" وجوب ترك المعاصي "
" وجوب ترك المعاصي "
أخي المسلم: لما كانت المعاصي كلها شر وجب على المسلم المتلمس لطرق النجاة في الدنيا والآخرة أن يبادر إلى تركها، إذ أن ذلك من علامة الإيمان الصادق.
فلا تقربن أدغال المعاصي والذنوب، وانج بنفسك منها إلى علام الغيوب.. فإن ربك تعالى لشديد الغيرة أن تأخذك المعاصي..فترمى بك في أودية المهالك والمخازي.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أحد أغير من الله ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدح من الله تعالى» (رواه مسلم) .
وتارك المعاصي هو المؤمن الحقيقي الذي صدق فعله قوله، فكان مترجمًا لذلك الإيمان.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه، ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» (رواه البخاري ) .
فترك المعاصي من الأمور الواجبة على العبد.
قال محمد بن كعب القرظي رحمه الله: «ما عُبد الله بشيء قط أحب إليه من ترك المعاصي».
وقال سهل بن عبد الله رحمه الله: «أعمال يعملها البر والفاجر ولا يتجنب المعاصي إلا صديق».
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: «إن أفضل العبادة أداء الفرائض واجتناب المحارم».
وكان يزيد الرقاشي رحمه الله يقول: «يا معشر الشيوخ الذين لم يتركوا الذنوب حتى تركتهم فيا ليتهم إذا ضعفوا عنها لا يتمنوا أن تعود لهم القوة عليها حتى يعملوا بها».
وقال بعض العلماء: «كلّ سفلة يعمل بالطاعة ولكن الكريم من يترك المعصية».
وصدق الحسن البصري رحمه الله عندما قال: «يا ابن آدم ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة» !
أخي المسلم: ترك المعاصي واجب يلازم العبد في أوقاته كلها فهو مطالب دائمًا بجهاد النفس والشيطان، وهي رحلة لا تنقطع.. وإذا غفل العبد عن ذلك دعته النفس الأمارة بالسوء إلى فعل المنكرات، فيجد الغافل نفسه غارقًا في المعاصي !
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ويحتاج المسلم في ذلك إلى أن يخاف الله وينهي النفس عن الهوى، ونفس الهوى والشهوة لا يعاقب عليه؛ بل على اتباعه، والعمل به؛ فإذا كانت النفس تهوى وهو ينهاها كان نهيه عبادة الله وعملا صالحا وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله» فيؤمر بجهاده كما يؤمر بجهاد من يأمر بالمعاصي، ويدعو إليها وهو إلى جهاد نفسه أحوج، فإن هذا فرض عين وذاك فرض كفاية، والصبر في هذا من أفضل الأعمال، فإن هذا الجهاد حقيقة، فمن صبر عليه صبر على ذلك الجهاد كما قال: «والمهاجر من هجر السيئات».
ولترك المعاصي ثمار طيبة يجدها أهل الطاعات.. ويجدون حلاوتها..
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: «ولو أن شخصًا ترك معصية لأجل الله تعالى لرأى ثمرة ذلك وكذلك إذا فعل طاعة».
وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن القيم: وهو يقف عند قوله تعالى: " إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ " [الانفطار: 13، 14]. يقول: «ولا تظن أن قوله تعالى: " إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ " مختص بيوم المعاد فقط؛ بل هؤلاء في نعيم في دورهم الثلاثة، وهؤلاء في جحيم في دورهم الثلاثة، وأي لذة ونعيم في الدنيا أطيب من بر القلب، وسلامة الصدر، ومعرفة الرب تعالى، ومحبته والعمل على موافقته، وهل العيش في الحقيقة إلا عيش القلب السليم؟».
مختارات