اسم الله الرحمن 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( الرحمن ) :
أيها الأخوة الأكارم ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم : " الرحمن " .
ورود اسم الرحمن في القرآن الكريم والسنة النبوية :
عدّ بعض العلماء هذا الاسم اسم الله الأعظم لقوله تعالى : " قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَانَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى " [الإسراء:110] .
وقد قال بعضهم اسم الله الأعظم متعلق بكل مؤمن ، فالمؤمن الفقير اسم الله الأعظم بالنسبة إليه المغني ، والمؤمن المريض اسم الله الأعظم بالنسبة إليه الشافي ، والمؤمن الضعيف اسم الله الأعظم بالنسبة إليه القوي ، هذا اجتهاد .
أيها الأخوة ، اسم الله الرحمن ورد في القرآن والسنة كما في قوله تعالى : " الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ " [الرحمن:1-4] .
الترتيب في هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى علم القرآن خلق الإنسان ولا يعقل أن يعلم الإنسان القرآن قبل أن يخلق ، لكن العلماء قالوا : هذا الترتيب ترتيب رتبي ، وليس ترتيباً زمنياً ، بمعنى أن وجود الإنسان لا معنى له من منهج يسير عليه ، فقدم الله المنهج على وجود الإنسان لأهميته ، وفي قوله تعالى : " قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَانَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى " [الإسراء:110] .
اقتران اسم الرحمن باسم الرحيم في ستة مواضع :
ورد هذا الاسم في خمسة وأربعين موضعاً من القرآن الكريم ، اقترن في ستة منها باسم الرحيم ، ولم يقترن بغيره في بقية المواضع ، قال تعالى : " هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ " [الحشر:22] وقال تعالى : " تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ " [فصلت:2] .
ومما ورد في السنة المطهرة :
" الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ فَفَرَسٌ لِلرَّحْمَنِ وَفَرَسٌ لِلْإِنْسَانِ وَفَرَسٌ لِلشَّيْطَانِ ، فَأَمَّا فَرَسُ الرَّحْمَنِ فَالَّذِي يُرْبَطُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَعَلَفُهُ وَرَوْثُهُ وَبَوْلُهُ وَذَكَرَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، وَأَمَّا فَرَسُ الشَّيْطَانِ فَالَّذِي يُقَامَرُ أَوْ يُرَاهَنُ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا فَرَسُ الْإِنْسَانِ فَالْفَرَسُ يَرْتَبِطُهَا الْإِنْسَانُ يَلْتَمِسُ بَطْنَهَا فَهِيَ تَسْتُرُ أي أودعت فيه النطفة في بطنه ، أي لقح " [رواه أحمد] .
الخيل ثلاثة لرجل أجر ولرجل ستر ولرجل وزر :
طبعاً حينما قال الله عز وجل : " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " [آل عمران:14] الخيل المسومة ، تطورت الآن المركبة ، السيارة ، أي نوع الركوب في وقت نزول الوحي ما كان هناك إلا الخيل المسومة ، تطورت الآن المركبة ، السيارة ، يعني نوع الركوب في وقت نزول الوحي ما كان إلا الخيل المسومة ، أما هي رمز الآن لكل شيء يركبه الإنسان ، فالمركبة الحديثة الآن تأتي في بنود الشهوات تحت بند : " َالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ " .
لكن هناك حديث آخر يقول النبي عليه الصلاة والسلام : " الخيل ثلاثة ، فهي لرجل أجر ، ولرجل ستر ، ولرجل وزر " [البخاري ومسلم] أي إنسان يقتني مركبة يستر بها أهله ، له أهل ملتزمون مطبقون لمنهج الله عز وجل فيسترهم بها ، ستر ، وهناك إنسان يسخر هذه المركبة لخدمة الناس ، أجر ، وهناك إنسان يرتكب فيها المعاصي والآثام ، وزر ، والآن المركبة إما أنها ستر أو أنها أجر أو أنها وزر .
"أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت له اسماً من اسمي ـ الرحمن والرحم ـ فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته" [البيهقي] .
" قل أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق وذرأ وبرأ ، ومن شر ما ينزل من السماء ، ومن شر ما يعرج فيها ، ومن شر فتن الليل والنهار ، ومن شر كل طارق يطرق إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن " [رواه أحمد] .
هذه نماذج من الآيات والأحاديث التي ورد فيها اسم الرحمن منفرداً أو مقترناً بالرحيم .
الرحمن في اللغة :
الآن الرحمن في اللغة ، صفة مشبهة وهي أبلغ من الرحيم ، الرحمة في حقنا بني البشر رقة في القلب تقتضي الإحسان إلى المرحوم ، وتكون بالمسامحة واللطف أو المعاونة والعطف ، والرحمة تستعدي مرحوماً فهي من صفات الأفعال ، هذا في اللغة .
أما إذا قلنا الله جلّ جلاله هو الرحمن ، الرحمن اسم يختص بالله عز وجل ، ولا يجوز إطلاقه في حق غيره ، هذه خصيصة ، والرحمن سبحانه هو المتصف بالرحمة العامة الشاملة ، حيث الخلق كلهم عباده ، يرزقهم ، ويهديهم سبلهم ، ويمهلهم فيما استخلفهم وخولهم ، ويسترعيهم في أرضه ، ويستأمنهم في ملكه ، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً ، وإن رحمة الله في الدنيا وسعتهم جميعاً ، الله يرحم المؤمن وغير المؤمن ، أي يطعمهم ، ويسقيهم ، ويحفظهم ، والرحمة تشمل المؤمنين والكافرين ، للتقريب أب عنده أولاد واحد منهم بار والآخر عاق لكنه يطعمهم جميعاً وفي مناسبة العيد يكسوهم جميعاً لكن قلبه مع من؟ مع الابن البار ،أما فعله سواء مع كل أولاده .
الله جلّ جلاله رحيم سبقت رحمته غضبه :
الرحمة أيها الأخوة ، تفتح باب الرجاء والأمل ، وتثير ممكنون الفطر ، وتبعث على صالح العمل ، وتدفع أبواب الخوف والنقمة ، وتشعر الشخص بالمن والأمان ، الله رحيم ، والله جل جلاله سبقت رحمته غضبه ، ولم يجعل من واسع رحمته إلا جزءاً يسيراً ، يعني الله عز وجل يقول : " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ " [آل عمران:159] رحمة نكرة ، تنكير تقليل ، والنبي عليه الصلاة والسلام أرحم الخلق بالخلق ، ومع ذلك : " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ " [آل عمران:159] .
أما الله عز وجل : " وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ " [الكهف:58] إذاً سبقت رحمته غضبه ، ولم يجعل من واسع رحمته إلا جزءاً يسيراً في الدنيا ، يتراحم به الناس ويتعاطفون ، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها .
الله عز وجل أرحم بالعباد من الأم بولدها :
هناك حيوان اسمه البطريق ، طائر يعيش في القطب الجنوبي ، يجتمع حوالي عشرة آلاف بطريق في قارة متجمدة ، الرياح الباردة سرعتها مئة كيلو متر في الساعة ، والحرارة خمسون تحت الصفر ، يجتمعون هناك في هذا الوقت العصيب الأنثى تلد، تلد بيضة ، يضعها الذكر على قدميه ، ويبقى واقفاً لا يتحرك ، ولا يأكل ، ولا يشرب أربعة أشهر ، لأن هذه البيضة لو وقعت من على رجليه وقعت على الثلج لفسدت لذلك يحافظ عليها ويغطيها بفروه أربعة أشهر ، ولا يأكل شيئاً ، ولا يشرب شيئاً ، وفي حوصلته كمية غذاء تكفي هذه البيضة حينما تفقص ، فإذا فقصت وضع الكمية من الغذاء في فم البطريق الصغير ، إلى أن تأتي الأم من البحر وتتولى متابعة العناية بهذا البطريق ، شيء لا يصدق أن كائناً يرعى هذه البيضة أربعة أشهر لا يأكل ولا يشرب شيئاً ، لذلك سبقت رحمته غضبه ولم يجعل من واسع رحمته إلا جزءاً يسيراً في الدنيا يتراحم به الناس ، ويتعاطفون ، حتى ترفع الدابة حافرها عن والدها خشية أن تصيبه : " جعل الله الرحمة مئة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً وأنزل في الأرض جزءاً واحداً ، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه " [البخاري] .
" قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي ، فإذا امرأة من السبي تبتغي فإذا وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام وقد رآها وتأثر ، قال : أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟ قلنا : لا والله وهي تقدر على ألا تطرحه ، فقال عليه الصلاة والسلام : لله أرحم بعبده من هذه بولدها " [البخاري] .
حديث بليغ ، تصور امرأة على التنور كلما وضعت رغيفاً تأخذ ابنها تضمه وتشمه ، هل يعقل أن تطرح هذه المرأة ولدها في التنور ؟ الله عز وجل فيما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام لله أرحم بعبده من هذه بولدها .
الرحمة التي دلّ عليها اسم الرحمن رحمة عامة بالناس أجمعين :
أيها الأخوة ، الرحمة التي دلّ عليها اسم الرحمن رحمة عامة ، تظهر مقتضى الحكمة في أهل الدنيا ، فمن رحمته أن الله عز وجل أنعم علينا لنذكره ، ولكن كثيراً منهم جاحدون ، قال تعالى : " وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " [القصص:73] .
نعمة الليل والنهار ، لا تقدر بثمن ، الإنسان إذا لم ينم اضطربت حياته ، وجعل الله الليل سكناً : " وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا " [الفرقان:48] الرحمة التي دلت عليها هذه الآيات رحمة عامة بالناس أجمعين .
اقتران اسم الرحمن باستوائه سبحانه على العرش : هذا الاسم خصّه وقرنه باستوائه على العرش في جميع المواضع التي وردت في القرآن الكريم ، قال تعالى : " الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى " [طه:5] .
أيها الأخوة : " فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن " [البخاري] .
عدم استغناء المؤمن والكافر عن الله عز وجل :
الله جلّ جلاله فوق الخلائق أجمعين سواء أكانوا مؤمنين أو كافرين ، حياتهم قائمة بإذنه ، أرزاقهم مكنونة في غيبه ، بقاؤهم رهن مشيئته وأمره ، وأنه لا حول ولا قوة لهم إلا بقوته وحوله ، فهو الملك وهو الرحمن الذي استوى على عرشه ، ودبر أمر الخلائق في ملكه ، فلا يستغني عنه في الحقيقة مؤمن ولا كافر ، قــال تعــالى : " الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَانُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا " [الفرقان:59] هل سألت خبيراً عن الله عز وجل ؟ هل من علم يعلو على أن تعرف الله ؟ أن تعرف خالق السماوات والأرض ؟ أن تعرف أسماءه الحسنى وصفاته الفضلى ؟ .
" فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا " [الفرقان:59] .
هذا أمر وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، أمر إلهي : " فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا " [الفرقان:59] .
من عرف قدره وعبوديته وافتقاره ارتقى عند الله عز وجل :
أيها الأخوة ، اسمان مشتقان من الرحمة ، الرحمن والرحيم ، الرحمة تستدعي مرحوماً ، كما أن العلم يقتضي المعلوم ، والرحمة تقتضي المرحوم ، ولا مرحوم إلا وهو محتاج ، الإله لا يكون مرحوماً بل هو راحم ، أما المخلوق فهو مرحوم لأنه ضعيف ، ولأنه عاجز ، ولأنه فقير ، ولأن قيامه ليس بذاته ، بل قيامه بغيره ، إذاً هو مرحوم ، يعني العبد عبد ، والرب رب ، العبد مرحوم ، نحن جميعاً ضعاف وفقراء وجهلاء ، بالله نعلم ، وبالله نقوى ، وبالله نغتني ، فالعبد مفتقر إلى سيده ، فكلما عرف الإنسان قدره ، وعرف عبوديته ، وعرف افتقاره ، ارتقى عند الله ، وكلما تأله ، وتكبر ، واستعلى ، واستنكف ، سقط من عين الله ، الرب راحم لأنه رب ، والعبد مرحوم لأنه ضعيف ، وأي إنسان خرج عن دائرة العبودية في ساعة غفلة ينسى أنه في حاجة ماسة إلى رحمة الله ، مرة شخص قال عندما أنشأ سد : استغنينا به عن رحمة الله . كلام فيه غباء ما بعده غباء ، نحن جميعاً في أمس الحاجة إلى رحمة الله .
أنا أقول لكم المعجزة أن تستيقظ سليماً من أي مرض ، الإنسان تركيبه بالغ التعقيد ، يعني نقطة دم لا تزيد عن رأس دبوس لو تجمدت في أحد شرايين الدماغ أصيب بالشلل ، فقد ذاكرته ، فقد سمعه ، فقد بصره ، شريان القلب التاجي إذا ضاق دخل في متاعب لا تنتهي ، شعر بآلام في صدره الذبحة الصدرية ، شعر بوهن في قوته ، أي الإنسان تحت ألطاف الله ، لا يوجد إنسان يقول أنا إلا في غيار ، من أنت ؟ قل الله ، نحن في لطف الله وفي رحمة الله .
إنما الأعمال بالنيات :
أيها الأخوة ، الشيء الذي تنقضي بسببه حاجة المحتاج من غير قصد ولا إرادة ولا عناية بالمحتاج هذا الشيء لا يسمى رحيماً ، الرحمة مقصودة ، أنت حينما ترحم إنساناً تريد أن تنقذه ، تريد أن تسلمه من عطب ، تريد أن تحفظه ، فإذا أردت ورحمت ، فأنت قد اشتققت من اسم الله الرحمن الرحمة ، أما إنسان ما أراد ولا قصد ، أنا أقول دائماً لا يسمح الله لطاغية في الأرض أن يكون طاغية إلا ويوظف طغيانه لخدمة دينه والمؤمنين من دون أن يشعر ، ومن دون أن يريد ، وبلا أجر ، وبلا ثواب ، للتقريب أب منحرف انحرافاً شديداً عقيدة وسلوكاً ، وعنده ابن صالح وهو يعنفه ليلاً نهاراً على صلاحه ، وعلى صلاته ، وعلى تدينه ، ويتهمه بالتزمت والتخلف والحمق ، هذا الابن لو أن الله جعله داعية هل لأبيه أجر ؟ لا والله ولا شيء لأنه ما أراده هكذا .
الفكرة دقيقة لا تسمى راحماً إلا إذا أردت أن ترحم ، فإن لم ترد وجاءت رحمة منك دون أن تقصد للناس ، أنت موظف بدائرة وقعت على قرار بعثات ، وذهب طالب تعلم علم الغرب ، وعاد إلى بلده ليقوي المسلمين ، أنت بحكم وظيفتك أرسلت هذه البعثة ليس لك أجر ، فإن لم تكن مؤمناً وترد هذا الخير لا أجر لك ، لا يسمى الرحيم رحيماً إذا جاءت الرحمة عن غير قصد منه وعن غير إرادة وعن غير نية طيبة ، هذا ليس من باب التضييق على الناس ولكن من باب : " إِنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " [البخاري] .
لذلك ابن عمر رضي الله عنهما يقول : " من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سألكم بالله فأعطوه ، ومن استجار بالله فأجيروه ومن آتى إليكم معروفاً فكافئوه ، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه " [النسائي] .
الذي أتمنى أن يكون واضحاً الله عز وجل قال : " وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ " [هود:118-119] .
من رحم الناس استحق رحمة الله عز وجل :
دقق الآن في كلام الله : " إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ " [هود:119] خلقهم ليرحمهم ، خلقهم ليكرمهم ، خلقهم ليسعدهم ، لكن هذا الذي نراه في الأرض من مشكلات بسبب انحرافهم وتقصيرهم وبعدهم عن الله عز وجل ، وأنا ألخص حال المسلمين بكلمتين ، هان أمر الله عليهم فهانوا على الله ، يا أيها الأخوة الكرام : " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " [الأعراف:180] .
أنت بإمكانك أن تتقرب إلى الله بكمال مشتق من كماله ، اسم الرحمن عند بعض العلماء اسم الله الأعظم ، بإمكانك أن ترحم الناس فتستحق رحمة الله ، إن أردتم رحمتي فارحموا خلقي ، الراحمون يرحمهم الله .
أكثر الصفات الكاملة تنبع من الرحمة : أيها الأخوة الكرام ، لا يوجد صفة لها شمول كصفة الرحمة ، أنت لطيف لأنك رحيم ، كريم لأنك رحيم ، منصف لأنك رحيم ، أكثر الصفات الكاملة تنبع من الرحمة لذلك قال تعالى : " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ " [آل عمران:159] يعني يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك من خلال اتصالك بنا كنت ليناً لهم ، فلما كنت ليناً لهم التفوا حولك ، ولو كنت منقطعاً عنا لامتلأ القلب قسوة ، ولانعكست القسوة غلظة ، فانفضوا من حولك ، هذه الآية يحتاجها كل أب ، كل معلم ، كل داعية ، كل مدير ، كل إنسان له منصب قيادي ، تتصل بالله يمتلئ القلب رحمة تنعكس الرحمة ليناً ، يلتف من حولك حولك ، فإذا انقطع الإنسان عن الله امتلأ القلب قسوة وانعكست القسوة غلظة فانفضوا من حولك : " فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ " [آل عمران:159] .
والحمد لله رب العالمين