عودة قلب
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم..
أما بعد..
" رب ارجعون " إلى لحظات القرب منك، إلى الحياة بعد أن ضلت قلوبنا وابتعدت كثيرا عنك.
إنَّ حالنا كحال بهلول بن ذؤيب الذي يذكر أنه ظل يبكي ويقول: كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوبا إن أخذت ببعضها خلدني في جهنم ولا أرى إلا أنه سيأخذني.
ومضى حتى أتى بعض جبال المدينة فتغيب ولبس مسحا وغل يده إلى عنقه بالحديد ونادى: إلهي وسيدي ومولاي هذا بهلول بن ذؤيب مغلولا مسلسلا معترفا بذنوبه "
نعم هذا عبدك (فلان) أتاك وهو مغلول بذنبه، ومعترفًا بجرمه، ويسألك بكل اسم هو لك، ويطلب منك وأنت الجواد الأكرم أن ترده إليك ردًا جميلا، وأن تجعل قلبه ينبض بحبك، فاللهم لا تجعل في قلبي إلا حبك ولا تجعل فيه تعلقًا بسواك، واجعله في هداك وابتغاء رضاك.
أحبتي...
كان ذو النون المصري يقول: ثلاثة من أعلام موت القلب: الأنس مع الخلق، والوحشة في الخلوة مع الله، وافتقاد حلاوة الذكر للقسوة.
وهذه هي بداية " عودة القلب " أن نسعى في حياة قلوبنا بثلاث:
1- تعلم كيفية الأنس بالله.
2- الخلوة للمناجاة والتضرع.
3- كثرة الذكر لتليين القلب.
وتعالوا نتدارس المعنى الأول: " كيفية الأنس بالله تعالى "
يقول الإمام ابن القيم: " إذ استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرح الناس بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنس الناس بأحبائهم فأنس أنت بالله، وإذا ذهب الناس إلى ملوكهم وكبرائهم يسألونهم الرزق ويتوددون إليهم فتودد أنت إلى الله.
والأنس بالله ثمرة للطاعة، ونتيجة للمحبة، فمن أطاع الله وامتثل أمره واجتنب نهيه وصدق في محبته، وجد للأنس طعماً وللقرب لذة، وللمناجاة سعادة.
أما من كان قلبه فارغاً من حب الله والأنس بالله، فإنه سيشعر بالوحدة والغربة والعزلة حتى ولو كان حولك الناس جميعاً، وهنا سيغلق القلب أبوابه وستفتح النفس أبوابها التـي تقوده إلى سبيل الشهوات والنزوات والهوى، فتضل السبيل وتسلك طريق الضياع، والحيرة، والتخبط، والهلاك الذي يودي بك حتماً إلى الشقاء.
يقول ابن القيم: " في القلب شعت لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفي القلب وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفي القلب خوف وقلق لا يذهب إلا بالفرار إلى الله، وفي القلب حسرة لا يطفئها إلا الرضا بالله ".
وقال بعض السلف: إيَّاك أن تطمع في الانس بالله وأنت تحب الأنس بالناس.
وسئل بعضهم: متى يذوق العبد الأنس بالله؟ فقال: إذا صفا الود وخلصت المعاملة. فقيل: فمتى يصفو الود؟. قال: إذا اجتمع الهم فصار في الطاعة. قلت: فمتى تخلص المعاملة؟. قال: إذا كان الهم هما واحدا.
وذكر ابن حجر الهيثمي: أنَّ جَمِيعَ تِلْكَ الْكَبَائِرِ يَرْجِعُ فِعْلُهَا إلَى سُوءِ الْخُلُقِ، وَتَرْكُهَا إلَى حُسْنِ الْخُلُقِ، وَحُسْنُهُ يَرْجِعُ إلَى اعْتِدَالِ قُوَّةِ الْعَقْلِ بِكَمَالِ الْحِكْمَةِ، وَإِلَى اعْتِدَالِ الْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ وَالشَّهَوِيَّةِ، وَإِطَاعَةِ كُلٍّ مِنْهَا لِلْعَقْلِ مَعَ الشَّرْعِ، ثُمَّ هَذَا الِاعْتِدَالُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِجُودٍ إلَهِيٍّ وَكَمَالٍ فِطْرِيٍّ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِاكْتِسَابِ أَسْبَابِهِ مِنْ الْمُجَاهَدَةِ وَالرِّيَاضَةِ بِأَنْ يَحْمِلَ نَفْسَهُ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ يُوجِبُ حُسْنَ خُلُقِهَا وَيُضَادُّ سُوءَ طَوِيَّتِهَا إذْ هِيَ لَا تَأْلَفُ رَبَّهَا وَلَا تَأْنَسُ بِذِكْرِهِ إلَّا إذَا فُطِمَتْ عَنْ عَادَتِهَا وَحُفِظَتْ عَنْ شَهَوَاتِهَا بِالْخَلْوَةِ وَالْعُزْلَةِ أَوَّلًا لِيُحْفَظَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ عَنْ الْمَأْلُوفَاتِ، ثُمَّ بِإِدْمَانِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ فِي تِلْكَ الْخَلْوَةِ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الْأُنْسُ بِاَللَّهِ وَبِذِكْرِهِ، فَحِينَئِذٍ يَتَنَعَّمُ بِهِ فِي نِهَايَتِهِ، وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ فِي بِدَايَتِهِ، وَرُبَّمَا ظَنَّ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ أَدْنَى مُجَاهَدَةٍ بِتَرْكِ فَوَاحِشِ الْمَعَاصِي أَنَّهُ قَدْ هَذَّبَهَا وَحَسَّنَ خُلُقَهَا، وَأَنَّى لَهُ بِذَلِكَ وَلَمْ تُوجَدْ فِيهِ صِفَاتُ الْكَامِلِينَ وَلَا أَخْلَاقُ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا } إلَى أَنْ قَالَ: { أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا }
معنى ذلك:
1- أول الطريق مجاهدة النفس وترويضها عن فعل المعاصي، فليس المطلوب فقط ترك المعصية، بل التحلي بصفات أهل الإيمان.
2- الابتعاد عن كل أسباب المعاصي بالخلوة وكثرة التواجد في المساجد والبعد عن أماكن الغفلة.
3- إدمان الذكر والدعاء.
4- الوصول للأنس بالله تعالى (وتكوين الحال مع الله تعالى).
وهاهنا يبدأ القلب ينبض وتعود له الحياة.
استغفار المذنبين مثلي:
اللهم لك الحمدُ بما أنت أهله، فصل على محمد بما أنت أهله، وافعل بنا ما أنت أهله، فإنك أنت أهل التقوى.
أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، فأستغفر الله العظيم فراراً من غضبِ الله إلى رضاء الله.
أستغفر الله العظيم فراراً من سخطِ الله إلى عفوِ الله.
أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه.
أستغفر الله العظيم من الإفراط والتفريط، ومن التخبيط والتخليط، ومن مقارفة الذنوب ومن التدنس بالعيوب، ومن عدم القيام بحق الله وخلق الله، ومن عدم التشميرِ لطاعةِ الله، ومن الظلمات والتبعات، ومن الخطى إلى الخطيئات، ومن حبِ الجاهِ والمال، ومن شهوةِ القيلِ والقال، ومن رؤية النفس بعين التعظيم، ومن اتباع الهوى وهجر التقوى والميل إلى زخارف الدنيا، ومن جميع ما يكره الله ظاهراً وباطناً.
أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه: من كل ذنب يصرف عني رحمتك أو يحل بي نقمتك أو يحرمني كرامتك أو يزيل عني نعمتك، ومن كل ذنب يورث الأسقام والضنا ويوجب النقم والبلاء ويكون يوم القيامة حسرةً وندامة.
ومن كل ذنب تبت إليك منه ونقضت فيه العهد فيما بيني وبينك جراءة مني عليك لمعرفتي بعفوك.
ومن كل ذنب يزيل النعم ويحل النقم ويهتك الحرام ويورث الندم ويطيل السقم ويعجل الألم.
ومن كل ذنب يمحق الحسنات ويضاعف السيئات.
ومن كل ذنب يميت القلب ويجلب الكرب.
ومن كل ذنب يورث النسيان لذكرك أو يعقب الغفلة عن تحذيرك أو يتمادى به الأمن من مكرك أو ينسِّيني من خير ما عندك
مختارات