اسم الله النصير 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( النصير ) :
النصير كمالٌ في الوصف ومبالغة فيه :
مهما كان العدو قوياً فالله هو النصيرأيها الإخوة الكرام ، الاسم اليوم هو ( النصير ) وهذا الاسم ورد مطلقاً مراداً به العلمية ودالاً على كمال الوصفية وهو صيغة مبالغة ، وصيغ المبالغة تعني شيئين ؛ تعني مبالغة الكّمّ ومبالغة النوع أي مهما يكن العدو قويا فالله هو النصير ومهما تكن الأعداء كثيرة فالله سبحانه وتعالى نصير .
الآيات والأحاديث الوارد فيها اسم النصير :
الله نصير مع أقوى عدو ، ونصير مع أكثر الأعداء تنوعاً ، لذلك هذا الاسم ورد مطلقا ، وورد مقرونا باسم المولى في آيتين فقط .
الآيات :
الآية الأولى : " وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ " [الأنفال:40] .
الآية الثانية : " وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ " [الحج:78] .
الأحاديث :
وورد هذا الاسم أيضا مقيداً في دعاء النبي عليه الصلاة والسلام ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا قَالَ : " اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي ، بِكَ أَحُولُ ، وَبِكَ أَصُولُ ، وَبِكَ أُقَاتِلُ " [الترمذي وأبو داود] .
قواعد النصر :
لكن ما من اسم يحتاجه المسلمون اليوم كهذا الاسم ، لكن هذا النصر له قواعد .
النصر من عند الله :
النصر من عند الله أول قواعد النصر أن النصر من عند الله ، وحينما يتوهم المسلمون أن النصر من عند زيد أو عبيد فقد وقعوا في وهمٍ كبير ، قال تعالى : " وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ " [الأنفال:10] .
" إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ " [آل عمران:160] .
أنواع النصر :
1 – النصر الاستحقاقي :
وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ولكن هناك نصر استحقاقي ، فالمؤمن حينما يكون على ما ينبغي وينتصر فهذا نصر سماه العلماء النصر الاستحقاقي ، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى : " وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ " [آل عمران:123] كان أصحاب النبي من الافتقار ومن الاستقامة ومن التوحيد ما استحقوا به نصر الله عز وجل .
بالمناسبة ، حينما قال تعالى : " وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ " [الأنفال:10] النصر الاستحقاقي ثمنه الإيمان والإعداد :
معنى ذلك أنه من عند الله ، ولكن له ثمن ، ما ثمن هذا النصر ؟ الإيمان والإعداد :
الإيمان : الإيمان الذي يحملك على طاعة الله ـ والإعداد المتاح فقط .
الآية الأولى : " وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ " [الروم:47] كلام خالق الأكوان ، وزوال الكون أهون عند الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين " إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا " .
" وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا " [النور:55] .
الشرط الأول للنصر هو من عند الله ولكن له ثمن ، والبند الأول في الثمن الإيمان الذي يحمل على طاعة الله ، أما الإيمان الذي لا يحمل على طاعة الله فلا قيمة له إطلاقا .
الإعداد :
الآن الإعداد : " وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ " [الأنفال:60] لكن رحمة الله أنه كلفنا أن نعد العدة المتاحة ، وليست المكافئة ، وفرق كبير بين أن نعد العدة المكافئة ، وهذا مستحيل الآن، وبين أن نعد العدة المتاحة .
عندما أؤمن الإيمان الذي يحملني على طاعة الله ، وحينما أعد لأعدائي العدة المتاحة عندئذ أكون قد دفعت ثمن النصر ، وما لم يدفع ثمن النصر فالنصر مستحيل ، وهذه هي الحقيقة المرة التي هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، إذن النصر من عند الله ، وله ثمن ، والثمن له بندان الأول الإيمان ، والثاني الإعداد .
إذا آمنا ولم نعد فلا ننتصر ، وإذا أعددنا ولم نؤمن فلا ننتصر ، لذلك قالوا : الإيمان والإعداد شرطان كل منهما لازم ، لا يحقق الثاني إلا إذا كان الأول ، فكل شرط من هذين الشرطين لازم غير كاف ، وما لم يتحقق الشرطان معاً فلن يكون النصر .
الإيمان يحملك على الاستقامة :
حينما نتعامل مع الله وفق قواعده القرآنية ، ووفق نواميسه نقطف الثمرة ، أما إذا تعاملنا مع الله تعاملا ضبابياً مزاجياً ، ولم ندفع الثمن فلن ننتصر ، إذًا : النصر من عند الله ، وله ثمن ، ثمنه الإيمان والإعداد ، لكن أي إيمان ؟ الكلّ يدعي أنه مؤمن ، الإيمان الذي يترجم إلى استقامة ، الإيمان الذي يحملك على طاعة الله ، لذلك لماذا لم ينتصر المسلمين في أُحُد ؟ لأنهم عصوا ، ولو أنهم انتصروا لسقطت طاعة رسول الله .
ولماذا لم ينتصر المسلمون في حنين ؟ في أُحُد وقعوا في معصية ، وفي حنين وقعوا في شرك خفي ، فقالوا : لن نهزم مِن قلة ، إذًا : إما لسبب سلوكي في أُحد ، أو لسبب اعتقادي في حنين ، قال تعالى : " وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ " [التوبة:25] .
درسان بليغان من معركة أُحُد وحُنين :
الآن نستنبط من وقعة أحد ووقعة حنين أن هناك درسين بليغان ، الأول : حينما تقول : الله ، يتولاك الله عز وجل ، وحينما تقول : أنا ، يتخلى عنك ، وهذا الدرس نحتاجه كل يوم ، بل كل ساعة ، قل : أنا بعلمي ، واختصاصي النادر ، وخبراتي المتراكمة ، ومالي العريض ، وجاهي الكبير ، يتخل الله عنك ، في حرفتك ، في مهنتك، لا تقل : أنا ، أنا كلمة مهلكة ، قل : الله ، في زواجك ، في عملك ، في حرفتك ، حينما تقابل عدوا فإذا قلت : الله ، يتولاك الله ، فإذا قلت : أنا ، يتخلى عنك ، وما أشد هذين الدرسين عظة وفهما لما يجري في العالم .
لذلك حينما نعتد بأنفسنا يتخلى الله عنا " وما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيته ، فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا ، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا جعلت الأرض هويا تحت قدميه ، وقطعت أسباب السماء بين يديه " .
فلذلك أيها الإخوة الكرام ، النصر من عند الله ، وله ثمن، وما لم ندفع الثمن فلن نشم رائحة النصر ، وهذه هي الحقيقة المرة التي هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، فالنصر الأول هو النصر الاستحقاقي ، حينما ندفع ثمنه إيماناً مترجماً إلى التزام ، إلى وقوف عند الحلال والحرام ، إلى فعل ما ينبغي ، إلى تطبيق منهج الله ، إلى أن يرانا الله حيث أمرنا ، وأن يفتقدنا حيث نهانا ، والثمن الثاني أن نعد القوة المتاحة .
لذلك التوكل من دون إعداد تواكل ، وهو معصية ، أن تقول : يا رب ، توكلت عليك ، ولا تفعل شيئا ، سيدنا عمر وجد رجلا معه جمل أجرب ، قال : " يا أخا العرب ما تفعل بهذا الجمل ؟ فقال : أدعو الله أن يشفيه ، قال : هلا جعلت مع الدعاء قطراناً " .
ورأى سيدنا عمر أناسا يتكففون الناس في الحج ، قال : مِن أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون ، قال : كذبتم ، بل أنتم المتواكلون ، المتوكل من ألقى حبة في الأرض ، ثم توكل على الله .
والنبي عليه الصلاة والسلام قال : " إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " [أبو داود عن عوف بن مالك] .
أن نستسلم ، ونقول : ما بيدنا شيء ، انتهينا ، هذا كلام الضعفاء ، كلام ضعاف الإيمان ، كلام الجهلة ، الله موجود : " وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ " [الروم:74] .
وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، الله موجود ، الله فعال : " مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا " [الكهف:26] .
" وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ " [هود:123] .
" وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ " [الزخرف:84] .
آيات التوحيد ، وما تعلم العبيد أفضل من التوحيد .
2 – النصر التفضُّلي :
إذاً : النصر الأول هو النصر الاستحقاقي ، حينما يدفع ثمن النصر إيمانا بالله يحمل على طاعته ، وإعدادا للقوة المتاحة ، الآن هناك نصر آخر سماه العلماء النصر التفضلي دليله الآية الكريمة : " غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ " [الروم:2-4] .
في هذه الآية إعجاز ، فبعد أن اكتشفت أشعة الليزر أمكن قياس المسافات بدقة متناهية ، وأمكن قياس المسافة بين الأرض والقمر بدقة متناهية ، وأمكن قياس المنخفضات والأغوار بدقة متناهية ، وبعد أن اكتشفت هذه الأشعة تبين أن أخفض نقطة في الأرض غور فلسطين ، والروايات التاريخية تؤكد أن هذه المعركة التي جرت بين الروم والفرس كانت في غور فلسطين ، فقال الله عز وجل : " غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ " [الروم:2-4] .
النصر التفضلي :
حكمة الله اقتضت أن ينتصر الروم أهل كتاب ، وأهل الكتاب مشركون ، ومع ذلك انتصروا ، هذا النصر ليس استحقاقياً ، ولكنه نصر تفضلي ، فنحن في عبادتنا نقول : يا رب ، إن لم نكن نستحق النصر الاستحقاقي فانصرنا نصراً تفضلياً ، والنصر التفضلي يعني أن المنتصر ليس كما ينبغي ، لكن حكمة الله اقتضت أن ينتصر ، لذلك أثبت الله للصحابة الكرام وهم نخبة البشر فرحهم بهذا النصر .
" غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ " [الروم:2-4] .
هذا هو النصر التفضلي ، إذا كانت فئة ليست كما ينبغي ، وانتصرت على الكفار وأعداء الله فهذا شيء ينبغي أن نفرح له بنص هذه الآية .
هذا هو النصر الثاني النصر التفضلي .
3 – النصر المبدئي :
لكن هناك نصر ثالث، ما هو ؟ النصر المبدئي : " قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ " [البروج:4-7] .
الآن كلام دقيق ، أصحاب الأخدود هل انتصروا ؟ بالمقياس التقليدي لم ينتصروا ، لكنهم انتصروا نصرا مبدئياً ، لأنهم ثبتوا على إيمانهم بالله .
بالمناسبة ، مسيلمة الكذاب قبض على صحابيين ، وقال للأول : أتشهد أني رسول الله ؟ قال : ما سمعت شيئا ، فقتله ، وقال للثاني : أتشهد أني رسول الله ؟ قال : أشهد أنك رسول الله .
الآن استمعوا إلى ما قاله النبي الكريم عن هذه الحادثة ، قال : أما الأول فأعز دين الله فأعزه الله ، الذي قتل النبي عليه الصلاة والسلام عدَّه منتصرا ، لأنه صمد على مبدئه ، ومن هذا النوع من النصر ماشطةُ بنتِِ فرعون ، جاؤوا بأولادها الخمسة ، لأنها قالت لما وقع المشط من يدها : يا الله ، البنت قالت لها : ألك رب غير أبي ؟ قالت : الله ربي ورب أبيك وربك ، فحدثت أباها ، فجاء بقدر من النحاس ، وجعل فيه زيتا مغليا ، وجاء بأولادها الخمسة ، وأمسك الأول ، وقال : ألك رب غيري ؟ قالت : الله ربي وربك ، فألقى الأول في الزيت المغلي فظهرت عظامه طافية على سطح الزيت ، وأمسك ولدها الثاني ، ألك رب غيري ؟ قالت : الله ربي وربك ، فألقى الثاني ، وألقى الثالث ، وألقى الرابع ، الخامس رضيع ، فلما قال لها : ألك رب غيري ؟ سكتت ، تضعضعت ، ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة ، فأنطق الله ولدها الرضيع ، قال : اثبتي يا أمي ، فأنت على الحق ، وألقاه في الزيت ، ثم ألقاها في الزيت ، هذه انتصرت نصرا مبدئيا ، أي ثبتت .
فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام في الإسراء والمعراج شم رائحة لم يشم مثلها إطلاقا ، فقال : يا جبريل ، ما هذه الرائحة ؟ رائحة طيبة جداً ، قال : هذه رائحة ماشطة بنت فرعون ، ففي النصر المبدئي يمكن أن لا تنتصر بالمقياس التقليدي ، لكنك مُتنا على الإيمان ، وهذا نصر مبدئ ي، وفي هذا المعنى تسلية وتطمين لكل مَن قُتِل وهو على حق .
اذا قلت فالنبي قال : أما الأول فأعز دين الله فأعزه الله ، القلق على من ؟ على الثاني الذي قال : أشهد أنك رسول الله ، يا الله ما أعظم هذا الدين ! أما الثاني فقد قبل رخصة الله ، ما كلف الله الإنسان فوق ما يستطيع ، فلو أن الماشطة قالت : أنت ربي ، فلا شيء عليها ، ولكن لو أخذ كل المؤمنين بالرخص ما بقي هناك بطولات ، فالإمام أحمد بن حنبل لم يقبل بخلق القرآن ، فدخل السجن، وعذب .
لذلك الأمة في حاجة لمن يدفع ثمن مبدئه غاليا ، ولو أن كل إنسان أخذ بالرخص فلن نجدد في الأرض بطولات إطلاقاً .
فهناك نصر مبدئي ؛ بأن يموت الإنسان على مبدئه صراحة ، ولم يساوم عليه .
مرة كنت في بلد إسلامي ، تركيا ، وذكرت هذه القصة ، وقلت : أما الأول ، للتقريب ، أعطي مائة ألف دولار ، وأما الثاني فأعطي مائة ألف ليرة تركية ، في الأجر ليس كالأول ، الأول ضحى بحياته من أجل مبدئه ، وكل شيء له ثمن ، وكل شيء له حساب عند الله عز وجل .
أيها الإخوة الكرام ، درس بدر وحنين ، تقول : الله يتولاك ، تقول : أنا ، يتخلى عنك ، وهذا الدرس نحتاجه كل يوم ، وفي كل ساعة ، وفي بيوتنا ، وفي أعمالنا ، وفي حرفنا ، وفي مواجهتنا لمن نخافهم ، قل : الله ، فإن الله يتولاك .
" قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ " [الشعراء:61-62] .
قصص القرآن قوانين سارية في كل زمان ومكان :
لا أمل ، فرعون من ورائهم، والبحر من أمامهم ، فرعون بطغيانه وجبروته وحقده ولؤمه وقوته وراءهم ، والبحر أمامهم .
" قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ " [الشعراء:61-62] .
لذلك الله عز وجل يقلب القصص القرآنية إلى قوانين ، سيدنا يونس وهو في بطن الحوت : " فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ " [الأنبياء:87-88] .
إذًا : أول نصر استحقاقي ، والثاني تفضيلي ، والثالث مبدئي ، فالإنسان لا يعدم أن ينتصر نصرا مبدئيا ، هذا بإمكانه .
لا للإحباط وسوءِ الظن بالله :
لا للإحباط وسوء الظن باللهشيء آخر : " مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ " [الحج:15] عنده وهم خاطئ ؛ أن الله لا ينصره ، وقد يقع الإنسان في سلسة إحباطات يتوهم أن الله لن ينصره ، فيسيء الظن بالله .
" الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ " [الفتح:6] وأقول لكم بكل صراحة : إن بعض المسلمين وقعوا في الإحباط واليأس ، ولذلك هناك امتحانان صعبان : الامتحان الأول : أن يقوِّي اللهُ الكافر حتى يقول ضعاف الإيمان : أين الله ؟ وأحيانا يظهِر الله آياته حتى يقول الكافر : لا إله إلا الله .
نحن الآن في الامتحان الأول ، وهو صعب جداً ، الطرف الآخر قوي ومتغطرس ، ويفعل ما يقول ، فبعض المؤمنين ضعفوا : " وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ " [آل عمران:139] إذن النصر التفضلي والنصر المبدئي والنصر الاستحقاقي وموضوع بدر وحنين ، تقول : الله ، يتولاك ، تقول : أنا ، يتخلى عنك .
والموضوع الثاني : أُحُد وحُنين ، في أُحد كانت المعصية سلوكية ، وفي حنين كان الشرك الخفي ، الصحابة الكرام وفيهم رسول الله لم ينتصروا ؛ لأنهم قالوا : لن نغلب من قِلة ، هذه بعض موضوعات النصر ، لأن الله عز وجل هو النصير ، ولا نصير سواه .
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ " [محمد:7] أي تدفعوا ثمن النصر إيمانا يحمل على طاعته وإعدادا للقوة المتاحة .