.. اللهم إنا نسألك أن تعافى كل مبتلى مسلم.
أخى فى الله، لا يوسوس إلا فارغ، أما الذى قلبه ملآن ودماغه مشغول ففبم يوسوس؟ !، فهو منشغل بعيدا عن هذه الوساوس.. أنه مشغول بالله وبحب الله.
وحين يحبك الله يملأ قلبك بحبه فلا تنشغل بغيره – اللهم أحبنا يا رب -، فتجد نفسك مشغولا ليلا ونهارا به – سبحانه وتعالى.. ليس لك هم إلا الله سبحانه وتعالى والوصول إلبه، ونيل رضاه، فتعمل لخدمته، فتظل مشغولا به – سبحانه – وحده طيلة الوقت وطيلة العمر.
نعم: إذا أحبك شغل قلبك بحبه، وجوارحك بخدمته، وعقلك بالفكر فيه، ثم لا تجد فى نفسك بقية لغيره.. أول شىء فى الحب أن المحبة تقطع الوساوس.. اللهم ارزقنا حبك يا رب.
ثم إن الحب يلذذ الخدمة.. أحد إخواننا ذهب ليعتمر فكان يوم بخدمة المعتمرين.. أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم ومنه.. اللهم ارزقنا الحج والعمرة.. قلت له: اجعل قلبك – وانت تخدم إخوانك – مشغولا بالله.. واستشعر نظره إليك، لتزداد تلذذا وحبا فى الخدمة.
أخى فى الله، لو أنك أتيت برجل يشتغل عندك ليدهن لك هذه المكتبة مثلا وانت واقف خلفه، فسيظل يعمل بحذر وجد. فاجعل هذا إحساسك.. المراقبة.. واقف أنت امام حبيبك فهو ناظرك.. حبيبك الذى تشتغل له وتعمل له، استشعر مراقبته لك دائما، ساعتها ستعمل بحب وتلذذ، ليس على خوف وفقط، بل بحب، لأن حبيبك يراك، والمحب يحب أن يراه حبيبه دوما وهو يعمل له.
صليت مرة بالناس فأطلت الصلاة وقلت لهم: إن الناقد بصير (أعنى: أن الله ناظرنا).. ومررنا مرة على " استرجى " وقدامه الطقم " انتريه " وهو جالس يدهنه.. يمسك بالقطنة والريشة.. قلنا: ما لك لا تنتهى؟!، قال: إن صاحب الطقم يدقق جدا فى كل شىء.. أفهمت؟ !
ولذلك فإذا صليت فاعلم أن الله ينصب وجهه إلى وجهك فى صلاتك ما لم تلتفت.. إذا قمت للصلاة فاعلم أن الله ينظر إليك ويطالعك.. ولذلك كان الواحد من السلف إذا توضا اصفر لونه، وارتعش جلده، يقولون له: ما لك؟!، يقول: أتدرون بين يدى من سأقف؟!!!
ولذلك فإن من الاصول المهمة أيضا: الاستحضار الذهنى للعبادات قبل الدخول فيها، سبيل الاخلاص فيها.
أيها الاخ الكريم، الحب تلذذ الخدمة.. نعم: يلذذ الحب الخدمة.. تكون الخدمة لذيذة جدا.. قال أمير الشعراء عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم متلذذا له:
رضيّة نفسه لا تشتكى سأما وما مع الحب إن أخلصت من سأم
بكى أحد السلف عند موته، قيل: ما يبكيك؟، قال: " أبكى لأننى أموت ولم أشتف من قيام الليل ".. أبكى لأنى أموت ولم أشبع من قيام الليل.
وكان بعض السلف يقول عند موته: " اللهم إن كنت كتبت لأحد أن يصلى فى قبره فاجعلنى ممن يصلى فى قبره ".. لم يشبع من الصلاة ويريد أن يصلى أكثر.. قالوا هذا، لأنهم أحبوا الله، فاستحضروا العبادات ذهنيا.. اشتغلوا فى العبادات بمحبة، فانقطعت عنهم الوساوس وتلذذوا بالخدمة، وتسلوا بتلك المحبة عن كل المصائب والمتاعب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وجعلت قرة عينى فى الصلاة " [قال الألبانى حسن صحيح].. هذه هى اللذة الحقيقية، وهذا هو التلذذ فى الخدمة بحق.. فهل أحببت ربك فعشت هذا النعيم؟.. هل أحسست بحلاوة الحب ومتعته ولذته وجماله بعد أن كنت فى جاهلية؟..
كنت تأكل وتشرب وتهرج وتمشى مع البنات وتسمع الموسيقى وتدخل السينما وتذهب إلى المسرح وتدخل الملاهى وتسافر تصيف على البحر.. كنت فى جهل.. فى ضلال.. فى جاهلية عمياء، وتاب الله عليك ودخلت باب المسجد وبدأت تحب الله.. بدأت تحبه بعد حب البنات.. تحب المصحف بعد الموسيقى والاغانى.. بدات تصلى بعد الجلوس على المقاهى و " الشيشة ".. بدأت تمشى فى طريق الخير بعد ان كنت تمشى تعاكس الفتيات.. فأحسست بالفرق.. وعرفت النظافة وفهمت الطهارة.. فعشت الفرق.. فإذا أحسست بذلك وعشته فلا تستطيع أن تسكت.. لابد أن تنقل أحاسيسك هذه لغيرك.. لابد.
ولكن للأسف الشديد كثير منا حينما يلتزم ويريد ان ينقل أحاسيسه ينقلها بصورة غير لائقة فينفر الناس، ويكرههم فى الدين.. حرام هذا.. حرام.. غلط.. غلط شديد.. تجده يقول للناس: الشيخ الفلانى يحرم كذا وكذا.. فيكرهون الشيخ والدين.. لا.. ليس الأمر أن تتكلم عن غيرك، إنما الامر ان تنقل أحاسيسك انت.. قل لهم: هل تعرفون بماذا أشعر، ثم تنقل إحساسك إليهم.
قل لهم: وأنا ساجد أشعر بكذا، وأنا أقرأ كلام الله أحس بكذا.. حينما أذكر الله فأقول: سبحان الله العظيم وبحمده يمتلأ قلبى راحة واطمئنانا.. وبذلك تصل إلى قلوب الناس، أما إذا لم تحس بما تقول فأنت كذاب فى التزامك ولما تلتزم إلى الآن.. ولذلك أحس الجمال واستشعر حلاوة الايمان وطعم الايمان.. املأ قلبك بالمحبة لتتلذذ بالخدمة، وتتسلى بالمحبة عن المشاكل والهمو م.
ثم إن هذه المحبة تنشا من مطالعة المنة – كما يقول ابن القيم.. روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أحبوا الله لما يغذوكم به، أحبونى بحب الله " [ضعفه الألبانى].. أحب الله فهو الذى يطعمك وينفق عليك..
نعم: القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، فلو أن إنسانا أعطاك اليوم عشرة جنيهات، وغدا أعطاك عشرة أخرى، وبعد غد أعطاك مثلها أيضا.. وهكذا كل يوم يعطيك، وبعد العشرة أعطاك مئة، وبعدها ألفا، ثم مليونا.. وهكذا كل يوم فى زيادة، فلا شك أنك تحبه حبا شديدا، فكيف بك لو كان المعطى هو الله؟!.. فالله – سبحانه وتعالى – أعطاك ملايين مملينة، فكم تساوى عينك وكم يساوى سمعك.. وكم تساوى الدنيا إن فقدت عينيك؟ !!
الله – سبحانه وتعالى – أعطاك ولا يزال يعطيك.. فالهواء الذى تتنفسه لو كان النفس منه بعشرة قروش، فكم تدفع كل يوم؟!.. لو كنت تدفع كما تدفع لعداد الكهرياء أو فاتورة الهاتف، فكم كنت ستدفع مقابل هذا الهواء؟!.. لو أن الله يحاسبك ويأخذ منك مالا على أنه يمكنك من التكلم والسماع فكم كنت تدفع؟!.. أنطقك وخلقكم ولا يريد منك شيئا، " قالوا أنطقنا الله الذى أنطق كل شىء "
(فصلت: 21).. اللهم كما أنطقتنا بقدرتك وعظمتك امنن علينا بحبك.. وامنن علينا بمطالعة نعمك لنحبك.. اللهم ارزقنا حبك يا رب.
ماذا كنت تصنع – أخى فى الله – لو كان هناك فاتورة على كل نعمة من هذه النعم؟!!.. فطالع نعم الله، واشكره عليها، وأحبه من كل قلبك، فلا شك أن من يطالع نعم الله عليه تترى فيراها بقلبه وعينه – لا شك أنه سيذوب حبا فى الله.. فهو سبحانه – يعطيك ولا ينتظر منك شيئا، عكس المخلوق تماما، فالتجار جمعيا يتعاملون معك ليربحوا منك، أما الله: فهو سبحانه – وحده الذى يتاجرمعك لتربح عليه.. يعطيك حين يجد فى قلبك حبا له، فأحببه فهو المعطى.. أحببه ليعطيك.. أحببه ليحبك.
الشاهد: أن المحبة تنبت من مطالعة المنة، قال الله: " فاذكروا آلاء الله " (الأعراف: 74).. ذكر النعم ينبت المحبة.
والدى – اللهم ارحمه وموتى المسلمين – كان إذا تعب يقول له الناس: مالك؟ فيقول: الحمد لله، لا تقل مالك؟ لأن بعض الناس إذا قلت له: مالك؟ يقول: عندى صداع، والصداع جاءنى بسبب ارتفاع الضغط، وارتفاع الضغط أصله تعب فى النعدة، وسبب ارتفاع النبض ارتفاع النبض ارتفاعا فى درجة الحرارة.. ويظل يعدد وكانه يشتكى ربه للناس.. فوالدى – يرحمه الله – يقصد: أن لا تفتح للناس باب الشكوى، ولكن افتح لهم باب ذكر النعم.
تجد الناس إذا سألتهم: كيف الأخبار؟ يقولون لك: لبنت مريضة، وزوجتى لا أدرى ماذا بلاها.. ونحن نسكن فى الدور الارضى، والارضى فيه رطوبة، ثم إن الجيران فى وجوهنا فلا نستطيع أن نفتح الشباك، والاطفال يلعبون فى الشارع يزعجوننا.. وهكذا.. شكوى.. شكوى.. فيعيشون يشتكون دوما !!
سبحان الله !، هل وجدت إنسانا تجلس معه فيقول: عن الله أعطانى.. وأعطانى؟!.. هل فعلت أنت؟!.. هل جلست مع الناس مرة وقلت: والله العظيم إن الله أكرمنى.. فقد كنت فقيرا لا أجد لقمة فأعطانى، وأغنانى.. الحمد لله نجانى ولم اكن أستحق.. لم أكن أستاهل، ولكنه – سبحانه – وهبنى زوجة صالحة، وأعطانى شقة، ووهبنى أولادا، وصحتى والحمد لله ممتازة.. الحمد لله الحمد لله عملى هادىء فزملائى يحبوننى.. والفضل لله، والمرتب كاف.. وبفضل الله، الامور على ما يرام.. هل جلس معك أحد فقال لك هذا الكلام ؟!!
انك اليوم فى كل مجالسك تشتكى للناس الصداع والمشاكل والمغص والزوجة والعيال والبيت والشغل والهم والنكد.. رغم ان الله امر بالعكس قال – تعالى – " وأما بنعمة ربك فحدث " (الضحى: 11).. فأين حديثك بالنعمة؟! اين حبك؟!.. الحب ينبت من مطالعة المنة.
كنت مرة اقوم بعمرة – واقول لذلك لاعلمك كيف تعمل – كنت مريضا بعض الشئ ولله الحمد والمنة – فبعد انه طفت وجدت ان رجلى تؤلمنى فلا استطيع ولا اقدر فأجرت كرسيا – ويؤجر هناك بخمسين او بخمسة وخمسين ريالا – لأسعى به.. فإذا بى وأنا عليه مستريح انظر الى الناس فأجد امراة مسكينة لا تقدر على المشى تستند الى سور الصفا والمروة.. فقلت لها وأنا راجع: انتظرى لحظة، تعال يا بنى اعطنى كرسيا، وقلت لها: اركبى قالت: ليس معى مال قلت: انا دفعت قالت: كم انت كريم يارب.. انت ترانى وتعرف حالى واعطيتنى كرسيا.. انا احبك يارب.
فكم تساوى هذة الكلمة – اخواتاه -؟!.. وكم يساوى ان تجعل احدا ينطق بحب الله؟!.. والله ملايين الدنيا لا تساويها.. ربنا اكرمنى واعطانى كذا وكذا، وعمل لي كذا وكذا، وطلبت منه كذا فوهبنى كذا، وسترنى فى كذا، وعافانى من كذا وكذا.. هكذا يكون التحدث بالنعم، ولايكون كل كلامنا ان نشتكى.. هذا ما اريد ان أؤصله فيكم، واريدكم ان تعملوا به.. ان تجعلوا الناس يحبون الله.
وإذا كانت المحبة تنبت بمطالعة المنة، فإنها تثبت باتباع السنة – اللهم ارزقنا اتباع السنة يارب، اللهم إنا نسألك اتباع السنة وفعل السنة.. نعوذ بك اللهم من البدع واهلها.. المحبة تثبت باتباع السنة.. كن خلف النبى محمد صلى الله عليه وسلم تصل.. كن واحدا لواحد على طريق واحد تصل.. كن شخصا واحدا ليس بوجهين فأخلص.. " لواحد " اى: الزم التوحيد.. على طريق واحد هو اتباع السنة، على طريق النبى محمد صلى الله عليه وسلم تثبت ولا تتلون ولا تتغير ولا تحيد او تتحول.. اثبت على الطريق السنى – اللهم ارزقنا الثبات على الدين.
وتنمو المحبة على الإجابة بالفاقة.. لابد أن تظهر فقرك وضعفك وذلك ومسكنتك بين يدى الله.. بعضنا – يا شباب – يظن أنه " فتوة ".. ما لا يكون بالله لا يكون بغيره، قال - تعالى -: " وما تشاءون إلا أن يشاء الله " (الإنسان: 30)، ولذلك تنمو المحبة بإظهار الفاقة والضعف والفقر والذل والمسكنة.
شيخ الإسلام ابن تيمية رأى إنسانا يقف تحت حر الشمس حاسر الرأس حافيا، فسأل عنه فقالوا له: إنه نذر أن لا يجلس فى الظل، فقال شيخ الإسلام: " يا جاهل، هذا تقاو على الله ".. أتتقاوى على الله؟!!.. قال لك الله: البس وتستر واركب، فلماذا تتقاوى عليه؟!!.. لا تتقاو بنفسك على الله، قال – تعالى -: " إنما الصدقات للفقراء " (التوبة: 60)، فأظهر فقرك ليتصدق الله عليك.. أظهر ضعفك ليرحمك.
يقول ابن الجوزى: " تضاعف ما أمكنك، فإن اللطف مع الضعف أكثر ".
كلما أظهرت ضعفك كلما لطف بك، ولا تقل: أنا أستطيع أن أواجه كذا وأقدر على كذا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تتمنوا لقاء العدو، لكن اسألوا الله العافية " [متفق عليه].. اللهم إنا نسألك العافية فى الدنيا والآخرة.. فإياك أن تعتقد أنك " فتوة "..
إن البعض يقول: تخاف علينا من الجامعة بسبب الاختلاط.. لا.. لا يهمنى الاختلاط.. فلو كان أمامى ألف عارية فلن تهزمنى شعرة.. أقول: اللهم تب عليك.. كثير من الناس يقول هذا الكلام ويعمل به ولا يظهر ضعفه، فيعتمد على نفسه، فيكون أول من تندق عنقه بم لا يخشاه أو يحذره.. نعم: يكون أول الواقعين فى الفتنة.
فالجأ إلى الله وافتقر إليه فأنت ضعيف.. " وخلق الإنسان ضعيفا " (النساء: 28)، خلقك الله ضعيفا لتفر إليه.. قال ابن تيمية فى تفسيرها: " ضعيفا أمام شهوة فرجه "، إن اعتمادك على نفسك فى مواجهة الفتن أعظم عند الله وأشد إثما من الذنب نفسه.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم لا تكلنى إلى نفسى طرفة عين أبدا " [حسنه الألبانى].. فاللهم لا تكلنا إلى أنفسنا فتهلكنا.. لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك.. آميـــــن.
أخى فى الله، حبيبى فى الله، يا من أنت مشغوف بالوصول إلى الله إذا كنت تحب ربك فسل نفسك: هل يحبك؟!، فليس الشأن أن تحبه، إنما الشأن أن يحبك.. والعلامة أنه إذا أحبك شغلك به وحده فعشت له وبه.. إذا أحبك شغل قلبك بحبه، وجوارحك بخدمته، وعقلك بالفكر فيه، ثم لا تجد فى نفسك بقية لغيره.. فانظر أين قدمك.. إذا أحبك وضع قدمه فى المواطن التى يرضاها.. نعم: إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر أين أقامك؟!
علامات حب الله – تعالى – للعبد:
1 – اتباع النبى صلى الله عليه وسلم.
قال الله – تعالى - " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم " (آل عمران: 31).
2 – الذلة على المؤمنين.
3 – العزة على الكافرين.
4 – المجاهدة فى سبيل الله.
5 – عدم خوف اللوم فى الله.
وجمع هذه الأربع قول الله – تعالى -: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم " (المائدة: 54).
6 – التقرب إلى الله بالنوافل.
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله – تعالى – قال: من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلىّ عبدى بشىء أحب إلىّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدى يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذى يسمع به، وبصره الذى يبصر به، ويده التى يبطش بها، ورجله التى يمشى بها، وإن سألنى أعطيته، ولئن استعاذنى لأعيذنه " [أخرجه البخاري].
7 – القبول فى الأرض.
عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الله – تعالى – العبد نادى جبريل: إن الله – تعالى – يحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل فينادى فى أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول فى الأرض " [أخرجه البخاري].
وفى رواية لمسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله – تعالى – إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: إنى أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل ثم ينادى فى السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له اتلقبول فى الأرض. وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إنى أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل ثم ينادى فى أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء فى الأرض " [أخرجه مسلم].
8 – التعبد لله – تعالى – بأسمائه وصفاته.
عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية فكان يقرأ لأصحابه فى صلاتهم فيختم بـ " قل هو الله أحد "، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " سلوه لأى شىء يصنع ذلك " ؟، فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أخبروه أن الله – تعالى – يحبه " [متفق عليه].
ففتش – أخى – فى نفسك عن علامات حب الله لك.. فليست القضية فى الدعاية أنك تحبه، ولكن الشأن كل الشأن فى أن يحبك هو.. فاعلم أن القضية يتعلق بعضها ببعض، فإنك لن تحبه حتى يحبك فيجعلك تحبه ثم يثيبك على حبك حبا ثانيا منه – سبحانه وتعالى.. فحبك محفوف بين حبين منه – سبحانه وتعالى -، حب قبله وحب بعده.. ولكن صلاحية المحل وأهلية الشخص.. فهل تصلح أن تكون حبيب الله؟.. بادر والله كريم.
* * *
مختارات