فقه القدوة
روى مالك عن نافع أنه سمع أسلم مولى عمر بن الخطاب يحدث عبد الله بن عمر : أن عمر بن الخطاب رأى على طلحة بن عبيد الله ثوباً مصبوغاً وهو محرم. فقال عمر: ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة؟ فقال طلحة: يا أمير المؤمنين إنما هو مدر، فقال عمر: إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس، فلو أن رجلا جاهلاً رأى هذا الثوب لقال: إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبّغة في الإحرام، فلا تلبسوا أيها الرهط شيئا من هذه الثياب المصبّغة.
والشاهد هو: إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس، فلو أن رجلاً جاهلاً رأى هذا الثوب لقال: إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبّغة في الإحرام.
هذا أثر كالشمس عن عمر بن الخطاب يروي شيئا من فقهه، وبأنّه كان _ رضي الله عنه _ يشدد على العلماء وأهل الفضل والمكانة في أمور لا يشدد فيها على غيرهم، وذلك لكونهم " قدوة ".. فالقدوة من الناس في فقه عمر بن الخطاب عليه تبعات كما أن له مميزات..
شيخنا الكريم سلمان العودة، وهو قدوة يقتدي بقوله وفعله وكلامه وصمته بل وإشاراته الفئام الذين لا يحصون عدداً يزهد الناس _ أراد أم لم يرد _ في الورع، ويربط بينه وبين الجهل !
ولو التزم شيخنا الكريم فقه عمر (فقه القدوات) لما كتب مقولته التي نصّها: " الأصل أن لا يلجأ الإنسان إلى الاحتياط والإفراط في الورع، إلا في حالات خاصة، وبعض الحكماء يقول: من قل فقهه كثر ورعه "
وأتساءل: هل مشكلتنا اليوم تكمن في الورع أو في قلّته؟ هل مصائبنا الدينية والاقتصادية والاجتماعية بل والسياسية ناجمة عن الورع والخوف الزائد من الله.. أم من خلاف هذا المعنى العظيم؟
وأتساءل أيضا: كيف أغفل شيخنا الكريم عشرات بل مئات النصوص الممجّدة لمعنى الورع.. ثم ركّز على هذه المقولة عن أحد الحكماء ! مع أنها لو وردت عن علم مشهور من علماء السلف الكبار لوجب طيّها لا نشرها.. على الأقل في زمن خفت فيه هذا الشعور النبيل.. وتقحّم الناس المحرمات تقحّما..
لماذا تغدو الكلمات التي تؤيد ما نذهب إليه حكيمة؟ وقائلها حكيماً؟ وفاعلها مبدعاً؟ ومخالفها مغفلاً؟.. وأهم " لماذا " في هذا السياق هي: لماذا اختفى فقه القدوات؟ ولم نعد نشعر أن الكلمة من سلمان العودة أشد خطراً فيما لو صدرت ممن هو دونه في العلم والشهرة والمكانة؟
أتمنى من علمائنا الأجلاء ودعاتنا الكبار وهم يتمتّعون بمميزات " الشخصية القدوة " من احترام وتوقير وحب ومكانة.. ألّا ينسوا تبعات هذه الشخصيّة القدوة.. وأقلّها: فقهٌ يجعل هذا القدوة يتأمل مآلات كلمته.. وكيف أنه قد ينهى عن المبالغة في شيء.. فيفهما الآلاف أنها نهي عن الشيء ذاته قليله وكثيره.. حسنه وسيئه.. المبالغة فيه والاعتدال فيه..
هذا ما أردت قوله.. وعلى الله قصد السبيل.. وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد
مختارات