فقه صفات الله وأفعاله (٦)
وهو سبحانه الذي يتوفى الأنفس: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٤٢)}... [الزمر: ٤٢].
وهو سبحانه الذي سخر لعباده كل ما ينفعهم ويصلحهم في حياتهم: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (٢٠)}... [لقمان: ٢٠].
وهو سبحانه الذي يسيّر الخلائق في البر والبحر، ويسير الكواكب في السماء، وينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده، وينزل الوحي إلى أهل الأرض، وينزل الماء من السماء إلى الأرض.
وهو سبحانه الذي ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، ويجيء يوم القيامة لفصل القضاء: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)} [الفجر: ٢٢].
وهو سبحانه الذي أنبت الزروع والأشجار، وأخرج منها الثمرات وأنبت أصل البشر من الأرض كما قال سبحانه: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (١٨)} [نوح: ١٧ - ١٨].
وهو سبحانه الكريم الذي أنعم على الناس بالدين، وما جعل عليهم في الدين من حرج، فلم يكلفهم بما لا يطيقون، أو يطالبهم بما لا يستطيعون: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (٧)} [الطلاق: ٧].
وهو سبحانه العزيز الكريم الذي أعد الجنة للمؤمنين، وأعد النار للكافرين، ويسر هؤلاء للجنة، وخذل أولئك فصاروا إلى النار.
وهو سبحانه الذي ينظر إلى القلوب، ويمتحنها بما شاء، وينزل السكينة في قلوب المؤمنين، ويقذف الرعب في قلوب الكافرين.
وهو سبحانه الذي أحصى كل شيء عدداً من الأقوال والأعمال، والأشياء والأموال، والذرات والقطرات، والحركات والسكنات، والأنفاس والأرواح.
فسبحان الخالق العظيم، القادر الحكيم، العزيز العليم، الذي يفعل ما يشاء، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وجميع أسماء الله عزَّ وجلَّ دالة على أوصاف كماله، وهي مشتقة من الصفات، فهي أسماء، وهي أوصاف، وبذلك كانت حسنى.
فهو سبحانه الملك الذي يملك كل شيء، ويؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء.
وهو سبحانه العزيز، الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء.
وهو سبحانه البارئ الذي برأ الخلق وأوجدهم بقدرته.
وهو الرزاق الذي يرزق من يشاء، الغفار الذي يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، العفو الذي يعفو عمن يشاء من عباده.
وهو سبحانه الفتاح الذي يحكم بين عباده بالحق والعدل، ويفتح لهم أبواب الرحمة والرزق.
وهو سبحانه العليم الذي يعلم ما في السموات وما في الأرض وما بينهما.
وهو سبحانه الرب الذي يربي عباده، ويقوم بأمرهم في الدنيا والآخرة.
وهو سبحانه الشكور الذي يضاعف الحسنات، ويمحو السيئات، الذي يشكر اليسير من الطاعة، ويعطي عليه الثواب الجزيل.
وهو سبحانه الخبير الذي يعلم أحوال الخلائق كلها في السماء والأرض، وفي كل مكان وزمان.
وهو سبحانه الحفيظ الذي حفظ ما خلقه، وحفظ أعمال العباد كلها.
وهو سبحانه الرقيب الذي يراقب خلقه في جميع أحوالهم في العالم العلوي، والعالم السفلي.
وهو سبحانه السميع الذي يسمع جميع أصوات الخلائق، ولا يشغله سمع عن سمع.
وهو سبحانه البصير الذي يبصر كل شيء، العليم بحاجات العباد وما في صدورهم.
وهو سبحانه الشهيد المطلع على جميع الأشياء، ظاهرها وباطنها، صغيرها وكبيرها.
وهو سبحانه الغني الذي يرزق العباد كلهم، ويغنيهم من فضله.
وهو سبحانه التواب، الذي يتوب على من شاء من عباده.
وهو سبحانه المحيط، الذي أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً.
وهو سبحانه الهادي، الذي يهدي من يشاء، الذي هدى سائر الخلائق إلى مصالحهم.
وهو سبحانه الفاطر، الذي فطر السموات والأرض، وفطر الناس على التوحيد.
وهو سبحانه الغالب الذي قهر كل مخلوق، ولا يملك أحد أن يرد ما قضى.
وهو سبحانه الناصر، الذي ينصر رسله وأولياءه على أعدائهم.
وهو سبحانه المستعان، الذي يعين عباده، ولا يطلب العون من أحد.
وهو سبحانه الشافي، الذي يشفي من كل آفة وعاهة ومرض.
وهو سبحانه المحسن الذي يحسن إلى عباده بصنوف النعم على الدوام.
وهكذا في بقية الأسماء.
والقرآن كله بيان لأسماء الله وصفاته وأفعاله، وخزائنه، ووعده ووعيده، ودينه وشرعه، وثوابه وعقابه.
وهذه بعض الآيات المبينة لأسماء الله وصفاته وأفعاله، والدالة على كمال قدرته وعظمته، وعلى جماله، وجلاله، وكماله، وكبريائه، ورحمته وإحسانه، وآلائه وإنعامه.
وذلك ليعرف العباد ربهم.. ويعلموا عظيم قدرته.. وجميل إحسانه فيقدروه حق قدره.. ويعبدوه حق عبادته.. ويشكروه ويحمدوه.. ويستعملوا جوارحهم في طاعته.. وألسنتهم بذكره والثناء عليه.
فالواجب على كل مسلم أن يعرف معبوده الحق، ويعرف أوامره التي يتقرب بها إليه، ويعرف ما له بعد القدوم عليه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (١٩)} [محمد: ١٩].
فوا أسفاه.. ماذا يعلم الخلق من أسماء الله وصفاته وأفعاله وماذا يجهلون؟. وماذا يعرفون من دينه وسننه وأحكامه وماذا يجهلون؟.
وما الموجود في حياتنا من الدين، وما الذي فقدناه؟.
ألا يستحي العباد من الرب، الذي يرزقهم ويعافيهم وهم يعصونه؟.
ألا يخافون من القادر الذي لا يعجزه شيء وهم يبارزونه بالمعاصي؟: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤)} [المائدة: ٧٤].
إن حقه تبارك وتعالى أن يطاع فلا يعصى.. ويذكر فلا ينسى.. ويشكر فلا يكفر.. ويعبد وحده لا شريك له بما شرعه على لسان رسوله.
فهو سبحانه الخالق الذي خلق كل شيء، وكما أنه المتفرد بالخلق وحده، فكذلك هو المستحق للعبادة وحده دون سواه كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)} [البقرة: ٢١، ٢٢].
والله عزَّ وجلَّ هو الخلاق: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)}... [البقرة: ٢٩].
وهو سبحانه الذي خلق البشر: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: ١].
والله عزَّ وجلَّ هو الذي: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠)} [لقمان: ١٠].
وهو سبحانه الخالق المصور: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (٧)} [السجدة: ٧].
وهو سبحانه السميع البصير بأحوال عباده: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠)}... [الأنعام: ٦٠].
والله جل جلاله: {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥)} [الأنعام: ٩٥].
والله سبحانه: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦)} [الأنعام: ٩٦].
وهو سبحانه الذي خلق البشرية كلها من نفس واحدة: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (٩٨)}... [الأنعام: ٩٨].
وهو سبحانه الذي جعل النجوم هداية للعباد: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٩٧)} [الأنعام: ٩٧].
وهو سبحانه الذي أنزل الماء من السماء فأخرج به من كل الثمرات: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٩٩)}... [الأنعام: ٩٩].
والله عزَّ وجلَّ: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥)}... [يونس: ٥].
والله سبحانه: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧)} [يونس: ٦٧].
والله عزَّ وجلَّ هو الذي رزق عباده الأزواج والأولاد: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢)} [النحل: ٧٢].
مختارات