اسم الله الواسع 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الله عز وجل وسع إحسانه جميع الخلائق :
أيها الأخوة الكرام : لازلنا مع اسم " الواسع " ، " الواسع " هو الله جلّ جلاله ، وسع علمه كل شيء ، ووسعت قدرته كل شيء ، ووسعت رحمته كل شيء ، يسع الخلق علماً ، وقدرة ، ورحمة ، وحكمة ، وعدلاً ، وكأن هذا الاسم يتصل بمعظم أسماء الله الحسنى .
" الواسع " هو المطلق ، الذي لا يشغله معلوم عن معلوم ، ولا شأن عن شأن ، ولا مسموع عن مسموع ، ولا دعاء عن دعاء ، أحياناً الإنسان ينشغل بعمله عن أسرته ، أو ينشغل بأسرته عن عمله ، أو ينشغل بدراسته عن علاقاته ، أو بعلاقاته عن دراسته ، لكن الله سبحانه وتعالى لا يشغله شأن عن شأن .
وسع إحسانه جميع الخلائق ، ولا يمنعه إغاثة ملهوف عن إغاثة غيره ، العلماء يرجحون أن اسم " الواسع " اقترن بالمجيب،لو أن الخلق جميعاً،لو أن البشر جميعاً،ستة آلاف مليون دعوه في لحظة واحدة لأجابهم معاً .
أيها الأخوة ، يسمع أصواتهم جميعاً ، يعلم ضمائرهم جميعاً ، يحصل مراداتهم جميعاً ، واسع عليم ، واسع قدير ، واسع رحيم ، ولك أن تتابع الأسماء الحسنى مع كلمة واسع .
الله جلّ جلاله واسع ليس له نهاية :
أيها الأخوة ، الله جلّ جلاله واسع ، إذ نظرنا إلى علمه ، لا ساحل لعلمه ، أما بنو البشر : " وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ "[يوسف:76] .
وإذا نظرنا إلى إحسانه ونعمه فلا نهاية لإحسانه ونعمه " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ " [إبراهيم:34] .
هل يمكن أن تقول لإنسان عدّ هذه الليرة ، هي واحدة ، أي إن تعدوا فضائل النعمة الواحدة أنتم عاجزون عن إحصائها ، فلأن تكونوا عاجزين عن شكرها من باب أولى ، وكل سعة مهما عظمت تنتهي إلى طرف ، يعني الكون لأنه ما سوى الله له نهاية ، ومع ذلك الكون الذي هو ما سوى الله ، ونظرياً له نهاية عندنا ليس له نهاية ، أربع سنوات ضوئية أقرب نجم ملتهب .
أن نصل إليه مليون سنة ، القفزة الثانية نجم القطب من أربع سنوات ضوئية لأربعة آلاف سنة ، القفزة الثالثة من نجم القطب إلى المرأة المسلسلة ، مليونا سنة ضوئية وهناك قفزات ، آخر قفزة نجم يبعد عنا 24 مليار سنة ضوئية ، إلى هنا وصل علمنا .
" وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ " [البقرة:255] .
هذا الكون ونظرياً له نهاية ، لأنه ما سوى الله ، يعني أكبر محيط المحيط الهادي بعد شهرين تصل إلى شاطئه ، له نهاية .
رواد الفضاء القمر وصلوا إليه ، وصلوا إلى أية مسافة ؟ ثانية ضوئية واحد بعد القمر عنا ثانية ضوئية 360 ألف ، الضوء يقطع بالثانية الواحدة ثلاثمئة ألف يعني ثانية وقليل ، يقول لك : غزونا الفضاء ، أنتم تجاوزتم ثانية ضوئية واحدة ، والـ 24 مليار سنة ضوئية ؟ الإنسان المعاصر إنسان متأله ، يدّعي ما ليس له ، كل شيء مهما بدا لك واسعاً له نهاية ، لكن الله سبحانه وتعالى ليس له نهاية ، هذا معنى من معاني " الواسع " .
الله عز وجل واسع خلق كل إنسان بميزات تختلف عن الآخر و يتميز عن الآخرين بـ :
1 ـ قزحية العين : هناك معنى آخر لطيف ، إذاً الله " الواسع " ستة آلاف مليون إنسان كل إنسان له قزحية عين خاصة .
2 ـ نبرة الصوت : لا يوجد إنسان بالستة آلاف مليون إنسان تشبه نبرة صوته نبرة صوتك .
3 ـ رائحة الجلد : لا يوجد إنسان بالستة آلاف مليون إنسان رائحة جلده تشبه رائحة جلدك ، ولولا هذه الخصوصية لما كان من معنى لاستخدام الكلاب البوليسية .
4 ـ بصمة الأصبع : توقيع هذه البصمة فيها جزر ، فيها خلجان ، فيها رؤوس ، فيها خطوط ، فيها منحنيات ، فيها أشجار ، فيها مئة علامة ، يا رب لو تشابهت سبع علامات من المئة لكانتا لإنسان واحد ، سبعة ، بعض المجرمين أخذوا قطعة لحم من مكان آخر وضعوها فوق بصمة الإصبع ، كي تختفي معالم الجريمة ، بعد أربعة أشهر ظهرت ملامح البصمة الأصلية على الجلد الذي زُرع فوق بصمة الأصبع ، هوية .
يعني بالعقود مع التوقيع يستخدمون بصمة الأصبع ، لأنه عندما تقدم الوثيقة يقال لك التوقيع مزور ، ثمان سنوات لجان تفحص التوقيع كي تصل إلى صحة التوقيع ، استخدموا بصمة الأصبع .
5 ـ النطفة : الآن النطفة ، نطفة الإنسان هوية له ، وهناك مؤتمر علمي حضرته في القاهرة ألقى أحد المندوبين محاضرة عن النطفة وكيف أنها هوية ، فعند المرأة جهاز يستقبل هوية هذه النطفة بالتعبير الأجنبي : ( الكود ) ويُخزن ، ما دامت هذه العلامة تأتي تباعاً فهو زوجها ، فإذا جاءت علامة أخرى فهو الزنا ، لكن متى يمكن للمرأة أن تستقبل علامة أخرى وهي امرأة شريفة ؟ بعد أربعة أشهر ، هذه العدة ، يموت زوجها ، وبعد انقضاء العدة تتزوج الآن تستقبل نطفة جديدة .
6 ـ الزمرة النسيجية : الآن الزمرة النسيجية هوية ، الدموية شيء ، أما أنا الآن أتحدث عن الزمرة النسيجية ، لكـل إنسـان زمـرة نسيجيـة خاصـة به ، هذا معنـى اسـم " الواسـع " يـارب لو تشابهت ورقتا زيتون لمـا سميت " الواسع " .
7 ـ ملامح الوجه : الآن ملامح الوجه ، تقريباً ليس هناك وجه يشبه وجهاً آخر ، قد يكون هناك تشابهاً بالخطوط العريضة ، أما بالتفاصيل الوجه هوية ، اللون ، بآلات التصوير نرى الألوان متقاربة أما بالعين هذه العين تفرق بين 8 ملايين لون ، أنت إذا جلست إلى مجموعة أشخاص ترى كل شخص بلون ، لو صورتهم تراهم جميعاً بلون متقارب .
8 ـ قوام الإنسان : قوام الإنسان ، طريقة مشيه ، طريقة حديثه ، الله عز وجل خلق كل شيء من لا شيء ، على غير مثال سابق ، لكن الإنسان يخلق مجازاً شيئاً من كل شيء ، على مثال سابق ، فرق كبير ، لذلك سمح الله لذاته العلية أن يوازنها مع خلقه ، قال : " فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ " [المؤمنون:14] .
9 ـ الكلية الصناعية : الكلية الصناعية بحجم هذه الطاولة ، ولابد من أن تستلقي إلى جانبها 8 ساعات وثلاث مرات في الأسبوع ، وتنقية الدم ليست تامة ، يبقى بعض حمض البول ، وهذا يسبب شدة نفسية ، وتعصيب غير اعتيادي ، أما الكلية التي صنعها الله عز وجل بحجم البيضة تعمل بصمت .
الله عز وجل مبدع خلق كل شيء فأحسن خلقه :
أنت تصمم مركبة بسنة الخطوط كلها منحنية ، بسنة الزوايا حادة ، بسنة النافذة الخلفية صغيرة ، كالمركبات القديمة ، بسنة واسعة جداً ، لكن أنت تلاحظ بعد حين يعودون إلى نموذج قديم ، خيالهم الإبداعي محدود ، تصور إنسان يعيش فرضاً بالمريخ ، له رأس وجذع ، ويدان ، ورجلان ، هذا خيال الإنسان ، لكن الله عز وجل مبدع ، كيف ؟
هل تستطيع أن تحصي أشكال أوراق النبتات من أوراق كبيرة ، إلى أوراق مسننة ، إلى أوراق إبرية ؟ والله لو ذهبت أو أمضيت كل حياتك في تعداد أنواع أوراق النبتات لا تنتهي ، الله مبدع .
" بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " [البقرة:117] .
أنواع السمك مليون نوع من الأسماك ، هناك أسماك كالمزهرية ، أسماك كالسحابة السوداء ، أسماك شفافة ، أسماك فسفورية ، أسماك تدافع عن نفسها بصعقة كهربائية ، ستة آلاف فولت أحياناً ، أنواع الأسماك لا يعلمها إلا الله ، هناك أسماك تمشي على أرجل في قاع المحيطات .
ثمانية عشر مجلداً حول نبتات الأبصال ، وكل صفحة نوع من النبتات ، ملون ، وتحت هذه الصورة طباعه ، يحتاج إلى هواء ، إلى شمس ، إلى ماء ، ثمانية عشر مجلداً وكل مجلد هكذا حجمه ، وكل صفحة نبات ، يا رب لو تشابهت ورقتا زيتون لما سميت " الواسع " .
فضل الله عز وجل واسع لا حدود له :
الله عز وجل " الواسع " فضله عميم ، لكن ما عند الإنسان محدود ، يقول لك ما في شواغر ، أتمنى والله ، أما فضل الله عز وجل واسع لا حدود له ، قال :
قل لمن بات لي حاسـداً أتدري على من أسأت الأدبا
أسأت على الله في فعله إذ لـــم تـرضَ بمــا وهبـــا
* * *
" وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ " [البقرة:105] وفضل الله يسعك ، ويسع أخاك ، ويسع الناس جميعاً .
لذلك المؤمن بدل أن يحسد الناس يسأل الله ، مرة قرأت بيتين :
ملك الملوك إذا وهب لا تسألن عن السبب
الله يعطـي من يشاء فقف على حدّ الأدب
* * *
أنا عدلته ، قلت :
ملك الملوك إذا وهب قم فاسألن عن السبب
* * *
فضل الله عميم ، فضل الله عز وجل له قواعد .
ملك الملوك إذا وهب قم فاسألن عن السبب
* * *
الله يعطي من يشاء من عباده ، من يشاء تعود على العباد .
فقف على حدّ الأدب
* * *
من علا مقامه اتسعت رؤيته وإحسانه :
أيها الأخوة ، مرة كنت أركب طائرة من الجزائر إلى دمشق ، قائد الطائرة دعاني إلى أن أشهد الهبوط في غرفة القيادة ، والله بهذه العين ، ونحن داخلون إلى بلدنا الطيب ، قال لي : هذا مطار بيروت ، وهذه طرابلس ، وأستطيع أن أرى إلى صيدا ، وإلى طرطوس بنظرة واحدة ، ماذا نفهم من هذا ؟ كلما علا مقام الإنسان تتسع رؤيته ، أنا على ارتفاع 30 ألف قدم ، بنظرة واحدة ، بهذه العين رأيت بيروت ، وطرابلس ، وبإمكاني أن أرى قريباً من صيدا ، وقريباً من طرطوس 30 ألف قدم ، رواد الفضاء رأوا الأرض كلها .
النقطة الدقيقة : كلما علا مقامك اتسعت رؤيتك ، كلما علا مقامك اتسع إحسانك ، الآن معظم الناس اهتمامه ينصب على أولاده فقط ، في إنسان أرقى اهتمامه على أفراد عائلته الكبيرة ، يقول لك : عميد العائلة ، يهتم بالشباب ، بالشابات ، يزوجهم ، يدخل وسيطاً ، إذا تدخل في حلِّ مشكلات هذه الأسرة الكبيرة ، وهناك إنسان يهتم بأبناء بلده ، لكن الأنبياء وحدهم يهتمون بالبشرية كلها ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : " لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً " [الحاكم] .
أخوانا الكرام ، الله واسع ، في بعض الأحاديث القدسية :
" يا عبادي ، لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكم ، وإنسَكم وجِنَّكم ، قاموا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيتُ كُلَّ إنسان مسألتَهُ ، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُص المِخْيَطُ إذا أُدِخلَ البحرَ ـ ذلك لأن عطائي كلام ، كن فيكون ، وأخذي كلام ، زل فيزول ـ فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله، ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ " [مسلم] .
أيها الأخوة ، تصور لو أن العباد جميعاً كانوا كسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأعطاهم كما أعطى محمد صلى الله عليه وسلم ، فضل الله واسع ، الدنيا فيها تنافس ، أما الآخرة تسع جميع الخلق .
لذلك أعرابي انزعج من أصحاب رسول الله لما عنفوه ، قال : يا رب ارحمني ومحمداً ، ولا ترحم معنا أحداً ، قال له : يا لقد حجرت واسعاً ، فضل الله عميم .
على كل إنسان أن يتخلق بكمال مشتق من كمال الله عز وجل :
إخواننا الكرام ، إذا عرفنا اسم " الواسع " لا نتقاتل ، نتعاون ، التقاتل على الدنيا ، على النفط ، على مصادر المياه ، على القمح ، هناك معركة مناطق نفوذ ، وهناك معركة قمح هذه قادمة ، وهناك معركة مياه ، وهناك معركة نفط ، وكل هذه المعارك غير مقدسة .
الظالم ! قال : لو يعلم الظالم ماذا أعدّ الله للمظلوم بسبب ظلمه ، لضن عليه أن يظلمه ، الله مع المظلوم ، لو يعلم الظالم ماذا أعدّ الله للمظلوم من عطاء ، لضن عليه أن يظلمه .
بالمناسبة من باب التخلق بهذا الكمال :
" إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم " [أبو يعلى] .
بإمكانك أن تكون لطيفاً مع الجميع ، كان عليه الصلاة والسلام لا يطوي بشره عن أحد ، ابتسامته ، ترحيبه ، تألق وجهه ، لا يطوي بشره عن أحد .
" تَبَسُّمُكَ في وجه أخيك صدقة " [الترمذي] .
" إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم " [أبو يعلى] .
أنا أرى من أن التخلق بهذا الاسم ، وكنت أقول لكم دائماً : ينبغي أن تتخلق بكمال مشتق من الله عز وجل ، الله واسع يجب أن تتسع دائرة علمك ، لا تكن جاهلاً ، يجب أن تتسع دائرة إحسانك ، يجب أن تتسع دائرة عفوك لتشمل كل الناس ، كلما اتسعت دائرة علمك ، ودائرة إحسانك ، ودائرة عفوك كنت أقرب إلى الله عز وجل ، هناك قلب صغير لا يتسع للآخر ، هناك قلب كبير يكبر ويكبر ، ولا ترى كبره فيتضائل أمامه كل كبير ، وهناك قلب صغير ينتقم ، يصغر ولا ترى صغره ، فيتعاظم عليه كل حقير .
مرة رئيس فرنسي ألقى خطبة تعد أقصر خطبة في تاريخ فرنسا بعد الانتخابات قال : أشكر من انتخبني ، وأحترم من لم ينتخبني ، وأنا لكل الفرنسيين .
وأنت كمؤمن أنت لكل الناس ، تفرقة ما عندك أبداً ، تقدم إحسانك لكل الناس ، تقدم خبرتك لكل الناس ، تقدم عفوك لكل الناس ، يعني الأصل أن الكبير يسع الصغير ، والحليم يسع الأحمق ، والعالم يسع الجاهل ، والغني يسع الفقير ، بل إن المؤمن يتسع للحسود وغيره ، بل يتسع لمن أساء إليه .
الملخص أن يتسع حلمك لكل الناس ، وعطفك لكل الأولاد ، لأقربائك ولغير أقربائك .
أيها الأخوة ، اسم " الواسع " اسم عظيم ، وأنت مرشح أن تأخذ كمالاً كبيراً من هذا الاسم .
والحمد لله رب العالمين