اسم الله الغفار 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( الغفار ) :
أيها الأخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم " الغفار " .
ورود اسم الغفار في القرآن الكريم :
الله سبحانه وتعالى سمّى نفسه بهذا الاسم على سبيل الإطلاق ، لكنه مقرون باسمه تعالى العزيز ، في ثلاثة مواقع ، كما في قوله تعالى : " رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ " [ص:66] يعني العزيز الذي يحتاجه كل شيء في كل شيء " الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ " .
وقد ورد مطلقاً منوناً من دون اقتران باسم آخر في قوله تعالى :
" فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا " [نوح:10-12] .
النبي الكريم بشر وتجري عليه كل خصائص البشر :
في صحيح الجامع الصغير السيوطي من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم : كان إذا تضور من الليل ( تضور أي تقلب وتلوى من شدة الألم ) النبي بشر ، وتجري عليه كل خصائص البشر ، ولأنه بشر ، ولأنه تجري عليه كل خصائص البشر ، ولأنه انتصر على بشريته كان سيد البشر .
ما من أمر إلهي يستطيعه إلا ويستطيعه سائر البشر ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : " وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين " [مسلم] .
يعني في الاستقامة لا يوجد تفاوت ، التفاوت بالمقامات ، مقام النبي عليه الصلاة والسلام في أعلى مقام .
" سَلُوا الله لي الوسيلةَ ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكونَ أنا " [الترمذي] .
لكن في شأن الاستقامة : " وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين " كيف ؟ أي أقل ممرض في مستشفى في موضوع معين كإعطاء حقنة لمريض يستوي في أسلوبه مع أعلى جراح قلب ، لابدّ من تعقيم الموضع ، والحقنة ، وما إلى ذلك .
ففي شأن الاستقامة القضية حدية .
" وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين " .
لماذا ؟ هناك من يقول : أخي أنا لست نبياً ، ومن قال لك إنك نبي ؟ الذي يقود مركبة وهو ملك كمن يقود مركبة وهو في أقل درجة من المجتمع ، لابدّ من مكبح ، لابدّ من تحريك المركبة ، لابدّ من إطلاق البوق أحيان اً.
فالأساليب التفصيلية في قيادة مركبة ، لا يختلف فيها أقل إنسان خفير مع أمير هكذا ، حينما نفهم أن الاستقامة حدية يستقيم جميع الناس ، أحياناً هناك أناس متواضعون جداً لكن يتكلمون الحقيقة ، يقول أنا لا أساوي غباراً في نعل النبي ، صح ، لكنك مأمور أن تستقيم على أمر الله .
ورود اسم الغفار في السنة النبوية :
لذلك كان عليه الصلاة والسلام إذا تلوى من الألم ماذا يقول ؟ قال : " لا إله إلا الله الواحد القهار رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار " [النسائي] .
لذلك قال عليه الصلاة والسلام : " وأُوذِيت في الله ما لم يُؤذَ أحد ، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة ، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال " [الترمذي] .
" لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا " : مرة ثانية : لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر .
" قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ " [الكهف:110] لولا أنه بشر ، وتجري عليه كل خصائص البشر ، وانتصر على بشريته ، لما كان سيد البشر .
وكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من افعل ولا تفعل ، في وسع البشر أن يفعلوه .
" لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا " [البقرة:286] .
لكن وسع الإنسان لا تحدده أنت أيها الإنسان ، يحدده لك خالقك ، كل إنسان له مزاج ، يقول لك لا أستطيع ، من قال لك ذلك ؟ .
" لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا " .
من ارتكب أكبر ذنب في الأرض وتاب توبة نصوحة غفر الله ذنبه وتقبّل توبته :
أيها الأخوة " الغفار " في اللغة من صيغ المبالغة ، وكما تعلمنا كثيراً أن صيغة المبالغة إن جاء بها اسم من أسماء الله الحسنى تعني شيئين ، تعني مبالغة كم ، أو مبالغة نوع ، أي أكبر ذنب يتصور على وجه الأرض ، الله عز وجل يغفره ، ومليار ذنب من حيث الكم : " إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله " [ورد في الأثر] .
" مـن تـاب إلى الله تعالـى توبة نصوحـاً أنسى الله حافظيه ـ الملكين ـ وبقـاع الأرض كلهـا خطايـاه وذنوبـه " [أبو العباس بن تركان الهمذاني في كتاب التائبين عن أبي الجون] .
" إذا قال العبد يا رب وهو راكع ، يقول الله له : لبيك يا عبدي ، فإذا قال يا رب وهو ساجد ، يقول الله له : لبيك يا عبدي ، فإذا قال يا رب وهو عاصٍ يقول الله له : لبيك ، ثم لبيك ، ثم لبيك " [ورد في الأثر] .
ينتظره لأنه ، لذلك : " لله افرح بتوبة عبده من الضال الواجد ، والعقيم الوالد ، والظمآن الوارد " [أخرجه ابن عساكر في أماليه عن أبي هريرة] ينتظره .
" أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ " [الحديد:16] .
إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل مـا قدمت مسؤول
* * *
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري فـــي المقال شنيع
لو كان حـبـك صادقــاً لأطعته إن الــــمحب لمن يحب يطيع
* * *
في بعض الآثار القدسية التي وردت في كتاب ابن القيم مدارج السالكين :
" عبادي إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد ، والسيئة بمثلها وأعفو ، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها " .
الغفار في اللغة :
أيها الأخوة " الغفار " في اللغة من صيغ المبالغة ، على وزن فعال ، أي كثير المغفرة ، كماً ونوعاً ، الفعل غفر ، يغفر ، غفراً ، ومغفرةً ، وأصل المغفرة التغطية والستر .
" الغفار " سبحانه وتعالى هو الذي يستر الذنوب بفضله ، ويتجاوز عن عبده بعفوه ، من كمال الله عز وجل لا يكفي أنه يسامحك بهذا الذنب لكنه يستره عنك .
إنسان أحياناً يتكلم كلمة غير لائقة إطلاقاً ، إن لم ينسها تصبح حياته جحيماً لا يطاق .
إنسان مركب جهاز بين غرفة الضيوف وبين المطبخ ، بحسب تصوره ، يأتيه ضيف يقول لزوجته اصنعي لنا كذا وكذا ، وهو جالس بمكانه ، فالجهاز مفتوح جاءه ضيوف ثقلاء ، فذهب إلى المطبخ وقال : هؤلاء ثقلاء ، طبعاً سمعوا كلامه ، لو الإنسان ما ينسى هذا الموقف تكون حياته جحيماً لا يطاق .
فالله عز وجل يغفر ويستر عنك هذا الذنب ، ومن نعم الله الكبرى أنك تنسى لا تقل النسيان مشكلة ، أحياناً هناك ميزة كبيرة جداً ، أن الأخطاء والمواقف الحرجة بعد حين تنساها .
الثقة بكمال الله ومحبته وحكمته شأن كل عبد مع الله تعالى :
" الغفار " هو الذي يستر الذنوب بفضله ، ويتجاوز عن عبده بعفوه ، أما إذا كان العبد موحداً فذنوبه تحت مشيئته الله وحده ، الله عز وجل كما يقول بعض العلماء : طليق الإرادة إن شاء عفا لحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغة ، وإن شاء أدب ، ويعفو بعدها ، يعني ليس في الإمكان أبدع مما كان، الله عز وجل لحكمة بالغة قد يعفو من دون تأديب ، وقد يؤدب فيعفو ، أي شأنك مع الله أن تثق بكماله ، وأن تثق بحكمته ، وأن تثق بمحبته .
" بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ " [الزمر:66] .
طرفة ! إنسان قال لعبد عند سيد ، قال : بلغني أن سيدك سيبيعك ، قال : هذا شأنه ( يعرف شغله ) قال له : أفكر أن أشتريك ، قال له : هذا شأنك أنت ( تعرف شغلك ) قال له : اهرب ، قال له : أعرف شغلي ، كل شخص له مهمة .
فأنت كعبد مهمتك أن تطيعه " بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ " وانتظر الخير ، وانتهى الأمر ، الله ما كلفك أن تقنع الغرب أن يكفوا عن عدوانهم ، شيء فوق طاقتك أساساً ، أما كلفك أن تقيم الإسلام في بيتك ، وأن تقيمه في عمله ، وهاتان الدائرتان بملكك ، فإذا أقمت أمر الله فيما تملك كفاك ما لا تملك ، إذا أقمت أمر الله فيما تملك .
هناك سلوك الآن لائق بين المسلمين ، هناك ألم ، وهناك تبرم من الوضع العام الدولي ، الذي في ملكك بيتك وعملك ، وأنت قادر أن تقيم فيهما أمر الله ، أنت مقصر فيه هنا ، أدِ الذي عليك ، واطلب من الله الذي لك ، لا تتشاغل فيما ضمنته لك عما افترضته عليك .
الفرق الدقيق بين الغفور والغفار :
الغفور و " الغفار " قريبان في المعنى من بعضهما ، لكن " الغفار " أبلغ من الغفور ، الغفور من يغفر الذنوب العظام ، أما " الغفار " من يغفر الذنوب الكثيرة ، الغفور للذنوب العظام ، أما " الغفار " للذنوب الكثيرة ، يعني غفور للنوع ، وغفار للكم ، هذا هو الفرق الدقيق بين الغفور و " الغفار " .
نحن في اللغة عندنا قاعدة : زيادة في المبنى تعني زيادة في المعنى ، يعني السين وسوف ، حرفا استقبال ، سوف للمستقبل البعيد ، أما السين للمستقبل القريب ، وفي باللغة دقة بالغة ، يعني عثر به ، غير عثر عليه ، عثر به صدفة ، أما عثر عليه بعد بحث طويل ، ويكفي هذه اللغة العربية شرفاً أن الله اختارها لكلامه ، هناك دقة باللغة مذهلة ، لكن اللغة ترقى برقي أهلها وتتخلف بتخلف أهلها .
مرة سمعت أن القرآن مترجم إلى ثلاثين لغة أما الإنجيل مترجم إلى ألف و ثلاثمئة لغة معناها يعملون ليلاً نهاراً .
اسم الله " الغفار " على وزن فعال ، له موضوعه في حسابات السماء بدقة ، واسم الله الغفور على وزن فعول ، وله أيضاً حساباته في حسابات الإعجاز الحسابي إن صحّ التعبير .
الخواطر لا يحاسب عليها الإنسان إلا إذا انقلبت إلى عمل :
أيها الأخوة ، يبدو أن هناك نظاماً دقيقاً وضع للملكين الذين يكتبان الحسنات والسيئات ، هناك مكان اسمه حديث النفس ، أنت راكب بسيارة والطريق طويل تأتيك خواطر والله فلان ينبغي أن أوقفه عند حدّه ، ينبغي أن أفك شركتي معه ، هذا خاطر ، وقد يكون فلان مستقيم معه ، قد يكون مخلصاً ، قد يكون له كفاءة عالية ، لكن جاءك خاطر أن تستقل بهذه الشركة ، ولأن اسمه ليس وارد بالسجلات ، أنت أقوى منه ، تضايقه ، يضجر ، تفك الشركة معه ، هذا خاطر لكن خاطر سيء فيه ظلم ، وفيه عدوان ، هذا الخاطر لا تحاسب عليه ، ما لم تفعل ، هذا من فضل الله علينا ، الخواطر لا تحاسب عليها .
أحياناً لا سمح الله ولا قدر إنسان وجد فجأة نفسه في بيت مع امرأة ، قد تأتيه خواطر شيطانية ، أن يعتدي عليها لكن ما فعل شيئاً ، في النهاية خوفه من الله ردعه ، مادامت هذه الخواطر لن تنقلب إلى عمل فالمؤمن مكلف أن يستغفر الله من هذه الخواطر ، لكن الله لكرمه ، ورحمته تجاوز لنا عن هذه الخواطر لما في الحـديث الشريـف : " إنَّ الله تعالى تجاوزَ لأُمَّتِي ما حدَّثَثْ به أنفُسَها ، ما لم يَعْمَلُوا به أَو يتكلَّمُوا ما وسْوَستْ به صُدُورها " [البخاري ومسلم] .
ما تعلم تعمل أو تتكلم ، أنا والله أحياناً تأتيني حالات كثيرة بحكم عملي في الدعوة أن خواطر تكاد تسحق هذا الإنسان ، أقول له اطمئن ، إن كنت متأملاً فيها فإنها ليست منك والعلامة الصارخة والواضحة والحاسمة إذا تألمت من هذه الخواطر هي ليست منك من وسوسة الشيطان ، الله عز وجل يتجاوز عن هذه الخواطر ، ما لم تنقلب إلى عمل ، أما إذا جاءتك هذه الخواطر وارتاحت نفسك لها هذه منك ، هنا الخطر ، مع أنه لا تحاسب عليها لكن إذا قبلتها يمكن أن تنقلب إلى عمل ، لذلك نقول يجب أن تستغفر ربك من هذه الخواطر التي ارتحت لها لئلا تنقلب إلى عمل ، والمعصية تبدأ بخاطرة ، ثم بفكرة ، ثم بشهوة ، ثم بإرادة ، ثم بعمل ، فإذا تبعها الإنسان انقلبت إلى عادة وعندئذٍ من أصعب الأشياء أن تدع عادة استحكمت فيك ، من أصعب الأشياء .
لهذا : الإنسان المؤمن بحاجة إلى استغفار عام لمحو الخواطر الشريرة النابعة من هوى النفس ، خواطر الشيطان تزعجك أما خواطر الهوى لا تزعج ، الخطر أبلغ من خواطر الهوى ، يقول لك الشيطان من خلق الله ، لا تنام الليل ، هذا الخاطر ليس منك وله إجابة كبيرة جداً .
باب التوبة مفتوح على مصراعيه لمن تاب و رجع إلى ربه قبل :
الآن هناك منطقة ثانية منطقة الكسب ، أنت جاءك خاطر وقمت إلى تنفيذه ، صار عملاً ، هذه المنطقة خطيرة جداً ، عندئذٍ تسجل عن الإنسان أفعاله ، ما دقّ منها وما جلي ، يسجل كبير الأفعال وصغيرها ، فإذا تاب العبد من الذنب محيت سيئاته ، صار في عمل ، خاطر انقلب إلى عمل ، وغفرت بأثر رجعي ، ما دام في توبة رجع العبد إلى الله ، محا الله هذه الذنوب ، وما أمرك أن تستغفره إلا ليغفر لك ، أما معنى قوله تعالى : " إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً " [الفرقان:70] .
اجتهاد شخصي مني تبديل السيئات بالحسنات بمعنى : أن هذا الإنسان كان بخيلاً فلما عرف الله صار كريماً ، كان جباناً فلما عرف الله أصبح شجاعاً ، كان حريصاً فلما عرف الله أصبح سخياً ، هذا المعنى يتناسب مع الكمال الإلهي .
فلذلك " فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً " .
لذلك الله جلّ جلاله غفار أي كثير المغفرة ، لم يزل ولا يزال للعفو معروفاً وبالغفران والصفح عن عباده موصوفاً ، وكلٌّ مضطر إلى عفوه ومغفرته ، كما هو مضطر إلى كرمه ورحمته ، وقد وعد عباده بالمغفرة والعفو ، لمن أتى منهم بأسبابها .
الله غفور رحيم لمن تاب من ذنوبه وأقلع عنها وعزم ألا يعود إليها :
يا إخوان ، هناك ملاحظة دقيقة جداً ، هناك فكرة ساذجة عند عوام المسلمين ، يا أخي الله غفور رحيم .
" وَإِنِّي لَغَفَّارٌ " كلامك صحيح ، لكن لمن ؟ " لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى " [طه:82] .
هذه ناحية دقيقة .
" نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " [الحجر:49] أكمل : " وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ " [الحجر:50] لمن أنا غفور رحيم ؟ " وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى " .
من تاب وآمن وعمل صالحاً غفر الله له ذنوبه :
هناك آيات كثيرة : " إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا " من بعد التوبة ، والإيمان ، والعمل الصالح : " إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ " [النحل:119] .
دليل آخر : " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " [الزمر:53] .
على الإنسان أن يستغفر ربه قبل فوات الأوان :
دقق : " وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ " [الزمر:54] .
غفور رحيم لمن تاب من ذنوبه ، وأقلع عنها ، وعزم ألا يعود إليها ، وأصلح الخطأ السابق " إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ " .
وابحثوا بالحاسوب في القرآن الكريم ضعوا كلمة البحث " مِنْ بَعْدِهَا " لرأيتم العجب العجاب ، غفور متى ؟ حينما تتوب على الله ، حينما تبعد عن الذنب ، حينما تعزم ألا تعود إليه ، حينما تصلح الخطأ .
وعند الطبراني من حديث صحيح ، من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا شداد : " إذا رأيت الناس يكنزون الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات " [الطبراني] شخص معه ملايين مملينة ، ومعه أموال منقولة ، وغير منقولة ، وعقارات وأراضي ، وأسهم ، وشركات ، ومعامل... إلخ .
" إذا رأيت الناس يكنزون الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات : اللهم إني أسألك التثبيت في الأمور ، وعزيمة الرشد ، وأسألك موجبات رحمتك " [الطبراني] .
كل إنسان مسؤول عن عمله أمام ربه سبحانه وتعالى :
ملك له ابن ، قال له يا بني : اطلب وتمنى ، قال له : مركبة ، أغلى مركبة ، طائرة خاصة ، طائرة خاصة ، يخت في البحر ، يخت في البحر ، قال له : أريد أن أكون رئيس جامعة ، قال له : لا ، هذه بجهد منك ، اِئتني بالدكتوراه وبعدها أعطيك هذا المنصب ، هناك أشياء تحتاج إلى جهد شخصي ، الطيارة سهلة ، المركبة سهلة ، اليخت سهل ، أما أستاذ جامعي ؟ تحتاج إلى دكتوراه ، هذه عليك ، اِئتني بهذه الشهادة وخذ هذا المنصب ، هذه موجبات رحمتك ، انظر إلى الأدب ، إذا شخص جاهل : يا رب لا تسألنا عن شيء ، من قال لك ذلك ؟ الله قال : " فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ " [الحجر:92-93] .
هذا الدعاء في أدب جم : " وأسألك موجبات رحمتك " أي أسألك عملاً يعد ثمناً لرحمتك .
" وعزائم مغفرتك ، وأسألك شكر نعمتك " .
" مَنْ أصبَحَ منكم آمِنا في سِرْبه ، مُعافى في جَسَدِهِ ، عندهُ قوتُ يومِه ، فكأنَّما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها " [الترمذي] .
"...... وحسن عبادتك ، وأسألك قلباً سليماً ، ولساناً صادقاً ، وأسألك من خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفرك لما تعلم ، إنك أنت علام الغيوب " [الطبراني] .
أيها الأخوة ، اسم " الغفار " نحن جميعاً بأمس الحاجة إليه ، ولعل بعضهم يرى أن اسم الله الأعظم هو الاسم الذي في ظرف معين أنت بحاجة إليه ، فإذا كنت مريضاً فاسم الله الأعظم هو الشافي ، وإذا كنت فقيراً فاسم الله الأعظم هو المغني ، وإذا كنت مذنباً فاسم الله الأعظم هو " الغفار " هذا اجتهاد .
والحمد لله رب العالمين
مختارات
-
ربعي بن حراش
-
" عمر المختار.. الشيخ المجاهد "
-
حكم تنبيه الناس بقول: "اذكروا الله" أو : "صلوا على النبي"?
-
جنة المعرفة
-
بر الوالدين
-
" سؤال الناس أموالهم من غير حاجة "
-
" الأعمال المثقلة للميزان : العمل الثاني والعشرون : أن تحمل هَمَّ تثقيل ميزانك "
-
فقه الحياة العالية - الجزء الثانى
-
" البسملة لدى القراء والفقهاء والمحدثين وعلماء عد الآي "
-
" تذكرة المسلم بتوحيد الله تعالى "