اسم الله المجيد 1
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى: ( المجيد ) :
أيها الأخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم " المجيد " .
ورود اسم المجيد في القرآن الكريم والسنة الشريفة :
" المجيد " اسم من أسماء الله الحسنى ، ورد في القرآن الكريم ، وفي السنة ، قال تعالى : " قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ " [هود:73] .
وقال تعالى : " ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ " [البروج:15-16] .دقة اللغة العربية : " ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ " إذاً هو اسم من أسماء الله الحسنى ، و " ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ " قُرأت هكذا ، إذاً هو صفة ، حركة واحدة جعلت هذه الكلمة اسماً ، وحركة أخرى جعلته صفة ، اللغة العربية دقيقة جداً أحياناً حركة واحدة تنقل الإنسان من الجنة إلى النار الصحابي الجليل قبل أن يُقتل قال :
ولست أبالي حينما أُقتل مسلماً على أي جنب ألقى في الله مصرعي
* * *
إلى الجنة ، أما إذا قُرئ هذا البيت :ولست أبالي حينما أَقتل مسلما ً على أي جنب ألقى في الله مصرعي
* * *
يكتب الطبيب على البطاقة أخصائي ، يعني الذي يخصي ، وصوابها اختصاصي هناك أخطاء شائعة في اللغة العربية كثيرة جداً ، يقول أحدهم : أنا مولّع بالمطالعة ، المولّع هو الثور الأحمر ، ينبغي أن يقول أنا مولَعٌ بالمطالعة ، حركة واحدة من مطالع إلى ثور .
تقول قِمة ، وقُمة ، إن قلت قُمة من القمامة ، وإن قلت قِمة من الذورة .
الله عز وجل اختار اللغة العربية لتكون لغة كلامه :
الله عز وجل قال : " وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى " [التوبة:40] .
الإنسان قد يتوهم يتابع : " وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا " [التوبة:40] .المعنى فاسد " وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى " بعد أن كانت عليا ، لكن لا يصح أن نقول " وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا " ماذا كانت قبل ذلك ؟ " وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى " .
وقف " وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا " دائماً ، حركة واحدة تنقل الإنسان من الكفر إلى الإيمان ، أو من الإيمان إلى الكفر ، أو من الجنة إلى النار ، أو من النار إلى الجنة ، لغة عربية اختارها الله لتكون لغة كلامه .
فقد قيل : " يا رسولَ الله ، كيف نصلِّي عليك ؟ قال : قولوا : اللَّهمَّ صَلِّ على محمد وعلى أَزواجهِ وذُرِّيَّتِهِ ، كما صلَّيْتَ على آل إِبراهيم ، وبَارِك على مُحمدٍ ، وعلى أَزْواجِهِ وذُريته ، كما باركتَ على آلِ إِبراهيم ، إِنَّكَ حَميدٌ مجيدٌ " [البخاري] .
" المجيد " من أسماء الله الحسنى .
معاني المجيد في اللغة : الآن " المجيد " في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعيل ، ماجد ، مجيد ، فعله مجد ، يمجد ، مجداً ، وتمجيداً ، الماضي ، والمضارع ، والمصدر .
و " المجيد " هو الكريم الفعّال ، وقيل إن جمع في الإنسان شرف الذات إلى حسن الفعال سمي مجيداً ، وفعيل أبلغ من فاعل ، فاعل قد يعني مرة واحدة ، كاتب ، قارئ .
إذاً " المجيد " هو الذي يجمع معنى الجليل ، والوهاب ، والكريم ، عظيم ، وهاب كريم .
المجد المروءة والكرم ، والسخاء والشرف ، والفخر والحسب ، والعزة والرفعة ، والمجد أيضاً الأخذ من الشرف والسؤدد ما يكفي ، هناك بحياتنا أشخاص كبراء ، يقول له أنت كبير ، الكبير يكبر ، ويكبر ، ويكبر ولا نرى كبره فيتضاءل أمامه كل عظيم ، وغير الكبير يصغر ، ويصغر ، ويصغر ولا نرى صغره فيتعاظم عليه كل حقير ، تشعر أحياناً إنسان كبير ، كبير بعلمه ، كبير بأخلاقه ، كبير بعفوه ، كبير بتسامحه ، كبير بعطائه .
وأنا أرى الإنسان ليس له سقف ، النبي عليه الصلاة والسلام إنسان واحد جاء إلى الدنيا وغادرها ، ونشر الهدى في الآفاق ، أين ما ذهبت ترى مسلمين لهم مسجدهم ، لهم أخلاقهم ، لهم مبادئهم ، لهم قيمهم ، بفضل هذا الإنسان الأول الذي اصطفاه الله هادياً للناس ورحمة للعالمين .
ما الذي يمنع أن تكون كبيراً ؟ ما الذي يمنع أن تكون رقماً صعباً ؟ ما الذي يمنع أن تحمل همّ أمتك ؟ ما الذي يمنع أن تكون في قلوب الخلق ؟ .
من ارتقى مقامه عند الله اتسعت دائرة اهتماماته : " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً " [النحل:120] كان أمة ، يوجد إنسان يأتي إلى الدنيا ويغادرها همّه الوحيد أن يأكل وأن يشرب وأن يسكن في بيت ، همومه صغيرة ، إذاً هو رقم تافه ، لا معنى له ، وهناك إنسان همّه كبير همّه الإنسانية ، وكلما علا همّ الإنسان اتسعت دائرة همومه ، وهناك إنسان همّه أسرته فقط ، إنسان همّه أسرته الكبيرة ، له ابن عم ، له ابن أخت ، يعانيان ما يعانيان ، يحمل هذا الهم ، وكلما ارتقى مقامك عند الله اتسعت دائرة همومك ، وكلما ارتقى مقامك عند الله اتسعت دائرة رؤيتك ، قل لي ما الذي يهمك أقل لك من أنت ، هل يهمك أمر المسلمين ؟ هل تتألم إن رأيت المسلمين في بعض أقطارهم يعانون ما يعانون ؟ قتل ، ونهب ، وقهر ، وإذلال ، وأنت ما عندك مشكلة معافى ، هل تقول ما لي وما لهم ؟ لا، يمتحنك الله أحياناً حينما تتطلع إلى مأساة يعاني منها المسلمون وأنت لا تتأثر ، كلما ارتقى مقامك عند الله اتسعت دائرة اهتمامك بل كلما ارتقى مقامك عند الله ازدادت مسؤوليتك عند الله .
أيها الأخوة ، أحياناً تقرأ كتاباً تافهاً ، ثمانمئة صفحة ، قصة تنتهي من قراءتها تتثاءب وتنام ، وأحياناً تقرأ كتيباً صغيراً ، مقالة صغيرة تنتهي من قراءتها فتبدأ متاعبك وضعك هذا الكتب أمام مسؤوليتك .على كل مؤمن أن يؤمن بالله العظيم ويثني عليه :
أيها الأخوة ، المجد : المروءة ، والكرم ، والسخاء ، والشرف ، والفخر ، والحسب ، والعزة ، والرفعة ، ولا تنسوا المرأة التي قالت : وا معتصماه، كيف ردّ عليها المعتصم ، وقد قال بعض الشعراء :
ربّ وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الــبنات اليتم
لامست أسماعهم لـكنها لم تلامس نخوة المعتصم
* * *
الآن أمجده ومجده يعني عظمه وأثنى عليه ، والمؤمن يمجد الله عز وجل ويعظمه .
" إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ " [الحاقة:33] .
آمن بالله خالقاً ، لكن ما آمن به عظيماً ، العبرة أن تؤمن بالله العظيم .تمجيد الله عز وجل وتعظيمه مهمة المؤمن الأساسية :
أيها الأخوة ، لا تنسوا أن الله سبحانه وتعالى حينما قال : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً " [الأحزاب:41] الأمر على ما ينصب ؟ على الذكر الكثير ، لأن المنافق يذكر الله ، ولكن يذكره ذكراً قليلاً ، حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام أعطى مقاييس ، قال : " برئ من النفاق من أكثر من ذكر الله ، وبرئ من الكبر من حمل حاجته بيده " .
" برئ من الشح من أدى زكاة ماله " [الطبراني] .
إذاً كما أن الله سبحانه وتعالى يقول : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً " .قال : " إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ " .
تحت كلمة " الْعَظِيمِ " خط، يعني الأمر يتعلق بأن تؤمن بالله العظيم ، إبليس آمن بالله ، قال ربي : " فَبِعِزَّتِكَ " [ص:82] .
آمن به رباً وعزيزاً ، آمن به خالقاً ، قال : " خَلَقْتَنِي " [ص:76] .
آمن باليوم الآخر ، قال : " أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ " [الأعراف:14] ومع ذلك هو إبليس اللعين " إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ " إذاً لا يصح إيماننا إلا إذا مجدنا ربنا ، وعظمناه ، أمجده ومجده أي عظمه وأثنى عليه ، وتماجد القوم فيما بينهم ذكروا أمجادهم ، هذا ما يتعلق باللغة .
القرآن مجيد لأنه كلام الله وصفة الكلام من صفات الله العليا :
أما الله جلّ جلاله وصف في كتابه العزيز ، وصف قرآنه الكريم قال : " ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ " [ق:1] يعني الله عز وجل قال : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ " [الأنعام:1] .
في آية ثانية : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ " [الكهف:1] كأن الكون كله في كفة ، والقرآن المجيد في كفة .أيها الأخوة ، القرآن مجيد لأنه كلام الله ، وصفة الكلام من صفات الله العليا ، والقرآن كريم فيه الإعجاز والبيان ، وفيه روعة الكلمات ، وحسن المعاني ، وفيه كمال السعادة للإنسان فهو كتاب مجيد ، عظيم ، رفيع الشأن .
" المجيد " سبحانه وتعالى هو الذي علا وارتفع بذاته :
الآن " المجيد " سبحانه وتعالى ، الآن دخلنا في صلب الموضوع " المجيد " سبحانه وتعالى هو الذي علا وارتفع بذاته ، له المجد في أسمائه ، وصفاته ، وأفعاله ، مجد الذات الإلهية بيّن في جمال الله .
" إن الله جميل يحب الجمال " [مسلم] .
مجد الذات الإلهية بين في جمال الله ، وسعته ، وعلوه ، واستوائه على عرشه فعند مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله جميل يحب الجمال " هذا مجد الذات ، مجد الذات أنه جميل .وروي أيضاً : " حِجَابُه النُّورُ ، لو كَشَفَهُ لأحْرَقتْ سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه " [مسلم] .
" اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " [النور:35] هذا جمال الذات ، أما كيفية جمال الذات أمر لا يدركه أحد ، عين العلم به ، عين الجهل به ، وكل شيء خطر ببالك فالله بخلاف ذلك ، والعجز عن إدراك الإدراك إدراك كيفية جمال الذات لا يعلمه إلا الله ، وليس عند المخلوقين منه إلا ما أخبر به عن نفسه ، من كمال وصفه ، سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ، كمال وصفه وجلال ذاته ، وكمال فعله ، ومن مجد ذاته أنه استوى على العرش ، فهو العلي بذاته على خلقه .
الله عز وجل مجّد ذاته باستوائه على العرش : " يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى " [طه:7] .
في ملكه ، وهو القائم عليهم والمحيط بهم ، قال تعالى : " الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى " [طه:5] الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، وهناك آيات معدودة من الحكمة البالغة أن تصوغ معناها إلى الله ، الاستواء معلوم والكيف مجهول .الآن ثبت أن العرش أعلى المخلوقات ، والله جلّ جلاله فوق ذلك محيط بالخلائق والكائنات ، ويعلم ما هم عليه .
" فإذا سألتُم الله فاسألوه الفِرْدَوس ، فإنه أوسطُ الجنة وأعلى الجنة ، وفوقَه عرش الرحمن ، ومنه تَفَجَّرُ أنهار الجنة " [البخاري] .
الله جلّ جلاله من كمال مجده أنه خصّ الكرسي بالذكر دون العرش :
وقد ذكر الله جلّ جلاله : من كمال مجده الكرسي ، خصه بالذكر دون العرش في أعظم آية في كتاب الله ، فقــال : " وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ " [البقرة:255] .
لقد بيّن الله جلّ جلاله في كتابه الكريم من كمال وصفه وسعة ملكه لمن أعرض عن طاعته ، وعن توحيده في عبادته ، أن مُلك من أشركوا لو بلغ السماوات السبع ، ولو بلغ الأراضين كلها وما فيهن ، وما بينهم ، على عرضهن ، ومقدارهن ، وسعة حجمهن ، لا يمثلن شيئاً في الكرسي ، الذي تحت قدم الملك ، فما بالك بعرشه ومجده ، وما بالك باتساع ملكه .هذا الإله العظيم ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تتقى ناره ؟
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطـعته إن المحب لـمن يحب يطيع
* * *
عظمة الله عز وجل لا نهاية لها : الله عز وجل يقول : " وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا " يعني هو : " يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا " [فاطر:41] .
" وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا " أي لا يعجزه حفظهما ، لأنه لا يقوى غيره على حفظهن ، وإدارتهن ، حتى لو ادعى لنفسه ملكهن ، فالله من حلمه على خلقه أمسك بهن بقدرته ، وأبقاهن لحكمته لذلك قال تعالى : " إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً " [فاطر:41] .
" إني والإنس والجن في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب ، أهل ذكري ، أهل مودتي ، أهل شكري ، أهل زيادتي أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد والسيئة بمثلها وأعفو ، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها " [رواه البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء] .
ورد أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة " [ابن حبان عن أبي ذر] .
يعني لا نهاية لعظمة الله ، وصحّ عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفاً أنه قال : " الكرسي موضع قدميه والعرش لا يقدر قدره " [رواه الحاكم و الدارمي عن ابن عباس] .المجيد وصف جامع لكل أنواع العلو التي يتصف بها الله عز وجل :
أيها الأخوة ، أما مجد أوصافه ، تحدثنا عن مجد ذاته ، وعن مجد أفعاله ، والآن عن مجد أوصافه ، له علو الشأن ، لا ند له ، لا مثل له ، ولا نظير له ، ولا شبيه له ، ولا مثيل ، فالمجد وصف جامع لكل أنواع العلو التي يتصف بها المعبود ، فهو العلي العظيم ، لأن أي معبود سواه إذا علا مجده بعض الخلق ، وغلب على العرش ، واستقر له الملك ، فإنه مسلوب العظمة ، أي عظيم سواه مسلوب العظمة في علوه إما لمرضه ، الأقوياء يمرضون ، والأقوياء ينامون ، والأقوياء يموتون ، أو لغلبة غيره على ملكه ، أية عظمة لعلو المخلوق وهو يعلم أن قدرته محدودة وأيامه معدودة ، أيستحق المخلوق أن يكون معبوداً ؟ لأنه يموت ، كل مخلوق يموت .
أيها الأخوة الكرام ، من لوازم الإيمان أن نمجد الله سبحانه وتعالى ، من لوازم الإيمان أن نذكر الله ذكراً كثيراً ، من لوازم الإيمان أن نحبه حباً عظيماً ، من لوازم الإيمان أن نخضع له ، بل إن قمة لوازم الإيمان أن نعبده ، والعبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( المجيد ) :
أيها الأخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم " المجيد " .
ورود اسم المجيد في القرآن الكريم والسنة الشريفة : " المجيد " اسم من أسماء الله الحسنى ، ورد في القرآن الكريم ، وفي السنة ، قال تعالى : " قَالُــوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْــرِ اللَّهِ رَحْمَـةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُـهُ عَلَيْكُـمْ أَهْـلَ الْبَيْتِ إِنَّـهُ حَمِيـدٌ مَجِيـدٌ " [هود:73] .
وقال تعالى : " ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ " [البروج:15-16] .دقة اللغة العربية : " ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ " إذاً هو اسم من أسماء الله الحسنى ، و ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ قُرأت هكذا ، إذاً هو صفة ، حركة واحدة جعلت هذه الكلمة اسماً ، وحركة أخرى جعلته صفة ، اللغة العربية دقيقة جداً أحياناً حركة واحدة تنقل الإنسان من الجنة إلى النار الصحابي الجليل قبل أن يُقتل قال :
ولست أبالي حينما أُقتل مسلماً على أي جنب ألقى في الله مصرعي
* * *
إلى الجنة ، أما إذا قُرئ هذا البيت :ولست أبالي حينما أَقتل مسلما ً على أي جنب ألقى في الله مصرعي
* * *
يكتب الطبيب على البطاقة أخصائي ، يعني الذي يخصي ، وصوابها اختصاصي هناك أخطاء شائعة في اللغة العربية كثيرة جداً ، يقول أحدهم : أنا مولّع بالمطالعة ، المولّع هو الثور الأحمر ، ينبغي أن يقول أنا مولَعٌ بالمطالعة ، حركة واحدة من مطالع إلى ثور .
تقول قِمة ، وقُمة ، إن قلت قُمة من القمامة ، وإن قلت قِمة من الذورة .
الله عز وجل اختار اللغة العربية لتكون لغة كلامه :
الله عز وجل قال : " وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى " [التوبة:40] .
الإنسان قد يتوهـم يتـابع : " وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا " [التـوبة:40] المعنـى فاسـد " وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى " بعد أن كانت عليا ، لكن لا يصح أن نقول " وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا " ماذا كانت قبل ذلك ؟ " وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى " وقف " وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا " دائماً ، حركة واحدة تنقل الإنسان من الكفر إلى الإيمان ، أو من الإيمان إلى الكفر ، أو من الجنة إلى النار ، أو من النار إلى الجنة ، لغة عربية اختارها الله لتكون لغة كلامه .فقد قيل : " يا رسولَ الله ، كيف نصلِّي عليك ؟ قال : قولوا : اللَّهمَّ صَلِّ على محمد وعلى أَزواجهِ وذُرِّيَّتِهِ ، كما صلَّيْتَ على آل إِبراهيم ، وبَارِك على مُحمدٍ وعلى أَزْواجِهِ وذُريته كما باركتَ على آلِ إِبراهيم ، إِنَّكَ حَميدٌ مجيدٌ " [البخاري] .
" المجيد " من أسماء الله الحسنى .
معاني المجيد في اللغة : الآن " المجيد " في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعيل ، ماجد ، مجيد ، فعله مجد ، يمجد ، مجداً ، وتمجيداً ، الماضي ، والمضارع ، والمصدر .
و " المجيد " هو الكريم الفعّال ، وقيل إن جمع في الإنسان شرف الذات إلى حسن الفعال سمي مجيداً ، وفعيل أبلغ من فاعل ، فاعل قد يعني مرة واحدة ، كاتب ، قارئ .
إذاً " المجيد " هو الذي يجمع معنى الجليل ، والوهاب ، والكريم، عظيم ، وهاب كريم .
المجد المروءة والكرم ، والسخاء والشرف ، والفخر والحسب ، والعزة والرفعة ، والمجد أيضاً الأخذ من الشرف والسؤدد ما يكفي ، هناك بحياتنا أشخاص كبراء ، يقول له أنت كبير ، الكبير يكبر ، ويكبر ، ويكبر ولا نرى كبره فيتضائل أمامه كل عظيم ، وغير الكبير يصغر ، ويصغر ، ويصغر ولا نرى صغره فيتعاظم عليه كل حقير ، تشعر أحياناً إنسان كبير ، كبير بعلمه ، كبير بأخلاقه ، كبير بعفوه ، كبير بتسامحه ، كبير بعطائه .
وأنا أرى الإنسان ليس له سقف ، النبي عليه الصلاة والسلام إنسان واحد جاء إلى الدنيا وغادرها ، ونشر الهدى في الآفاق ، أين ما ذهبت ترى مسلمين لهم مسجدهم ، لهم أخلاقهم ، لهم مبادئهم ، لهم قيمهم ، بفضل هذا الإنسان الأول الذي اصطفاه الله هادياً للناس ورحمة للعالمين .
ما الذي يمنع أن تكون كبيراً ؟ ما الذي يمنع أن تكون رقماً صعباً ؟ ما الذي يمنع أن تحمل همّ أمتك ؟ ما الذي يمنع أن تكون في قلوب الخلق ؟ .
من ارتقى مقامه عند الله اتسعت دائرة اهتماماته : " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً " [النحل: 120] كان أمة ، يوجد إنسان يأتي إلى الدنيا ويغادرها همّه الوحيد أن يأكل وأن يشرب وأن يسكن في بيت ، همومه صغيرة ، إذاً هو رقم تافه ، لا معنى له ، وهناك إنسان همّه كبير همّه الإنسانية ، وكلما علا همّ الإنسان اتسعت دائرة همومه ، وهناك إنسان همّه أسرته فقط ، إنسان همّه أسرته الكبيرة ، له ابن عم ، له ابن أخت ، يعانيان ما يعانيان ، يحمل هذا الهم ، وكلما ارتقى مقامك عند الله اتسعت دائرة همومك ، وكلما ارتقى مقامك عند الله اتسعت دائرة رؤيتك ، قل لي ما الذي يهمك أقل لك من أنت ، هل يهمك أمر المسلمين ؟ هل تتألم إن رأيت المسلمين في بعض أقطارهم يعانون ما يعانون ؟ قتل ، ونهب ، وقهر ، وإذلال ، وأنت ما عندك مشكلة معافى ، هل تقول ما لي وما لهم ؟ لا ، يمتحنك الله أحياناً حينما تتطلع إلى مأساة يعاني منها المسلمون وأنت لا تتأثر ، كلما ارتقى مقامك عند الله اتسعت دائرة اهتمامك بل كلما ارتقى مقامك عند الله ازدادت مسؤوليتك عند الله .
أيها الأخوة ، أحياناً تقرأ كتاباً تافهاً ، ثمانمئة صفحة ، قصة تنتهي من قراءتها تتثاءب وتنام ، وأحياناً تقرأ كتيباً صغيراً ، مقالة صغيرة تنتهي من قراءتها فتبدأ متاعبك وضعك هذا الكتب أمام مسؤوليتك .على كل مؤمن أن يؤمن بالله العظيم ويثني عليه :
أيها الأخوة ، المجد : المروءة ، والكرم ، والسخاء ، والشرف ، والفخر ، والحسب ، والعزة ، والرفعة ، ولا تنسوا المرأة التي قالت : وا معتصماه ، كيف ردّ عليها المعتصم ، وقد قال بعض الشعراء :
ربّ وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الــبنات اليتم
لامست أسماعهم لـكنها لم تلامس نخوة المعتصم
* * *
الآن أمجده ومجده يعني عظمه وأثنى عليه ، والمؤمن يمجد الله عز وجل ويعظمه .
" إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ " [لحاقة:33] آمن بالله خالقاً ، لكن ما آمن به عظيماً ، العبرة أن تؤمن بالله العظيم .
تمجيد الله عز وجل و تعظيمه مهمة المؤمن الأساسية :
أيها الأخوة ، لا تنسوا أن الله سبحانه وتعالى حينما قال : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً " [الأحزاب:41] الأمر على ما ينصب ؟ على الفكر الكثير ، لأن المنافق يذكر الله ، ولكن يذكره ذكراً قليلاً ، حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام أعطى مقاييس ، قال : " برئ من النفاق من أكثر من ذكر الله ، وبرئ من الكبر من حمل حاجته بيده " .
" برئ من الشح من أدى زكاة ماله " [الطبراني] .
إذاً كما أن الله سبحانه وتعالى يقول : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً " قال : " إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ " تحت كلمة " الْعَظِيمِ " خط، يعني الأمر يتعلق بأن تؤمن بالله العظيم ، إبليس آمن بالله ، قال ربي : " فَبِعِزَّتِكَ " [ص:82] .آمن به رباً وعزيزاً ، آمن به خالقاً ، قال : " خَلَقْتَنِي " [ص:76] آمن باليوم الآخر ، قال : " أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ " [الأعراف:14] .
ومع ذلك هو إبليس اللعين " إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ " إذاً لا يصح إيماننا إلا إذا مجدنا ربنا ، وعظمناه ، أمجده ومجده أي عظمه وأثنى عليه ، وتماجد القوم فيما بينهم ذكروا أمجادهم ، هذا ما يتعلق باللغة .
القرآن مجيد لأنه كلام الله وصفة الكلام من صفات الله العليا :
أما الله جلّ جلاله وصف في كتابه العزيز ، وصف قرآنه الكريم قال : " ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ " [ق:1] يعني الله عز وجل قال : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ " [الأنعام:1] .
في آية ثانية : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ " [الكهف:1] .كأن الكون كله في كفة ، والقرآن المجيد في كفة .
أيها الأخوة ، القرآن مجيد لأنه كلام الله ، وصفة الكلام من صفات الله العليا ، والقرآن كريم فيه الإعجاز والبيان ، وفيه روعة الكلمات ، وحسن المعاني ، وفيه كمال السعادة للإنسان فهو كتاب مجيد، عظيم ، رفيع الشأن .
" المجيد " سبحانه وتعالى هو الذي علا وارتفع بذاته :
الآن " المجيد " سبحانه وتعالى ، الآن دخلنا في صلب الموضوع " المجيد " سبحانه وتعالى هو الذي علا وارتفع بذاته ، له المجد في أسمائه ، وصفاته ، وأفعاله ، مجد الذات الإلهية بيّن في جمال الله .
" إن الله جميل يحب الجمال " [مسلم] .
مجد الذات الإلهية بين في جمال الله ، وسعته ، وعلوه ، واستوائه على عرشه فعند مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله جميل يحب الجمال " هذا مجد الذات ، مجد الذات أنه جميل .وروي أيضاً : " حِجَابُه النُّورُ ، لو كَشَفَهُ لأحْرَقتْ سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه " [مسلم] .
" اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " [النور:35] هذا جمال الذات ، أما كيفية جمال الذات أمر لا يدركه أحد ، عين العلم به ، عين الجهل به ، وكل شيء خطر ببالك فالله بخلاف ذلك ، والعجز عن إدراك الإدراك إدراك كيفية جمال الذات لا يعلمه إلا الله ، وليس عند المخلوقين منه إلا ما أخبر به عن نفسه ، من كمال وصفه ، سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ، كمال وصفه وجلال ذاته ، وكمال فعله ، ومن مجد ذاته أنه استوى على العرش ، فهو العلي بذاته على خلقه .
الله عز وجل مجّد ذاته باستوائه على العرش : " يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى " [طه:7] في ملكه ، وهو القائم عليهم والمحيط بهم ، قال تعالى : " الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى " [طه:5] الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، وهناك آيات معدودة من الحكمة البالغة أن تصوغ معناها إلى الله ، الاستواء معلوم والكيف مجهول .
الآن ثبت أن العرش أعلى المخلوقات ، والله جلّ جلاله فوق ذلك محيط بالخلائق والكائنات، ويعلم ما هم عليه ." فإذا سألتُم الله فاسألوه الفِرْدَوس ، فإنه أوسطُ الجنة وأعلى الجنة ، وفوقَه عرش الرحمن ، ومنه تَفَجَّرُ أنهار الجنة " [البخاري] .
الله جلّ جلاله من كمال مجده أنه خصّ الكرسي بالذكر دون العرش :
وقد ذكر الله جلّ جلاله : من كمال مجده الكرسي ، خصه بالذكر دون العرش في أعظم آية في كتاب الله ، فقـال : " وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ " [البقرة:255] لقد بيّن الله جلّ جلاله في كتابه الكريم من كمال وصفه وسعة ملكه لمن أعرض عن طاعته ، وعن توحيده في عبادته ، أن مُلك من أشركوا لو بلغ السماوات السبع ، ولو بلغ الأراضين كلها وما فيهن ، وما بينهم ، على عرضهن ، ومقدارهن ، وسعة حجمهن ، لا يمثلن شيئاً في الكرسي ، الذي تحت قدم الملك ، فما بالك بعرشه ومجده ، وما بالك باتساع ملكه .
هذا الإله العظيم ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تتقى ناره ؟ .تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطـعته إن المحب لـمن يحب يطيع
* * *
عظمة الله عز وجل لا نهاية لها :
الله عز وجل يقـول : " وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا " يعنـي هـو : " يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا " [فاطر:41] " وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا " أي لا يعجزه حفظهما ، لأنه لا يقوى غيره على حفظهن ، وإدارتهن ، حتى لو ادعى لنفسه ملكهن ، فالله من حلمه على خلقه أمسك بهن بقدرته ، وأبقاهن لحكمته لذلك قال تعالى : " إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً " [فاطر:41] .
" إني والإنس والجن في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب ، أهل ذكري ، أهل مودتي ، أهل شكري ، أهل زيادتي أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد والسيئة بمثلها وأعفو ، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها " [رواه البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء] .
ورد أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة " [ابن حبان عن أبي ذر] .
يعني لا نهاية لعظمة الله ، وصحّ عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفاً أنه قال : " الكرسي موضع قدميه والعرش لا يقدر قدره " [رواه الحاكم و الدارمي عن ابن عباس] .المجيد وصف جامع لكل أنواع العلو التي يتصف بها الله عز وجل :
أيها الأخوة ، أما مجد أوصافه ، تحدثنا عن مجد ذاته ، وعن مجد أفعاله ، والآن عن مجد أوصافه ، له علو الشأن ، لا ند له ، لا مثل له ، ولا نظير له ، ولا شبيه له ، ولا مثيل ، فالمجد وصف جامع لكل أنواع العلو التي يتصف بها المعبود ، فهو العلي العظيم ، لأن أي معبود سواه إذا علا مجده بعض الخلق ، وغلب على العرش ، واستقر له الملك ، فإنه مسلوب العظمة ، أي عظيم سواه مسلوب العظمة في علوه إما لمرضه ، الأقوياء يمرضون ، والأقوياء ينامون ، والأقوياء يموتون ، أو لغلبة غيره على ملكه ، أية عظمة لعلو المخلوق وهو يعلم أن قدرته محدودة وأيامه معدودة ، أيستحق المخلوق أن يكون معبوداً ؟ لأنه يموت ، كل مخلوق يموت .
أيها الأخوة الكرام ، من لوازم الإيمان أن نمجد الله سبحانه وتعالى ، من لوازم الإيمان أن نذكر الله ذكراً كثيراً ، من لوازم الإيمان أن نحبه حباً عظيماً ، من لوازم الإيمان أن نخضع له ، بل إن قمة لوازم الإيمان أن نعبده ، والعبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .