سورة البفرة من الآية 26 إلي الآية 40
٢٦- {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} لما ضرب الله المثل بالعنكبوت في سورة العنكبوت، وبالذباب في سورة الحج - قالت اليهود: ما هذه الأمثال التي لا تليق بالله عز وجل؟! فأنزل الله (إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) من الذباب والعنكبوت (١).
وكَان أبو عبيدة [رحمه الله] يذهب إلى أن " فوق " هاهنا بمعنى " دون " على ما بينا في كتاب " المشكل " (٢).
فقالت اليهود: ما أراد الله بمثل يُنكره الناسُ فَيَضِلُّ به فريق ويَهْتدي به فريق؟ قال الله: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ}
٢٧- {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} يريد أن الله سبحانه أمرهم بأمور فقبلوها عنهُ، وذلك أخذ الميثاق عليهم والعهد إليهم. ونقضهم ذلك: نَبْذُهم إيّاه بعدَ القبول وتركهم العمل به.
٢٨ - {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا} يعني نطفا في الأرحام. وكُلّ شيء فَارَقَ الجسد من شعر أو ظُفُرٍ أو نطفة فهو ميتة.
{فَأَحْيَاكُمْ} في الأرحام وفي الدنيا.
{ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} في البعث. ومثله قوله حكاية عنهم: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} (٣)
فالميتة الأولى: إخراج النطفة وهي حية من الرجل، فإذا صارت في الرحم فهي ميتة؛ فتلك الإماتة الأولى. ثم يحييها في الرحم وفي الدنيا، ثم يميتها ثم يحييها يوم القيامة.
٢٩- {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} عَمَدَ لها. وكل من كان يعمل عملا فتركه بفراغ أو غير فراغ وعمد لغيره، فقد استوى له واستوى إليه (١).
وقوله: {فَسَوَّاهُنَّ} ذهب إلى السماوات السبع.
٣٠ - وقوله: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} أراد: وقال ربك للملائكة، و " إذْ " تزاد والمعنى إلقاؤها (٢) على ما بينت في كتاب " المشكل " (٣).
{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} يرى أهلُ النظر من أصحاب اللغة: أن الله جل وعزّ قال: إني جاعل في الأرض خليفة يفعل ولده كذا ويفعلون كذا. فقالت الملائكة: أتجعل فيها من يفعل هذه الأفاعيل؟ ولولا ذلك ما علمت الملائكة في وقت الخطاب أن خليفة الله يفعل ذلك. فاختصر الله الكلام على ما بينت في كتاب " المشكل ".
٣١- {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} يريد أسماء ما خلق في الأرض (٤).
{ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ} أي عرض أعيان الخلق عليهم {فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ}
٣٥- {وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا} أي رزقًا واسعًا كثيرًا (١). يقال: أرْغَدَ فلان إذا صار في خصب وسعة.
٣٦- {فَأَزَلَّهُمَا} من الزلل بمعنى اسْتَزَلَّهُمَا تقول: زلّ فلان وأزْلَلْتُه. ومن قرأ: " فأَزَالَهُمَا " أراد نَحّاهما (٢)، من قولك: أزلتك عن موضع كذا أو أزلتك عن رأيك إلى غيره.
{وَقُلْنَا اهْبِطُوا} قال ابن عباس - في رواية أبي صالح عنه -: كما يقال: هبط فلان أرض كذا (٣).
{بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} يعني الإنسان وإبليس ويقال: والحَيَّة (٤).
{وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} موضع استقرار.
{وَمَتَاعٌ} أي مُتْعة.
{إِلَى حِينٍ} يريد إلى أجل.
٣٧- {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} أي قبلها وأخذها، كأن الله أوحى إليه أن يستغفره ويستقبله بكلام من عنده (٥) ففعل ذلك آدم {فَتَابَ عَلَيْهِ} (٦)
وفي الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله كان يتلقى الوحي من جبريل؛ أي يَتَقَبَّله ويأخذه.
٤٠- {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي} أي: أوْفُوا لي بما قبِلتموه من أمري ونَهيي.
{أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} أي: أوف لكم بما وعدتكم على ذلك من الجزاء.
مختارات