الصداقة في حياة أبنائنا
حاجة الإنسان للأصدقاء لا تقل عن حاجته للهواء والغذاء، وذلك من أجل استقراره النفسي وتنمية مهاراته الشخصية بالانفتاح على الغير، ورغم أن رعاية الوالدين لأبنائهما تكون من الشمولية والإحاطة بكل صغيرة وكبيرة فيما يعرف بـ " الدائرة التربوية " إلا أن صداقات الأبناء تمثل عاملا تربويا هاما يقع خارج هذه الدائرة، فما أن يلتحق الصغير بالمدرسة حتى يبدأ تدريجيا في تكوين صداقات يقضي معها وقتا أطول مما يقضيه مع أفراد أسرته، وكما يقولون " الطبع لص " أو " الصاحب ساحب " فللصداقة تأثير إيجابي أو سلبي سواء شاء الإنسان أم أبى، إذ لا بد أن يتشرب ويمتزج طبعه مع الكثير من سلوكيات رفاقه المخالطين، ولذلك حرصت كل القيم الاجتماعية والدينية على التأكيد على أهمية الصداقة كما يقول الإمام الأوزعي: " الصاحب للصاحب كالرقعة في الثوب إن لم تكن مثله شانته ".
صداقة الصغار
تتفق البحوث النفسية على أن الصداقة في حياة الطفل تمر بمراحل متعددة ومتباينة بين القوة والضعف، وبوجه عام يلعب الأصدقاء دوراً متزايد الأهمية بشكل واضح مع تقدم عمر الطفل، ففي الطفولة المبكرة (1-2 سنه) لا يحرص الطفل على تكوين صداقات تذكر، بل يهتم بنفسه أكثر من اهتمامه بالآخرين من حوله. لكن بين عمر (2-7 سنوات) يزداد تفاعل الصغير اجتماعياً مع أقرانه من الجنسين، ثم تتدرج الصداقة وتصل إلى مرحلة شديدة الخصوصية مع الأطفال من نفس جنسه فقط، لكن وبمجرد بلوغ سن المراهقة تعاود العلاقة الانفتاح مرة أخرى، بل والانجذاب نحو الجنس الآخر بصورة لافتة.
لكن عموما يظل تأثير الأصدقاء على بعضهم البعض في أوج قوته في المرحلة العمرية (11-13سنة) عندما تبدأ علامات المراهقة في الظهور، ويصبح الطفل أكثر استقلالاً واعتدادا باختياراته وشخصيته.
وعندما يقترب المراهق من سن العشرين تتجه اختياراته الحياتية الأساسية مرة أخرى إلى الحاجة لدعم ومساندة الوالدين بل وكافة أفراد الأسرة، حيث تلعب الأسرة دوراً بارزاً في اتخاذ القرارات الهامة لديه، نتيجة رغبة الشاب الملحة للاستفادة من الخبرات والتجارب الحياتية الرصينة للمحيطين به.
الصداقة والمراهقة
الصداقة ذات أهمية قصوى في مرحلة المراهقة، فالكثير من الشباب يشعرون بالخوف أو الخجل عندما يريدون التحدث مع الكبار، نتيجة حواجز الفروق العمرية واختلافات الميول والاهتمامات، ولذلك للصداقة في حياة المراهق أهمية كبيرة، حيث تمكنه من البوح بدواخله دون أدنى تحفظات بعيدا عن سلطة ورقابة الأهل، بالإضافة إلى التشارك الفاعل في النشاطات والاهتمامات نفسها، خاصة وأن المراهق يحب أن يعمل في مجموعات من المراهقين أمثاله، ويحب أن يثبت وجوده داخل هذه المجموعات.
جدران الحماية
• يعد الترابط الأسري من أقوى العوامل المحددة لمدى تأثر الطفل بأصدقائه، فالعلاقة القوية بين الطفل وأفراد أسرته يمكنها الحد من تأثير الضغوط السلبية التي يمارسها الأصدقاء عليه. ولأن الأطفال يبحثون عن الأصدقاء الذين يشعرون بالراحة معهم، نجد –مثلا- أن الأطفال الذين يعانون من خلافات مع آبائهم أو أسرهم قد يبحثون عن الأصدقاء الذين يؤيدون تلك الخلافات ويدعمونها.
• الآباء المتسلطون الذين يتحكمون في كل صغيرة وكبيرة يقوم بها الأبناء عادة ما يرغب أبناؤهم في التمرد والاختلاط بالأبناء المتمردين الآخرين. وكذلك الآباء الذين نادراً ما يتواصلون مع أبنائهم أو لا يظهرون اهتماما بشئونهم، يدعمون -دون أن يشعروا- التأثير السلبي للأصدقاء على أبنائهم. لذلك من المهم للوالدين أن يحاولا تحقيق التوازن في التواصل الكافي مع أبنائهم وحياتهم الاجتماعية الخاصة، وجعلهم يشعرون بالرعاية والاهتمام، ولكن ليس للحد الذي يشعرهم بعدم الثقة والتحكم المفرط فيهم.
• من المفيد البدء بالحديث مع الأطفال في سن مبكرة عن المخاطر والضغوط الاجتماعية التي من الممكن التعرض لها في سن أكبر، وطبيعة الفروقات السلوكية بين البشر، وخصائص الناس الذين يجب التعامل معهم بحذر (الأناني، الفضولي، المجازف، الغشاش...)، فهذا من شأنه أن يدعم جهوزية الطفل النفسية لرفض الكثير من السلوكيات السلبية من رفاقهم حال التعرض لها، بل ويتعامل معها بمهارة نتيجة المعرفية الوالدية المسبقة، فلا ينساق لتلك السلبيات بسهولة أو تحت منطق التقليد والمحاكاة أو إثبات الرجولة والشخصية.
• لابد من حرص الوالدين على معرفة طبيعة أصدقاء أبنائهم، ورغم أنه من الخطأ فرض الوالدان رأيهما في اختيارات أبنائهم لأصدقائهم، إلا أن هذا لا يمنع من توضيح وجهة نظرهم في أصدقائهم بشكل غير مباشر، ومن هو الصديق الجدير بالصداقة ومن هو الخطر الذي أولى أن نتجنبه «رفاق السوء»، وكيفية اختيار الأصدقاء، وحقوق الصداقة المتبادلة بين الصديقين.
• الرقابة بشكل حضاري راق تمثل حاجزا واقيا يمنع الابن من الزلل، بشرط أن تكون بعيدة عن سلوكيات التلصص والتشكك، وأن تكون من منطلق الحرص على أبنائنا لا من منطلق فقدان الثقة في قراراتهم واختياراتهم.
• الصراحة بين الآباء والأبناء، صمام أمام لأبنائنا، حتى إذا وقع أحدهم في الخطأ وجد الصدر الحنون والعقل المتفتح الذي يفكر معه في العلاج قبل أن يسأل عن الدوافع، ويعذره قبل أن يلومه، فيعينه على تخطي الأزمات.. إن من أهم مشاكل الصداقة لدى الأطفال عامة والمراهقين خاصة هو استقاء الآراء والحلول من الأصدقاء في نفس المرحلة العمرية، وهذا ينطوي على خطر جسيم بسبب ضعف الخبرة الثقافية والعملية التي لا تمكن الصديق من الوقوف على الحل السديد، وإبداء الرأي القويم.
• تقوية الجانب الإيماني مهم جدا في كافة المجلات الحياتية لأبنائنا، صغارا وكبارا، فلابد أن يتعرف الأبناء ما يترتب على المعاصي من أوزار وتبعات، حتى يكون ذلك حائلاً بينهم وبين اقترافها، فالشعور بطعم الطاعة والعبادة يجعل الأبناء في استقرار نفسي وتوافق مع الفطرة النقية مما يجعلهم في حرص دائم على إرضاء الله سبحانه، كما أن «فقه المراقبة» من شأنه أن يجعل الأبناء يستشعرون الخوف من الله تعالى، ذلك الشعور الصحي النبيل الذي يقوي الفرد وقت الضعف، ويعينه وقت الشدة، ويمنعه وقت التهور، فيكف صاحبه عن اقتراف المحظور عندما ينفرد به، وعندما يخلو بنفسه مع الحرام، فلا يجعل الله تعالى أهون الناظرين إليه.
مختارات