اسم الله الوتر
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( الوتر ) :
أيها الإخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم ( الوتر ) .
1 – ورودُ اسم ( الوتر ) في السنة :
معنى الحفظ :
إن نصرت دينه نصرك ، وأنا أدعو وأقول : اللهم انصرنا على أنفسنا حتى ننتصر لك ، حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا : " فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ "ذكره لك غير ذكرك له .أي أن الله سبحانه وتعالى حينما تذكره يذكرك ، أما إذا ذكرته فقد أديت واجب العبودية ، لكنه إذا ذكرك منحك الأمن ، والأمن لا يتمتع به إلا المؤمن .
منحك الحكمة .
لذلك : " لِلَّهِ تِسعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْما ، مِائة إِلا واحِدا ، لا يَحفَظُهَا أَحَدٌ إِلا دَخَلَ الجَنَّةَ "كلمة الحفظ واسعة جداً ، حفظ الاسم أي تعرف عليه ، وتخلق بهذا الخُلق ، واجعل هذا الخُلق وسيلة إلى الله ، إلى التقرب إليه ، الله عز وجل رحيم ، يمكن أن تتقرب إليه بأن ترحم عباده ، الله عز وجل عدل ، يمكن أن تتقرب إليه إن كنت منصفاً ، الله عز وجل كريم يمكن أن تتقرب إليه إن كنت كريماً ، المعنى الدقيق : " لا يَحفَظُهَا أَحَدٌ "أي عرف هذا الاسم ، واشتق من الله كمالاً من خلال هذا الاسم فتقرب إلى الله بهذا الكمال " وهو وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ "وفي صحيح مسلم ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : " وَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ " [البخاري عن أبي هريرة]بمعنى أن الله سبحانه وتعالى واحد لا شريك له ، وأحد لا ند له ، كيف يحب الوتر ؟ يحب أن تكون متفوقاً ، النبي عليه الصلاة والسلام طلب النخبة ، طلب التفوق ، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ ، بِأَبِي جَهْلٍ ، أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، قَالَ : وَكَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ عُمَرُ "[الترمذي]ولما اسلم حمزة توقف إيذاء قريش لرسول الله وأصحابه ، ولما أسلم عمر صلى المسلمون في بيت الله الحرام .
ولما اسلم حمزة توقف إيذاء قريش لرسول الله وأصحابه ، ولما أسلم عمر صلى المسلمون في بيت الله الحرام .
1 – الله وتر ، والمخلوقات شفع :
أيها الإخوة الكرام ، لا زلنا في اسم ( الوتر ) و( الوتر ) هو الله ، لأنه واحد أحد ، فرد صمد .
" لَم يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ " [الإخلاص:3-4] .
والشفع المخلوقات ، ومن خصائص المخلوقات أنها مفتقرة إلى بعضها البعض .
كمثل صارخ : الرجل مفتقر إلى المرأة ، والمرأة مفتقرة إلى الرجل ، الرجل يكمل نقصه العاطفي بزوجته ، والزوجة تكمل نقصها القيادي بزوجها ، والمجتمع بحاجة أن يكون مجتمَعاً ومجتمِعاً .
فلذلك يقول الله عز وجل : " وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ " [الذاريات:49] .
هذه آية مطلقة ، والمطلق على إطلاقه ، حتى الذرة ، هناك كهارب مشحونة سلبياً ، ونواة مشحونة إيجابياً ، حتى النبات بنظام الكائنات ، ونظام المخلوقات .
" وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " [الذاريات:49] .
التوحّد والعزلة مرض خطير :
لذلك التوحد مرض خطير يصيب الأولاد ، فمنهم مَن ينعزل ، ويعيش وحده ، ولا يحب أن يلتقي مع أحد ، ولهذا المرض آثار خطيرة جداً ، وإلى الآن ليس له دواء ناجع .
الأصل في الإنسان أنه اجتماعي ، وهناك عبارات للعوام دقيقة : الجنة بلا ناس لا تداس .
الإنسان اجتماعي في الطبع ، مفتقر إلى زوجته ، والزوجة مفتقرة إلى زوجها ، الرجل مفتقر إلى صديقه ، والشاب إلى رفيقه ، والناس يألفون أن يعيشوا مع بعضهم .
لو أننا أبعدنا إنساناً عن أخيه الإنسان ، وقطعنا عنه الأخبار ، وقطعنا عنه الليل والنهار ، خلال عشرين يوما يختل توازنه العقلي ، لو قطعت عنه الأخبار ، وتبدل الليل والنهار ، ومنعت عنه الساعة ، والتاريخ ، ومنعته أن يلتقي بإنسان ، يختل توازنه العام ، فالإنسان هكذا خُلق .
بعض الاستثناء من القاعدة يؤكد القاعدة :
أيها الإخوة ، التوحد مرض خطير يصيب الأولاد يؤكد هذه القاعدة ، وهناك رأي دقيق ولطيف : أن بعض الاستثناء من القاعدة يؤكد القاعدة .
يولد مئات ألوف الأطفال ، وفي كل 200 ـ 300 ألف طفل يأتي طفل الثقب الذي بين الأذينين ، والذي اسمه ثقب بوتال مفتوح ، لأن الطفل في بطن أمه يحتاج إلى دورة دموية ، وهذه الدورة الدموية لا يجدد الأوكسجين فيها عن طريق الرئتين ، لعدم الهواء ، فالرئتان في بطن الأم معطلتان ، فالله سبحانه وتعالى جعل بين الأذينين ثقباً اكتشفه عالم فرنسي اسمه بوتال ، فصار اسم هذا الثقب بوتال ، فالدم بدل أن يذهب إلى الرئتين ، ويجدد الأوكسجين ، ويعود إلى القلب ينتقل من أذين إلى أذين مباشرة عبر هذا الثقب .
حدثنا أستاذ جامعي أنه في أثناء الولادة تأتي جلطة فتغلق هذا الثقب ، ولو بقي هذا الثقب مفتوحاً لأصيب الطفل بمرض خطير ينتهي به إلى الموت خلال سنوات ، داء الزرق ، لأن الدم بدل أن يذهب إلى الرئة ليجدد الأوكسجين ينتقل عن طريق الأسرع والأقرب إلى الأذين الآخر ، يبقى أزرق اللون ، والعملية معقدة وغالية جداً ، واحتمال نجاحها ضعيف ، فطفل واحد كل 400 ـ 500 ألف طفل مصاب بداء الزرق ، هذا الاستثناء يؤكد القاعدة .
إذاً : الأصل أن الإنسان اجتماعي ، وعندي مثل رائع جداً هو أن هناك آلية معقدة جداً سماها العلماء آلية المص ، أو منعكس المص ، فالطفل بعد أن يولد لتوه خلال ثوانٍ إن وصلت أصبع الممرضة إلى فمه يمصها ، والمص آلية معقدة ، يضع شفتيه على حلمة ثدي أمه ، ويحكم الإغلاق ، ويسحب الهواء ، وما مِن قوة في الأرض تستطيع أن تعلم هذا الوليد كيف يمص ثدي أمه لو لم يكن هذا المنعكس ، ولولا هذا المنعكس لما كان هذا الدرس ، ولما كانت دمشق ، ولما كان إنسان على وجه الأرض .
أيضاً في كل 500 ـ 600 ألف يأتي طفل ما عنده هذا المنعكس يموت من الجوع ، وليس هناك قوة تعلمه .
تصور أبًا يخاطب ابنه الوليد لتوه قائلاً : " الله يرضى عليك يا ابني ، يجب أن تضع شفتيك على حلمة ثدي أمك ، وأن تحكم الإغلاق تماماً ، وأن تسحب الهواء ليأتيك الحليب " هذا شيء مضحك .
لذلك أيها الإخوة ، الكون فيه آيات مذهلة ، فالاستثناء يؤكد القاعدة ، الاستثناء يلفت نظرك إلى القاعدة ، الاستثناء يشير إلى روعة عظمة الله عز وجل .
إن الإنسان اجتماعي ، وأخطر مرض يصيب الأطفال مرض التوحد .
كنا مرة في احتفال ، وإنسان كان معه ابنه المصاب بهذا المرض ، شيء لا يحتمل ، شيء فوق طاقة البشر ، لأنه متوحد ، فالإنسان من شأنه الاجتماع ، والافتقار إلى أخيه الإنسان ، وربنا جل جلاله من شأنه التوحد ، فهو واحد أحد ، فرد صمد : " لَم يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ " والآية واضحة " وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " .
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى " [الحجرات:13] .
تصور أيّ فتاة على وجه الأرض طموحها الأول ، هدفها الأكبر أن تتزوج ، لأن علماء النفس اكتشفوا أن أقوى دافع في الجنس البشري هو دافع الأمومة ، لذلك أي مجتمع يسعى لتزويج الشباب بالشابات ، والشابات بالشباب مجتمع متكامل ومجتمع صحي ، أما حينما تُهاجم الأسرة ، وحينما تقوَّض أركانها ، وحينما يُدعَى إلى التفلت ، وإلى قضاء هذه الشهوة عبر الحرام ، وعبر القنوات الأخرى فإن مجتمعاً بأكمله ينهار ، فتشريعات السماء تدعم الأسرة ، وتشريعات الأرض تدعو إلى التفلت .
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ " [الحجرات:13] .
هذه الخاصة في بني البشر الاجتماع ، وأن يفتقر كل واحد منا إلى الآخر ، وأن يمكنه الله من إتقان العمل ، وهو بحاجة إلى مليون حاجة ، وكل حاجة خبرات ، وجهود متراكمة ، فأنت تأخذ جهود الآخرين جميعاً بأجر بسيط .
مثلاً : أنت حينما تشتري كيلو من التفاح ، تتوهم أنك تدفع ثمنه ، هذا خطأ كبير ، ما مِن مبلغ في الأرض يمكن أن يصنع تفاحاً ، إلا أنك تدفع ثمن خدمته ، الذي زرع ، وسمد ، وقطف ، وسوق ، وعرض بضاعته في سوق الخضراوات والفواكه ، أنت اشتريت جهود مزارع ، اشتريت خدمة التفاح فقط ، كل شيء تشتريه هو خدمة .
هناك قصة فرنسية مترجمة لإنسان يقطع الصحراء ، ضل الطريق ، ونفذ طعامه وشرابه ، وكاد يموت جوعاً ، لمح عن بعد شجرة ، فأشرق في نفسه نور من الأمل ، هُرع نحو الشجرة ، فإذا إلى جانبها بركة ماء ، شرب منها حتى ارتوى ، ثم تولى إلى الظل ، فحانت منه التفاتة فرأى كيساً فسُر به سروراً عظيماً ، وكاد يختل توازنه ، لأنه ظن أن فيه خبزاً ، ولكن يا للأسف لقد فتح الكيس فلم يجد فيه إلا لآلئ ، فصاح قائلاً : وا أسفاه ، هذه لآلئ ، فكيسٌ من اللآلئ ثمنه مليارات ، لكن حينما تجوع لا قيمة له أبداً ، لذلك بيع رغيف خبر في الحرب العالمية الثانية بخمس ليرات ذهبًا ، رغيف خبز واحد ، فإذا وجد الإنسانُ طعاما في بيته ، وجد ماء ، وجد أولاده أمامه ، زوجته أمامه فهذه نعمة لا تعدلها نعمة .
أيها الإخوة ، الآية الكريمة : " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى " [المائدة:2] .
واقع المسلمين انتماء فردي ومصلحة شخصية :
أنا أرى أن المسلمين بحاجة ماسة إلى قيم حضارية هي في أصل دينهم ، لكنهم غفلوا عنها ، من هذه القيم : الانتماء للمجموع ، وأخطر مرض يصيب المجتمع الانتماء الفردي ، الانتماء الفردي : إنسان مضطجع تحت شجرة تفاح ، قد قطفت ثمارها كلها ، لكن بقيت تفاحة واحدة لم ينتبه إليها من قطف الفواكه ، كبيرة ، وذات لون شهي ، لون أصفر ، ولها خد أحمر ، ومعه منشار شجر ، فنشر هذه الشجرة ، وهي عالية جداً ، نشرها فوقعت على الأرض ليأكل هذه التفاحة ، هذا الانتماء الفردي .
من أجل مصلحته المحدودة يقضي على مصالح المجتمع ، من أجل شهواته المنحطة يدمر أمة ، أخطر شيء بالمجتمع الانتماء الفردي ، وأعظم شيء بالمجتمع الانتماء الجماعي ، قال تعالى : "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ " [المائدة:2] .
لابد من التعاون :
التعاون أصل في ديننا ، وهو خصيصة ثابتة عند الطرف الآخر ، وهذه الخصيصة أحد أسباب قواتهم تعاونوا .
الشيء المؤلم جداً : الطرف الآخر يتعاونون ، وبينهم 5% قواسم مشتركة ، ويبحثون كل يوم عن وسيلة لتقارب هذه المجتمعات .
كنت في ألمانية ، مشينا في طريق في مدينة آخن ، قيل لي : هذه هولندا ، ولا لوحة ، ولا إشارة ، ولا كلمة ، كيف عرفتم أن هذه هولندا ؟ قالوا : من ألوان لوحات السيارات ، كانت بيضاء فأصبحت صفراء .
دولة واحدة ، عملة واحدة ، ناطق رسمي واحد ، ووحدة اقتصادية ، هؤلاء أعداءنا ! الذين يبحثون كل يوم عن نقاط اللقاء ، ونحن بيننا حدود وسدود ، فيها تقف ساعات ، وجدار فصل ، ونحن نتقاتل ، وبيننا 95 % قواسم مشتركة ، هذه وصمة عار بحق الأمة .
أيها الإخوة ، الله عز وجل يريدنا أن نتعاون ، لذلك الانتماء إلى المجموع حضارة ، الانتماء إلى المجموع دين ، الانتماء للمجموع شيء يرقى بالمجتمع ، والانتماء الفردي خطر يهدد المجتمعات الإسلامية ، والإنسان في هذه الحال له هدف مادي ، أن يجمع ثروة طائلة ، ولا يعبأ بكل مآسي المجتمع .
" والله ما آمن بي مَن بات شبعان ، وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم " [البزار والطبراني عن أنس بسند حسن] .
الله عز وجل ذات كاملة ، صمدية ، وصفاته فردية ، واحد أحد ، فرد صمد : " لَم يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ " هو المنفرد بالأَحدية والفردية .
2 ـ معنى آخر للوتر :
الآن هناك معنى آخر للوتر ، وهو معنى جديد : الشفع مخلوقاته ، صفاتهم متنوعة ، بل متناقضة ، هناك بخيل ، وكريم في بني البشر ، مستقيم ومنحرف ، صادق وكاذب ، أمين وخائن ، متجمل ومتوحش ، لكن الله سبحانه وتعالى أسماءه كلها حسنى ، وصفاته فضلى ، متوحد بكماله ، هذا معنى جديد ، بينما خَلقه متنوعون بصفاتهم .
أيها الإخوة ، لكن في بعض الأحاديث : " وإن الله وتر يحب الوتر " [رواه مسلم] .
شهوة الجنس :
هذا شي جديد ، الإنسان أودع الله فيه حاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على جسمه ، أو على شخصه ، أو على فرديته ، وأودع فيه حاجة إلى المرأة ، وأودع في المرأة حاجة إلى الرجل ، أودع فيه حاجة إلى الجنس حفاظاً على النوع ، لولا هذه الشهوة التي أودعها الله فينا ما كان هذا الدرس ، فتجد الإنسان يسعى جاهداً ، يعمل ليلاً ونهاراً ليجمع مبلغا يتزوج به امرأة ، يشتري بيتاً ، يستأجر بيتاً ، يجهد جهداً كبيراً ، وهذه حاجة أساسية ، والفتاة ومعها كل الحق أن تنتظر خاطبًا ، يرعاها ، يحفظها ، يدافع عنها ، يكون ملءَ سمعها وبصرها ، هي تنتظر ، وهو يبحث ، لأن الله أودع فينا دافع إلى الجنس ، وهذا الدافع إلى الجنس قوي جداً ، فإن لم يتحرك في القنوات الشرعية تحرك في القنوات غير شرعية ، إن وضعت العراقيل أمام الشباب في زواجهم فإياك أن تظن أنك توقف هذه الحاجة ، بل تستمر ، ولكن في الحرام .
من أين هذا المعنى ؟
" إِذا جاءكم مَن تَرضَون دينه وخُلُقَه فأنكحوه ، إِلا تفعلوا "
ما قال : يلغى الزواج ، ما قال : تلغى علاقة الذكر بالأنثى ، ما قال : تمنع هذه الحاجة أبداً .
" إِلا تفعلوا تكُنْ فتنة في الأرض وفساد ، إِلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير " [أخرجه الترمذي عن أبي حاتم المزني] .
هذه الحاجة الثانية ، حفاظاً على النوع .
الحاجة إلى تأكيد الذات :
أما الذي يعنينا في هذا الدرس الحاجة الثالثة ، تأكيد للذات ، أن تكون متميزاً ، أن تكون نجماً ، أن تكون نجماً ، أن تكون شيئاً مذكوراً ، أن تكون مُهِمًّا ، أن يشار إليك بالبنان ، أن يتحدث الناس ، حاجة أساسية ، هذه الحاجة تروى في الحق ، وفي الباطل .
قد يجمع الإنسان أموالاً طائلة، وأنفقها على ملذاته، وشهواته، وبيته ، ومركبته وحماقاته ، وأسفاره ، فيصبح حديث الناس ، وإنسان آخر : " دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ " [فصلت:33] .
يصبح حديث الناس أيضاً ، لكن هناك فرق بينهما ، هذه الحاجة الثالثة تأكيد للذات ، لعلها معنية بقول النبي عليه الصلاة والسلام : " وإن الله وتر يحب الوتر " .
يحبك أن تكون متفوقًا ، لا أن تكون رقمًا بسيطًا ، لا أن تكون مع دهماء الناس ، لا أن تكون إنسانًا لا يأبه به أحد ، همه بطنه ، أو همه فرجه ، أو همه ثوبه ، أو همه مسكنه ، همه شهواته .
" وإن الله وتر يحب كل وتر "
" إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها ودنيها " [أخرجه الطبراني عن حسين بن علي] .
البارحة اطلعت على رسالة جاءتني ، أن شاباً مسلماً من الهند درس في أمريكا ، وحقق نجاحًا في الدراسة كبيرًا جداً ، فعمل في شركة إنترنت ، هذا الشاب اخترع ما يسمى البريد الساخن ، أو البريد السريع ، وبعد اختراعه بسنة أصبح المشتركون عشرة ملايين ، أكبر شركة كمبيوترات ( ميكروسوفت ) صاحبها ( بل غيت ) أغنى غني العالم معه 90 مليار دولار ، عرضت عليه شراء هذا البرنامج ، دفعت فيه خمسين مليونًا ، طلب 500 مليون بعد مفاوضات لسنتين اشترته بـ400 مليون ، أنفق 300 مليون على حل مشكلات مجتمعه ، الآن رصيده مئة مليون ، له أعمال خيرية ، مياتم ، مدارس ، فهذا إنسان متميز .
لا تكن رقمًا لا يعني شيئاً ، جاء إلى الدنيا وعاش ومات ، ما أحد علم به أساساً ، أما أعلام المجتمع فيشار إليهم بالبنان .
فيا أيها الإخوة الكرام " وإن الله وتر يحب الوتر " .
يحبك أن تكون شيئًا مذكورًا ، يحب أن تحقق إنجازًا للأمة ، تترك بصمات ، وكلنا يقول : رحم الله صلاح الدين الأيوبي ، انتصر على جيوش جرارة ، وفتح القدس ، ورفع رأسنا عاليا ، والعالم كله يقول : رضي الله عن سيدنا خالد ، الذي خاض مئة معركة ، وما في جسمه موضع شبر إلا وفيه طعنة برمح ، أو ضربة بسيف ، ومات على فراشه ، و في العيد الماضي وضع على ضريحه كساء جديد في حمص ، له بطولات كبيرة جداً .
لا تكن شخصًا عاديًا ، لا أحد ينتبه إليك ، اعمل عملا ، قدم خدمة لأمتك ، حل مشكلة من مشكلات أمتك ، أتقن عملك ، الحد الأدنى أتقن عملك ، وقدم للناس بضاعة جيدة بسعر معتدل ، حل مشاكلهم ، هذا الذي ينتمي لنفسه فقط إنسان غير سوي .
أيها الإخوة ، الله عز وجل واحد ووتر وواسع .
3 ـ الله وتر وواسعٌ :
آخر فكرة : قد تجد طبيبًا درس بأمريكا ، تعين بالخليج ، جاء مريض من الهند ، وصف له دواء صنع ماليزيا ، كيف ؟ لأن بنية الإنسان واحدة ، مكان العصب بالميلي في العالم كله ، مكان الوريد ، مكان الشريان ، التصميم واحد يدل على إله واحد ، لكن ما من واحد له وجه كالثاني ، الله عز وجل واحد وواسع ، حتى إن بعض العارفين قال : يا رب لو تشابهت ورقتا زيتون لما سميت الواسع .
ما من قزحية عين في الأرض كقزحية عين الآخر ، ما من رائحة جلد كرائحة أخرى ، ما من نبرة صوت ، الله أعطى الإنسان فردية ، والله لو تشابهتا ورقتا زيتون لما سميت الواسع .
حدثني أخ صديق : قال لي : أنجبت زوجته بنتين من بويضة واحدة ، هذه أشد أنواع التشابه ، من بويضة واحدة ، ومع ذلك الطباع متباينة .
والحمد لله رب العالمين
مختارات
-
" ماذا عن اليوم الآخر ؟ "
-
" القلادة الأولى"
-
بشارات النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين في الأزمات
-
شرح دعاء " اللهم احفظني بالإسلام قائما، واحفظني بالإسلام قاعدا، واحفظني بالإسلام راقدا، ولا تشمت بي عدوا ولا حاسدا. اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك، وأعوذ بك من كل "
-
" فوائد الاستغفار "
-
اسم الله الحفيظ 1
-
من لوازم الحكم على الآخرين.. سلامة القلب والتجرد من الهوى
-
" الأمراض النفيسة الأسباب والعلاج "
-
شرح دعاء "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم "
-
أفكار في المتحف !