النسمة الثامنة - لهذا أحب ربي - (6)
11. أحب الله لأنه الله
1. الغفار: غفر.. أي ستر، والغفار هو من أظهر الجميل وستر القبيح رآك على الذنوب فلم يفضحك، وحاربته بالمعاصي فلم يهتك سترك، أخفى عن الناس ذنبك وستر عيبك، وجمل ظاهرك، وأخفى باطنك فلم يعرف الناس همك بالشر والغش والخيانة وإردة المعصية وسوء الظن بالخلق، ولو عرفوك لكرهوك وما أكرموك، وعادوك وما أحبوك.
أخى.. اغرف معي من بحر الحب المتدفق فى آثار قوله:
يا ابن آدم.. إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي.
يا ابن آدم.. لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي.
يا ابن آدم.. لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة.
إذا كنت تغدو في الذنوب بعيدا *** وتخاف في يوم المعاد وعيدا
فلقد أتاك من المهيمن عفوه *** وأفاض من نعم عليك فريدا
لا تيأسن من لطف ربك في الحشا *** في بطن أمك مضغة ووليدا
ولو شاء أن تصلى جهنم خالدا *** ما كان ألهم قلبك التوحيدا
غفر لسحرة فرعون ما كان منهم ورفعهم إلى درجة الشهداء، تاب على الغامدية توبة لو وزعت على سبعين من أهل المدينة لكفتهم، ويظل نهر الحب يجري على مر السنين.
الفرحة الكبرى: يفرح برجوعك إليه أكثر من فرحك بلاجوعه إليك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته بأرض مهلكة ذوية عليها طعامه وشرابه وظلها، حتى إذا أيس من حصولها نام في أصل شجرة ينتظر الموت، واستيقظ فإذا هي على رأسه قد تعلق خطامها بالشجرة، فالله أفرح بتوبتة عبده من هذا براحلته» (صحيح كما في ص ج ص رقم 5033).
وهي فرحة إحسان وبر ولطف لا فرحة محتاج إلى توبة عبده منتفع بها، يفرح بمن عبادته هو وأمثاله لا تساوي في ملكه ذرة تراب، من أنت يا فقير حتى يتقرب إليك أغنى الأغنياء؟!
ماذا تساوي يا ذليل حتى يتودد إليك العزيز؟! ومع ذلك يغفر ويتودد ويتلطف، بل يجعل أعظم الذنوب عنده أن يظن العبد أن الرب لن يغفر!!.
من أسوأ الناس حالا؟! قال عبد الله بن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفه وهو جاث على ركبتيه وعيناه تهملان، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حال؟! فقال: الذي يظن أن الله لا يغفر.
ما زلت أغرق في الإساءة دانيا *** وتنالني بالعفو والغفران
لم تنتقصني إذا أسأت وزدتني *** حتى كأن إساءتي إحسان
تجزي الجميل عن القبيح كأنما *** يرضيك مني الزور والبهتان
جرعة حب: نظر الفضيل بن عياض إلى تسبيح الناس وبكائهم عشية عرفه، فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقا (الدانق: سدس درهم) أكان يردهم؟! قالوا: لا. قال: والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق.
لا يبعدنك عتبنا عن بابنا *** فالعهد باق والوداد مصان
وبحسننا وبلطفنا وبجاهنا شاع *** الحديث وسارت الركبان
فإذا ذللت لعزنا ولجاهنا *** ذلت لعزتك الملوك وهانوا
مختارات