يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من عدّ كلامه من عمله فقد نجا:
أيها الأخوة الكرام، مع درس جديد من دروس يا أيها الذين آمنوا آية اليوم:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾
(سورة الأحزاب)
أولاً:
(لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ)
[أحمد عن أنس بن مالك]
(إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ)
[رَوَاهُ البُخَارِيُّ وأحمد عن أبي هريرة]
قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة:
(وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِم)
[أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجه والحاكم عن معاذ]
من عدّ كلامه من عمله فقد نجا، لك أحوال ولك أعمال، كلامك من عملك، كلامك جزء من عملك، الكلمة الطيبة ترقى عند الله إلى أعلى عليين، والكلمة الخبيثة يهوي الإنسان بها إلى أسفل سافلين:
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ (25) ﴾
﴿ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) ﴾
(سورة إبراهيم)
الكلمة الخبيثة مالها أصل هي معصية، أما الكلمة الطيبة أصلها ثابت، أساسها مؤمن صادق يحب الخير، يحب الرحمة.
الحق ثابت و الباطل زائل:
أيها الأخوة، الآية الكريمة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) ﴾
(سورة الأحزاب)
ما معنى القول السديد؟ قال: القول الحق، ما الحق؟ الحق لابس خلق السماوات والأرض، آيات كثيرة جداً:
﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ﴾
(سورة الأنعام الآية: 73)
أي أن الحق لابس خلق السماوات والأرض، أي رافق خلق السماوات والأرض، أي أن السماوات والأرض خلقتا بالحق، ما الحق؟ قال الشيء الثابت والهادف، لأن الباطل يقابل الحق:
﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾
(سورة الإسراء)
الباطل زاهق، أي جدار لم يبنَ على الشاقول جدار مائل، هذا الجدار الذي لم يبنَ على الشاقول لم يكن حقاً بل هو باطل لأنه آيل إلى السقوط وكل شيء خلاف الحق زائل، أي كم فرقة ضالة في تاريخ المسلمين في الألف والأربعمئة عام؟ كم فرقة ضالة ظهرت وقويت ثم تلاشت؟ باطلة، البلاد التي رفعت شعار لا إله تداعت من الداخل:
﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾
(سورة الإسراء)
الإسلام هو الدين الأول في النمو لأنه من عند الله عز وجل:
أي شيء خلاف الحق فهو زائل، الباطل زائل، الحق ثابت، الدين لأنه من عند الله، العالم كله يحاربه من دون استثناء، وأي إنسان يظهر أنه مسلم تتعطل مصالحه في الأرض، ومع ذلك الدين الأول في النمو هو الإسلام.
كنت في فرنسا فأعلموني بشكل علمي أنه يدخل في الإسلام كل يوم خمسون فرنسياً من أصول فرنسية يومياً، فيها ألفان وسبعمئة مسجد، ومقدرين بعام ألفين وعشرين أن الإسلام في فرنسا هو الدين الأول، في بريطانيا كذلك، في أمريكا كذلك، الدين الأول في الانتشار لأنه حق، وكم فرقة ضالة لا تعد ولا تحصى؟ و هناك فرق ضالة في شرق آسيا استلمت الحكم القاضيانيون هؤلاء يلغون الجهاد، ولعبوا بدين الله، وبشروا بدين يأتي بعد رسول الله، تلاشوا:
﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾
(سورة الإسراء)
عدم ظهور أي حقيقة تناقض القرآن الكريم لأنه من عند الخالق سبحانه:
الآن لأن الدين حق أي جهة في الأرض تحاول قمعه، كأنها تطفئ النار بالزيت، يزداد قوة، ويزداد تأصيلاً، فلذلك ما الحق؟ الشيء الثابت، الراسخ، المستمر، الأبدي، فهنيئاً ثم هنيئاً ثم هنيئاً لمن كان مع الحق، ولمن ربط نفسه بالحق، ولمن جعل مصيره الحق:
(ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء)
[مختصر تفسير ابن كثير]
فالحق ثابت، أي تعيش ثمانين سنة لا يمكن أن يظهر في العالم كله كشف علمي يناقض القرآن، فالتطور الذي أصاب العلم في الخمسين سنة الأخيرة يزيد على التطور الذي طرأ على العالم من آدم إلى قبل خمسين سنة، ومع هذا التطور المذهل لم تظهر حقيقة تناقض القرآن الكريم، يعني أنتم أيها الأخوة تتمتعون بنعمة لا يعرفها إلا من فقدها ؛ أنا أسميها نعمة الأمن العقدي.
وقوع الوعد والوعيد في القرآن الكريم هو أكبر دليل على أنه كلام الله:
الحقائق التي جاء بها القرآن لا يمكن أن يظهر في المستقبل أنها غير صحيحة، بينما أي مذهب آخر أرضي أصحابه يكتشفون بعد فوات الأوان أنهم كانوا على وهم كبير، حتى إنني سمعت أن رئيس الوزراء في فرنسا انتحر، وهو من أصول فرنسية راقية جداً، ولم يثبت أنه وقع في فضيحة مالية أو أخلاقية، وكتب عن سبب انتحاره أكثر من مئة صحفي ما أحد اهتدى إلى سبب انتحاره إلا صحفي واحد، هذا الرئيس كان ملحداً يبدو أنه اكتشف بعد سبعين سنة من حياته أنه كان واهماً فاحتقر نفسه، أنت كمسلم تتمتع بنعمة والله لا تقدر بثمن، عندك أصول عقدية، هذا الكون له إله والإله عادل، وقد ترى كل يوم ما يؤكد هذه الحقيقة، هذا الكون له إله وهذا الإله رحيم، وقد ترى كل يوم ما يؤكد هذه الحقيقة، يعني أي حدث يطرأ في الأرض يؤكد ما في القرآن الكريم، بل إن من أدق تعريفات التأويل في القرآن الكريم، تأويل القرآن الكريم وقوع الوعد والوعيد، حينما ترى إنساناً يملك ملايين مملينة، وثروته تزداد بشكل عجيب، ثم يفقد كل ماله، لأنه كان مرابياً، الله قال:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (276) ﴾
(سورة البقرة: الآية 276)
فوقوع الوعد والوعيد في القرآن الكريم هو أكبر دليل على أنه كلام الله، المؤمن يتمتع بأمن عقدي، يعني القرآن وما صحّ من السنة قدما تفسيراً عميقاً دقيقاً متناسقاً لكل شيء في الكون، للكون والحياة والإنسان، هذه فلسفة الإسلام، كل إنسان ينطلق من فلسفة ولو كان أمياً، مثلاً شاعر جاهلي انكب على الشهوات والملذات بشكل عجيب فانطلق من بعض أبياته:
فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي فدعني أبادرها بما ملكت يدي
* * *
الدول الطاغية الجبارة تبني مجدها على أنقاض الآخرين:
لا يوجد إنسان يتحرك إلا وينطلق من فلسفة، هؤلاء الذين يبنون مجدهم على أنقاض الشعوب، يبنون أمنهم على خوف الشعوب، يبنون غناهم على إفقار الشعوب، هؤلاء ينطلقون من فلسفة، من نظرية دارون ليس هناك إله، فإذا شخص اعتقد أنه ليس هناك إله لا يوجد داعٍ أن ينضبط أبداً، يمكن أن يبني مجده الشخصي على مليون شخص يقتلهم، لذلك مما يقال: أفضل وسيلة لمعالجة الفقراء قتلهم، اقتلهم وترتاح منهم، هذا الذي يفعله أهل الغرب، عندما تأتي الأخبار بتدمير، هناك مليون قتيل، مليون معاق، خمسة ملايين شريد، العالم الغربي مرتاح هذا الذي يريده، هذا العالم الثالث عبء عليه، لأنه انطلق من فلسفة ليس هناك إله عش وحدك واقضِ على من حولك.
القول الثابت هو القرآن الكريم لا يتبدل و لا يتغير مهما طال الزمن:
إذاً الحق: الشيء الثابت، لا يتبدل، ولا يتغير، ولا يطور، ولا يعدل، ولا يضاف عليه، ولا يحذف منه، لذلك ديننا منتج سماوي ليس أرضياً، معنى منتج سماوي من عند خالق السماوات والأرض، ما دام كذلك إذاً ليس خاضعاً للبحث والدرس، وليس خاضعاً للتطوير، والتعديل، والحذف، والزيادة، يعبر عن هذه الحقيقة علماء الأصول أنه توقيفي، أي شيء يمكن أن تبحثه إلا أن تبحث عن ثوابت الدين، الحق الشيء الثابت:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) ﴾
(سورة الأحزاب)
قولوا قولاً حقاً أي واضحاً صحيحاً في بلادنا، وفي الغرب، وفي الشرق، وقبل مئة عام، وبعد مئة عام، بمجتمع متخلف، متقدم، قوي، ضعيف، الحق ثابت، هذه الآن تسمى بالثوابت، يستخدمها الساسة، ثوابت الأمة هو الحقيقة، هو الحق، هو الثابت:
﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ (27) ﴾
(سورة إبراهيم)
القول الثابت هو القرآن الكريم يعني آية مضى عليها ألف وأربعمئة عام ثابتة لا تتبدل ولا تتغير:
﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (179) ﴾
(سورة البقرة)
﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
(سورة الشورى الآية: 40)
الأمور تتبدل وتتغير وتظهر قوانين وتلغى قوانين و في النهاية لا يستقر إلا الحق:
هذه أول صفة الحق هو الشيء الثابت، والهادف، للتقريب تصور أمة أرادت أن تبني جامعة من أرقى الجامعات، هذه الجامعة بنيت لتبقى، هناك جامعة في بريطانيا عمرها ألف وخمسمئة عام، يعني كبار العلماء المخترعين كانوا أساتذة في هذه الجامعة فيا أيها الأخوة، عندما تبني جامعة، هذا البناء بني ليبقى، أما السيرك خيمة تبقى لأسبوعين فقط، هذا البناء بني ليزول، الباطل زائل، الآن في المعرض يبقى الجناح من الكرتون الوقت صيفاً، أما إذا كنت تريد أن تبني رئاسة وزارة هذه قد تبقى مئات السنين، للتقريب الحق ثابت مستقر، يعني ائتِ بكرة وضع في داخلها قطعة رصاص ودحرجها لا تستقر إلا وقطعة الرصاص نحو الأرض، هذا الحق، فالأمور تتبدل وتتغير، وتظهر قوانين، وتلغى قوانين، وتعدل قوانين، في النهاية لا يستقر إلا الحق.
هؤلاء الذين رفعوا شعار لا إله كانوا من أقوى الدول في العالم، وكان عندهم من القنابل ما يدمر الأرض، ومع ذلك هذا المذهب بكل تفاصيله أصبح تحت الأقدام في الوحل، هذا الحق ثابت هادف، هناك فرق كبير جداً بين أن تبني جامعة من أجل أن تُخرج علماء للأمة، وبين أن تبني ملهى، الملهى هدفه المتعة الرخيصة، والمتعة المحرمة، لا يوجد له هدف نبيل، سمعت مرة عن قاعة قمار في كازينو، كلفت هذه القاعة ثلاثين مليون دولار، القاعة وحدها، هذه القصة من ثلاثين سنة الآن تحتاج ثلاثمئة مليون، تجد جامعة دمشق بناء قديم، أي لا يوجد أي شيء من الشروط التي ينبغي أن تكون في الجامعة ومع ذلك تخرج أطباء، مدرسين، مهندسين، صيادلة، الفرق بين ملهى وبين جامعة، الجامعة بنيت كي تُخرج علماء، الجامعة لها أهداف راقية جداً، بينما الملهى له أهداف خسيسة جداً، متعة رخيصة، متعة محرمة، خمور وغناء ورقص هذا الملهى.
الموت ينهي كل شيء فالعاقل من كانت أهدافه ثابتة واضحة ونبيلة:
إذاً إذا قلت كلمة حق يعني شيء ثابت لا يتأثر، ولا يتبدل، ولا يطور، ولا يعدل، ولا يضاف عليه، ولا يحذف منه، يعني مثلاً بر الوالدين قديماً وحديثاً بدول متخلفة ومتقدمة الابن غني، فقير، متعلم، جاهل، أن ترد الجميل لوالديك هذا عمل عظيم، بأي مكان في الأرض أكبر نعمة من نعم الله التي أكرمنا الله بها أننا مع الحق الثابت، الآن والهادف، الدين هدفه أن تسعد إلى أبد الآبدين، أما أي منهج أرضي هدفه المتعة فقط، يعني حضارة الغرب بأكملها من أجل رفاه هذا الجسد فقط، ركبت مركبة في الخليج لما سائق المركبة يعطفها نحو اليمين تنمو وسادة هوائية نحو اليسار من أجل أن تبقى متوازناً، وإذا انعطفت نحو اليسار تنمو وسادة هوائية نحو اليمين ما هذا الرفاه؟ الآن هناك برادات لكل شيء تحته حساسات، فإذا كمية الجبن قلّت البراد نفسه يخبر السوبر ماركت، تأتي البضاعة إلى البيت دائماً ممتلئ عن طريق حساسات، وهناك انترنيت، وهناك تلفزيون يخبر السوق ويعطي رقم صاحب البيت البطاقة المالية، رفاه يفوق حدّ الخيال يأتي الموت ينهي كل شيء فلذلك الحق هو الشيء الثابت والهادف:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) ﴾
(سورة الأحزاب)
سديد هو الحق، والحق الثابت والهادف، يقابله الباطل الزائل، ويقابل الهادف اللعب، يعني إذا جلست للساعة الثالثة بالليل ماذا يظهر معك بالنهاية؟ تصبح طبيباً، تصبح غنياً، تاجراً، تصبح مصلحاً اجتماعياً، متكلماً فصيحاً، أديباً؟ لا يظهر منها شيء، لأن هذا عبث فأنت بين شيئين شيء ثابت وشيء زائل، شيء هادف وشيء عابث، الحق يقابله الباطل الزائل، والحق يقابل اللعب العابث، فهنيئاً لمن كان مع الحق، له أهداف ثابتة واضحة، وأهدافه سامية ونبيلة.
من ألغى الكذب من حياته ألغى النفاق و التزلف و الإيهام:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (71) ﴾
(سورة الأحزاب)
أنت حينما تقول حقاً يغدو عملك صالحاً، الكذب مشكلة المشكلات، والله لو ألغي الكذب من حياتنا، مرة كنت في جلسة قال لي شخص أين كنت؟ قلت له اجتماع جلسة كذب كل ما قيل بها كذب، لو ألغي الكذب من حياتنا ألغي النفاق، ألغي التزلف، ألغي الإيهام:
﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) ﴾
(سورة الأحزاب)
مرة كان هذا الصحابي الجليل عمر بن الخطاب بين أصحابه، فقال أحدهم تقرباً إليه: " واللهِ ما رأينا أفضل منك بعد رسول الله "، فحدّ فيهم النظر، وبدا عليه الغضب الشديد، إلى أن قال أحدهم: " لا، واللهِ، لقد رأينا من هو خير منك، قال: من؟ قال أبو بكر رضي الله عنه، فقال كنت أضل من بعيري، وكان أبو بكر أطيب من ريح المسك، لقد كذبتم جميعاً، أي حينما سكتم، وصدق حينما قال: لا والله لقد رأينا من هو خير منك.
القول السديد هو قول الحق مع الإخلاص:
الآن إذا شخص مدح بما ليس فيه يجب ألا يبقى ساكتاً، اسكت أنا دون ذلك، هكذا الأصول لذلك:
﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) ﴾
(سورة الأحزاب)
أي حقاً ومخلصاً بهذا الكلام، وأعوذ بك أن أقول قولاً ليس فيه رضاك، ألتمس به أحداً سواك، اللهم إني أعوذ بك أن يكون أحد أسعد مما علمتني مني.
أتكلم كلاماً رائعاً، بنصوص دقيقة، بتحليلات عميقة، لكني لا أطبق هذا الكلام، يأتي من يستمع إلى هذا الكلام فيطبقه فيقطف ثماره، فيكون هذا الذي سمع وطبق أسعد بمن قال وحلل، أعوذ بك أن أقول قولاً ليس فيه رضاك، ألتمس به أحداً سواك، اللهم إني أعوذ بك أن يكون أحد أسعد مما علمتني مني.
" اللهم إني أعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك ".
" اللهم إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك ".
هذا الإخلاص فالقول السديد هو قول الحق مع الإخلاص:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾
(سورة الأحزاب)
اعتماد الأمة الإسلامية على الحق يجعلها تنتصر و تقود الأمم:
أنا أحد أخوانا الكرام والده أنشأ له عملاً في القاهرة، يبدو أنه يركب مركبته مساء، اصطدمت اصطداماً طفيفاً بمركبة ثانية فيها إنسان بالخامسة والتسعين فمات، فاتصل بمدير معمله، قال له: لا يوجد مشكلة تعال الساعة كذا إلى القسم الفلاني (قسم شرطة) وصل وجد كل شيء منتهٍ، مكتوب ضبطاً يبرئه تماماً خلاف الواقع، قال له: وقّع، قال كيف أوقع الذي وقع ليس هكذا؟ قال له: وقع وانتهى الأمر، قال: لا أوقع، قال عجيب مجنون أنت؟ قال، لا لست مجنوناً، قال له: أنا خلصتك، قال: خلصني من الله لا منك، ما قبل هذا الشاب المؤمن إلا أن يكتب في الضبط كما وقع، صار في دية، دفع الدية وعيّن أولاده في المعمل، هذا قول الحق أتيح له أن ينجو من أي مساءلة عن طريق تقرير كاذب ما قبل، لما المسلم يغدو هكذا ننتصر، أما أي تقرير فيه تزوير للحقيقة هذا باطل، لو اعتمدنا الحق في حياتنا لكنا أمة تقود الأمم، كنا رعاة الغنم فلما آمنا بالحق أصبحنا قادة الأمم، والآن الأمة كبت ولن تصحو من كبوتها إلا إذا عادت للحق، هذا الشاب الذي درس في هذا المسجد ما قبل أن يوقع على ضبط مخالف للواقع، ودفع دية، وعيّن أولاد المتوفى في المعمل، واصطلح مع الله.
فالحق الذي وقع، هل عندك إمكانية ألا تعمل شيئاً إلا وفق الحق؟ ولا تقول كلمة إلا وفق الحق هذه الآية:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾
(سورة الأحزاب)
والحمد لله رب العالمين
مختارات