هل تصح هذه الرقية من الوباء ؟
السؤال: ما مدى صحة هذا الدعاء للرقية من الوباء: (تحصنت بذي العزة، واعتصمت برب الملكوت، وتوكلت على الحي الذي لا يموت، اللهم اصرف عنا هذا الوباء، وقنا شر الداء، ونجنا من الطعن والطاعون والبلاء، بلطفك يا لطيف، إنك على كل شيء قدير). حيث بدأ ينتشر عبر رسائل الجوال.
الجواب: الحمد لله
أولا:
التحصن بالرقى والأدعية والأذكار الشرعية من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستعاذة بالله من (مِنْ الْبَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئْ الْأَسْقَامِ) رواه أبو داود (رقم/1554) وصححه النووي في " الأذكار " (483) والألباني في " صحيح أبي داود ".
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" سيئ الأسقام: وهو جمع سقم، وهو المرض، ويشمل هذا كل الأمراض السيئة، ومنها ما عرف الآن بالسرطان نسأل الله العافية، فإنه من أسوأ الأسقام، فمثل هذه الأحاديث ينبغي للإنسان أن يحرص عليها، وأن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيها " انتهى.
" شرح رياض الصالحين " (6/40)
وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم برفع الوباء عن المدينة، واستدل بذلك العلماء على جواز الدعاء برفع الوباء أو دفعه.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" استشكل بعض الناس الدعاء برفع الوباء ؛ لأنه يتضمن الدعاء برفع الموت، والموت حتم مقضي، فيكون ذلك عبثا.
وأجيب: بأن ذلك لا ينافي التعبد بالدعاء ؛ لأنه قد يكون من جملة الأسباب في طول العمر أو رفع المرض، وقد تواترت الأحاديث بالاستعاذة من الجنون والجذام وسيء الأسقام ومنكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، فمن ينكر التداوي بالدعاء يلزمه أن ينكر التداوي بالعقاقير، ولم يقل بذلك إلا شذوذ، والأحاديث الصحيحة ترد عليهم.
وفي الالتجاء إلى الدعاء مزيد فائدة ليست في التداوي بغيره، لما فيه من الخضوع والتذلل للرب سبحانه، بل منع الدعاء من جنس ترك الأعمال الصالحة اتكالا على ما قدر، فيلزم ترك العمل جملة، ورد البلاء بالدعاء كرد السهم بالترس، وليس من شرط الإيمان بالقدر أن لا يتترس من رمي السهم " انتهى.
" فتح الباري " (10/133)
ثانيا:
أما خصوص الدعاء الوارد في السؤال فلم نعثر عليه في كتب السنة والآثار، وإنما ينقل نحوَه بعضُ فقهاء المالكية عن الشيخ أحمد زروق، كما في " الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني " (2/266)
ولكن لما كانت كلمات هذا الدعاء كلمات شرعية، ليس فيها ما يخالف الشريعة، بل هي كلمات خير وتعظيم لله عز وجل، جاز الدعاء به، والتحصن بما جاء فيه، بشرط ألا يعتقد الداعي وجود فضل وأجر لخصوص هذه الكلمات، وبشرط ألا يعتاده الداعي بحيث يصبح كالعبادة التي تضاهي الشريعة، ولو اعتنى الداعي بما وردت السنة في مثل ذلك، فأحصاه ووعاه، ودعا الله به: لكان خيرا له وأعظم بركة.
والله أعلم.
مختارات