مقدمة خَصَائِصُ النَّبيِّ (صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ)
مقدمة عن الخصائص
إنَّ الله –تعالى- قد اختصَّ عبدَهُ ورسولَهُ مُحمَّداً-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-دُونَ غيرِه مِنَ الأنبياءِ -عليهم السلام- بخصائصَ كثيرةٍ، تشريفاً له وتكريماً مما يدلُّ على جليلِ رُتبتِهِ وشَريفِ منزلتِهِ عندَ ربِّهِ. ففي الدُّنيا آتاهُ اللهُ القُرآنَ العظيمَ المعجزةَ المحفوظةَ الخالدةَ، ونصرَهُ بالرُّعبِ، وأرسلَهُ إلى الخلقِ كافَّة، وخَتَمَ به النَّبيِّينَ... إلى غيرِ ذلكَ مِن الخصائصِ. وفي الآخرةِ أكرمَهُ بالشَّفاعةِِ العُظْمى، والوسيلة، والفضيلة، والحوض المورود، والمقام المحمود... إلى غيرِ ذلكَ من الخصائصِ التي ستأتي في هذا البحثِ، وأكرمه بخصائصَ في أمتِهِ لم تُعطَها غيرُها من الأُممِ السَّابقةِ. ففي الدُّنيا أحلَّ لهم الغنائمَ،وجعلَ لهم الأرضَ مسجداً وطَهُوراً، وجعلَهم خيرَ الأممِ، إلى غيرِ ذلكَ من الخصائصِ. وفي الآخرةِ جعلَها شاهدةً للأنبياءِ على أُممهم،وجعلَها أولَ الأُممِ دُخُولاً الجَنَّةَ... إلى غيرِ ذلكَ من الخصائصِ التي ستأتي –إنْ شاءَ اللهُ-في هذا البحثِ.
وقد وردتْ الآياتُ القُرآنيةُ والأحاديثُ النبوية تُصرِّحُ بعُلو منزلتِهِ الكريمة- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وأنه أعلى النَّاسِ قدراً، وأعظمهم محلاً، وأكملهم محاسنَ وفضلاً. وإننا في هذا المبحثِ قد جمعنا ما استطعنا عليه مِمَّا ثبتَ من خصائصِ النَّبيِّ الكريمِ، وخصائصِ أُمَّتِهِ..
(تعريفها-أقسامها-فوائد معرفتها)
التعريف اللغوي للخصائص:
قال في القاموس المحيط (خصَّهُ بالشيء خَصَّاً وخُصُوصاً وخُصُوصيّةً، والفتح أفصح). (القاموس المحيط ص796 الفيروز آبادي.مؤسسة الرِّسالة- دار البيان للتراث/ الطبعة الثانية 1407هـ- 1987م)
وقال في لسان العرب: (واختصه: أي أفرده دون غيره) لسان العرب (7/ 24). ابن منظور. الكُتُب الثقافية.
وقال في المعجم الوسيط: (خُصوصية الشيء خاصيته، والخَصِيْصة الصفة التي تميِّز الشيء وتحدده، والجمع خصائص) المعجم الوسيط (1/237). دار إحياء التراث العربي بيروت – لبنان- الطبعة الثانية.
التعريف الاصطلاحي:
هي الفضائل والأمور التي انفرد بها النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وامتاز بها، إما عن إخوانه الأنبياء، وإمَّا عن سائر البشر. راجع: " خصائص المصطفى بين الغلو والجفاء ". الصادق بن مُحمَّد بن إبراهيم ص24.
وقيل: هي ما اختصَّ اللهُ –تعالى- نبيَّهُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفضَّله به على سائرِ الأنبياءِ والرُّسلِ-عليهم الصلاة والسلام-،وكذلك سائر البشر. راجع " نضرة النعيم (1/447) ".
أقسام الخصائص النبوية:
للخصائص النبوية قسمان رئيسان:
الأول: خصائص تشريعية: وهي ما اختص به النَّبيّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -من التشريعات الإلهية.
الثاني: خصائص تفضيلية: وهي الفضائل والتشريفات التي كرَّم الله بها نبيَّنا مُحمَّداً- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- دون غيره. راجع: " خصائص المصطفى-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بين الغلو والجفاء " ص24.
فوائد معرفة الخصائص:
قد يقول قائل، أو يسأل سائل: لماذا الكلام في خصائص الرَّسُول؟ وما الفائدة منها؟
الجواب: هناك فوائدُ كثيرة في دراسة الخصائص وتذاكرها، فمن ذلك: الوقوف على ما انفرد به نبينا -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -عن غيره من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وما أكرمه الله به من المنح، و الهبات تشريفاً له وتعظيماً وتكريماً مما يدل على جليل منزلته عند ربه. فمعرفة ذلك تجعل المسلم يزداد إيماناً مع إيمانه، ومحبةً وتبجيلاً لنبيه، وشوقاً له ويقيناً به. وتدعو غيرَ المسلم لدراسة أحوال هذا النَّبيِّ الكريمِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، ومِن ثَمَّ الإيمانُ والتصديق به، وبما جاء به إن كان من المنصفين. ويُضمُّ إلى ذلك فوائد ذكر ما اختصَّ به عن أمته من الأحكام. فمنها: تمييز تلك الخصائص ومعرفتها وثمرة ذلك بيان تفرده واختصاصه بها،وأن غيره ليس له أن يتأسى به فيها.1،قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رَحِمهُ اللهُ-عند ذكره لفوائد حديث: (نهى رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -عن الوصال) قالوا: (إنك تُواصلُ...)، قال ابن حجر: " فيه ثبوتُ خصائصِهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-،وأنَّ عمومَ قولِهِ-تعالى-: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة). مخصوصٌ ". فتح الباري (4/242).وانظر: " نضرة النعيم " (1/448).
عددها:
ذكر بعضُ فقهاء الشافعية والمالكية في مُؤلَّفاتِهم في أوائلِ كتابِ النِّكاح ما اختصَّ به- صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- في أحكامِ أفعالِهِ.وأولُ مَن استطردَ إليها المُزنيُّ صاحبُ الشَّافعيِّ-رحمهما الله-.وقد ذكرها القرطبيُّ المالكيُّ بالتفصيلِ،وحصرها في سبعةٍ وثلاثين خاصة، وقال: إنَّ منها المتفقَ عليه،والمختلفَ فيه(2)،وذكرها السُّيوطيُّ، فجعلها خمسةً وستين خاصة، وذكرها الرمليُّ الشافعيُّ في " شرح المنهاج "، فجعلها سبعةً وأربعين خاصة.
1- فتح الباري (4/242). انظر نضرة النعيم (1/448).
2 - تفسير القرطبي (14/212).
مختارات