دمعة على الحجاب
بداية دعونا نتجاوز الخلاف الوارد حول الحجاب، أعني به القول بالتغطية أو بالكشف – دعونا نتجاوز كل هذا لنتحدث عن الاثنين معا، نتحدث عن الحجاب وغاية التشريع منه، وعن ما نراه يطبق في واقعنا، ففي داخل البلد مثلا والذي يتفق شعبه بكافة شرائحه وعلمائه على أن الحجاب الجاري والمتعارف عليه هو ستر الوجه، ولكننا نلاحظ بل القضية أصبحت كالظاهرة، وهذه الظاهرة ليست بين فئة من المجتمع بعيدة عن تعاليم الدين فحسب بل نراها منتشرة أيضا بين فتيات ينتمين إلى مجتمعات متدينة إن صح التعبير،
ورغم هذا فكم نرى من فوارق جلية بين الحجاب المحقق لغاية الشرع وبين الحجاب المطبق، بداية بانتشار العباءات التي تصف الجسد وأحيانا تبرز مفاتنه كالصدر وغيره إضافة إلى ما يوضع فيها من ألوان تكون على لون الحذاء أو على لون المناكير وغير ذلك من أشكال العباءات التي في حقيقتها تحتاج إلى عباءة أخرى تسترها بل ربما كانت المرأة في تلك العباءة ادعى للفتنة وأكثر جذبا للقلوب من لو كانت حاسرة كاشفة،
ومن انتكاسات الفطر التي انتشرت وذاعت في جزء من مجتمعنا ما أصبح عند بعضهم وبعضهن من عادة غريبة عجيبة حتى أصبح القدح فيها أو مناقشتها من الطرائف والنوادر، أن الأم والعجوز ومن تجاوزت أو شارفت على الأربعين ترتدي عباءة ساترة سابغة تضفي عليها سمتا وحياء وسترا،
بينما تجد الفتاة الشابة ترتدي عباءة مخصرة تصف الجسد ومليئة بأنواع التطريز والرسومات الفاتنة بالإضافة للعطورات وغيرها وكثيرا ما نرى ذلك أمام أعيننا فتجد الأم تخرج متسترة وابنتها بجانبها في أبهى حلة وأكثرها فتنة، حتى أصبحت العباءة الساترة السابغة موضع تندر أو ذات علاقة بكبيرة السن لا تنفك عنها وهذا وايم الله - كما أسلفت - من انتكاسات الفطر التي تمر بها بعض فتياتنا..وزين لهم الشيطان أعمالهم فهم لا يبصرون..
وإن كانت مثل هذه المناظر تتعب قلب الشخص السوي لغيرته على الدين أولا، ولفتنتها ثانيا، فإننا نتفاءل ونقول أن الأمر لا يزال قليلا إن شاء الله، والخير كثير في داخل البلد.
ولكن لننظر بعين صادقة إلى حجاب صنف من فتياتنا، قد خرجن للسياحة أو للدراسة في بلاد غير بلادنا - والمقال يهدف للحديث عنهن بالدرجة الأولى - نظرا لما يرى من عجائب يندى لها الجبين، ويتعجب منها كل عاقل ينظر بعين مبصرة، وقبل البدء في الحديث عن بعض المشاهد المؤسفة، مما رأينا ورأى غيرنا، فإنه مما يجب علينا قوله والإشارة إليه، أن نحيي المرأة اليمنية التي رأيناها تخرج تطالب بحقها في الاعتصامات والثورة بلباس شرعي سابغ، وبفصل كامل بين الجنسين، خرجن للتعبير عن مطالبهن بكل أدب وستر، الساترة لوجهها لم تتنازل عن شيء منه، والكاشفة أيضا بقيت كما هي، في صورة تمثل المرأة المسلمة الواثقة بدينها وبأوامر ربها ونبيها، ولك أن تقارن هذا بما يقع من صنف من فتياتنا عندما يلقين الحجاب عند أدنى حدث يحدث، وكأنهن مكممات من عدو وليس مطبقات لأوامر الله، ولا يخفى عليك ما وقع من بعضهن في الجنادرية وغيرها من الأحداث، عندما سنحت فرصة صغيرة رأينا أمورا لا تبشر بخير، ولا ترفع لنا رأسا، إضافة لما يجري من بعضهن بل اغلبهن ممن خرجن للابتعاث أو يخرجن خارج البلد عامة للابتعاث أو للسياحة.
عندما تضع رجلك الأولى في الطائرة التي ستقلك إلى ما وراء المحيط، تشعر في البداية أنك في مجتمعك الذي عهدته ونشأت في كنفه، ثم لا تكاد تتحرك الطائرة ثم تطير وتمضي بضع دقائق، حتى تجد الأمر انقلب برمته إلى مجتمع آخر!
وستجد قال فلان وأفتاني فلان هي الشماعة التي يستدل بها هذا وذاك وهذه وتلك على ما تفعل، وليس في الأخذ بقول عالم معتبر عيب ولكن العيب والحرام أن نأخذ بقول هذا العالم ليكون المدخل للتنازل عن كل شيء حتى عن الرجولة التي وضعت فينا منذ أن خلقنا الله، والأدهى من ذلك أنهم لا يكتفون بالتبرير لما يفعلون بل يواجهونك وكأنك المخطئ ويحتسبون عليك، ويناصحونك لكي تتنازل أنت أو أهلك عن العباءة التي يضعونها، إنهم باختصار يشعرون بشيء من تأنيب الضمير عندما يرون ما يذكرهم بمجتمعهم الذي نشأوا فيه فيحاولون أن يؤثرون حتى في القليل الذي لم يغير.
ودعونا كمثال نستحضر – أمريكا كدولة فيها ما يقارب من مئة ألف مبتعث – وهي دولة تسمح بالحجاب بنوعيه والشعب في عمومه متقبل لهذا ولا تجد أي مضايقة إلا في النادر - الذي لم نراه - بل هناك أسر أمريكية كثيرة من الأسر المسلمة تسير فتياتهم في الشوارع بكامل الحجاب الساتر للوجه بل وبالعباءة السوداء، وهو شعب متعدد الثقافات وبالتالي فلو سرت بقرنين لما لفت نظر أحد نظرا لما هناك من عجائب وغرائب اللباس.
وكما أسلفت فأنا لن أتناول مسالة الكشف أو التغطية وإنما سأتناول قضية الحجاب وهدف الشارع منه، وهل هذا متحقق عند أغلب هؤلاء سواء منهم الساترة لوجهها أو الكاشفة له...؟
فعلى سبيل المثال – وهو مما يرى منتشرا بشكل كبير بين الفتيات المغتربات الساترات لوجوههن – تجد الفتاة الساترة لوجهها تسير وهي لابسة بنطال يضيق على فخذيها بشكل فاتن، بل لو كان للفخذ أنفا لما وسعه أن يتنفس من ضيق البنطال، ثم تظن بعد هذا أنها تطبق أمر الله في الحجاب ! وصنف آخر تزيد على ذلك برفع صوتها إذا تحدثت وربما ضحكت بشكل ملفت أو تكلمت بكل أريحية مع صديقها في الفصل أو الرجل الغريب في الشارع وهي تفعل كل هذا بكل ثقة أنها تطبق أمر ربها وتحتسب في ذلك !
وتجد أخرى تضع لثاما مزين بكل أنواع الزينة، أو له لون جاذب لا يليق أن يسمى حجابا، وربما كان على لون معين لجزء من العباءة أو الحذاء، ثم تخرج فيه وتسير أمام الناس وكأنها لابسة للون من ألوان الموضات وآخر الصيحات وليس عباءة تحقق غاية الشارع منها وهي الستر.
وأما الكاشفات عن وجوههن فحدث ولا حرج، مما يضحك ويبكي في آن واحد، تخرج إحداهن وقد ملأت وجهها بشتى أنواع الأصباغ، وربما وضعت المناكير على أظافرها – وكثير منهن ينمصن ! – ثم تضع قطعة قماش على شعرها، وترتدي بنطالا كأضيق ما يكون، وهي تسمي هذا حجابا، وتبدأ تناقشك في كشف الوجه، وتنسى ما تبع ذلك من الماكياج والبنطال والنمص وربما أكثر، وصنف آخر يقال عنهن أنهن متحجبات يكشفن جزء معينا من مقدمة شعر الرأس إضافة لما سبق ثم يخرجن من بيوتهن يملؤهن الوقار ! وأي وقار؟
وكل حديثي السابق عن من يقال أنهم متقيدات بالحجاب بنوعيه، وأما الصنف الآخر الهاتك لستره فحدث ولا حرج وهو ليس محل حديثنا ويسأل عنه من خطط لمثل هذا وعند الله تجتمع الخصوم ولا يظلم ربك أحدا..
دعك من كل ما مضى ودعني أحدثك عن موضة جديدة غريبة عجيبة، والعجائب جمة، وهي حالة فريدة لم أراها إلا في المغتربات من مجتمعنا، فلا تجد أيا من الساترات لوجوههن من الدول الأخرى يفعلن هذا إلا المغتربات من مجتمعنا، وبعضهن يفعلن هذا بتأييد من أزواجهن أو محارمهن،
وذلك أنهن في حضرة العربي وبالأخص السعودي يسترن وجوههن ولا يتحدثن مع أحد، وعندما تراهن لا تملك إلا أن تقول ما شاء الله تبارك الله، فإذا ما خلا الجو من السعودي، طار غطاء الوجه وسارعت بإلقائه عن وجهها بسرعة، وكأنها كانت تحمل قمامة على وجهها لا حجابا تتقرب إلى الله بوضعه، ولو قدم سعودي أو عربي فجأة لسارعت بالتغطية، وأحيانا كما قلت بتأييد الزوج أو المحرم ! ولا أدري ما هو ذنبي كشاب مسلم سعودي أو عربي توضع أمامنا الحجب؟ وأي رذيلة نحملها حتى يستترن عنا وأي فضيلة يحملها شباب بني الأصفر حتى يكشفن أمامهم؟ أم أننا نحن الفحول وهم في همود؟
أم أنه ورد في كتاب الله أو في سنة رسوله
ما يشير إلى الاحتجاب أمام الشعب السعودي وأحيانا العربي،
والكشف أمام الغربي؟
أم أن لهم نصيب من قوله تعالى
(لأنتم أشد رهبة في قلوبهم من الله)؟
ومن العجائب أيضا أنك تجد بعض فتياتنا تصل يوم تصل إلى بلد الغربة، وهي متحجبة - ساترة لوجهها أو كاشفة على القول الآخر- فلا تمر بضعة أيام إلا وقد أصابتها عوامل التعرية، وذهبت بكل ذلك، وأصبحت حاسرة حتى عن شعرها، وكأنها لم تكن يوما مسلمة متسترة !.
وإن أنسى أبدا لا أنسى شابا وجدته في صلاة جمعة، وكان قادما للدراسة مع زوجته، وكان كما يبدو خلوقا أديبا متدينا ذا لحية، فسررت به، وتعرفت عليه ودار بيننا الكلام، وعرفت مما عرفت منه أنه قادم بزوجته، وأنها لم تغير من لباسها شيء، وسررت بمثل هذا وسعدت بالرجل، ثم قابلته بعد شهر فإذا امرأته قد أزالت غطاء الوجه، فلم أهتم كثيرا وقلت الأمر فيه سعة إن شاء الله، وبعدها بأيام أخر وبينما أنا في زيارة لصديق لي، إذا بي أجد في الطريق صاحبي الملتحي وبجانبه زوجته حاسرة عن شعرها ببنطالها ولباس فاضح وكأنها ليست عربية فضلا عن مسلمة، وكما أدركتها عوامل التعرية فقد أدركت زوجها أيضا فتلك اللحية البهية أصبحت تقاتل من أجل البقاء، وعلى ذكر اللحية، فإنك تجد عاملا مشتركا عند أكثر إن لم يكن كل المتغيرين، وهو الإجهاز على اللحية !
والمقال ليس لسرد القصص ولكن لذكر بعض المشاهد التي تمرض الناظر إليها، وتذهب بعقله.
ولو عرفت المرأة المسلمة حقيقة الغاية من تشريع الحجاب، وهدف الشريعة من فرضه والتأكيد عليه،
لما احتاجت لقول شيخ أو الاستعانة بقول قائل في هذا الباب،
بل لو عرف المسلمون عامة غاية الشارع من فرض الكثير من الفرائض
لأدوها على أكمل وجه وأحسنه بلا حاجة لقول قائل.
ولكن الكثير من فتياتنا وجيلنا عموما يؤدي شرائع الله عليه وكأنها عذابا منزلا من السماء،
لا شرعا يتعبد الله به ويرجى عليه الثواب والفوز بأعظم الجزاء،
فتجدهم يتعايشون معه بضيق ويتلمسون له أي قول من عالم أو شبه عالم أو قول شاذ أو ربما قول كاتب في جريدة لغرض تحوير الدليل أو ليه عن المراد أو تحريفه لعلهم ينفكون من ربقة الواجب الذي تعبدهم الله به،
وهذا واقع منتشر جدا سواء شعر به من يفعله أم لم يشعر فمداخل الهوى والشيطان كثيرة لا تحصر، وهو مما يرى بشكل جلي لمن نظر بعين فاحصة مدققة للكثير من الأمور المتعلقة على وجه الخصوص بالنساء، فإن بعض النساء نشان على أمور هي من أوامر الدين التي لا يجادل فيها عاقل ولكنهن أخذن تلك الأمور ونشان عليها وكأنها عادة مجتمع،
فإذا ما حدث حادث أو تغير شيء وخرجن عن مجتمعهن تركن كل ذلك والقينه وراءهن ظهريا باعتباره من العادات وهو في الحقيقة من أعظم الواجبات التي شرعها الله،
ويالله العجب كيف تحولنا إلى هذه الحال، ونحن من كنا يوما نتداول مثل هذه الأحاديث في مجتمعاتنا ومجالسنا بالتندر، والعجب من الفساد المستشري في المجتمعات من حولنا، ثم كيف أصبحنا اليوم وبعد أن استيقظت تلك المجتمعات، وأصبحت فتياتهم يقمن الاعتصامات لأجل إعادة الكرامة للمرأة في حجابها وعفافها وحياتها كما شرعها الله، بينما نحن ويا للخزي نقاتل لأجل قيادة المرأة للسيارة وحقها في العمل والاختلاط ونزع الحجاب وغير ذلك من أمور تسير بنا في طريق قد جربه الآخرون، وسقطوا فيه ثم استيقظوا ثم أبصروا الطريق وعرفوه وعادوا أو بدأوا يعودون إلى الجادة، ونحن نريد أن نكرر تجربتهم، وهي الواضحة أمامنا بكل ما تحملها من سقوط مريع، فلماذا أصبحنا ننظر لمؤخرة الركب بعد أن كنا يوما نقود زمامه؟
فتاة الإسلام:-
إن الله شرع الحجاب لأمر واحد هو الستر،
والبعد عن مزالق الهوى ومداخل الشيطان،
وبناء على هذا،
فكل أمر يقرب من الستر ويزيد فيه ويدعمه ويدعوا إليه
فهو من أوامر الله ومن المعاني الحسنة
والأفعال التي تؤجر عليها المسلمة إذا احتسبت ذلك عند الله،
وكل أمر يقف ضد الستر
فإنه مما يغضب الله وبصادم الدين والشريعة المحمدية.
فتاة الإسلام:-
إني أحدثك أنت لا غيرك لعلمي أنك حسيبة نفسك
إذ لو كان للمسئول عليك قوة لكان غير
ولكنه ربما كان ضعيفا أو غافلا أو صاحب هوى
فيتركك تفعلين ما تشائين،
ولأجل هذا فأنا أخاطبك أنت في مجتمع وزمن أصبح الشخص فيه هو حسيب نفسه.
وإني أعتقد أن المرأة المسلمة الصادقة مع ربها ونفسها،تعرف حقا ما هو الحجاب الساتر وماهو الحجاب غير الساتر، سواء منه الساتر للوجه أو الكاشف عنه،وتعرف ما يقع في نفس الرجل عندما يرى المرأة اللابسة للبنطال الضيق الواصف لعورتها أو العباءة الراسمة لصدرها،أو عندما يراها جريئة في الكلام أو في اللباس أو غيره،وكلنا ذلك الرجل،وهي فطرة فطر الله الإنسان عليها،أن يميل الرجل للمرأة كما تميل هي إليه،إلا انه سبحانه وضع نظاما لهذه العلاقة وتعبدنا بها ووعدنا عليها خيرا وتوعد العاصي أيضا،
وإذا كانت المرأة التي تخرج متعطرة تستشرف الرجال كالزانية فانظري نفسك أين تكونين ثم حاسبيها،
لأجل نفسك ودينك الذي ولدت عليه وتموتين إن شاء الله عليه،
ولأجل شخصيتك التي لا ترضى أن تكون كالعجين يحركها من يشاء كيف يشاء،
وغيظا لعدوك والمتربص بك.
ولا تلتفتي إلى ما يدعوك إليه ثلة من بني جلدتنا
ممن يخططون لإخراجك عن دينك الذي ارتضاه الله لك،
ولا يغرنك كثرة الفتاوى المصنوعة بحسب الطلب،
فلك رب واحد راقبيه
وقلب واحد حاسبيه،
وان تركت قومك وراءك
فتذكري قبل أن تلقي حجابك عنك،
أنك لن تذهبي من ربك
وإن ذهبتي من قومك
مختارات