لكل شيء علامة!! فما علامة اهتمامك بدعوتك (5)
5- المظهر مع الجوهر
يا صاحب الرسالة..
اغسل نفسك اليوم في نهر الدعوة حتى لا تبقى خلية من جسدك إلا وقد تشبَّعت بالدعوة وهَمِّ الدعوة، فينضح ذلك على كل ما يراه الناس فيك، ويسمعونه منك، ويعلمونك عنك، فتدرك بذلك شرف الجهاد وإن لم تجاهد، وتنال ثواب المجاهدين من غير نزال أو قتال.
يقول الإمام البنا رحمه الله:
(أستطيع أن أتصوَّر المجاهد شخصا قد أعدَّ عُدَّته، وأخذ أهبته، وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواصي نفسه وجوانب فكره، فهو دائم التفكير عظيم الاهتمام على قدم الاستعداد أبداً إن دُعي أجاب، أو نودي لبى، وغدوه ورواحه وحديثه وكلامه وجده ولعبه، لا يتعدى الميدان الذي أعد نفسه له، ولا يتناول سوى المهمة التي وقف عليها حياته وإرادته، يجاهد في سبيلها، تقرأ في قسمات وجهه، وترى في بريق عينيه، وتسمع من فلتات لسانه ما يدلك على ما اضطرم في قلبه من جوى لاصق وألم دفين، وما تفيض به نفسه من عزمة صادقة وهمة عالية وغاية بعيدة.)
يشير بذلك إلى ما تعارف عليه علماء القلوب وأجمعوا عليه من أنَّ «لسانك ترجُمان قلبك؛ ووجهك مرآةُ قلبك؛ يتبيَّن على الوجه ما تُضْمِر القلوب»، فيعلم بذلك كل صاحب رسالة حقيقة نسبه وصدق انتمائه لهذه الدعوة.
الخَلق والخُلُق
ومن هذا أن صاحب الرسالة صاحب سمت مميز، وبصمة لا تُزيَّف، وشكل يُخبِر عن باطن، ومظهر يُفشي سرَّ جوهر.
يعلم أن المشاركة في الشكل لا بد أن تورث موافقة في الأعمال حتما مقضيا وقدرا مقدورا، لذا اشتد تمسكه بتميُّزه في كل شيء، وشخصيته المستقلة التي يُشار إليها بالبنان، ليس إمَّعة يقلِّد أعداءه، ولا ينبهر بمظاهر الغافلين من أبناء قومه.
قال :
(إن الهدي الصالح و السمت الصالح و الاقتصاد جزء من خمسة و عشرين جزءا من النبوة.)
فالسمت الصالح هو مظهر هام. يقول ابن تيمية مشدِّدا على أهميته:
(إن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسبًا وتشاكلًا بين المتشابهين، يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس، فإن اللابس لثياب أهل العلم- مثلًا- يجد في نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة- مثلًا- يجد في نفسه نوع تخلق بأخلاقهم، ويصير طبعه متقاضيًا لذلك.)
وما حلَّله المؤلف رحمه الله عن أثر التشبه والتقليد على الشخصية يستحق أن يكون اليوم قاعدة من قواعد علم الاجتماع، سبق بها رسول الله ﷺ حين قال:) من تشبَّه بقوم فهو منهم.)
أضف إلى هذا ما هو أكثر: التشابه في الزي والشكل والسلوك والعادات لا بد وأن يورث نوع مودة ومحبة بين المتشابهين مما يسميه علماء النفس اليوم: اللاشعور أو العقل الباطن، تماما كما أن المحبة في الباطن تورث تناسبًا وتشابها في الظاهر.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
(فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة، فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟! فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد.)
ومن هذا التميز الذي يحرص عليه صاحب الرسالة وصاحبة الرسالة:
•الحرص على لغتنا وعدم استخدام اللغات الأجنبية tعلى وجه الاعتياد والدوام أو لغير ضرورة، وهو ما أوصى به عمر بن الخطاب وحرص عليه فقال: «إياكم ورطانة الأعاجم .
ومن هذا تبرز خطورة استجلاب البعض للخدم والمربيات والسائقين الأجانب، حيث يتعلم الأطفال منهم لغات غير لغتهم، ويتحدثون معهم باللسان الأجنبي لغير غرض سوى المباهاة.
• الأعياد: فلا عيد عندنا إلا الفطر والأضحى، فلا أعياد ميلاد وما شابه، والأعياد في الإسلام من جملة الشرائع والمناسك كالقبلة والصلاة والصيام، وليست مجرد عادات، وهنا يكون تقليد الكافرين أشد وأخطر.
•ترك الأناقة الزائدة: فلا يليق بصاحب الرسالة أن يسبي عقله آخر صيحات الموضة، ولا أن يقتني ألوان الأزياء التي يتفانى في شرائها فارغو العقول والقلوب، لأنه أعلى من ذلك وأسمى.
ذُكِر أن الدكتور أحمد الملط ذهب إلى الإمام البنا وهو يضع منديلا في جيب البدلة، فأخذ الإمام البنا يدخل المنديل في جيب البدلة، ويقول: يا أبو حميد.. لا يليق ذلك بالمجاهدين، فكان ذلك درسا عمليا في طبيعة حياة المجاهدين.
•الحجاب المتبرِّج: انبهارا بالوسط المحيط المتدني، وتلبية لغريزة المرأة في التزين ولفت الأنظار، فتخلع الأخت خمارها السابغ، وترتدي الملفت من الألوان والمزركش من الثياب، ولا يعود الحجاب حاجبا للزينة بل مصدرا للزينة.
مختارات