لب العبودية
الافتقار إلى الله هو لب العبودية الذي به يمضي الإنسان مقبلاً على الله راجيا ثوابه وفضله طالبا مغفرته وعفوه وحقيقته عرفها الإمام ابن القيم بقوله” حقيقة الفقر:أن لا تكون لنفسك، ولا يكون لها منك شيء؛ بحيث تكون كلك لله، وإذا كنت لنفسك فثمَّ ملك واستغناء مناف للفقر”. ثم قال:”الفقر الحقيقي: دوام الافتقار إلى الله في كل حال، وأن يشهد العبد في كل ذرة مـن ذراتــه الظاهـرة والباطنـة فاقـة تامـة إلى الله -تعالى- من كل وجه” وهذا الشعور بالفقر هو الذي وجه الله الناس إليه بقوله:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}[فاطر: 15]
وهو الذي أمر الله به الخلق جميعا بقوله:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام: 162] إنه الشعور بالنقص والحاجة والفاقة إلى الكامل سبحانه ذي القدرة والغنى التام وهذا الشعور هو الواقع الفعلي لحالنا نحن البشر إذ لا غنى لنا عن الله طرفة عين أو أقل حاجتنا صاعدة إليه في كل شيء حتى في النفس الداخل والخارج لا حياة لأحد إلا به ولا وجود لأحد إلا به إذ هو الحي القيوم الذي به تقوم حياة كل حي.
لكن بعض الناس يخطئ فيظن أحيانا أنه عن الله استغنى وتعجب حين تراه
استغنى عن الله بما وهبه الله بنعم الله عليه فيا للحمق والسفه!
إن كثيرا منا يغتر بالنعم وينسى من الذي أنعم بها عليه وينسى أن الذي أنعم قادر على أن ينزع النعم كما وهبها،ولذلك فإن الله عزوجل في سورة العلق قال مذكرا من هذا حاله بأنه راجع إلى الله يوما ما وحيدا فريدا لا شيء معه ولا قدرة له{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى*ِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى}[العلق: 6 - 8] رأى نفسه عن الله استغنى فليذكر أن إلى ربه الرجعى،وما معنى هذا؟ معناه أنه عائد إلى الله بلا شيء {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}[الأنعام: 94] إنها العودة إلى الله بلا شيء كما خلقنا أول مرة،فالشعور بالرجوع إلى الله متجردا حتى من الثياب كما قال النبي: (يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا) هذا هو الشعور الذي يكبح جماع النفس ويردها عن غيها إلى حقيقتها حقيقة الفقر إلى الله ولهذا ليس عجبا أن يذكرنا باليوم الآخر كل يوم أكثر من سبع عشرة مرة في الصلوات حين يقرأ المسلم في كل فرض قوله تعالى:{مالك يوم الدين} فحري بمن علم أنه موقوف غداً بين يدي الله متجردا من كل شيء أن يلزم عتبة الافتقار والذل لله رب العالمين.
مختارات