" علاج المعاصي "
" علاج المعاصي "
أخي المسلم: لا شك أن لكل داء دواء؛ والمعاصي كغيرها من العلل والأدواء بل إنها أخطر من أمراض البدن العارضة ! لأن أمراض الأبدان مهما عظمت، فإن ضررها لا يتجاوز البدن، وأما المعاصي: فإنها أمراض للقلوب، وفي مرض القلوب ذهاب للدين والدنيا.. ومن أراد العلاج فلا بد من الصبر على مرارة الدواء، ومن لم يصبر لمرارة الدواء حرم من العلاج.
وفي علاج المعاصي صلاح للأرض والعباد، كما أن في انتشارها فساد للأرض والعباد..فيا غارقًا في الذنوب عالج نفسك قبل الهلاك ! ويا معرضًا عن سبل الطاعات عالج داءك، وإليك وصفات العلماء الربانيين، تجلو بها ما بقلبك من أدواء المعاصي.. يا من أردت العلاج.
أولاً: الخوف من الله تعالى:
أخي المسلم: تذكر دائمًا أن الله تعالى هو القاهر.. القادر.. شديد العقاب.. الذي لا يعذب عذابه أحد.. وإذا كنت أيها الضعيف لا تطيق بطش مخلوق متجبر؛ فكيف تطيق بطش ملك الملوك؟
كثير من العصاة يقعون في الذنوب ولا يستحضرون خوف الله تعالى، ولو خاف العاصي بأس الله تعالى لأقلع عن الذنب.. فيا أيها العاصي تذكر أنك تبارز الملك المتفرد بالكبرياء !
وقد حذرك الله تعالى شديد انتقامه وبأسه " وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ " [آل عمران: 28].
قال الحسن البصري رحمه الله: «ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق».
فيا أيها العاصي خف الله تعالى واهرب من المعاصي إليه؛ فذلك خير لك.
قال الحافظ ابن حجر الهيتمي رحمه الله: واعلم أن أعظم زاجر عن الذنوب هو خوف الله تعالى، وخشية انتقامه وسطوته وحذر عقابه وغضبه وبطشه " فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ".
ثانيًا: صدق التوجه إلى الله وسؤاله الهداية:
أخي المسلم: على المسلم أن يكون دائم التوجه إلى ربه تعالى وسؤاله من فضله وإحسانه، وهذه أخلاق المؤمنين الصادقين.
ولكن مجرد التوجه لا يكفي إن لم يصحبه صدق وإخلاص، وأن يراعي في ذلك شروط الدعاء المستجاب؛ حتى يثمر دعاؤه عن الإجابة، والعبد في جهاده للنفس والشيطان إن لم يوفقه الله تعالى، فلن يتغلب عليهما..
وفي خطبة النبي صلى الله عليه وسلم والتي تسمى (خطبة الحاجة) «من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له» (رواه مسلم) .
فلتكثر من دعاء الله تعالى في أمرك كله، ولتستعذ بربك تعالى من شر نفسك، ومن شر الشيطان الرجيم، وإذا أخلصت في ذلك فستجد الله تعالى قريبًا منك.
ثالثًا: مجاهدة النفس وفطمها عن شهواتها:
أخي المسلم: لا تظنن أن نفسك التي بين جنبيك صديق حميم! وإنما هي العدو النازل بين جنبيك تحب دائمًا أن ترتع في هواها وشهواتها، فإن لم تجاهدها لا تزال تدعوك إلى هواها حتى تهلكك !
أيها العاصي ! فلتعزم على جهاد نفسك وعصيانها، فإن فعلت ذلك فستجد ربك تعالى مسددًا لك، وهاديًا لك إلى صراطه المستقيم قال الله تعالى: " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ " [العنكبوت: 69].
قال عبد الواحد بن زيد رحمه الله: «من نوى الصبر على طاعة الله صبره الله عليها، وقواه لها ومن عزم على الصبر عن المعاصي؛ أعانه الله على ذلك وعصمه عنها».
أخي المسلم: جهاد النفس دواء مجرب.. وترياق نافع لسموم المعاصي.. وقد جربه قبلك الصالحون، فأعانهم الله على طاعته. ورفع ذكرهم.
رابعًا: العزيمة الصادقة على مفارقة المعاصي:
أخي المسلم: عزمك الصادق هو الذي سينسف عروش المعاصي.. وضعفك.. وترددك. وتسويفك للتوبة، هو الذي سيجعل للمعاصي سلطانًا عليك؛ ولا تدري بعدها على أي حال سيُختم لك؟!
سئل بعض العارفين: كيف غلبت نفسك؟ قال: (قمت في صف حربها بسلاح الجد، فخرج مرحب الهوى يدافع فعلاه عليُّ العزم بصارم الحزم، فلم تمض ساعة حتى ملكت خيبر.
ويعني بمرحب: مرحب اليهودي الذي قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم خيبر.
فشبه الهوى بمرحب اليهودي وشبه العزم بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقصد من ذلك كله: أن عزمه غلب هواه.
خامسًا: الإكثار من النوافل والطاعات:
أخي المسلم: الإكثار من النوافل والطاعات؛ عدو لدود للمعاصي؛ لأن الطاعات ضد المعاصي، واجتماع الضدين غير ممكن؛ كما لا يجتمع الماء والنار ! والماء هو الطاعات، والنار هي المعاصي..
سادسًا: مجالسة الأخيار:
أخي المسلم: إن مجالسة الأخيار والصالحين من الأدوية النافعة للنجاة من شرور المعاصي. فإن أثر الصحبة والمخالطة على الإنسان مما لا ينكره أحد؛ وقرين السوء كالداء الملازم للبدن ! كما أن القرين الصالح كالمرهم الواقي على الجرح، يهديك النصيحة، ويدلك إلى طريق الهداية والسداد.
وأخيرًا: أخي المسلم: تلك كلمات تكشف لك بعض عيوب المعاصي، ولا تنس أن أقبح عيب للمعاصي، أن العاصي معاند لربه سبحانه.. متمرد على طاعته ! فتلجعل أخي المسلم طاعة الله شعارًا في حياتك.. حتى تفوز بالخيرات في الدنيا والآخرة.
مختارات