اسم الله الودود 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (الودود):
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في اسم " الودود ".
المودة بين المؤمنين من خلق الله عز وجل: الآية الدقيقة التي في القرآن الكريم هي قوله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً " [مريم:96].
قال علماء التفسير: " سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً " فيما بينه وبينهم، فالله عز وجل يتودد إلى عباده، أي يحبهم، ويحفظهم، وينصرهم، ويؤيدهم، ويوفقهم، وأن الله سبحانه وتعالى يحبه عباده، فيعبدونه، ويطيعونه " إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً " يعني إذا كان الإنسان يفتخر ويعتز بعلاقة ودية بينه وبين قوي فلأن يكون اعتزاز الإنسان أكبر إذا كان بينه وبين الله عز وجل علاقة حب، وعلاقة طاعة، وعلاقة توفيق.
إذاً " سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً " فيما بينه وبينهم، وقال علماء التفسير: للآية معنىً آخر " إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً " فيما بينهم فالمودة التي بين المؤمنين من خلق الله عز وجل.
المؤمنون بعضهم لبعض نصحة متوادون ولو ابتعدت منازلهم، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون ولو اقتربت منازلهم.
" لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ " [الأنفال:63].
كلما كثرت المشتركات بين المؤمنين ازداد الحب بينهم: الود بين المؤمنين من خلق الله عز وجل، وعلامة هذا الود أنك لكل المؤمنين وأن كل المؤمنين لك، يؤلمك ما يؤلمهم، يسعدك ما يسعدهم، وهذا من أوضح علاقات البراء والولاء، توالي المؤمنين ولو كانوا ضعافاً وفقراء، وتتخلى وتتبرأ عن الكفار والمشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء.
لو أن إنساناً سألناه: ماذا تحب؟ ماذا تكره؟ كيف تحب أن تنفق مالك؟ أية حرفة تحبها؟ ماذا تحب أن يكون أهلك؟ أولادك؟ هناك مئات الأسئلة، بل بضع آلاف الأسئلة، الإجابة عن هذه الأسئلة تحدد سمات الشخص.
السر الدفين العميق في الود بين المؤمنين أن هناك تقاطعات لا تنتهي في شخصياتهم، يعني أنت مؤمن وأخوك مؤمن، أنت تتمتع بحياء، وأخوك يتمتع بحياء، أنت تتمتع بضبط لسان، وأخوك يتمتع بضبط لسان، أنت تنفق مالك في وجوه الخير وهو كذلك، أنت ترحم من حولك وهو كذلك، فكلما كثرت المشتركات بين المؤمنين ازداد الحب بينهم، بل كلما ازدادت التقاطعات بين شخصيتين تعلق كل منهما بالآخر، لأن القواسم المشتركة والتقاطعات في سمات الشخصين، أو المؤمنين كثيرة جداً، إذاً العلاقات متينة جداً.
وأنت تحب الآخر بقدر التقاطعات بينك وبينه، بقدر القواسم المشتركة بينك وبينه، بقدر الصفات التي تتصف بها وهو كذلك يتصف بها.
علامة إيمانك أن تفرح لفرح المؤمن وتحزن لحزنه:
إذاً أسمى علاقة على وجه الأرض علاقة المؤمنين قال تعالى: " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ " [الحجرات:10] ويا أيها الأخوة الكرام، كمقياس دقيق لإيمانك أن تحب المؤمنين، أن يقلقك ما يقلقهم، أن أيسعدك ما يسعدهم، أن يفرحك ما يفرحهم، أن تحمل همهم، أن تفرح لخير أصابهم، وأن تتألم لشر أصابهم، هذا الذي يفتقر إليه المسلمون اليوم، هذا الحب.
كان أصحاب النبي رضوان الله عليهم بأعلى درجات الحب فيما بينهم، كان الصحابي الكريم يودع أخاه بعد صلاة العشاء، ويأتي الفجر ويعانقه ويقول: يا شوقاه يا أخي هذا الحب الذي كان بينهم هو من علامة إيمانهم وإخلاصهم، هذا مقياس لنا، كن جريئاً وكن صريحاً، واقبل الحقيقة المرة التي هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح، هل تفرح من أعماق أعماقك لخير أصاب أخاك؟ هل تتألم من أعماق أعماقك لسوء أصاب أخاك؟ هذه من علامات المؤمنين، والدليل: " إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ " [التوبة:50] المنافقون.
" وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا " [آل عمران:120] فاجعل هذه الآية شعاراً لك " إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً " فيما بينهم وبينه، وفيما بينهم، في العلاقات داخلية.
المودة بين الزوجين من آيات الله الدالة على عظمته:
الآن ننتقل إلى أشد العلاقات بين شخصين علاقة الزوج بزوجته، قال تعالى: " وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " [الشورى:29] والسماوات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون، والكون ما سوى الله " وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ".
" وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ " [فصلت:37] وكما أن الكون من آياته.
" وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً " [الروم:21] هذه المودة التي بين الزوجين هي من آيات الله الدالة على عظمته.
أنا أعرف إنساناً قريب لي، تأخر زواجه إلى أمد طويل، وهو يقيم في بلد خليجي، فكلما جاء إلى الشام في الصيف لم يوفق إلى زوجة تناسبه، في العام الخامس وقبل أن يغادر بيوم وجد إنسانة تناسبه فعقد عقده عليها، وفي اليوم التالي غادر إلى بلاد الخليج ليتابع عمله، بكت بكاءً مراً في المطار، عمر هذه العلاقة عشرين ساعة فقط، هذا من خلق الله.
الود بين الزوجين من خلق الله، وهذا مقياس لنا جميعاً، يقول عليه الصلاة والسلام: " الحمد لله الذي رزقني حب عائشة " [ورد في الأثر].
مهمة الشياطين التفريق بين الرجل وأهله:
كل إنسان يحب حبيبته، يحب زوجته، التي هي أم أولاده، هذه من علامة إيمانه، وكلما أبغض الإنسان أهله، لأن الشيطان أكبر نشاط يمارسه أن يبغض الرجل بزوجته.
" يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ " [البقرة:102] آية قرآنية، الشياطين مهمتهم التفريق بين الرجل وبين أهله.
لذلك: ومن آياته الدالة على عظمته: " أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا " معنى السكنى ؛ أن الرجل يكمل نفسه بزوجته، يكمل نقصه العاطفي بزوجته، وأن المرأة تكمل نقصها القيادي بزوجها، إذاً هما متكاملان، كل طرف يكمل الطرف الآخر والحب بين الزوجين لا يخبو كما يتوهم الفسقة، الأعمال الفنية التي يصنعها الفسقة تبين أن دفء المرأة أنه لا يكون إلا بالعشيقة، لا في الزوجة، وهذا أكبر إضلال يضل به الناس دفء المرأة يكون في الزوجة.
الزواج الإسلامي شيء عظيم مبني على الود والرحمة:
إذاً: " وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً " بالآية ملمح دقيق جداً، المودة هنا سلوك يُعبر به عن الحب، الحب شعور داخلي، يعبر عنه بابتسامة، يعبر عنه بثناء، يعبر عنه بمعاونة، يعبر عنه بشكر، يعبر عنه بهدية، فالمودة سلوك، يعبر به عن الحب، فإذا كانت المرأة ملء عين زوجها وضمن طموحه طبعاً يحبها، وإذا أحبها عبر عن هذا الحب بسلوك لطيف، ابتسامة، محبة، معاونة، هدية، وكذلك المرأة إذا كان زوجها عينها، قوي، وكريم، يدافع عنها تحبه، وتعبر عن حبها له بالمودة، بخدمته، والبحث عن ما يرضيه.
لكن لا سمح الله ولا قدر لأن هذه المؤسسة العلاقة الزوجية، وهي أقدس علاقة على وجه الأرض هذه العلاقة وجدت لتبقى، فإن لم يكن سبب بقائها المودة تأتي الرحمة لتكون سبباً آخر لبقائها، كم من امرأة افتقر زوجها، فعملت وأنفقت عليه؟ وكم من زوج أصيبت زوجته بمرض عضال فخدمها أعلى خدمة إلى آخر لحظة في حياتها؟ هذا الزواج الإسلامي شيء عظيم مبني على الود والرحمة، على الود أو على الرحمة، أو عليهما معهاً.
لذلك الحب شعور، الود سلوك.
الكون كله مظهر لمودة الله للإنسان:
شيء آخر: كيف نفسر محبة الله لعباده؟ من دلائل هذه المحبة أنه سخر لعباده: " وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ " [الجاثية:13] كل ما في السماوات وما في الأرض مسخر للإنسان، الشمس، القمر، الليل، النهار، الهواء، الماء، الينابيع، الأسماك، الأطيار، الأزهار، الورود، المحاصيل، الفواكه، الخضراوات، الزوجة، الأولاد، الزوج، كل ما في الكون مسخر لهذا الإنسان، وهذا دليل مودة الله لعباده، لأنه يحبهم، الكون كله مظهر لمودة الله للإنسان.
شيء آخر: من يصدق أن هناك بضع آلاف من أنواع نباتات الزينة، هذه لا تؤكل، ولكن من أجل أن تستمتع بها أنواع العصافير التي لها ألوان تأخذ بالألباب، أنواع الفراشات، أنواع الورود، أنواع الأبصال، أنواع الأوراق، يوجد بالطبيعة جمال أخاذ هذا الجمال تقوم حياتنا من دونه، لكنه تعبير عن محبة الله لنا.
الطفل يملأ البيت فرحة، بجماله، بذاتيته، بعفويته، الزوجة خلقت من أجل الرجل، والرجل خلق من أجل زوجته، وكل واحد يكمل الآخر، حينما تنسب هذه النعم إلى المنعم ترى أن كل نعمة أنعم الله بها على الإنسان هي نوع من الود.
الله عز وجل مع المؤمنين بالتوفيق والتأييد والنصر والحفظ:
أيها الأخوة، علماء التوحيد قالوا: الميل، الحب يعني الميل، فالميل من شأنه الضعف والتحسر والألم، لكن الله عز وجل إذا قلنا أنه يحب عباده معنى الحب البشري لا ينطبق على الذات الإلهية، فالله عز وجل إذا أحب أحسن، إذا أحب أعطى، إذا أحب وفق، إذا أحب حفظ، وهذا معنى الآيات الكثيرة التي تقول: إن الله مع: " وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ " [الأنفال:19].
" أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ " [البقرة:194].
" إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " [البقرة:153].
يعني معهم بالتوفيق، معهم بالتأييد، معهم بالنصر، معهم بالحفظ.
" فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ " [يوسف:64].
علاقة الحب هي العلاقة التي أرادها الله أن تكون بينك وبينه:
الإنسان إذا أحب خضع، وإذا أحب تذلل، وإذا أحب مال، لكن الله عز وجل إذا أحب وفق، إذا أحب أحسن، إذا أحب أعطى، إذا أحب حفظ، إذا أحب وفق، الله عز وجل يقول دققوا في هذه الآية: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ " [المائدة:54].
يعني العلاقة التي أرادها أن تكون بينك وبينه هي علاقة حب، لذلك قال: " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ " [البقرة:156] الله ما أرادنا أن نأتيه مكرهين، بل أرادنا أن نأتيه طائعين، أن نأتيه من مبادرة منا " يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ " وبدأ بحبه لهـم، أحبـك منحـك نعمـــة الإيجـــاد، أحبـك منحك نعمــة الإمــداد، أحبـك منحــك نعمـة الهــدى والرشــاد " وَيُحِبُّونَهُ " بالطاعة، والخضوع، والميل، وأداء العبادات.
من علامة إيمان المؤمن أنه يخضع لأخيه:
دققوا الآن: " أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ " [المائدة:54] من علامة إيمان المؤمن أنه يخضع لأخيه، والله عز وجل يقول: " أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا (79) وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا " [الإسراء:78-80] ثم يقول: " فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ " [الشعراء:213-214].
من علامات المحبين لربهم أنهم أذلة أعزة ؛ أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين:
الآن دققوا: " وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " [الشعراء:215-220].
" أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ " [المائدة:54].
والعياذ بالله المنافق قاسٍ، وقوي على الضعيف، أما القوي ينبطح أمامه، أما الضعيف يتجبر عليه، المؤمن بالعكس " أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " [المائدة:54].
علامة حبّ الإنسان لربه أن يُذكّر الناس بعفوه وغفرانه وتوبته:
أيها الأخوة، حب الإنسان إلى الله يعني أن تعرفه، أو أن تزداد معرفة به، وأن تحمل نفسك على طاعته، وأن تتقرب إليه بالأعمال الصالحة، بخدمة الخلق، وأن تدعو إليه، وأن تحبب الناس به، علامة حبك له أن تعرفه، أو أن تزداد معرفة به، أن تطيعه، أن تعمل الأعمال الصالحة تقرباً إليه، أن تدعو إليه.
" بلِّغُوا عني ولو آية " [البخاري] وأن توالي أحبابه.
" أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك؟ فقال: أحب عبادي إلي تقي القلب نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبني، وأحب من أحبني، وحببني إلى خلقي " [من الدر المنثور عن ابن عباس].
لذلك أنا أقول: هناك دعاة إلى الله صادقون، وهناك منفرون، بقسوة، بغلظة، بعنف، بفظاظة، بكبر، باستعلاء.
" وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ " [آل عمران:159] علامة حبك له أن تدعو إليه، أن تحببه لخلقه، أن تذكر لهم رحمته، وعفوه، وغفرانه، وتوبته.
تقرب العبد إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة:
وإذا قلنا الله " الودود " الذي يتودد إلى خلقه، يعني ما في كلمة أراها أنسب من هذه الكلمة: المؤمن يخطب ود الله، كيف الخطيب إذا خطب فتاة أعجبته، وتعلق بها يخطب ودها، اتصال يومي، ساعتين ثلاثة الاتصال، بهدية، كلما دخل بيت أهل خطيبته معه هدية، فالهدية ود.
فالمؤمن يتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، والله عز وجل يخطب ود عباده بنعمه العظيمة، أنا أرى أن أكبر ود من قبلك للذات الإلهية أن تنصح عباده، أن تخدمهم، أن ترحمهم، أن تنصفهم، أن تعطيهم، أن تطعم جائعهم، أن تكسو عاريهم.
" ليس كل مصلٍ يصلي، إنما أتقبل الصلاة لمن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي، واطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب " [من كنز العمال عن حارثة بن وهبة] يعني خدمتك لعباد الله، بل خدمتك لكل البشر من دون استثناء، بل خدمتك لكل المخلوقات أحد مظاهر مودتك لله عز وجل، أن تكون لخدمة الخلق، ألا تأكل أموالهم بالباطل، ألا تعتدي على أعراضهم، ألا تلقي الرعب في قلوبهم، ألا تبتز أموالهم، إذا كنت منصفاً، محسناً، هذا أكبر شاهد على مودتك لله عز وجل.
أول هدية من الله عز وجل للإنسان ثدي أمه:
أول هدية من الله عز وجل للإنسان ثدي أمه، حليب، معقم، ساخن في الشتاء، بارد في الصيف، تتبدل تركيباته أثناء الرضعة الواحدة.
" أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ " [البلد:8-10] هذه أول هدية، الأم أكبر هدية للطفل، تشقى ليسعد، تجوع ليشبع، تخاف ليأمن، الحقيقة قلب الأم من الآيات الدالة على عظمته، فالأم هدية، والأب هدية، نحن جميعاً كل أعمالنا في الحياة من أجل أولادنا، أنت حظك من الدنيا قليل، لكن تعمل وتعمل وتناضل وتجاهد بالمصطلحين القديم والحديث من أجل أن يسعد أولادك، الأب هدية، والأم هدية، ما الذي يدعونا جميعاً إلى تربية أولادنا؟ ما أودع الله من حب في قلوبنا لهم، ولو نزع الله هذا الحب من قلوبنا ما ربى إنسان إنساناً.
محبة الآباء والأمهات لأولادهم هي محبة الله: أنا أرى أن محبة الآباء والأمهات لأولادهم هي محبة الله.
" وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي " [طه:39] لو الله عز وجل نزع هذه الرحمة، وهذا الحب، ما ربى إنسان ابنه والقصة الشهيرة أرويها كثيراً هي معبرة رمزية لكنها معبرة: مرة أحد أولياء الله الصالحين رأى أماً تخبز على التنور، كلما وضعت رغيفاً في التنور أمسكت ابنها وضمته وشمته وقبلته، قال: يا رب ما هذه الرحمة ! قال: ألقى في قلبه أن هذه رحمتي يا عبدي، أودعتها في قلب أمه، وسأنزعها (قصة رمزية طبعاً) فلما نزع الله الرحمة من قلب أمه وبكى ألقته في التنور، انتهى.
رحمة الله عز وجل هي أحد أسباب التراحم فيما بيننا:
نحن نتراحم من رحمة الله، فرحمة الله عز وجل هي أحد أسباب التراحم فيما بيننا، لذلك قال تعالى: " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ " [آل عمران:159] بسبب رحمة استقرت في قلبك يا محمد كنت ليناً لهم " وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ " وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمران:159].
أيها الأخوة الكرام، اسم " الودود " أقرب اسم إلى قلب الإنسان، هو يحبك وينبغي أن تحبه، هو يخطب ودك أيها الإنسان، بهذه النعم، وينبغي أن تخطب وده بالطاعة وخدمة عباده.
" الخلق عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله " [أخرجه أبو يعلى والبزار].
والحمد لله رب العالمين
مختارات