اسباب بقاء وفناء الامم
قصتان عجيبتان جاءتا في البقرة قلما نتنبه إليهما أو نتأمل في مغزى كل واحدة منهماالأولى أشار إليها قوله تعالى:{ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم} هؤلاء قوم خرجوا فارين هاربين رافضين لدفع تكاليف الحياة الكريمة وتحمل ضرائب المعيشة العزيزة مع أن أعدادهم كبيرة إنهم ألوف ومع ذلك فروا كانوا جبناء فاستحقوا الموت.
أما الثانية فهي التالية لها مباشرة {ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله} لقد جاءوا لنبيهم يطلبون الجهاد والقتال والحماسة تملأ صدورهم فلما دق النفير وحانت ساعة الصفر وكشفت الحرب عن ساقها صفرت منهم الميادين وخلت الساحات ولم يجد الأعداء إلا أعلاما يطويها النسيم وينشرها {تولوا إلا قليلا منهم }.
فهاتان القصتان تشيران إلى عناصر بقاء الأمم وأسرار هزيمتها ولذا تلحظ أن القرآن تحدث عن القتال والجهاد بالمال بعد الأنموذج الأول وفي هذا إشارة لطيفة إلى أهمية دفع مفارم الحياة الكريمة وأن العزة لها ضرائب مفروضة على الدماء والأموال.
وأما القصة الثانية فقد أكملها القرآن ليوضح أن الانتصار يحتاج إلى ثبات وعزم وتصيم إلى إرادات لا تعرف الانكسار وعزائم
لا تعرف الخوار وسواعد لا تعرف الكلل وعقول لا تسأم التفكير وحسن توكل على الله وثقة بوعده قبل كل شيء (من تأملات الشيخ الغزالي -رحمه الله-.
مختارات