" النصيحـــة "
" النصيحـــة "
الترغيب في النصيحة:
#### أولًا: في القرآن الكريم:
- قال تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: " قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ " [الأعراف: 61-62].
(أي: وظيفتي تبليغكم، ببيان توحيده وأوامره ونواهيه، على وجه النَّصِيحَة لكم والشفقة عليكم) [تيسير الكريم الرحمن، للسعدى].
- وقال سبحانه حكاية عن هود عليه السلام: " قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ " [الأعراف: 67-68].
(أي: ناصح لكم فيما أدعوكم إليه، أمين على ما أقول لكم لا أكذب فيه) [روح المعانى للألوسى].
- وقوله أيضًا حكاية عن صالح عليه السلام: " يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ " [الأعراف: 79].
#### ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة:
- عن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين النَّصِيحَة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) [رواه مسلم].
قال الخطابي: (فمعنى النَّصِيحَة لله سبحانه، صحة الاعتقاد في وحدانيته، وإخلاص النية في عبادته، والنَّصِيحَة لكتاب الله، الإيمان به والعمل بما فيه، والنَّصِيحَة لرسوله، التصديق بنبوته، وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه، والنَّصِيحَة لأئمة المؤمنين، أن يطيعهم في الحقِّ، وأن لا يرى الخروج عليهم بالسيف إذا جاروا، والنَّصِيحَة لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم) [معالم السنن].
وقال النووي: (هذا حديث عظيم الشأن، وعليه مدار الإسلام... وأما ما قاله جماعات من العلماء، أنه أحد أرباع الإسلام أي: أحد الأحاديث الأربعة التي تجمع أمور الإسلام فليس كما قالوه، بل المدار على هذا وحده) [شرح النووى على صحيح مسلم].
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم ست. قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمِّته وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه) [رواه مسلم].
(قوله: (وإذا استنصحك فانصح له) أي: إذا استشارك في عمل من الأعمال: هل يعمله أم لا، فانصح له بما تحبُّه لنفسك. فإن كان العمل نافعًا من كلِّ وجه، فحثه على فعله، وإن كان مضرًّا، فحذره منه، وإن احتوى على نفع وضرر، فاشرح له ذلك، ووازن بين المصالح والمفاسد، وكذلك إذا شاورك على معاملة أحد من الناس، أو تزويجه، أو التزوج منه، فابذل له محض نصيحتك، وأعمل له من الرأي ما تعمله لنفسك، وإيَّاك أن تغشه في شيء من ذلك. فمن غشَّ المسلمين فليس منهم، وقد ترك واجب النَّصِيحَة. وهذه النَّصِيحَة واجبة مطلقًا، ولكنها تتأكد إذا استنصحك، وطلب منك الرأي النَّافع ولهذا قيده في هذه الحالة التي تتأكد) [بهجة قلوب البرار،للسعدى].
#### أقوال السلف والعلماء في النَّصِيحَة:
- سئل ابن عباس رضي الله عنهما، عن أمر السلطان بالمعروف، ونهيه عن المنكر، فقال: (إن كنت فاعلًا ولابد، ففيما بينك وبينه) [رواه ابن أبى شيبة].
- وقال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: (ليس على المسلم نصح الذِّمِّي، وعليه نصح المسلم) [جامع العلوم والحكم،لابن رجب].
- وقال الفضيل بن عياض: (الحبُّ أفضل من الخوف، ألا ترى إذا كان لك عبدان أحدهما يحبك، والآخر يخافك، فالذي يحبك منهما ينصحك شاهدًا كنت أو غائبًا لحبِّه إياك، والذي يخافك عسى أن ينصحك إذا شهدت لما يخاف، ويغشَّك إذا غبت ولا ينصحك) [جامع العلوم والحكم،لابن رجب].
- وقال الحسن: (إنك لن تبلغ حقَّ نصيحتك لأخيك، حتى تأمره بما تعجز عنه) [جامع العلوم والحكم،لابن رجب].
- وسئل ابن المبارك أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: (النصح لله، قيل: فالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؟ قال: جهده إذا نصح أن لا يأمر ولا ينهى) [الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر،لابن أبى الدنيا].
- وقال عمر بن عبد العزيز: (لو أنَّ المرء لا يعظ أخاه حتى يحكم أمر نفسه، ويكمل الذي خلق له من عبادة ربه، إذن لتواكل الناس الخير، وإذن يرفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقلَّ الواعظون والساعون لله عزَّ وجلَّ بالنَّصِيحَة في الأرض) [الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر،لابن أبى الدنيا].
- وقال الفضيل بن عياض: (ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس، وسلامة الصدور، والنصح للأمة) [جامع العلوم والحكم،لابن رجب].
#### من فوائد النَّصِيحَة [نضرة النعيم]:
1- النَّصِيحَة لبُّ الدين، وجوهر الإيمان.
2- النصيحة دليل حبِّ الخير للآخرين، وبغض الشرِّ لهم.
3- تكثير الأصحاب؛ إذ إنه يؤمن منه الجانب، وتقليل الحساد؛ إذ إنه لا يحب لغيره الشر والفساد.
4- صلاح المجتمع؛ إذ تشاع فيه الفضيلة، وتستر فيه الرذيلة.
#### حكم النَّصِيحَة:
أولًا: اتفق العلماء على أنها واجبة.
ثانيًا: اختلفوا في نوع فرضيتها؛ فذهب بعضهم إلى أنها فرض عين، وذهب البعض الآخر إلى أنها فرض كفاية [انظر:المر بالمعروف والنهى عن المنكر،لعبد العزيز المسعود].
والدليل على وجوب النَّصِيحَة: قوله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي سبق ذكره (الدين النَّصِيحَة...) [رواه مسلم].
وما ورد في حديث جرير رضي الله عنه، حيث قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة...) [راه البخارى ومسلم] وغيره من الأحاديث.
قال ابن مفلح: (ظاهر كلام أحمد والأصحاب وجوب النصح للمسلم، وإن لم يسأله ذلك كما هو ظاهر الأخبار) [الآداب الشرعية].
#### من صور النَّصِيحَة:
أ- النَّصِيحَة لله تعالى:
من صور النَّصِيحَة لله تعالى:
1- (الإيمان به ونفي الشريك عنه.
2- ترك الإلحاد في صفاته ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها.
3- تنزيهه سبحانه وتعالى من جميع النقائص.
4- القيام بطاعته واجتناب معصيته.
ب- النَّصِيحَة لكتابه سبحانه وتعالى:
وتشمل صورًا عدة منها:
(الإيمان بأنَّه كلام الله تعالى وتنزيله، لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله أحد من الخلق.
تعظيمه وتلاوته حق تلاوته، وتحسينها والخشوع عندها، وإقامة حروفه في التلاوة.
الذب عنه لتأويل المحرِّفين، وتعرض الطاعنين.
التصديق بما فيه، والوقوف مع أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله.
الاعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه.
البحث عن عمومه وخصوصه، وناسخه ومنسوخه، ونشر علومه والدعاء إليه) [شرح النووى على مسلم].
ج- النَّصِيحَة لرسوله صلى الله عليه وسلم:
من صور النَّصِيحَة لرسوله صلى الله عليه وسلم:
(1- تصديقه على الرسالة والإيمان بجميع ما جاء به.
2- طاعته في أمره ونهيه.
3- نصرته حيًّا وميتًا، ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه.
4- إعظام حقِّه وتوقيره.
#### ضوابط في النَّصِيحَة:
1- الإخلاص في النَّصِيحَة:
على الناصح أن يرجو بنصيحته وجه الله تبارك وتعالى، فلا يقصد بنصيحته الأغراض الدنيوية من رياء، وسمعة، وحب شهرة وغيرها، أو عيب المنصوح والحطَّ من قدره، قال تعالى: " أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ " [الزمر: 3] وقال سبحانه: " وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ " [البينة: 5] وقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّما الأعمال بالنيات، وإنما لكلِّ امرئ ما نوى) [رواه البخارى].
2- العلم بما ينصح به:
الذي يقوم بالنَّصِيحَة لا ينصح في أمر يجهله، بل لا بد أن يكون عالـمًا بما ينصح به، قال تعالى: " وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ " [الإسراء: 36].
3- أن لا يجهر بنصيحته:
بل ينبغي أن يسرَّ بنصيحته للمنصوح له، فلا ينصحه أمام الملأ.
4- مراعاة الوقت والمكان المناسب.
#### من وسائل وأساليب النَّصِيحَة:
1- البدء بقضاء حاجته ثمَّ القيام بنصيحته:
مما يدل على ذلك ما روي عن حكيم بن حزام قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال لي: يا حكيم، إنَّ هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بُورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يُبارَك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى. قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر يدعو حكيمًا ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئًا، ثم إنَّ عمر دعاه ليعطيه فيأبى أن يقبله، فقال: يا معشر المسلمين، إني أعرض عليه حقَّه الذي قسم الله له من هذا الفيء، فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد النَّبي صلى الله عليه وسلم حتى توفي رحمه الله) [رواه البخارى ومسلم مختصرًا].
2- تقديم الهدية:
الهدية لها أثرها في النفس، كما أنها تحمل معاني تربوية، ووصايا إيمانية.
3- التواصل بالرسائل:
وهي وسيلة جيِّدة للتناصح، وقد استعملها الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الإسلام، وما زال السلف الصالح يقتفون أثره في هذه السنة المباركة.
#### نماذج من نصائح الرسول صلى الله عليه وسلم:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يناصح صحابته في جميع الأمور، فكان يناصحهم في الأمور التعبدية، والقضايا الدعوية، والشؤون الأسرية وغيرها.
- فعن معاذ رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم خمس صلوات في كلِّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم صدقة تُؤخذ من أغنيائهم فتردُّ في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنَّه ليس بينها وبين الله حجاب) [رواه مسلم].
- وأيضًا نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذًا وأبا موسى الأشعري حينما بعثهما إلى اليمن فقال: (يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا) [رواه البخارى ومسلم].
- تعليمه صلى الله عليه وسلم للرجل الصلاة، كما في الحديث المشهور بحديث المسيء صلاته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، فسلم على النَّبي صلى الله عليه وسلم، فردَّ، وقال: ارجع فصلِّ فإنك لم تصل. فرجع يصلي كما صلى، ثم جاء فسلم على النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلِّمني، فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئنَّ راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، وافعل ذلك في صلاتك كلها) [رواه البخارى ومسلم].
- وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: (أن أبا عمرو بن حفص طلَّقها البتَّة، وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله ! ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال لها: ليس لك عليه نفقة، فأمرها أن تعتدَّ في بيت أمِّ شريك، ثمَّ قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدِّي عند ابن أمِّ مكتوم، فإنَّه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني، قالت: فلمَّا حللت ذكرت له أنَّ معاوية ابن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمَّا أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأمَّا معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد، فكرهته، ثمَّ قال: انكحي أسامة، فنكحته، فجعل الله فيه خيرًا كثيرًا واغتبطت به) [رواه مسلم].
#### نماذج من نصائح السلف:
- عن أبي جحيفة، قال: (آخى النَّبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أمَّ الدرداء متبذِّلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا فقال: كلْ، قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم فقال: نم، فلما كان من آخر الليل، قال سلمان: قم الآن، فصليا، فقال له سلمان: إنَّ لربِّك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فأتى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان) [رواه البخارى].
- وعن علقمة قال: (كنَّا جلوسًا مع ابن مسعود، فجاء خبَّاب فقال: يا أبا عبد الرحمن، أيستطيع هؤلاء الشباب أن يقرؤوا كما تقرأ؟ قال أمَّا إنك لو شئت أمرت بعضهم يقرأ عليك، قال: أجل، قال: اقرأ يا علقمة، فقال زيد ابن حدير أخو زياد بن حدير: أتأمر علقمة أن يقرأ وليس بأقرئنا؟! قال: أما إنَّك إن شئت أخبرتك بما قال النَّبي صلى الله عليه وسلم في قومك وقومه، فقرأت خمسين آية من سورة مريم، فقال عبد الله: كيف ترى؟ قال قد أحسن، قال عبد الله: ما أقرأ شيئًا إلا وهو يقرؤه، ثم التفت إلى خبَّاب وعليه خاتم من ذهب فقال: ألم يأن لهذا الخاتم أن يلقى؟ قال: أما إنك لن تراه عليَّ بعد اليوم فألقاه) [رواه البخارى].
مختارات