آفة الرياء
قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (٧)} [الماعون: ٤ - ٧].
وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (١٤٢)} [النساء: ١٤٢].
الله عزَّ وجلَّ أغنى الأغنياء عن الشرك، فلا يقبل من الأعمال إلا ما كمل وخلص من شوائب الشرك والرياء.
والرياء حرام، والمرائي عند الله ممقوت.
والرياء من أعظم آفات النفس وأشد غوائلها.
وأكثر ما يبتلى بالرياء العلماء والعباد والأغنياء والمجاهدون، والمشمرون عن ساق الجد لسلوك سبيل الآخرة.
فإن هؤلاء مهما قهروا أنفسهم وجاهدوها، وفطموها عن الشهوات، وصانوها عن الشبهات، وحملوها على أصناف العبادات إلا عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة، فطلبت الاستراحة إلى التظاهر بالخير، وإظهار العلم والعمل، فسارعت إلى إظهار الطاعة، وتوصلت إلى اطلاع الخلق ولم تقنع باطلاع الخالق، وفرحت بحمد الناس، ولم تقنع بحمد الله وحده.
وعلمت أنهم إذا عرفوا تركه الشهوات، وتوقيه الشبهات، وتحمله مشاق العبادات، أطلقو ألسنتهم بالمدح والثناء، ونظروا إليه بعين الوقار والتعظيم، وبالغوا في إطرائه، وتبركوا بمشاهدته، ورغبوا في بركة دعائه، وحرصوا على اتباع رأيه، وفاتحوه بالخدمة والسلام، وأكرموه في المحافل غاية الإكرام، وقدموه في المجالس، وسامحوه في البيع والمعاملات، وتصاغروا له متواضعين.
فأصابت النفس في ذلك لذة هي أعظم اللذات، وشهوة هي أغلب الشهوات، فاستحقرت فيه ترك المعاصي، واستلانت خشونة المواظبة على العبادات؛ لإدراكها في الباطن لذة الشهوات، فهو يرى أنه مخلص في طاعة الله، مجتنب لمحارم الله، والنفس قد أبطنت هذه الشهوة تزيناً للعباد، وتصنعاً للخلق، وفرحاً بما نالت من المنزلة والوقار، وأحبطت بذلك ثواب الطاعات، وأجور الأعمال، وقد أثبت اسمه في صحيفة المنافقين وهو يظن أنه عند الله من المقربين، وهذه مكيدة للنفس لا يسلم منها إلا الصديقون.
فالرياء هو الداء الدفين، وهو أعظم شبكة للشياطين في إفساد أعمال المؤمنين. وحد الرياء: ترك الإخلاص في العمل بإرادة العامل بعبادته غير وجه الله تعالى كأن يقصد اطلاع الناس على عبادته وعمله فيحصل له منهم نحو مال أو جاه أو ثناء.
وللمرائي أربع علامات:
يكسل إذا كان وحده.. وينشط إذا كان في الناس.. ويزيد في العمل إذا أثني عليه.. ويُنقص العمل إذا ذُم.
والرياء مشتق من الرؤية، والسمعة مشتقة من السماع، والرياء أصله طلب المنزلة في قلوب الناس بإيرائهم خصال الخير، إلا أن الجاه والمنزلة تُطلب في القلب بأعمال سوى العبادات، وتطلب بالعبادات.
واسم الرياء مخصوص بحكم العادة بطلب المنزلة في القلوب بالعبادة وإظهارها.
فحد الرياء: هو إرادة العباد بطاعة الله.
فالمرائي هو العابد.. والمراءى هو الناس المطلوب رؤيتهم للظفر بالمنزلة في قلوبهم.. والمراءى به هو الخصال والأعمال التي قصد المرائي إظهارها.. والرياء هو قصده إظهار ذلك.
والمراءى به كثير، وتجمعه ستة أشياء، وهي مجامع ما يتزين به العبد للناس وهي: البدن.. والزي.. والقول.. والعمل.. والأتباع.. والأشياء الخارجة.
مختارات