" البسملة (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) "
" البسملة (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) "
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الافتتاح بالبسملة في الصلاة وغيرها:
(أ) يبدأ المسلم قراءته أو صلاته مفتتحًا ومتيمنًا ومتبركًا بـ(بسم الله):
وقد افتتح الله سبحانه القرآن الكريم بالبسملة، وافتتح كل سورة منه بها، والمسلم يبدأ جميع شؤونه الدينية والدنيوية باسم الله تعالى وحده، لا بسام ملك من الملوك، ولا باسم شعب من الشعوب، ولا أمة من الأمم، ولا عظيم من العظماء، ولا باسم مبدأ من المبادئ، أو تنظيم أو حزب، أو مذهب أو فكر.
وحينما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان اللفظ الأول يتضمن الأمر بالبسملة " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ "، وفيه الإشارة إلى بدء الأمور ذات الشأن باسم الله تعالى وحده، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ البسملة في أول كل سورة، وفي ذلك إرشادٌ لنا أن نستفتح بالبسملة جميع شؤوننا، وكل أقوالنا وأفعالنا.
والمعنى: باسم الله أبدأ، باسم الله أفعل، باسم الله أقول، باسم الله أتحرك، باسم الله أنام، باسم الله أستيقظ، باسم الله أعمل، باسم الله أصلي، باسم الله أجامع أهلي، باسم الله آكل، باسم الله أشرب، وهكذا، ولفظ (اسم) يعم جميع الأسماء الحسنى.
فالمسلم يتبرأ من أن يكون هذا الشيء الذي يقوله أو يفعله باسمه أو باسم غيره، وإنما هو باسم الله الذي يُستمد منه العون والقوة والعناية، فلا استعانة له إلا به سبحانه، عليه توكلت، وبه أقدمت، وبه أحجمت، وقد علمنا القرآن أن نضع التوحيد مكان التثليت الذي يبدأ به النصارى شئونهم: باسم الأب والابن والروح القدس.
فاسم الجلالة " اللهِ " هو الاسم العلم على الذات الإلهية، وهو المألوه، أي المعبود، المستحق لإفراده بالعبادة، لما اتصف به من صفات الألوهية، وهي من صفات الكمال.
و " الرَّحْمنِ الرَّحِيم " صفتان لموصوف واحد هو الله سبحانه، بخلاف الأب والابن والروح القدس، فكل من الثلاثة عندهم علم على ذات مستقلة عن الأخرى: الله، وعيسى، وجبريل، أو مريم، والله سبحانه هو ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل حي، وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله، فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة، ومن عداهم فلهم نصيب منها، ونعم الله كلها أثر من آثار رحمته.
(ب) نتائج الافتتاح بالبسملة: والاستفتاح بالبسملة في كل شيء ذي بال يُرجى منه ثلاث نتائج:
النتيجة الأولى: الاعتقاد بأن الله تعالى سيحفظ المسلم بالبسملة من كل شر؛ لأن مجرد ذكر اسم الله تعالى فيه تيمن وتبرك، وإحالة دون وقوع الشرور، وفيه حفظ وبُعد عن نزغات الشيطان ومضالته ومغرياته.
النتيجة الثانية: أن بدء الأعمال والأقوال الصحيحة باسم الله تعالى سوف يوجه الإنسان الوجهة القويمة منذ البداية، ويأخذ بيده إلى الطريق الصحيح.
النتيجة الثالثة: أن المسلم بالبسملة سيلقى عون الله تعالى وبركته؛ لأن الله تعالى يتوجه إلى العبد إذا يمم وجهه شطره، ويأخذ بيده.
ففي البسملة تبرك واستعانة بالله تعالى وحده، وإلا كان الأمر الذي يُقدم عليه خاليًا من الخير والبركة.
(ج) ومن الأمور التي يُستحب ذكر البسملة في أولها:
1- أول الحديث أو المحاضرة أو الندوة أو الاجتماع أو الخطبة، ما عدا خطبتي الجمعة والعيدين والاستسقاء والكسوف لورود الأمر ببدئها بالحمد.
والبدء بالبسملة أول الكلام الهام مأخوذ من افتتاح القرآن باسم الله تبارك وتعالى.
وفيما يلي ذكر للدعاء المقرون بالبسملة أو البسملة وحدها، في كثير من حالات المسلم اليومية:
2- عند دخول الخلاء؛ لحديث أنس رضى الله عنه: «بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» (البخاري ومسلم ).
3- وعند الوضوء؛ لحديث أبي هريرة «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» (أخرجه الترمذي وأحمد وغيرهما بإسناد صحيح عن أبي هريرة، «صحيح الجامع الصغير).
4- وعند الأكل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة رضى الله عنهم: «سم الله، وكل بيمينك، وكل ما يليك» (البخاري ومسلم).
ولحديث عائشة رضي الله عنها: «إذا أكل أحدكم طعامًا فليقل: بسم الله، فإن نسي في أوله فليقل: باسم الله في أوله وآخره» (صحيح سنن الترمذي» باختصار السند للشيخ الألباني وأبي داود).
5- وعند دخول المسجد؛ لحديث أبي حميد وأبي أسيد: «بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك» (يُنظر الروايات الواردة في ذلك في الأذكار للنووي وقد رواه مسلم والترمذي وابن ماجة وأبو داود والنسائي وفي «عمل اليوم والليلة» وابن السني).
6- وعند الخروج من المسجد: «بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم إني أسألك من فضلك» (يُنظر الروايات الواردة في ذلك في الأذكار للنووي وقد رواه مسلم والترمذي وابن ماجة وأبو داود والنسائي وفي «عمل اليوم والليلة» وابن السني).
7- وعند دخول المنزل: لحديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه: «بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا»(سنن أبي داود).
8- وعند الخروج من المنزل؛ لحديث أنس رضي الله عنه: «بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله» (أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي في عمل اليوم والليلة).
9- وعند ركوب السيارة وغيرها؛ لحديث علي بن أبي طالب رضى الله عنه: «بسم الله والحمد لله، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون» (صحيح الترمذي وسنن الترمذي وأبو داود) والنسائي في اليوم والليلة وسنده صحيح).
10- وعند وضع الثياب لحديث أنس رضي الله عنه: «بسم الله الذي لا إله إلا هو»(صحيح الجامع الصغير وابن السنى).
11- وعند تعطل السيارة أو الدابة ونحوهما: «بسم الله» (سنن أبي داود).
12- وعند القيام من النوم؛ لحديث حذيفة رضي الله عنه أنه قال: وإذا استيقظ من منامه (أي: النبي صلى الله عليه وسلم) قال: «الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور» (البخاري ومسلم).
13- وعند الجماع؛ لما جاء في الصحيحين وغيرهما عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله، قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدًا» (البخاري ومسلم).
14- وعند النوم؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: «باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه فإن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين» (البخاري ومسلم).
وفي حديث حذيفة رضى الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام قال: «باسمك اللهم أموت وأحيا» (البخاري وفي الأدب المفرد له يُنظر: «مشكاة المصابيح» و«مختصر صحيح مسلم» حديث رقم (1897) وهو بلفظ (اللهم باسمك)).
15- وفي الصباح والمساء كما في حديث عثمان بن عفان رضى الله عنهأن النبى صلى اله عليه وسلم قال: «ما من عبدٍ يقولُ في صباحِ كلِّ يومٍ و مساءَ كلِّ ليلةٍ: بسمِ اللهِ الذي لا يَضُرُّ مع اسمه شيءٌ في الأرضِ و لا في السماءِ، و هو السميعُ العليمُ ثلاثَ مراتٍ، فيضرُّه شيءٌ» (صحيح الترغيب).
16- وعند الرقية كما في حديث عثمان بن أبي العاص رضى الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا يجده في جسده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثًا، وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر»، وفي لفظ: «أعوذ بعزة الله وقدرته» (صحيح مسلم» وأبو داود وابن ماجة ).
17- وعند الذبح كما جاء عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «بسم الله، الله أكبر، اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وسلم» («الأذكار» وهو في «صحيح مسلم» وأبي داود والترمذي وابن ماجة ).
18- وعند إدخال الميت القبر كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا وضعتُم موتاكم في قبورِهم فقولوا: بسمِ اللهِ، و على سنةِ رسولِ اللهِ» (صحيح الجامع).
هذا: والأذكار الواردة فيما ذكرت وغيرها كثيرة، منها ما هو بلفظ (الحمد) أو لفظ (اللهم) مما لم نتعرض له هنا، وغير ذلك من مختلف الصيغ الواردة في هذا المقام مما هو في الكتب الخاصة بذلك كالأذكار للنووي، والوابل الصيب لابن تيمية، وعمل اليوم والليلة لابن السني والنسائي وغير ذلك.
مختارات