7- هجمة قبل هجمة
إن لم تهاجم شيطانك هاجمك، وإن لم تُتعبه أتعبك، وإن لم تحمله على الركوض خلفك أركضك ذليلا لاهثا وراءه، وحين تتخدَّر غيرتك على دعوتك وتتبلد مشاعرك تجاه مصاب أمتك فاعلم أن الشيطان قد غزاك.
فبدلا من أن تدعو غيرك إلى الخير يدعوك شيطانك إلى الشر، فتسقط صلاة الفجر من أولوياتك، وتضيع الأذكار المأثورة من أورادك، ويضيع معها ذكر الله وحفظه لك، ويستمر الانهيار، لتسقط فريسة لأفلامٍ تعرض من العري والإثارة ما يسلب الإيمان، ويتفاقم الأمر وتتدهور الحالة فتنزل بك حالة اللا مبالاة، فلا شعور بالذنب أو تدارك للأمر.
وتفسير هذا أن الدعوة إلى الله من أعظم النعم، ومن لم يعرف شرفها ومكانتها سُلِبها وشُرِّف بها غيره، ورحمة الله على الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز حين عرف قدر النعمة فحفظها وصان الهدية الغاية، فنقل عنه ابنه عبد الله:
(ما قلَّب عمر بن عبد العزيز بصره إلى نعمة أنعم الله بها عليه إلا قال: اللهم إنى أعوذ بك أن أبدِّل نعمتك كفرا، وأن أكفرها بعد أن عرفتُها، وأن أنساها ولا أُثني بها. )
وتذكَّر أخيرا.. أنك حين تصون النعمة بشكرها تغيظ أعداءك الذين كادوا لك، وأرادوا صرفك عن هدفك، وإلهاءك عن غايتك، فلا تأكل الطُّعم الذي أُلقي إليك، لتصفعهم بهمتك العالية وثباتك على دعوتك، فيرتدوا خائبين لم ينالوا شيئا.
صراع الهموم!!
﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ
عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور ِ﴾ آل عمران: 154
فهؤلاء المنافقون لا همَّ لهم إلا أنفسهم، لا همَّ الدين ولا همَّ النبي أو المسلمين، وكما لا يجتمع سيفان فى غمد، فكذلك لا يجتمع همَّان في قلب، ولما كان أحب الأشياء لدى المنافقين أنفسهم، وأسباب الخوف على النفس لا تخلو منها الحياة، لذا ولَّوا وجوههم شطر أنفسهم، أما أصحاب الرسالة فقبلتهم دينهم، ويعيشون لأمتهم أكثر مما يعيشون لأنفسهم، ويبذلون في سبيلها كل ما يستطيعون من جهد ووقت ومال، فبسببهم يتنزَّل الغيث على الجميع ويعُمُّ الخير، وهي إحدى صفتين لمحهما أبو الحسن الندوي في الإمام حسن البنا، ثم عمَّمها على أي صاحب رسالة حين قال:
(وقد تجلَّت عبقرية الداعي مع كثرة جوانب هذه العبقرية ومجالاتها، في ناحيتين خاصتين لا يشاركه فيهما إلا القليل النادر من الدعاة والمربين والزعماء والمصلحين:
أولاهما: شغفه بدعوته واقتناعه بها وتفانيه فيها وانقطاعه إليها بجميع مواهبه وطاقاته ورسائله، وذلك هو الشرط الأساسي والسمة الرئيسية للدعاة والقادة الذين يُجري الله على أيديهم الخير الكثير. )
وعلى الضد من هذا.. حين يغيب همُّ الدعوة عن قلوب أصحاب الرسالات ينشغلون بأنفسهم، وتكثر أعمالهم وتقِلُّ ثمارهم، وتتعالى الأصوات ولا يقع البلاغ، وتؤدَّى الأنشطة بغير روح فلا تصل إلى الروح.
وبذا ينقسم الناس إلى قسمين: قسم يفكِّر في نفسه، وآخر يفكِّر في غيره، وقد وجد الأطباء النفسيون أن أكثر المصابين في أعصابهم اليوم هم من الصنف الأول؛ لأن تحويل الضغوط النفسية الداخلية إلى عمل خيري خارجي ثبت أنه من أكثر الأعمال إفادة وتأثيرا في الصحة النفسية؛ ولذلك ترى العاملين في الخدمات العامة والعمل الخيري أقلَّ الناس تعرضا للاضطرابات العصبية.
مختارات