تحريم الاحتقار والشماتة
كل إنسان يعتز بكرامته وشرفه ويتضجّر ويأنف من الطعن به أو احتقار أو إهانته، ومبعث كل انتقاص للآخرين إما السلطة الغاشمة أو التسلط من الظلمة وإما التكبر والترفع من بعض الناس على الآخرين.
وقد يدفع احتقار الآخرين إلى السب والشتم والتعيير، أو الانتقام في الفرصة المواتية وهذا يؤدي إلى التدابر والتقاطع بين المسلمين وهدم صرح الأخوة وتقويض أركان المحبة والمودة فيما بينهم.
ومن ألوان الاحتقار والطعن: التنابز بالألقاب القبيحة، والهمز واللمز، أي: الطعن وتعييب الناس، وهو محرم في الإسلام، قال تعالى: (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ) [الهمزة:1]. والويل: هو العذاب أو واد في جهنم لكل طعّان عيّاب على الناس.
والله تعالى صان الكرامة الإنسانية لكل إنسان عن أن تهان وتنتهك، فقال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسراء:70]. ونهى سبحانه وتعالى عن السخرية من الآخرين فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات:11]. أي: لا يهزأ قوم من قوم آخرين، فقد يكون المهزوء منه خير وأفضل عند الله تعالى من المستهزئ.
وأهم بواعث التحقير والتقليل من شأن الغير: الاستكبار أو التكبر روى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر». فقال رجل: إن الرجل يجب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة، فقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق وغمط الناس». أي: إن تحسين المظهر واللباس ليس من التكبر المذموم، بل إن المذموم هو احتقار الناس والاستخفاف بهم.
والكبر والعظمة من صفات الله تعالى وحده، لأنه صاحب السلطان المطلق، والإرادة النافذة والمشيئة الشاملة، فلا ينازع الله أحد من الناس في هذه الصفات.
وحرَّم الله تعالى أيضاً الشماتة بالآخرين إذا تعرضوا لمصيبة أو نكبة أو كارثة، لأن فعل مثل هذه الأشياء يتصادم وقو الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10] وقال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) [النور:19].
والشماتة مظهر قبيح يتنافى مع مبدأ الأخوة الإيمانية التي تقتضي مشاركة الأخ في آلامه وآماله، كما أنها تتنافى مع تحريم أعراض الآخرين، لما رواه مسلم: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه».
وجزاء الشامتين: أن يتعرضوا للبلاء، ويعافي الله تعالى المشموت به مما ابتلاه الله به، فقد روى الترمذي وحسنه عن واثلة بن الأسقع قال: قال عليه الصلاة والسلام: «لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك». أي أن عقوبة الشامت في الدنيا هي انتقال المصيبة إليه، وبراءة المشموت به ومعافاته برحمة الله تعالى.
•أهم المصادر والمراجع:
- خلق المسلم: د. وهبة الزحيلي.
- الجامع لأحكام القرآن: الإمام القرطبي.
- الآداب الإسلامية: محمد خير فاطمة.
- رياض الصالحين: الإمام النووي.
مختارات