اسم الله الوكيل 2
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( الوكيل ) :
أيها الإخوة الأكارم ، لا زلنا في اسم " الوكيل " .
التوكيل يحتاج إلى علم وحكمة :
قالوا : من توكل عليه تولاه وكفاه ، ومن استغنى به أغناه وأرضاه ، وإذا تولى الله عبده بجميل العناية كفاه ، كفاه عن كل شغل ، وأغناه عن كل غير .
والتوكل يحتاج إلى معرفة ، لن تتوكل عليه إلا إذا عرفته ، أنت في حياتك الدنيا إذا سافرت تسلم محلك التجاري لإنسان تثق به ، تثق بعلمه ، بكفاءته ، بحكمته ، بأمانته ، لن تضع إنساناً مكانك في عمل له شأن كبير إلا إذا وثقت بصفات كثيرة ، فالتوكل ليس كلمة تقولها ، وليس وهماً تتوهمه ، التوكل حقيقة أنت لن تتوكل إلا على القوي ، العليم ، الحكيم الذي يحبك، الذي لا يخونك، المخلص لك ، فأنت في حياتك الدنيا لن تسلم عملك ، شأنك ، بيتك أحياناً ، لإنسان لا تثق به ، بل توكل شقيق زوجتك الذي يحبك ، وحريص على سمعتك ، وحريص على مالك في غيابك .
إذاً التوكيل يحتاج إلى علم .
الضعف في أصل خلق الإنسان لحكمة من الله تعالى :
لكن هناك نقطة دقيقة : لو أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان قوياً ، إن خلقه قوياً لن يتوكل عليه ، إن خلقه قوياً لن يلجأ إليه ، إن خلقه قوياً لن يتوب إليه ، إن خلقه قوياً لن يطيع أمره ، لكن لحكمة بالغةٍ بالغة خلقه ضعيفاً ، خلقه ضعيفاً ليفتقر في ضعفه ، فإذا افتقر في ضعفه سعد في الدنيا والآخرة ، لم يخلقه قوياً لأنه لو خلقه قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه ، السعادة أن تكون معه ، السلامة أن تكون معه ، فالضعف في أصل خلقك في صالحه ، عنده السعادة ، عنده الأمن ، عنده الرضا ، عنده التفوق ، خلقك ضعيفاً كي تلجأ إليه .
بعض العارفين قال :
إذا كنت في كل حـال معي فعن حمل زادي أنا في غنى
فأنتـــم والــحق لا غيركـــم فيــا ليت شعري أنا من أنا
* * *
وقالوا :
وإذا العناية لاحظتك جفونها نم فالمخاوف كلهن أمان
* * *
قرأت قصة عن طائرة تحطمت فوق جبال الألب ، مكان انشقاق جسم الطائرة هناك راكب وقع فنزل بعد ثلاثة وأربعين ألف قدم على غابة في جبال الألب ، الثلج فوق الأشجار خمسة أمتار ، هذا الثلج والأغصان المرنة امتصت هذه الصدمة فنزل واقفاً ، من أندر الحوادث في التاريخ أن إنساناً يقع من طائرة على ارتفاع ثلاثة وأربعين ألف قدم ينزل واقفاً ؟ .
وإذا العناية لاحظتك جفونها نم فالمخاوف كلهن أمان
* * *
إذا توكلت على الله خدمك أعداؤك ، وإذا اعتددت بنفسك قد يتطاول عليك أبناؤك .
آخر رحلة للكونكورد من باريس إلى واشنطن ، في المطار حديدة صغيرة ، هذه الحديدة الصغيرة سببت احتراق الطائرة بأكملها ، مع أربعمئة وخمسين راكباً .
أحياناً الله عز وجل يهلك على أتفه سبب ، وأحياناً يحفظ لأتفه سبب ، الأخطار قائمة إذا كنت معه نجاك من هذه الأخطار .
بطولة الإنسان أن يأتي ربه طائعاً وبمبادرة منه :
إخواننا الكرام مرة ثانية : نحن نعاني من متاعب ، طبيعة الحياة الدنيا متعبة ، هناك قلق على الصحة ، هناك أمراض لا تعد ولا تحصى ، وبعض هذه الأمراض يحيل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق ، هناك أمراض وبيلة ، هناك نقص مياه ، و غلاء أسعار ، وعدو متسلط أحياناً ، هناك شبه مصيبة ، شبح حصار ، شبح حرب أهلية ، فرص عمل قليلة جداً ، طرق مسدودة ، لو أن أحدنا سأل هذا السؤال : يا رب لماذا هذه المتاعب ؟ لأنك في دار العمل ، فإذا قصرت بالعمل ابتلاك الله بالهم ، الله عز وجل يسوقنا إلى بابه .
"عجب ربنا من قوم يساقون إلى الجنة بالسلاسل" [البخاري]هو البطولة أن تأتيه طائعاً ، أن تأتيه بمبادرة منك .
مرة إنسان أراد أن يسألني سؤالاً ، أنه أنت تدعو إلى الله من خمس وثلاثين سنة ، قلت : نعم ، قال : ما ملخص هذه الدعوة ؟ قلت له : بالتعبير الدارج إما أن تأتيه ركضاً ، أو أن يأتي بك ركضاً ، اختر إحدى الحالتين ، لأنه يحبنا ، لأنه خلقنا ليرحمنا ، خلقنا ليسعدنا ، خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض ، إذا غفلنا عنه ، وانشغلنا بالدنيا ، ولم نطعه ، وأقمنا حجاباً بيننا وبينه هو رب ، يسوقنا إلى بابه ، أنا أقول دائماً : لو دخلت إلى مسجد ، رأيت فيه عشرة آلاف مثلاً ، اعتقد يقيناً أن تسعة آلاف من هؤلاء جاؤوا إلى الله عقب تدبير حكيم ، هذا بمشكلة ، هذا بمصيبة ، هذا بمرض ، الله عز وجل رب العالمين ، يعالجنا في الدنيا ، يسوق لنا بعض الشدائد ، والله الذي لا إله إلا هو وهذا إيماني يوم القيامة إذا كشف الله لك عن حكمة الشدائد التي ساقها إليك يوم القيامة ، إن لم تذب كالشمعة محبة له فهذا الدين باطل ، هذا إيماني ، والدليل : " وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " [يونس:10] .
تعلق إرادة الله عز وجل بالحكمة المطلقة :
أيها الإخوة ، دققوا في هذه الآية : " وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " [القصص:47] .
هذه الشدائد لو لم تكن لكان الله ملوماً يوم القيامة ، هذه الشدائد لو لم تكن لكان نقصاً في حكمة الله عز وجل ، كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق .
إذاً : سعادتك بالإقبال عليه ، أمنك بالاتصال به ، راحتك بمعرفته ، فإذا قصرت بمعرفته ساق لك من الشدائد ما يدعوك إليه .
والله إنسان أصابته أزمة قلبية ، وكان مفرطاً في المعاصي ، لما شعر ببلوغ أجله وهو في العناية المشددة ، قال لي : ناجيت ربي ، قال له : يا رب أتحب أن آتيك عارياً ؟ ولا عمل صالح لي ؟ أمهلني أي أعطيني فرصة ، أعطاه فرصة ، بعد أيام تحسن وضعه وخرج ، فبدأ يحضر دروس علم ، قال لي : في إحدى ساعات النشوة مع الله ، قلت له : يا رب كل هذه السعادة بالإقبال عليك ، لمَ لم تأت هذه الأزمة من عشر سنوات ؟ لا أحد يعرف ما عند الله من سعادة لو اصطلح معه وأقبل عليه .
فأحياناً يسوق لك الشدائد من أجل أن تقبل عليه ، من أجل أن تصل إليه ، من أجل أن تتوكل عليه ، التوكل على الله شيء مسعد ، لكن قلّما يفعله الناس ، التوكل يحتاج إلى استقامة ، والتوكل يحتاج إلى معرفة ، تعرفه وتستقيم على أمره الآن : وإذا العناية لاحظتك جفونها نم فالمخاوف كلهن أمان
* * *
لكن إنسان معرفته بالله ضعيفة جداً كيف يتوكل عليه ؟ الآن الناس يحتاجون إلى سند أرضي ، يريد ماله يهبه الأمن ، يريد إنساناً قوياً يعتمد عليه يقيم علاقة مودة بينه ، يريد راحته بأسباب أرضية ، قلّما تجد إنساناً مؤمناً ثقته بالله وحده ، ليس له سند أرضي إلا أن الله عز وجل يطمئنه .
من أحبه الله ألقى هيبته في قلوب الناس :
أيها الإخوة ، يقول عليه الصلاة والسلام : " إن قُلُوبَ بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن ، كقلب واحد ، يُصَرِّفُه حيث شاء " [مسلم] .
هل تعلم أن هذا الحديث وحده يهبك الأمن ، هؤلاء الأقوياء الذين حولك ، الأقوياء الذين لا تستطيع أن تواجههم ، قلوبهم بيد الله ، فإذا أحبك الله ألقى هيبتك في قلوبهم ، وإذا لم يحبك الله ألقى القسوة في قلوبهم عليك ، أي إنسان يعاملك معاملة اعلم علم اليقين أن قلبه بيد الله ، فإما أن يقسو هذا القلب أو أن يرق ، إما أن يمتلئ قلب عدوك هيبة منك أو قسوة عليك،قال عليه الصلاة والسلام: " نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ " [البخاري ومسلم] وحينما تركت أمته منهجه هزمت بالرعب مسيرة عام ، هذا الذي تخافه قلبه بيد الله .
" إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يُصَرِّفُه حيث يشاء " [مسلم] .
في بعض الآثار : " أن عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ـ بالآخرة لا يوجد كذب ـ يقول : يا رب لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي ، الله عز وجل يقول له : إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم ، ويقول لعبد آخر : عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ يقول : يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين لثقتي أنك خير حافظاً ، وأنت أرحم الراحمين ، فيقول الله له : أنا الحافظ لأولادك من بعدك " .
من أراد أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله :
أناس كثيرون ما تركوا لأولادهم شيئاً ، لكن تركوا لهم سمعة طيبة ، يقول أحد الآباء وقد عاتبته امرأته ما ترك لأولاده شيئاً ، يقول لها : أنا ما أكلت مالاً حراماً ، فاطمئني الله عز وجل سوف يرزقهم .
قالوا : إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، وإذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله ، أوثق منك بما في يديك ، وإذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتقِ الله ، دقق في هذه الآية : " رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً " [المزمل:9] .
والله إنسان يوكل محامياً لامعاً جداً له هيبة بقصر العدل ، ينام مرتاحاً ، وكلت فلاناً ، فإذا وكلت الواحد الديان ، فإذا وكلت قيوم السماوات والأرض كيف تكون راحتك ؟ .
مشاعر المتوكل على الله مسعدة لأن علاقته مع الله فقط :
إخواننا الكرام ، مشاعر المتوكل على الله مسعدة ، أي علاقته مع جهة واحدة يرضيها ، ويتقي أن يسخطها ، وعلى الله الباقي ، أنا لا أرى آية أشعر أنها حاسمة كهذه الآية : " بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ " [الزمر:66] مهمتك فقط أن تعبده : " وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ " [الزمر:66] .
" وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ " عليك أن تعبده ، وعلى الله الباقي ، يتولاك ، يدافع عنك ، ينصرك ، يقربك ، يلقي محبتك في قلوب الخلق ، ويلقي هيبتك في قلوب الأعداء ، ألا تكفينا هذه الآية ؟ " اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " [البقرة:257] .
من خرج في سبيل الله توكل الله بأن يدخله الجنة أو يرجعه إلى بيته :
أيها الإخوة ، دققوا في هذا الحديث الصحيح : " توكل الله بحفظ امرئ ، خرج في سبيل الله ، لا يخرجه إلا الجهاد في سبيل الله ، وتصديق بكلمات الله حتى يوجب له الجنة ، أو يرجعه إلى بيته ، أو من حيث خرج " [أخرجه أحمد] إنسان خرج في سبيل الله ، لا يخرجه إلا الجهاد في سبيل الله ، توكل الله بأن يدخله الجنة ، أو يرجعه إلى بيته ، أو من حيث خرج " قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين " إما أن نستشهد ، أو أن ننتصر ، أبداً ، والأحاديث التي وردت عن الشام بعضها فيه كلمة رائعة : " فإن الله توكل لي بالشام وأهله " [أبو داود] وهناك حديث آخر رواه أبو داود: " عليك بالشام ، فإنها خِيَرةُ الله في أرضه يَجتبِي إليها خيرتَه من عباده " [أبو داود] .
" فإن الله توكل لي بالشام وأهله " بلاد الشام هي البلاد التي حول بيت المقدس " الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ " [الإسراء:1] أحياناً تشعر أنه يوجد حفظ إلهي ، يوجد رحمة ، وعناية ، أنا لا أقول بهذا المعنى لا يوجد عندنا مشكلة ، لكن يبدو أن هذه البلاد ، الإقبال على الدين فيها متميز .
قوة المؤمن تأتي من توكله على رب العرش العظيم :
الدعاء القرآني : " فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ " [التوبة:129] هذا التوكل .
" حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ " [التوبة:129] .
آية ثانية : " عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ " [الأعراف:89] كلمة توكل كلمة كبيرة جداً .
أحياناً طفل لا تستطيع أن تكلمه كلمة ، هو لا يخيفك ، هو طفل صغير ، تخاف من أبيه ، يكون أبوه إنساناً قوياً ، المؤمن كذلك ، الله عز وجل معه : " إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ " [التحريم:4] هذه الآية دقيقة ، إذا أردت أن تنال من مؤمن هل تعلم من وراءه ؟ أحياناً إنسان يتقي أن يؤذي موظفاً ، يقول لك : الدولة كلها وراءه ، قد يكون ضعيفاً لكن قوته بقوة من ينتمي إليه ، كذلك المؤمن مع الفارق طبعاً .
" مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ " [البخاري] فالمؤمن تأتي قوته من الذي توكل أمره ، إنه الله .
من آمن بالله وتوكل عليه حفظه الله من كل مكروه :
الآية الثالثة : " قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا " [الملك:29] تعتقد الذي يعيش الظروف الصعبة يعرف معنى هذه الآية ؟ فرعون ، فرعون قتل الإنسان أهون عليه من قتل ذبابة ، كيف يقول له السحرة ؟ " فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا " [طه:72] .
الآن بالقصة القضية سهلة ، أما أنت عش الظرف ، هم أمام فرعون ، قالوا : " فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا " [طه:72] .
ما هذه القوة ؟ من يستطيع أن يواجه أقل موظف في فرع قوي ؟ أقل موظف " فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى " [طه:72-73] .
التولي والتخلي :
أيها الإخوة ، لذلك دعوات المكروب : " اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو ، فَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ " [أبو داود] .
بالمناسبة أيها الإخوة ، هذا قانون ، تقول : أنا ، يتخلى عنك ، يكلك إلى نفسك ، تقول : الله ، يتولاك ، أنت في كل دقيقة بين التولي والتخلي ، تقول : أنا قوي ، خبراتي متراكمة ، اختصاصي نادر ، أنا أعرف كيف أتصرف ، يكلك إلى نفسك ، تقول : الله عز وجل يحفظني ، نحن مفتقرون إليه ، يتولاك ، من أنت ؟ الصحابة قمم البشر ، وفيهم سيد البشر لما اعتمدوا على كثرتهم في حنين تخلى الله عنهم ، قال : " وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ " [التوبة:25] هم ، هم ، لما افتقروا إلى الله في بدر تولاهم الله ، فأنت بين التولي والتخلي تحتاج لهذا الدرس كل يوم وكل دقيقة ، تقول : أنا لي حجم مالي كبير ، لي سمعة طيبة ، أنا أستطيع أن أقنع فلاناً بأن ينتقم من عدوي ، عندما تعزو الأمر إلى فلان يتخلى الله عنك ، فإذا عزوته إلى الله موحداً يتولاك ، فأنت بين التولي والتخلي ، دعوات المكروب : " اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ " [أبو داود] .
والنبي عليه الصلاة والسلام يخاطب فاطمة يقول : " يا فاطمة ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به ؟ أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ، أصلح لي شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين " [الحاكم] .
أركان التوكل :
1 ـ أن توقن بعلم الله وبقدرته وبرحمته وبمحبته : بقي فكرة دقيقة جداً ، المتوكل ، ما أركان التوكل ؟ أو ما مراحل التوكل ؟ أو ما خصائص التوكل ؟ ثلاثة أركان ، ثلاث مراحل ، ثلاث خصائص ، أول شيء أن توقن بعلمه ، وبقدرته ، وبرحمته ، وبمحبته ، هذا التوكل ، واثق أن الله بيده كل شيء ، وأن الله قادر على كل شيء ، وأن الله يحب أن يرحمك ، وأن الله يحبك ، عليم ، قدير ، حكيم ، رحيم ، محب ، شرط التوكل أن تعرفه ، فاجتهد أن تعرفه من أجل أن تتوكل عليه ، هذه مرحلة إيمانية ، آمنت به الإيمان الذي يحملك على التوكل عليه .
2 ـ أن تأخذ بالأسباب : اثنان : أن تأخذ بالأسباب ، هنا المشكلة الكبرى في العالم الإسلامي ، توكل بلا أخذ بالأسباب ، الجماعة في غاية الراحة ، توكلنا على الله ، المسلمون ينتظرون معجزة يقضي الله بها على عدوهم ، هذا مستحيل ، لا بد من أن تعد للأعداء عدتهم .
" وَأَعِدُّوا لَهُمْ " [الأنفال:60] فالتوكل إيمان بالله ، إيمان بقدرته ، إيمان برحمته ، بعلمه ، بحكمته ، بمحبته ، ثم أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، هذا الأخذ بالأسباب برع به الغربيون ، واعتمدوا على الأسباب وألهوها ، وقعوا في الشرك ، وتركه المسلمون ، تركوا الأخذ بالأسباب ، وقعوا في المعصية ، يجب أن تتوكل عليه بعد أن تعرفه وأن تأخذ بالأسباب .
3 ـ أن تستسلم للنهاية : المرحلة الثالثة : وأن تستسلم للنهاية ، أنت توكلت عليه ثقة وعلماً ، وأخذت بالأسباب ، الآن الله عز وجل ييسر أو لا ييسر ، يسمح أو لا يسمح ، يجيب أو لا يجيب ، أنت راض عن الله عز وجل ، العلم أولاً والأخذ بالأسباب ثانياً ، والرضا بقضاء الله وقدره ثالثاً .
على الإنسان ألا يقول حسبي الله ونعم الوكيل إلا بعد أن يأخذ بالأسباب :
الحقيقة هناك نقطة دقيقة جداً : أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين : " فقال المقضيُّ عليه لَمَّا أدبر : حَسْبيَ الله ونعم الوكيل " [أبو داود] هذا كذب ودجل ، هذه الكلمة فيها سوء أدب ، إنسان ما درس أبداً ، فلم ينجح ، قال : حسبي الله ونعم الوكيل ، لم تنجح جزاء تقصيرك ، فالنبي مشرع ، فلما قال هذا الرجل الذي حكم عليه حينما أدبر : حسبي الله ونعم الوكيل ، قال النبي الكريم له : " فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ردوا عليّ الرجل ، فردوه عليه فقال : ما قلت ؟ قال : قلت: حسبي الله ونعم الوكيل ، فقال عليه الصلاة والسلام : إِن الله يَلُومُ على العَجْز ، ولكن عليكَ بالكَيْس ، فإِذا غَلَبَك أَمر ، فقل حَسبيَ الله ونعم الوكيل " [أبو داود] أي طالب ما درس أبداً فإذا رسب ينبغي ألا يقول حسبي الله ونعم الوكيل ، ينبغي أن يرى عدم النجاح جزاء طبيعي لعدم الدراسة ، أما حينما يدرس دراسة متقنة ، ويأتيه مرض لا سمح الله ، يحول بينه وبين الامتحان ، الآن يقول : حسبي الله ونعم الوكيل ، لا تقل حسبي الله ونعم الوكيل إلا بعد أن تأخذ بالأسباب .
ولحكمة بالغةٍ بالغة الله عز وجل يقرر ألا يستجاب دعاؤك ، هذا موضوع ثان فهذه الكلمة إما أن تقال بأدب جم ، وبحكمة بالغة ، وإما أن تقال بسوء أدب مع الله .
مثلاً طالب ما درس إطلاقاً فلم ينجح ، كلما سألوه ، يقول : الله هكذا كاتب لي ، أنا توكلت عليه ، هذا دجل ، أنت ما درست وما نجحت ، بحسب قوانين ربنا ينبغي ألا تنجح ، أما درست وأصبت بمرض منعني من أداء الامتحان ، تقول : حسبي الله ونعم الوكيل .
تاجر ما درس الصفقة اشتراها ببساطة ، ما ربحت ، خسرت ، الله هكذا كاتب لي ، لا، أنت مقصر .
وهكذا نرى أن كل أخطائنا نردها للقضاء والقدر ، هذا كذب ودجل ، و لكن إذا أخذت بالأسباب ، عندئذٍ تقول : حسبي الله ونعم الوكيل ، لا تقال هذه الكلمة حينما لا تأخذ بالأسباب ، إن لم تأخذ بالأسباب هناك نظام عند الله عز وجل ، في أسباب المسببات ، ذي القرنين : " وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (84) فَأَتْبَعَ سَبَباً " [الكهف:84-85] .
والحمد لله رب العالمين