أنماط: (37) نمط المُعلِّق الرياضي!
وبمناسبة كأس العالم وضوضاء المُعلِّقين وصياح المشجعين أُحدِّثكم عن نمط من الأنماط المنتشرة حديثًا..
نمط الأخ المُعلِّق الكروي أو تقدر تسميه الأخ المسخناتي..
وسلوك هذا النمط يشبه جدًا سلوك المُعلِّق الكروي الذي تُعد مهمته الرئيسية التقاط كل شاردة وواردة في مباراة كرة القدم ليُعلِّق عليها ويصنع من حبتها قبة..!
باختصار بيسخن المباراة ويجعلها مثيرة حتى لو لم تكن كذلك..!
وكلما ازدادت درجة إثارية المُعلِّق الكروي وحدة حماسته التي تحول تمريرة عادية أو فرصة ضائعة إلى صراخ يملأ الشاشات ويلهب مشاعر الجماهير - كلما علا ثمنه وتقدَّم موقعه بين معشر المُعلِّقين وتعالى الطلب عليه ذلك لأن الجميع يعلمون في قرارة أنفسهم أن الجزء الأكبر من الاستمتاع بالمباراة إنما هو من خلال حماسة المُعلِّق وفي خلفيتها صيحات تتعالى من المدرجات وأنه إذا خفض صوت التلفاز وتابع المباراة صامتة فإن أثرها ولذتها في نفسه ستتناقص جدًا..!
الحقيقة أن جزءًا كبير من صخب المباراة وحماستها هو في الحقيقة بسبب حماسة المُعلِّق وإثارته لمشاعر المشاهدين جنبًا إلى جنب مع صوت هتافات الجماهير التي تشتعل بها المدرجات..
جرَّب أن تخفض صوت التلفاز وتشاهد المباراة بدون هذه الضوضاء المصاحبة..
بدون حماسة مُعلِّق يصنع من كل حبة قبة، ومن كل تمريرة بلهاء فرصة ضائعة هائلة..!
بدون صياح وصراخ جماهير متحمسة أو غاضبة أو معجبة أو متعصِّبة..
جرِّب أن تتأمَّل الصورة بدون مؤثرات..
حينئذ -وبخلاف فقدان جزء كبير من متعة المشاهدة- فصدِّقني ستلحظ أشياء مختلفة وسترى حقيقة المباراة بشكلٍ أوضح..
فقط امنح نفسك الفرصة للتأمُّل..
بدون صخب المؤثرات..
والمؤثرين..
وفي النهاية ستنتهي المباراة وستهدأ حماسة الجماهير ولن يتبقى في الأذهان شيء من حماسة المُعلِّق وثنائه على كل تسديدة أو صياحه الصاخب ما كل تمريرة..
لن يتبقى في الأذهان إلا هدف جميل أحرزه لاعب (حريف) أو نتيجة حاسمة جاءت ببطولة كبرى إلى الفريق الفائز..!
هذا في دنيا الكرة..
وفي الواقع أيضًا..
كم من مقالات كُتبت وكم من تصريحات أُطلِقت وكم من كلمات اشتهرت وملأت الدنيا ضجيجًا وعِراكًا على إثرها ثم هدأت الأمور ونسي الخلق ما حدث ومرّت العاصفة إلى حين تتفجر بعدها من جديد ويقع الناس معها في نفس الصياح والصخب وتتكرَّر الضوضاء التي كانت في العاصفة السابقة..!
الضوضاء التي يُسبِّب جزءًا كبيرًا منها نمطان:
- نمط تكلَّمتُ عنه سابقًا هو الأخ الأولتراس..
- ثم نمط هذا المنشور وهو الأخ المُعلِّق أو المسخناتي..
ولهذا الأخير أقول:
يا عزيزي! على فكرة مِش لازم كل قضية أو أزمة تُدلي فيها بدلوك المثير ورأيك المشتعل بالحماسة..!
مِش لازم تكون علَّامة الزمان وفهامة المكان اللي عارف إجابات كل الأسئلة وتملك الحل لكل المشاكل..!
إنت مِش مُكلَّف إنك يكون لك رأي في كل نازلة..!
ومِش عيب أبدًا إنك أحيانًا تقول ما أعرفش..!
ومِش عيب برضه أحيانًا تعترف إن الموضوع أكبر منك..!
ومِش عيب برضه إنك تنأى بنفسك عن التردي لدركات صراعات لا تخلو من حظوظ نفس وعقد نفسية..
العيب أن تتشبَّع بما لم تُعطِه..
العيب أن تُصِر على الكلام فيما لا تُحسِن..
العيب أن تتحمَّل مسؤولية شيء لست أهلًا له وتتصدَّر في مكان ليس مكانك..
والعيب الأشد أن تُصِر على فعل كل ما سبق بروح المُعلِّق الكروي المُتحمِّس لكل شاردة وواردة..
يا عزيزي! أقول لك كما قلت لأخيك الأخ الأولتراس..
الحياة ليست هكذا..
الحياة ليست مباراة كرة قدم.
مختارات