اسم الله الودود 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( الودود ) :
أيها الأخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم " الودود " .
ورود اسم الودود في القرآن الكريم فقط :
هذا الاسم أيها الأخوة ورد معرفاً ومنوناً ، معرف بألف ولام ، منون على صيغة نكرة ، في قوله تعالى : " وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ " [البروج:14-16] .
وورد أيضاً في قوله تعالى : " وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ " [هود:90] .
ولم يرد هذا الاسم في السنة ، إلا في سرد الأسماء الحسنى عند الترمذي ، وهذه الأسماء من إدراج الوليد بن مسلم كما تفضل .
المعنى اللغوي لكلمة ودود :
الآن المعنى اللغوي للـ " الودود " ، " الودود " من صيغ المبالغة ، وتعلمنا كثيراً أن صيغ المبالغة تعني مبالغة كم ، ومبالغة نوع ، مودة الله عز وجل لعباده كبيرة جداً ومتنوعة جداً ، من حيث النوع ، ومن حيث العدد .
ودَ الشيء ودّاً ، ووِدّاً ، ووَدّاً ، العلماء تسمي هذه الكلمات التي تأتي على حركات ثلاث كلمات مثلثة ، كأن تقول مُصحف ، ومِصحف ، ومَصحف ، وكل هذه الصيغ صحيحة نقول : هذه كلمة مثلثة ، تأتي على حركات ثلاث بمعنى واحد ، لكن هناك كلمات ، وهذا من دقة اللغة العربية مثلثة ، ولكن كل حركة لها معنى ، قَدُم : أصبح طبيباً ، قَدِم : حضر ، قَدَم : سبقه بقدمه ، خُلق : من الأخلاق ، خَلِق : من الاهتراء ، خَلّق : من البنية ، خَلّق ، خُلق ، خَلِق .
البَر ؛ اليابسة ، البُر ؛ القمح ، البِر ؛ الإحسان ، من دقة اللغة العربية كل حركة من حركات الكلمة تعني شيئاً ، فهناك كلمات مثلثة معناها واحد ، وهناك كلمات مثلثة ذات معاني ثلاث .
أيها الأخوة ، إذاً ودَ الشيء ، المصدر ودّاً ، ووِدّاً ، ووَدّاً ، بالثليث .
الودود من صيغ المبالغة وهي كلمة مثلثة معناها واحد من معانيها :
1 ـ التمني : المعنى الأول : التمني : " يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ " [البقرة:96] يعني إنسان يعتني بصحته عناية فائقة ، جيدة ، جيد جداً ، لكن لو أنه يقيم على معصية مهما عمر لابد من الوفاة .
كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والـــجبروت
والليل مهما طــــال فلا بد من طلوع الفجــر
والعمر مهما طــــال فلابد من نزول القـبــــر
* * *
وكل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فــإذا حملت إلى القبــور جنازة فــاعلم أنك بعدها محمول
* * *
إذاً " يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ " .
" إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ " [الغاشية:25-26] .
" قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ " [الزمر:15] .
"قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا(103)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا" [الكهف:103-104] .
المعنى الأول : " يَوَدُّ أَحَدُهُمْ " أي يتمنى أحدهم ، من التمني .
2 ـ المحبة :
المعنى الثاني : الودّ ؛ بمعنى المحبة ، كما في قوله تعالى : " لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ " [المجادلة:22] .
هذا المعنى في هذه الآية ينقلنا إلى ما يسمى بالولاء والبراء ، فالمؤمن الصادق بل من لوازم إيمانه أنه يوالي المؤمنين ، ولو كانوا فقراء ، وضعفاء ، والمؤمن الصادق من لوازم إيمانه أنه يتبرأ من الكفرة ، والضالين ، والمشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء ، إلى من تنتمي أنت أيها المؤمن ؟ تنتمي إلى أهل الإيمان .
إذاً المعنى الثاني من معاني الودّ الولاء والبراء أي الحب " لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ " .
3 ـ المعية والمرافقة والمصاحبة :
والودّ أيضاً في اللغة قد يأتي على معنى المعية ، والمرافقة ، والمصاحبة ، هذا معنى ثالث ، كلازم من لوزام المحبة ، إن أحببت إنساناً راقبته ، صاحبته ، كنت معه ، كنت كظله ، من المعاني الفرعية الناتجة عن الحب : الملازمة .
فلذلك المعنى دقيق جداً ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر : " أن رجلاً من الأعراب لقيه بطريق مكة ، فسلم عليه عبد الله ، وحمله على حمار كان يركبه ، وأعطاه عمامة كانت على رأسه ، فقال ابن دينار له : أصلحك الله إنهم الأعراب ، وإنهم يرضون باليسير ، فقال عبد الله : إن أبا هذا كان وداً لعمر بن الخطاب كان ملازماً له ، وإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنَّ من أبَرِّ البرِّ صِلَةَ الرجل أهلَ وُدِّ أبيه " [مسلم] .
من فضل الله على الإنسان أنه يسمح له بأن يكون باراً بوالديه بعد موتهما :
مرة شخص سأل النبي عليه الصلاة والسلام وقد توفي والداه ، ماذا بقي عليّ من برّ والدي بعد موتهما ؟ قال : أربعة أشياء ، أن تدعو لهما ، الدعاء أثناء صلاة الجنازة ، وأن تستغفر لهما ، ربي اغفر لي ولوالدي ، وأن تنفذ عهدهما ، قبل أن يموت الأب عهد إلى أولاده شيئاً ، وأن تنفذ عهدهما ، وأن تصل صديقهما ، وأن تصل الرحم التي لم يكن لها صلة إلا بهما ، فهذا الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما .
أي من فضل الله عز وجل أتاح الله للابن أن يكون باراً بوالديه بعد موتهما حينما يصل الرجل أهل ود أبيه ، حينما ينفذ عهد أبيه ، حينما يصلي على أبيه صلاة الجنازة ، حينما يدعو له في كل صلاة ، هذه من مسلكيات البر بعد الموت .
الله عز وجل ودود يحب رسله وأولياءه ويتودد إليهم بالنعم التي أحاطهم بها :
أيها الأخوة، اسم " الودود " اسم له خصوصية ، الآن الله عز وجل ودود كيف ؟ قال : " الودود " هو الذي يحب رسله ، وأولياءه ، ويتودد إليهم ، الله عز وجل كيف يتودد إليك ؟ هو غني عنا جميعاً .
" لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم ، كانوا على أفجرِ قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً ، لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنْسَكم وجِنَّكم كانوا على أتْقَى قلب رجل واحدِ منكم ، ما زاد ذلك في مُلْكي شيئاً ، لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكم ، وإنسَكم وجِنَّكم ، قاموا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيتُ كُلَّ إنسان مسألتَهُ ، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُص المِخْيَطُ إذا أُدِخلَ البحرَ ، ذلك لأن عطائي كلام وأخذي كلام ، فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ " [مسلم] .
أيها الأخوة ، الله عز وجل ودود، يتودد إلينا بهذه النعم التي أحاطنا بها ، يعني بشكل أو بآخر الله عز وجل ودود يعني تودد إلى عباده بالنعم الذين هم فيها ، يعني نعمة الألوان ، هناك مخلوقات لا ترى إلا الأبيض والأسود ، أحياناً صورة أبيض وأسود لا تعجبك أما ملونة وهناك ألوان زاهية أحياناً ، أعطاك الألوان ، أعطاك اللون الأخضر ، وقد يغطي مساحات شاسعة ، جعل السماء زرقاء ، جعل البحر أزرق اللون ، في البيت طفل صغير ممتلئ حيويةً وجمالاً وروعةً وبهاءًا ، أليس هذا من الود ، كل النعم التي يتمتع بها الإنسان تندرج تحــت اســم " الودود " .
من أحب الله وأحسن إلى عباده أحبه الله عز وجل :
" الودود " إذاً هو الذي يحب رسله ، وأولياءه ، ويتودد إليهم ، يعني تأكد أنك إذا كنت مستقيماً على أمر الل ه، تأكد أنك إذا خطبت ود الله ، تأكد أنك إذا أحسنت إلى العباد الله يحبك .
والله مرة سمعت كلمة من متكلم في عقد قران روى حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يخاطب النبي به معاذ قال : " يا معاذ إني لأحبك " [النسائي] .
يعني شيء لا يقدر بثمن أن يحبك رسول الله ، أو أن يحبك المؤمنون ، أو أن يحب الله عز وجل .
" يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ " [المائدة:54] .
بل إن الله أراد أن تكون العلاقة بينه وبين عباده علاقة حب ، علاقة محبوبية لهذا قال : " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ " [البقرة:156] .
يريدك أن تأتيه محباً ، طائعاً ، برغبة منك ، بمبادرة منك ، من دون قهر ، من دون إكراه .
من أحبه الله ألقى محبته في قلوب الخلق جميعاً :
لذلك الله " الودود " يعني يحب عباده ، كيف يحبهم ؟ يرضى عنهم ، كيف يحبهم ؟ يغفر لهم ، كيف يحبهم ؟ يرحمهم ، كيف يحبهم ؟ يتوب عليهم ، كيف يحبهم ؟ يستجيب دعاءهم ، كيف يحبهم ؟ يتقبل أعمالهم ، وكيف يحبهم ؟ يوددهم إلى خلقه ، إذا أحبك الله ألقى محبتك في قلوب الخلق ، فهو ودود ، إذا أحبك الله جعل الخلق يحبونك ، هذا من نعم الله الكبرى .
لذلك لا تتوهم أن الخلق إذا أحبوك بجهدك ، وبذكائك ، وبحنكتك ، لا ، ألقى الله في قلوب الخلق محبتك ، إذا أحب الله عبداً ألقى محبته في قلوب الخلق ، والدليل قوله تعالى : " وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي " [طه:39] ألقيت عليك محبة في قلوب الخلق مني ، أنا السبب ، وأحياناً الله عز وجل يلقي بغض إنسان في قلوب الخلق ، لا أحد يحبه ، يكون على مستوى عالٍ من الذكاء ، من الجمال ، من المال ، من القوة لا يُحب ، أن يحبك الناس هذا أكبر عطاء من الله عز وجل .
الله عز وجل يتودد إلى عباده بالمغفرة والتوبة واستجابة الدعاء :
إذاً الله " الودود " يحب رسله ، يحب أولياءه ، يتودد إليهم بالمغفرة ، بالتوبة ، باستجابة الدعاء ، يرضى عنهم .
" لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ " [الفتح:18] يعني أنت حينما تكون مستقيماً على أمر الله من فضل الله عليك يلقي في روعك أنه يحبك ، هذا الشعور لا يعرفه إلا من ذاقه ، عملك طيب ، دخلك حلال ، بيتك منضبط ، أولادك ربيتهم تربية عالية ، بناتك محجبات ، البيت إسلامي ، الدخل إسلامي ، الإنفاق إسلامي ، النشاط إسلامي ، المحبة لله ورسوله ، عندئذٍ الله يحبك يلقي في روعك أني أحبك ، وإذا أحبك الله وصلت إلى كل شيء .
" ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء " [من مختصر تفسير ابن كثير] .
المؤمن الصادق يجتمع في قلبه تعظيم لله وحب له وخوف منه :
الآن يوددهم إلى خلقه ، يحبب خلقه بهم ، معنى " الودود " موقف المؤمن الموقف الذي يليق به ، أن يحبب الله إلى عباده ، كما أن الله يحبب المؤمنين إليك ، أيضاً موقفك الأخلاقي أن تحبب الله إلى عباده .
أحد أنبياء الله عز وجل قال : " يا رب ، أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ فقال : أحب عبادي إلي تقي القلب ، نقي اليدين ، لا يمشي إلى أحد بسوء " [من الدر المنثور عن ابن عباس] يعني ما فكر إطلاقاً أن يسيء لإنسان ، بل لمخلوق .
" أحبني ، وأحب من أحبني ، وحببني إلى خلقي ، قال : يا رب إنك تعلم أني أحبك وأحب من يحبك ، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال : ذكرهم بآلائي ، ونعمائي وبلائي " [من الدر المنثور عن ابن عباس] .
أنت إن ذكرت الناس بنعماء الله تحبب الله إلى عباده ، وإن ذكرتهم ببلاياه بالبلاء ، والشدة ، تخوفهم أن يعصوه وأنت إن ذكرتهم بآلائه العظيمة يعظموه ، إذاً لابدّ من أن يجتمع في قلب المؤمن تعظيم ، وحب ، وخوف .
من شعر أن الله عز وجل يؤثره و يحبه شعر بنشوة عظيمة لا تقدر بثمن :
الآن الآية الكريمة وهي من أروع الآيات : " إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً " [مريم:96] .
ما قولك ؟ المودة مع من ؟ مع خالق السماوات والأرض " إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً " .
أن تشعر بمودة مع الله عز وجل ، أن تشعر أن الله يحبك ، أن تشعر أن الله يؤثرك ، الدعاء الشريف : " اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا " أنت حينما تشعر أن الله يؤثرك ، ويحبك ، ويعطيك ، هذه نشوة ما بعدها نشوة .
" إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً " : من معاني هذه الآية :
1 ـ شعور الإنسان بمودة عظيمة بينه وبين الله عز وجل :
لذلك المعنى الأول : " إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً " فيما بينهم وبين الله ، تشعر بمودة ، بالتعبير الدارج أنت غالٍ على الله .
2 ـ شعور الإنسان بمودة عظيمة بينه وبين المؤمنين :
هناك معنى آخر : " إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً " فيما بينهم ، في مودة بين المؤمنين ، لا يستطيع شيء في الأرض أن يقوضها .
" لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ " [الأنفال:63] .
من علامة إيمان المؤمن أنه يحب الله ويحب المؤمنين :
من علامة إيمانك أنك تحب الله ، من علامة إيمانك أنك تحب المؤمنين ، أنك تضحي من أجلهم ، أنك تؤثرهم على كل شيء ، علامة الإيمان الحب بين المؤمنين ، وعلامة النفاق بغض المؤمنين .
" إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ " [التوبة:50] .
اجعل هذا مقياساً لك ، يعني إذا أخوك المؤمن أخذ شهادة عليا تتألم ؟ إن تألمت علامة نفاق ، وإذا أخوك المؤمن تزوج زوجة صالحة تنزعج ؟ علامة نفاق ، إذا أخوك المؤمن أسس عملاً ونجح العمل فالمؤمن إذا قوي قوته للمؤمنين ، إذا اغتنى غناه للمؤمنين ، إذا تفوق تفوقه للمؤمنين فهذا مقياس دقيق ، علامة إيمانك أنك تفرح لكل مؤمن لعطاء الله له أما إذا تألمت بادرة غير طيبة إطلاقاً هي علامة نفاق حينما يكون الله عز وجل " إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا " [آل عمران:120] يعني : " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا " [النور:19] .
ما فعل شيئاً ، ما تكلم كلمة ، ما تحرك ، ما غمز ، ما لمز أبداً ، لكن ارتاح لما الله دمر إنساناً ، والإنسان محسوب مؤمن ارتاح ، هذا شعور مخيف أن تتمنى أن يدمر المؤمنون ، أن تتمنى ألا ينتصر المؤمنون ، أن تتمنى أن يكون المؤمنون فقراء " إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ " .
لذلك : " إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً " فيما بينهم .
" إِنَّ اللهَ إِذا أحبَّ عبدا دعا جبريلَ ، فقال : إِني أحبُّ فلاناً فأحِبَّه ، قال : فيُحِبُّه جبريلُ ، ثم ينادي في السماءِ ، فيقول : إِنَّ اللهَ يحبُّ فلاناً فأحِبُّوه ، فيحبُّه أهل السماء ، ثم يوضَعُ له الَقبُولُ في الأرض " [البخاري] قبله الناس ، أحب الناس كلامه .
الله عز وجل مع الصادقين بالتوفيق والتأييد والنصر والحفظ :
ابن عباس يُعرف " الودود " بأنه الحبيب ، المجيد ، الكريم ، الآن الله عز وجل " الودود " لأنه يؤيد رسله ، ينصر عباده الصالحين بمعيته الخاصة .
" وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ " [الحديد:4] .
معية عامة ، الله مع الكافر ، مع الملحد ، مع المجرم ، بعلمه " وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ " بعلمه أما : " وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ " [الأنفال:19] .
" أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ " [البقرة:194] .
" إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " [البقرة:153] أي معهم بالتوفيق ، معهم بالنصر ، معهم بالتأييد ، معهم بالحفظ ، إذا كنت مع الله كان الله معك ، وإذا كان الله عليك فمن معك ، وإذا كان معك فمن عليك ، ويا رب ماذا فقد من وجدك ، وماذا وجد من فقد من وجدك ؟ .
الله عز وجل " الودود " يؤيد رسله وعباده الصالحين ، بمعيته الخاصة " وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ " ، " مَعَ الْمُتَّقِينَ " مع الصادقين ، معهم بالحفظ ، بالتأييد ، بالنصر .
فلا يخيب رجاءهم ، ولا يرد دعاءهم ، وهو عند حسن ظنهم به ، وهو " الودود " لعامة خلقه ، بواسع كرمه ، وسابغ نعمه ، يرزقهم ، الآن عامة الخلق يرزقهم ، يؤخر العقاب عنهم ، لعلهم يرجعون إليه .
الله سبحانه وتعالى هو وحده من يستحق أن تعبده وأن تحبه :
قال ابن القيم : أما " الودود " ففي قولان ، أحدهما : أنه بمعنى فاعل ، الذي يحب أنبياءه ورسله والمؤمنين ، والثاني هذا معنى جديد ، والثاني بمعنى مودود أي محبوب ، أن الله سبحانه وتعالى هو وحده يستحق أن تعبده ، ويستحق أن تحبه ، هو أهل لمحبتك ، وأن يكون أحب إلى العبد من سمعه ، وبصره ، وجميع محبوباته .
لذلك أيها الأخوة " وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ " يحبك ، ويتودد إليك ، فينبغي أن تحبه ، وأن تتودد إليه بالأعمال الصالحة لخدمة خلقه .
الدين هو اتصال بالله وإحسان إلى المخلوق :
المؤمن من خصائصه أنه يحب الله ، ويحسن إلى خلقه ، وسيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام في القرآن ورد : " وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً " [مريم:31] .
لخص بكلمتين حقائق الدين ، اتصال بالله ، وإحسان إلى المخلوق " وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً " .
والحمد لله رب العالمين