شهرُ اللهِ المحرَّم - مسائلٌ وأحكامٌ
بسم الله الرحمن الرحيم
[أ] التعريف بـ(شهر الله المحرم).
هو أول شهر من الأشهر الهجرية كما تمَّ الاتفاق على ذلك في عهدِ الخليفة الراشد عمر بن الخطاب سنة 16 هـ، وهو أحد أشهر الحرم الأربعة التي ذكرها الله في كتابه {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}. وقد بيَّنتِ السنَّة أسماءَ هذه الأربعةِ؛ فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) رواه الشيخان، والعربُ تعرِّفه فتقول (المحرم) قال النّحاس: وأُدْخِلَت الألف واللاّم في المُحَرَّم دون غَيْرِه من الشُّهُور اهـ.
(سببُ تسميتهِ) وسمي محرماً لتحريمِ الجنة فيه على إبليسَ، وقيل –وهو الأقرب-: سمي محرمًا تأكيداً لتحريمِ القتالِ فيهِ، لأن العرب كانت تتقلب فيه، فتحله عاماً وتحرمه عاماً؛ كما قال تعالى {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}، لذا كانتِ العرب تسميه بـ " الأصم " لشدةِ تحريمه.
[ب] فضائلُ (شهر الله المحرم).
أولاً: إضافـةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم هذا الشهر إلى الله، فإنه قال (شهرُ اللهِ المحرَّم) وهذه الإضافةُ إضافة تشريفٍ وتخصيص، ووجهُ التخصيصِ من كونِ أن تحريمه إلى الله -عز وجل- ليس لأحد تبديله كما كانت الجاهلية يحلونه ويحرمون مكانه صَفَراً، فأشار إلى أن مبدأ التحريم ومنتهاه إلى الله جلَّ جلاله.
ثانيًا: فضيلةُ الصيامِ فيه، فعن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضلُ الصيام بعد شهرِ رمضان شهرُ الله [الذي تدعونه] المحرم) رواه مسلم والنسائي، وقد استحبُّ الحنابلةُ صيامه فقطْ من الأشهر الحرم.
ثالثًا: وجودُ يومِ عاشوراء فيه، فهذا يومٌ عظيمٌ نجى الله فيه موسى وأغرقَ آل فرعون، فصامه اليهودُ شكرًا لله فقال النبي (نحن أولى بموسى منهم) فصامه وأمر بصيامه.
قال بن المنير: الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية.
رابعًا: أقسمُ الله تعالى بأيامهِ، قال تعالى {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} قاله بعض أهل التفسير، وفيه ضعف.
خامسًا: أنه أفضلُ أشهرِ الحرم، لما خصَّ من إضافتهِ إلى الله، ولما وردَ من فضيلةِ الصيام فيه، وتخصيصهِ بالذكرِ عن بقيةِ الشهور الأربعة، فهو أفضل الأشهر الأربعة، وأفضلُ الأيام فيه العشر الأول، وأفضل العشر: اليوم العاشر " يوم عاشوراء ". عن الحسن البصري قال: إن الله افتتح السنة بشهر حرام وختمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم،
سادسًا: تحريمُ القتالِ والظلمِ فيهنَّ، فقد نهى الله سبحانه عن ابتداءِ القتالِ في هذه الأشهرِ تعظيمًا لهنَّ وتشريفًا، قال قتادة في قوله " فلا تظلمـوا فيهن أنفسكم ": إن الظُّلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها اهـ.
قال القرطبي: خص الله تعالى الأشهر الحرم بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفاً لها، وإن كان منهياً عنه في كل الزمان،..وعلى هذا أكثر أهل التأويل أي: (لا تظلموا في أشهر الحرم أنفسكم) اهـ.
سابعًا: ابتداءُ التأريخ الهجري به، فقد تشاورَ صحابة رسول الله مِن أيِّ شهر يكونُ ابتداء السنةِ، فاختار عمر وعثمان وعليٌ رضي الله عنهم أن يكون ابتداءُ السنةِ من المحرمِ، لأنه شهرٌ حرامٌ يلي شهر ذي الحجة الذي يؤدي المسلمون فيه حجهم الذي به تمام أركان دينهم، ولأن ابتداء العزم على الهجرةِ كان فيه، إذ البيعةُ كانت في ذي الحجةِ، وهي مقدمة للهجرةِ، وأول هلالِ هل بعدها المحرم، فكان ابتداء السنة الإسلامية الهجرية من شهر المحرم.
[ج] بدعٌ محدَثة في (شهر الله المحرم).
(1) بدْعَةُ الحُزْنِ عِنْدَ الرَّافِضَةِ؛ أكرم الله سبحانه وتعالى الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- بالشهادة، وذلك سنة 61 هـ في شهر محرم يوم عاشوراء، وذلكَ حينما خرجَ مع طائفةٍ كاذبةٍ وعدته بالنصرِ والمؤازرةِ فلما أن ضيَّقوا عليه طلبَ اللحاق بابنِ عمه يزيد بن معاوية وتركَ الأمر، فمنعوه واستأسروه حتى قاتلهم فقتلوه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وصار الشيطان بسبب قتل الحسين رضي الله عنه يحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء، من اللطم والصراخ، والبكاء، والعطش، وإنشاء المراثي، وما يفضي إلى ذلك من سبّ السلف ولعنهم، وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب، حتى يسب السابقون الأولون، وتقرأ أخبار مصرعه التي كثير منها كذب، وكان قصد من سن ذلك، فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة، فإن هذا ليس واجباً ولا مستحباً باتفاق المسلمين، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة، من أعظم ما حرمه الله ورسوله). وقال شيخ الإسلام: (وهذه بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل له وكل بدعة ضلالة).
(2) بدعةُ الفرحِ عندَ النَّواصب، قابلَ بعضُ المتعصِّبين لآلِ البيتِ بدعةَ الفرحِ والحزنِ ببدعة الفرح والترح، فصار أقوام يستحبون يوم عاشوراء (الاكتحال والاغتسال والتوسعة على العيال وإحداث أطعمة غير معتادة) قال شيخ الإسلام: (وهذه بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل على الحسين رضي الله عنه).
(3) بدعة إحياءِ اليوم الأول من المحرم، قال الشيخ بكر بن أبو زيد –رحمه الله-: لا يثبت في الشرع شيء من ذكر أو دعاء لأول العام وهو أول يوم أو ليلة شهر محرّم، وقد أحدث الناس فيه من الدعاء والذكر والذكريات وتبادل التهاني وصوم أول يوم من السنة وإحياء ليلة أول يوم من محرم بالصلاة والذكر والدعاء وصوم آخر يوم من السنة إلى غير ذلك مما لا دليل عليه) اهـ.
قال العلامة أبو شامة: ولم يأت شيء في أول ليلة المحرَّم، وقد فتشت فيما نُقِل من الآثار صحيحاً و ضعيفاً، وفي الأحاديث الموضوعة فلم أر أحداً ذكر فيها شيئاً، وإني لأتخوّف والعياذ بالله من مفترٍ يختلق فيها حديثًا اهـ.
(4) بدعةُ إحياء أيامٍ محدَّدةٍ بأعمال معينة، كتخصيصٍ ركعاتٍ أو أدعيةٍ أو صيامٍ على نمطٍ مرسومٍ، وهذه بدعةٌ رافضيةٌ لا أصلَ لها في الشريعة.
[هـ] الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي تتعلق بـ (شهر الله المحرم).
• عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيُّ شَهْرٍ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصُومَ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، قَالَ لَهُ: مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَسْأَلُ عَنْ هَذَا إِلاَّ رَجُلاً سَمِعْتُهُ يَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا قَاعِدٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ شَهْرٍ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصُومَ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، قَالَ: (إِنْ كُنْتَ صَائِمًا بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصُمُ الْمُحَرَّمَ، فَإِنَّهُ شَهْرُ اللهِ، فِيهِ يَوْمٌ تَابَ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ، وَيَتُوبُ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ). أخرجه الترمذي (741) وقال: هذا حديث حسن غريب اهـ. ولم يخرجه الخمسة، انظر (ضعيف الجامع) (1298) و (المسند حديث رقم 1321) بتحقيق شعيب الأرناؤوط.
• عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِيِّ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ كَانَ يَصُومُ أَشْهُرَ الْحُرُمِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (صُمْ شَوَّالًا فَتَرَكَ أَشْهُرَ الْحُرُمِ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَصُومُ شَوَّالًا حَتَّى مَاتَ). أخرجه ابن ماجه (1744) ولم يخرجه الخمسة، وعلة الحديث الانقطاع بين محمد بن إبراهيم وبين أسامة بن زيد، انظر (ضعيف الجامع) (3490).
• عَنْ مُجِيبَةَ الْبَاهِلِيَّةِ عَنْ أَبِيهَا أَوْ عَمِّهَا أَنَهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ انْطَلَقَ فَأَتَاهُ بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ وَهَيْئَتُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَعْرِفُنِي؟ قَالَ (وَمَنْ أَنْتَ؟) قَالَ أَنَا الْبَاهِلِيُّ الَّذِي جِئْتُكَ عَامَ الْأَوَّلِ قَالَ (فَمَا غَيَّرَكَ؟ وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ) قَالَ مَا أَكَلْتُ طَعَامًا إِلَّا بِلَيْلٍ مُنْذُ فَارَقْتُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لِمَ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ؟) ثُمَّ قَالَ (صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَيَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) قَالَ زِدْنِي فَإِنَّ بِي قُوَّةً قَالَ (صُمْ يَوْمَيْنِ) قَالَ زِدْنِي قَالَ (صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) قَالَ زِدْنِي قَالَ: (صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ) وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثَةِ فَضَمَّهَا ثُمَّ أَرْسَلَهَا. أخرجه أبو داود (2073)، وابن ماجه (1741)، وعلة الحديث جهالة مجيبة الباهلي، والاضطراب بين رواته، انظر (ضعيف الجامع) (3491).
• عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صام تسعة أيام من أول المحرم بنى الله له قبة في الهواء ميلا في ميل لها أربعة أبواب). وهو حديثٌ مضوعٌ، وآفته موسى الطويل، انظر (اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة) (2/29) للسيوطي.
• عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام آخر يوم من ذي الحجة، وأول يوم من المحرم، فقد ختم السنة الماضية، وافتتح السنة المستقبلة بصوم، جعله الله كفارة خمسين سنة). وهو حديثٌ موضوعٌ، فيه كذابان، انظر (الموضوعات) (2/ 199) لابن الجوزي.
[هـ] مسائلٌ وأحكامٌ تتعـلقُ بـ (شهر الله المحرم).
مسألة (1): أفضلُ الصومِ بعدَ رمضان شهر محرم؛ فكيفَ أكثرَ رسول الله من الصيامِ في شعبانَ دون محرم؟
أجيبَ بعدَّة احتمالاتٍ، منها:
(1) أنَّ رسول الله لم يعلم بفضلِهِ إلاَّ آخر حياتهِ.
(2) أنَّ رسول الله كانتْ الأعذار من سفرٍ ومرضٍ تعترضه في هذا الشهر.
(3) أن صيام شعبان من قبيل صوم النافلة قبل الفرض فهو أشبه بالرواتب؛ وصيام محرم من قبيل التطوع المطلق.
مسألة (2): هل يُشرع التطوع بصيامِ المحرم كله؟
ظاهر قولِ النبي صلى الله عليه وسلم (أفضلُ الصيام بعد شهرِ رمضان شهرُ الله المحرم) فضل صيام شهر المحرم كاملاً، وحمله بعض العلماء على الترغيب في الإكثار من الصيام في شهر المحرم لا صومه كله، لقول عائشة رضي الله عنها (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان).
قال الطيبي رحمه الله: أراد بصيام شهر الله صيام يوم عاشوراء، فيكون من باب ذكر الكل وإرادة البعض، ويمكن أن يقال: أن أفضليته لما فيه من يوم عاشوراء، لكن الظاهر أن المراد جميع شهر المحرم اهــــ.
مسألة (3): هل يُشرع القتالُ فيه؟
أولاً: اتفق أهل العلمِ على تحريمِ القتالِ فيه أول الأمر لقوله {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ} وقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} وقوله {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وأما الحكمةُ من تحريمِ القتالِ فيهنَّ فيقول الإمام ابن كثير: وإنما كانت الأشهر المحرمة أربعة ثلاثة سرد وواحد فرد، لأجل أداء مناسك الحج والعمرة فحرم قبل أشهر الحج شهراً وهو ذو القعدة لأنهم يقعدون فيه عن القتال وحرم شهر ذي الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون فيه بأداء المناسك وحرم بعده شهراً آخر وهو المحرم ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، وحرم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب فيزوره ثم يعود إلى وطنه فيه آمناً اه.
ثانيًا: تنازعَ أهل العلمِ في حكمِ القتالِ في هذه الأشهر على قولين:
القول الأول: مُضيُّ تحريمُ ابتداء القتالِ فيهنَّ، ذهبَ إليه عطاء ابن تيميةَ وابن القيم وجماعة من أهل العلم، واستدلوا؛ بعمومِ الأدلة التي سبقَ ذكرها في تحريمِ القتالِ في هذه الأشهر.
القول الثاني: نسخُ تحريم ابتداءِ القتالِ فيهنَّ، ذهبَ إليه أحمد والشافعي ومالك وأبو حنيفة وجماهير السلف والخلف، ويحتمل عندهم أن جميع آيات السيف والقتال ناسخة لتحريم الأشهر الحرم، منها قوله {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} وقوله {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} وأيضًا؛ فإن الصحابةَ اشتغلوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم بفتح البلاد ومواصلة القتال والجهاد، ولم ينقل عن أحد منهم أنه توقف عن القتال في الأشهر الحرم.
ثالثًا: أجمعَ أهل العلم على وجوبِ جهادِ الدفعِ في هذه الأشهر، وقد حكى هذا الإجماع غير واحد من أهل العلم.
[تذكرة]:
قال الحافظُ ابن حجر رحمه الله في " الأمالي المطلقة " نقلا عن شيخه الحافظ أبي الفضل زين الدين العراقي رحمه الله: وأنشدنا الحافظ أبو الفضل بن الحسين لنفسه: استفتح العام بالصيامِ، لله في شهر الحرامْ، وعاشر المحرم صم يكفرْ، عنك ذنوبا مضت لعامْ، وارجع إلى الله من قريبٍ، فإنه غافر الآثامْ، واغتنمِ العمر فإنه ضيفٌ، لا مطمع منه في المقامْ، ولا تكن آيسا قنوطًا، فالعفو من شيمة الكرامْ اهــــ.
قَطعتَ شهورَ العامِ لهوًا وغفلةً *** ولم تَحتَرم فيما أتيتَ (المحرَّمــا)
فلا (رجبًا) وافــيت فيه بحــقِّه *** ولا صمت (شهر الصوم) صومًا متممًـا
ولا في ليالي (عَشرِ ذي الحجة) الذي *** مضى كنتَ قوامًا ولا كنت محرِمًـا
فهل لك أن تمحــُو الذنوبَ بعبــرةٍ؟ *** وتبكي عليها حسرةً وتندمًـا
وتستقبلَ العــامَ الجديد بتوبـةٍ *** لعلكَ أن تمـحُو بها مَا تقدَّمــا
مختارات