صفة تلاوة النبي عليه الصلاة والسلام
إن مما يجدر بكل قارئٍ للقرآن الكريم أن تكون قراءته للقرآن الكريم أشبه ما تكون بقراءة النبي عليه الصلاة والسلام، فهو قدوتنا في كل العبادات،وقد تلقَّى النبي عليه الصلاة والسلام جميع كلمات القرآن الكريم وآياته وسوره عن جبريل – عليه السلام – عن ربِّه عزوجل، قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ*نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ*عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمنذِرِينَ*بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾ [الشعراء: 193-195]. وكان للنبي عليه الصلاة والسلام حزب من القرآن يقرؤه، وكانت قراءته ترتيلاً، وكان عليه الصلاة والسلام يعطي الحروف حقَّها على الأصول الصحيحة، فلم تكن قراءته عجلة ولم تكن أيضاً بطيئة جداً، بل كانت معتدلة كأفضل ما تكون القراءة.. كانت قراءته عليه الصلاة والسلام مفسرةً حرفاً حرفاً، وروي ذلك أيضاً عن أم سلمة – رضي الله عنها - كما كان يُقطِّع القراءة ويقف عند كل آية فيقول مثلاً: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ويقف، ثم يقول:﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ ويقف، ثم يقول:﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ ويقف، ثم يقول:﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ويقف، ثم يقول:﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْـمُستَقِيمَ﴾ إلى آخر ما كان يقرأ عليه الصلاة والسلام.. وهكذا.
وقد روى الزهري أن قراءة النبي عليه الصلاة والسلام كانت آية آية، وروى ذلك أيضاً البيهقي في (شعب الإيمان) وروى غيره كثيرون ممن رجحوا الوقف على رؤوس الآيات ما أمكن إلا أن يختل المعنى أو ينقلب فعندها لا يجوز الوقوف، كما في قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ﴾ لأن الوقوف عند هذه الآية يشوِّه المعنى ويَقْلِبُه بل يجب عليه أن يُكْمِله بالآية التي بعدها وهي: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون:4/5] ليتم المعنى.
وكما كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ القرآن، كان يحب أن يسمعه من غيره، وفي كلٍ من قراءته واستماعه كان أحياناً يذرف الدمع من عينيه إجلالاً لربه واستشعاراً لعظمته، وإشفاقاً على أمته، وقد طلب النبي عليه الصلاة والسلام من ابن مسعود – رضي الله عنه - أن يقرأ عليه شيئاً من القرآن، فقال: أأقرأُ عليك وعليك أُنزل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «إنِّي أحب أن أسمعه من غيري». فقرأ عليه سورة النساء حتى إذا بلغ قول الله تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً﴾ [النساء:41]. بكى النبي عليه الصلاة والسلام حتى ذرفت عيناه الدموع، وقال: «حسبك الآن». رواه البخاري.
وكان رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يذكر الله تعالى ويقرأ القرآن في جميع أحيانه وأحواله، فكان يقرأ القرآن قائماً وقاعداً ومضجعاً ومتوضئاً ومحدثاً، ولم يكن يمنعه شيء من قراءة القرآن إلا الجنابة، وسئلت سيدتنا عائشة – رضي الله عنها – عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكان يُسِرُّ أم يَجْهَرُ؟ فقالت: كان كل ذلك يفعل.
وقد سئل أنس بن مالك –رضي الله عنه – كيف كانت قراءة النبي عليه الصلاة والسلام؟
قال: كان يَمُدُّ مدَّاً، أي: يطيل الحروف الصالحة للإطالة، ليستعين بها على التدَبُّر والتذكر وتذكير من يَتَذَكَّر. رواه البخاري.
وعن البراء بن عازب –رضي الله عنه- أنه سمع النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ في العشاء: ﴿والتين والزيتون﴾، فما سمع أحداً أحسن صوتاً منه. رواه البخاري.
*أهم المصادر والمراجع:
- كيف تقرأ القرآن: الشيخ محمد أبو الفرج صادق.
- بُغية عباد الرحمن لتحقيق تجويد القرآن: الشيخ محمد شحادة الغول.
- دروس في ترتيل القرآن الكريم: الشيخ فائز عبدالقادر شيخ الزور.
-التبيان في آداب حملة القرآن: الإمام أبي زكريا يحي بن شرف النووي.
مختارات