اللياقة القرآنية
أخرج البخاري عن أبي بردة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا موسى و معاذا إلى اليمن
فقال: " يسرا وﻻ تعسرا، وبشرا وﻻ تنفرا، وتطاوعا
فقال أبو موسى: يانبي الله، إن أرضنا بها شراب من الشغير المزر، وشراب من العسل البتع
فقال صلى الله عليه وسلم: " كل مسكر حرام "
فانطلقا،
فقال معاذ ﻷبي موسى:كيف تقرأ القرآن؟
قال:قائما وقاعدا وعلى راحلتي، (وأتفوقه تفوقا)
قال معاذ: أما أنا فأنام وأقوم، وأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي..
[أخرجه البخاري برقم (43455)]
قال ابن اﻷثير (قوله " وأتفوقه تفوقا " يعني قراءة القرآن ؛ أي ﻻ أقرأ وردي منه دفعة واحدة،
لكن أقرؤه شيئا بعد شيء في ليلي ونهاري، مأخوذ من فواق الناقة ؛ ﻷنها تحلب ثم تراح حتى تدر ثم تحلب)
[النهاية في غريب الحديث واﻷثر]
هذا الحديث يبين عﻻقة الصحابة رضي الله عنهم -الذين فتح الله على أيديهم قلوب العباد والبﻻد-بالقرآن وكيف كانت لياقتهم القرآنية ونعني اختﻻط القرآن بشحمهم ولحمهم حتى أصبحت حياتهم ﻻ تنفك عن أورادهم غذاء قلوبهم وأرواحهم..
ووقود دعوتهم وربانيتهم في الدعوة والبﻻغ المبين لرساﻻت الله..
فبعد بيان النبي صلى الله عليه وسلم لطبيعة الدور الذي ابتعث أباموسى ومعاذا له من تحقيق وإظهار مقاصد هذه الشريعة الغراء من التيسير دون التعسير والتبشير دون التنفير ثم مفتاح ذلك من المحبة والمودة والإيثار بينهم وهضم النفس في ذلك العمل الجماعي الرصين (تطاوعا)
إذا بالرجلين يتذاكرا أهم محور في حياتهم ونقطة القوة في ريادتهم وقيادتهم لذلك العالم..
وهي عﻻقتهم بالقرآن..
ومرونة انسياب القرآن في أوقاتهم وسهولة ذلك مما يبين قلة التكلف والتصنع وخفة القرآن على القلوب واﻷلسنة لكثرة المراس والمران وحﻻوة اﻹيمان..
قال أبوموسى اﻷشعري رضي الله عنه
أنه يقرأ القرآن قائما وقاعدا
وعلى راحلته
و أتفوقه تفوقا
وكأنه يتجرع ورده من القرآن جرعة جرعة ليتلذذ به ويتدبره ويتأمله ﻷنه أصبح له روحا وهدى..
ليس الورد ضغطا نفسيا أو ثقﻻ يريد أن يتخلص منه دون أن يتشرب قلبه معانيه وأنواره..
وأيضا يقرأه على جميع حاﻻته في حله وترحاله وفي بيته وفي شارعه متمثﻻ في ذلك ميدانية القرآن وضربه بأطنابه في جسد الحياة..واختﻻطه بذهن المؤمن وأفكاره وطموحاته بين الناس " يمشي به في الناس " رافعا لذلك الشعار والراية القرآنية على شفتيه التاليتين وعينيه الدامعتين وقلبه الوهاج بالنور وﻻ يجد في ذلك كلفة..وﻻ مشقة وذلك لما يجده من لياقة في قلبه وقوة في استيعاب وإتقان اﻵيات لفظا ومعنى وتخلقا والقرآن ﻻ تنفتح أبوابه إﻻ للصادق في محبته فهو قرآن كريم ولكنه عزيز..
كريم ﻻ يرد سائﻻ..
ولكنه عزيز ﻻبد أن تبذل لكي تجد بركاته وأنواره..
وعلى حسب بذلك وجهدك ترتفع لياقتك حتى ﻻ تجد كلفة في وصالك مع القرآن وتتفوق وردك تفوقا
" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين "
ويختلط القرآن بيومك ارتباطا عميقا وتسري البركة في وقتك وقلبك وفي أثرك وسعيك ودعوتك وعلمك وعبادتك..
وقد يكون اﻹنسان له طابع آخر يصلح عليه قلبه في إتيانه بورده مرة واحدة بالليل كمعاذ رضي الله عنه فينام ويقوم ولذلك هذا اﻷمر متوقفىعلى ماهو أصلح للقلب و يبتان ذلك بصدق إرادة العامل وممارسته وتجربته نفسه..
وتزداد اللياقة بعمق المعاشرة مع القرآن واستبطان حبه القلب..
والقدر المشترك بين اﻷدائين هو التدبر والتلذذ ونزول القرآن دواءا وشفاءا..
فزد من لياقتك..
تصنع ربانيتك..
مختارات