النسمة الثالثة: عندما يفرح الرب (3)
2. الندم
ولادة الندم:
تندم.. لأنه قد هالك ما كان منك من انخلاعك عن الاعتصام بالله وقت وقوعك في الذنب، وفرحك عند الظفر به، وقعودك عن تداركه وإصرارك عليه مع يقينك بنظر الله إليك واطلاعه عليك.
تندم.. لأنك بعت رفقة الملائكة برفقة الشياطين، ومجاورة النبيين في الجنة بمجاورة الشياطين فيالنار، ورحمة الله ورضوانه بسخط الله وعصيانه.
تندم.. لأنك بهذا الذنب بددت رأس مالك الذي هو وقتك، ويا ليتك أنفقته فيما لا يفيد فحسب، وإنما بذلته فيما فيه ضررك وأخذك وإهلاكك {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت:40].
تندم.. لأن الله بشؤم هذا الذنب قد يقبضك عليه، فيختم لك بخاتمة السوء، ومن مات على شيء بعث عليه.
تندم.. لأنك لا تضمن قبول توبتك وإن تبت، ولا تأخذ صكًا من الله بالمغفرة إن استغفرت، ولهذا قال الحسن البصري: ترك الذنب أهون من معالجة التوبة، وما يؤمنك أن تكون أصبت كبيرة أغلق دونها باب التوبة، فأنت في غير معمل؟!
وللندم علامات:
إذا ندم العبد ظل ندمه ينمو في قلبه إلى أن يغسل ذنبه بدمعه، فتسقط الدموع من خشية الله لترفع بالتائب أعلى عليين، واسمع هذه البشارة النبوية: «عينان لا تمسهما النار أبدًا.. عين بكت من خشية الله» (صحيح كما في ص ج ص رقم [7562]).
بل إن ابن عمر يزف إليك البشرى في صحيح قوله: لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إليّ من أن أتصدق بألف دينار.
لذا يبكي النادم مستبشرًا ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم مستأنسًا بما كان يفعله محمد بن المنكدر مقتديًا به، حيث كان إذا بكى من خشية الله مسح وجهه ولحيته بدموعه وهو يقول: بلغني أن النار لا تأكل موضع مسته الدموع.
ومن لم يستطع عصر عينيه لتبكي فليتكلف البكاء إلى أن يرزقه الله هذه الدمعة المنجية قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: " من استطاع أن يبكى فليبك، ومن لم يستطع فليتباك ".
هدنة مع الذنوب: أخي التائب.. لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على ضياع ما مضى منه من طاعة لكان خليقًا أن يحزنه ذلك حتى الممات، فكيف بمن يستقبل ما بقي من عمره بمثل ما مضى من عصيانه، هب أن المسيء قد غفر له أليس قد فاته ثواب المحسنين؟!
أخي التائب.. اهتف في جوف الليل.. ناد في الأسحار.. ارفع صوتك بالنداء:
يا رب إن ذنوبي اليوم قد كثرت *** فما أطيق لها حصرًا ولا عددًا
وليس لي بعذاب النار من قِبل *** ولا أطيق لها صبرًا ولا جلدًا
فانظر إلهي إلى ضعفي ومسكنتي *** ولا تذقني حرًا للجحيم غدا
قال بكر بن عبد الله المزني: " الرجل يخرج إلى الصلاة فتفوته الجماعة، فإذا حزن لذلك أعطاه الله فضل الجماعة ".
مختارات