فقه الاستقامة (٣)
وعلى من يطلب الاستقامة أن يحفظ نفسه من أربعة أشياء:
اللحظات.
والخطرات.
واللفظات.
والخطوات.
ومن حفظ نفسه من هذه الأربعة فقد أحرز دينه، وحفظ استعمالها كما أمر الله سبحانه.
وإذا أهملها العبد وغفل عنها دخل منها العدو فجاس خلال الديار وأهلك الحرث والنسل، وأفسد الظاهر والباطن.
وكلما كان إيمان العبد أقوى، وعبادته أحسن، كانت معاملاته ومعاشراته وأخلاقه أفضل وأحسن.
وبمقدار ما يكون العبد محبوباً عند الله، يكون محبوباً عند أهل السماء وعند أهل الأرض.
وكل من ضحى بشهواته من أجل الدين أعطاه الله امتثال أوامره في جميع الأحوال على وجه الكمال.
والله تبارك وتعالى أوجب على كل مسلم من هذه الأمة العبادة والدعوة.
وكما يسأل الإنسان عن حياته، فكذلك سيسأل عن مسئوليته.
وجميع المسلمين يحبون النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأكثرهم يكرهون حياته.
وكل المسلمين يكرهون اليهود والنصارى، وأكثرهم يحبون حياتهم.
وبعض المسلمين يحبون حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن لا يريدون ولا يطيقون ولا يرغبون في جهد النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وتمام الاستقامة بتطبيق حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والقيام بجهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (٢١)} [الأحزاب: ٢١].
وقال سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨)} [يوسف: ١٠٨].
وأبو طالب عم النبي - صلى الله عليه وسلم - عنده محبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن عنده إيمان النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو في النار.
والمنافقون عندهم صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن عندهم دين النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - فهم في النار، فشرط الصحبة القيام بالدين.
والإنسان يقضي حاجاته الدنيوية بالأسباب، وكذلك الله يدخلنا الجنة بالأسباب والأعمال، وهي الإيمان والعبادات والأخلاق والأعمال الصالحة فهذه أسباب.
فللدنيا أسباب.
وللآخرة أسباب.
وللجنة أسباب.
وللنار أسباب.
والله عزَّ وجلَّ أمر عباده أن يقوموا بجهد أوامر الله في مجال العبادة، وفي مجال الدعوة وفي مجال التعليم.
وهكذا.
كما أمرهم أن يقوموا بجهد الكسب وأسبابه، فكلمة الزراعة لها جهد ولها أوامر.
وكلمة التجارة لها جهد ولها أوامر.
وكلمة الصناعة لها جهد ولها أوامر.
وهكذا، والكل عبادة.
وكذلك كلمة الإيمان لها جهد ولها أوامر.
وكلمة الوضوء لها جهد ولها أوامر.
وكلمة الصلاة لها جهد ولها أوامر، وكلمة الرزق لها جهد ولها أوامر.
وهكذا، والكل عبادة.
فحتى يأتي الإيمان لا بدَّ من الجهد، وحتى تأتي الهداية لا بدَّ من الجهد كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩)} [العنكبوت: ٦٩].
وحتى يأتي الرزق لا بدَّ من الجهد، والأرزاق بيد الله، ولكن الله جعل لها أسباباً تنال بواسطتها كالتجارة والزراعة ونحوهما، وهذه لعموم البشر، وللمؤمنين باب آخر يحصلون منه على أرزاقهم، وهو باب الإيمان والتقوى كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: ٢، ٣].
وعلى قدر الإيمان تكون الطاعة، وعلى قدر الطاعة تكون الهداية.
وإذا قام الجهد للدين انتشرت الرحمة في العالم، وعمت الفضيلة، وإذا فقد الدين جاءت المصائب في العالم، وعمت الرذيلة، كالمطر إذا جاء نفع الجميع، وإذا انقطع صار مشكلة على الجميع.
فالاستقامة: لزوم طاعة الله واجتناب معصيته في جميع الأحوال.
والناس عامة رؤوسهم ثلاثة:
العلماء.
والعبَّاد.
والأغنياء.
وإذا صلحت أحوال هؤلاء صلحت أحوال الناس، وإذا فسدت أحوال هؤلاء فسدت أحوال الناس كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: ٣٤].
ثم قال: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٤)} [التوبة: ٣٤].
مختارات