عبوديات الشدة في نازلة حلب
كل شيء بقدر الله، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وطمأنينةُ المؤمنِ الموحدِ قولُهُ: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.
والإيمان بالقدر شفاء لما يتسلل للقلب من ظنون، مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ.
والحكمة من كتابة الأقدار ذَكَرَها تعالى في قوله: لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ
ودأبُ المعتزِّ بدينِهِ قولُهُ: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
لأنه يعلم أن المصائب لا تصيبه فقط بل تصيب عدوه أيضاً إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وقوله:إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ.
ومن حكمته سبحانه في المصائب: أن يتخذ من المؤمنين شهداء: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ.
ومن حكمته أيضا: تبيُّنُ الصادقِ من الكاذب والمؤمن من المنافق: وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ، مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ.
ومن حكمته: دفع الباطل بالحقِّ وأهلِ الحقِّ لمنع فساد الأرض وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ، ومعرفة حقيقة أعداء الإسلام وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُُ الْمُجْرِمِينَ.
ومن فوائد المصائب: وقوع عبادات من المؤمنين يحبها الله كالضراعة في الدعاء؛ قال تعالى: فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ، إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ، ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ.
ومن العبوديات حال الشدائد: حسن الظن بالله تعالى، فأفعال سبحانه كلها حكمة ومصلحة وعدل ورحمة، (والخير كله في يديك، والشر ليس إليك).
وكذلك من العبوديات: انتظار الفرج؛ ففي الحديث: (النصر مع الصبر والفرج مع الكرب)؛ وسَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا.
ومن العبوديات: التوبة وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، وتتأكد عند المصيبة وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ.
يجب جمع الكلمة في هذه الشدائد؛ قال تعالى: وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ.
احتساب الأجر: (مايصيب المسلم.. إلا كفّر الله به من خطاياه).
ومن أعظم التثبيت القرآني في تخفيف المصاب: قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا، لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ، ويستشعر الواثق بربه ونصره معية الله له بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ، وأعظم دواء الحزن لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا.
ومعية الله للصابرين المتقين المؤمنين المحسنين وهو سبحانه يتولى الصالحين: إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ.
ومن كان حصنه " حسبنا الله ونعم الوكيل " فأي شيء يضيره من الشيطان وأوليائه: وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ.
معالجة آثار المصائب النفسية: بالإيمان وتحقيق العبودية، قال تعالى: الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ.
تنزيل الآيات على الواقع بحق والاستشفاء بها وتلاوة القرآن وتدبر معانيه: قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا، وقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.
وأيضا الاستعانة بالصلاة ذات الخشوع والخضوع: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ، مع الإكثار من ذكره سبحانه: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُُّ الْقُلُوبُ.
وكذلك الصبر فهو رداء العبد عند حلول المصائب، (وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر)، وقال سبحانه: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ.
رجاء أجر الصبر وهو ثلاثة أجور مذكورة في قوله: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ.
ومما يهون الصبر ويخففه: اليقين بحتمية الابتلاء في الدنيا، قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وقوله: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْْ.
ومما يجلب للقلب السكنية والطمأنينة تقلبه في تدبر قوله سبحانه: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ.
ويزيدنا أملا وثقة بوعد ربنا: قوله: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا؛ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ.
ومن الأدعية المجابة فيه هذا الهم والغم: دعاء يونس عليه السلام: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ.
إذا كان شأن العدو سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ فشأن المؤمن اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.
التفاؤل بحسن العاقبة: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا. وهو سبحانه وتعالى: مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ.
الثبات أمام فتنة البلاء: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ.
رجاء النجاة من الله: كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ.
ترقّب إهلاك الله لأعدائه؛ قال تعالى: فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ.
مختارات