أنماط: (42) نمط المُبرَّراتي
ولا ننسى طبعًا نمط الأخ المُبرَّراتي..!
وصديقنا المُبرَّراتي موجود دائمًا داخل كل جماعة أو حزب أو تيار أو حتى خارجها فيما يُعرَف بالمستقلين.. وهو نمط ما أن يُصبح على انتقاد وُجِّه إلى حزبه أو جماعته أو أحد أحبابه وأشباهه أو يُمسي على سقطة صدرت عنهم، أو عن أحد قياداتهم، أو أتباعهم، حتى يقدح فورًا زناد فكره، ويعتصر ذهنه ليخرج المُبرِّرات المنطقية واللا منطقية التي تُبرِّر لهذا الفعل أو لتلك السقطة ثم لا يلبث إلا و ينبري مُسرِعًا ليدافع عن متبوعه أو زميله أو تياره في استماتة عجيبة..!
إنه نمط صار التبرير سبيله، ومنهجه؛ والمعاذير طريقه، ومذهبه؛ فاستحق عن جدارة لقب " المُبرَّراتي "، وكثيرًا ما يتحوَّل صاحبنا إلي نمطٍ آخر، يعتبر في تقديري التطور الطبيعي للنمط الأول.. إنه يتحوَّل دون أن يشعر إلى مطبلاتي مهمته المُقدَّسة أن يُنزِّه متبوعيه عن كل نقص، أو عيب؛ ويجعل لهم كل منقبة وفضل، ويكأنهم عن كل عيبٍ منزَهون، ومن كل نقص مبرؤون، بل كأنهم في نظره أنبياء معصومون!
وأحيانًا تكون المُبرِّرات مقنعة بل كثيرًا ما تدخل في حيِّز الأعذار التي أمرنا ديننا الحنيف أن نبذل الجهد في التماسها لإخواننا، لكن ما يدعو إلى الضيق أن أخانا " المُبرَّراتي " لا يعدل في ذلك، ولا يبذل وسعه في التماس الأعذار إلا لمتبوعيه، بل المدهش في الأمر أنه غالِبًا ما يُغيِّر نمطه فورًا حينما يتعلق الأمر بمنافس، أو خصم؛ فيتحوَّل مباشرةً إلى متربصاتي ينتظر الشاردة والواردة تصدر من خصمه ليملأ الدنيا بنقده اللاذع له رافضًا كل تبرير أو عذر من الخصم.
والحقيقة التي ينبغي أن تترسَّخ في أذهان الجميع أنه ليس لكل شيء تبريرٌ، ومن ظن ذلك فإنه سيقع لا محالة في فخ التكلف، ويكون مثله كمثل الذين تخلفوا يوم تبوك وجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأعذارٍ واهية لم تُنجِهم من ذلك اللقب الذي لقبهم به ربّ العالمين وأراه الاصطلاح الشرعي المُعبِّر عن حال المُبرِّرين لقب " المعذِّرين " في قوله تعالى: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} [التوبة من الآية:900]..
أولئك الذين امتلأت سورة التوبة بذكر حججهم المتكلِّفة ووعيد الله لهم.. لم ينج من كل ذلك إلا الثلاثة الذين لم يُبرِّروا، ولم يسوقوا المعاذير الواهية رغم أن من اللسن والشاعر وصاحب الحجة القادر على نحت المعاذير المقنعة وكاد بالفعل يستدرج إليها لولا أن تدارك الأمر، وفهم أنه لا يشترط أن يكون لكل شيء مُبرِّر، أو عذر؛ وأن الأخطاء لا تُبرَّر، فقط يُعترف بها، ويُعتذر عنها ففعلوا..
لقد اعترفوا بالخطأ ولم يُبرِّروا فكان صدقهم واعترافهم سببًا في توبة الله عليهم.. لذلك فأنا أُوجِّه كلماتي إلى صديقي " المُبرَّراتي "..
وأقول له: ثقتك في متبوعك، وحبك له، وتوقيرك إيَّاه لا يعني أبدًا أن كل ما يفعله مُبَرَّر، وأن واجبك المُقدَّس أن تبحث له عن تلك المُبرِّرات.
من حقك أن تلتمس العذر كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن أحيانًا يكون العذر أنه فقط... بشر.
وأن البشر يُخطِئون، ويزلون، ويتأوَّلون.. بل ويعصون.
وتلك يا عزيزي أمور لا تستوجب تبريرًا، إنما هي ببساطة أمور تستوجب اعترافًا وتوبةً واعتذارًا.. وبس.
مختارات