اجتناب الزنا
{ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } (الفرقان 68)
لا زلنا نعيش مع عباد الرحمن، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.
وقد حدثنا الله عن حالهم في أنفسهم أنهم { يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا }،
وأما حالهم مع الناس فهو حال من لا يشغل نفسه بالسفهاء ولا يخاطب الجاهلين إلا سلاما
{ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا } وعن حالهم مع الله { وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا }
وعن خوفهم من عذاب الله ورجائهم في عفوه ورحمته { والذينَ يَقولونَ رَبنا اصرِف عنّا عَذابَ جَهنّم إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا }
ثم وصف حالهم في أموالهم فقال تعالى:{ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }
وبعد كلامنا عن التوحيد واجتناب القتل نتحدث اليوم عن صفة أخرى داخلة في المنهيات وهي اجتناب الزنا (وَلَا يَزْنُونَ)
فالإسلام دين الطهر والعفة والنقاء، جاء لينظم الغريزة البشرية ويهذبها ويجريها في مجراها الطبيعي.
يقول ابن القيم رحمه الله:
[أصول المعاصي كلها ثلاثة: تعلق القلب بغير الله، وطاعة القوة الغضبية، وطاعة القوة الشهوانية.
فغاية التعلق بغير الله الشرك وأن يدعوا مع الله إلها آخر.
وغاية طاعة القوة الغضبية القتل.
وغاية طاعة القوة الشهوانية الزنا]
ومن هنا نهى الإسلام عن الزنا ونهى عن كل ذريعة توصل إليه أو تقرب منه، فحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية، وحرم النظر بشهوة، وحرم التبرج بالزينة،
بتطهير البيئة الإسلامية من أسباب الإغراء والفساد.
وحرم الإسلام كل ما يغري الناس بالفواحش؛ فلا تظهر في المجتمع المسلم صورة عارية، ولا أغنية ماجنة، ولا أدب مكشوف.
وحرص الإسلام على إقامة سياج كبير أو سور عال يحول بين المسلم وبين وقوعه في فاحشة الزنا، فبدأ بتربية الفرد على أن يعف نفسه بغض بصره،
سواء كان رجلًا أم امرأة
{ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } (النور/30:31)
وأمر المسلم أن يستعف حتى يجد القدرة على الزواج الحلال
{ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } (النور:33)
وروى الترمذي من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: تقوى الله وحسن الخلق. وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: الفم والفرج "
لماذا حرم الإسلام الزنا؟
حرم الإسلام الزنا واعتبره من كبائر الإثم لمصلحتنا ؛ فليس لله حاجة في أن يحلل أو يحرم، إن الله لا تنفعه طاعتنا ولا تضره معصيتنا،
وإنما يحلل الطيب ويحرم الخبيث.
فإذا حرم الزنا فهو لتزكية الإنسان والسمو به، إنه يريد أن يحمي إيمان المؤمن فلا يكون إلا عبدًا لله، لا عبدًا للغريزة، ولا عبدًا للشهوة، ولا عبدًا للمرأة،
ولا لأي شيء، إلا أن يكون عبدًا لله تبارك وتعالى.
ومن هنا جاء الحديث: (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ) رواه البخاري ومسلم.
لأنه في حال الزنا ينزع منه الإيمان ؛ فالإيمان سربال (قميص) يسربله الله من يشاء، فإن زنى ينخلع عنه هذا السربال ويكون عليه كالظلة،
فإذا تاب رجع إليه سربال الإيمان.
كما جاء في الحديث عن أبي هريرة: (إذا زنا أحدكم خرج منه الإيمان وكان عليه كالظلة،فإذا انقلع رجع إليه الإيمان) رواه أبو داود.
إنه يريد أن يحمي المؤمن، ويريد أن يحمي أخلاقه، لا يريد أن يكون المؤمن كالحيوان يفعل ما يشتهي، وما يوسوس إليه الشيطان، ونفسه الأمَّارة بالسوء.
وقد مَيَّزَ الله الإنسان بالعقل ليفكر قبل أن يقدم على أي أمر، ويفعل ما ينبغي وبحكمة مستنيرًا بنور الشرع وهدايته.
ومع حرص الإسلام على العناية بأخلاق المسلم وحماية أخلاقه فإنه يريد أن يحمي صحته،
لأن المجتمع إذا أطلقت فيه الغرائز انتشرت فيه الأمراض المعدية انتشار النار في الهشيم،
وقد ابتلى الله الزناة بالأمراض الجنسية الخطيرة كالسيلان والزهري.
هذه الأمراض الخطيرة سلطها الله على الناس جزاء خروجهم على الفطرة التي فطر الناس عليها، وهي أن يكون للمرأة رجلا واحدا من خلال الزواج،
ليكوّنا الأسرة التي هي نواة المجتمع.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من وقوع سخط الله عند انتشار الفواحش فقال:
(لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم) رواه الحاكم وصححه الألباني.
فالإسلام حرم الزنا لمصلحة الفرد وسلامته وسلامة المجتمع، ومن هنا شَرِعَ الله النكاح وحَرِّمَ السِّفَاح، وحَمَى الإنسان من اختلاط الأنساب.
يخرج الطفل إلى الدنيا لا يدري من أبوه؟
ويتشكك الأب أهذا الذي يربيه ابنه أم ابن غيره؟
ومن تلبيس إبليس أن كثير من الناس يظنون أن الملتزمين بهذا الدين يعيشون حياة كآبة لا فرح فيها ولا مرح، وأن كل الفرح والمرح في معصية الله،
ولا يعرف هؤلاء الجهلاء كم يعيش العصاة في حزن وشقاوة.
فالبلاد الغربية رغم ما فيها من حرية الحب، هي أكبر البلاد نسبة في الانتحار.
إذن لم يحل القوم المشكلة، إنهم كلما ازدادوا شربًا ازدادوا عطشًا، فلا حل ولا استقرار إلا داخل الإطار الصحيح وهو الزواج.
الشذوذ الجنسي (السحاق):
وهو صورة من صور انتكاس الفطرة قديمًا وحديثاً، وهو عبارة عن اشتهاء الرجل للرجل واشتهاء المرأة للمرأة، وعقوبته مثل عقوبة الزنا.
وفي هذه القضية نقول: إن الحياة لا تقوم إلا على زوجين مختلفين هما الذكر والأنثى، لا على مثلين متشابهين،
فاستغناء الرجال عن النساء، أو استغناء النساء عن الرجال، يعني فناء البشرية.
فالأصل في الإنسان أنه مجبول على أن يميل إلى الجنس الآخر، فالرجل يميل إلى المرأة، والمرأة تميل إلى الرجل، ولا يستغني أحدهما عن الآخر.
والله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من ذكر وأنثى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى }.
وفي آية أخرى: { وجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إلَيْهَا }.
والقرآن ذكر أن الكون قائم على الزوجية، وليس على المِثلية، وقاعدة الزوجية قاعدة كونية
{ سبْحَانَ الَذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ ومِنْ أَنفُسِهِمْ ومِمَّا لا يَعْلَمُونَ }
، { ومِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ }
فكل ما يضاد الفطرة ليس من ورائه مصلحة لا للإنسان ولا لغيره من الأحياء.
وقد حكى القرآن الكريم لنا قصة قرية ارتكبت الخبائث وهي قرية قوم لوط الذين قال لهم نبيهم:
{ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ العَالَمِينَ وتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ }
ووصفهم بالعدوان والجهل وبالإسراف { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ }
وفي آية أخرى وصفهم بالإفساد { قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى القَوْمِ المُفْسِدِينَ }
وقد عاقب قوم لوط وخسف بهم الأرض، فقد جعل عاليها سافلها وأمطر عليها:
{ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ، مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ }،
كل حجر ذهب لصاحبه ليصيبه، فالحجارة للأشخاص، والبلدة أصبح عاليها سافلها، وما حدث لهذه القرية يجب أن يكون مَثَلًا وعبرةً للناس إلى يوم القيامة؛
حيث يظل التهديد الإلهي قائمًا بنص قوله تعالى: { ومَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ }..
هل باب التوبة مفتوح أمام العصاة؟
نعم مفتوح أمام العصاة، فبإمكانهم أن يتوبوا إلى الله وباب التوبة مفتوح:
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً }
وفي صفات عباد الرحمن التي نتناولها يقول تعالى:
{ والَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهاً آخَرَ ولا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بِالْحَقِّ ولا يَزْنُونَ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً *
يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ ويَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إلاَّ مَن تَابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }
وسوف نتكلم إن شاء الله عن التوبة.
نسأل الله لشبابنا عفة يوسف عليه السلام وطهارة مريم عليها السلام.
وأن ييسر الزواج وأن يكثر من نسل المسلمين.
مختارات