اسم الله الحكيم 1
من أسماء الله الحسنى : ( الحكيم ) :
أيها الأخوة الأكارم ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم " الحكيم " .
ورود اسم الحكيم في القرآن الكريم مقترناً في أغلب المواضع باسم العزيز : هذا الاسم ورد في القرآن الكريم في كثير من الآيات ، وفي كثير من الأحاديث الشريفة ، قال تعالى : " رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " [البقرة:129] .
هذا الاسم أيها الأخوة ، ورد مقترناً في أغلب المواضع باسم العزيز ، العزيز الحكيم ، كقوله تعالى : " لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " [آل عمران:6] .وقد ورد أيضاً مقترناً باسم الخبير ، وكذلك باسم العليم .
ورود اسم الحكيم في السنة النبوية :
أما في السنة ففي صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كما قال العبد الصالح عيسى بن مريم : " وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " [المائدة:117-118] .
أيها الأخوة ، كتعليق على هذه الآية الكريمة التي قالها النبي عليه الصلاة والسلام تقييم العباد من شأن الله وحده ، لا تفكر أن تقييم إنساناً ، بل إنه من التألي على الله أن تحكم على إنسان حكماً قطعياً ، قد تجد إنساناً الآن ، ومن أدراك أنه سيتوب ، وسيسبقك أحياناً فحجم الإنسان لا يسمح له أن يصدر حكماً قطعياً على إنسان آخر ، فتقييم البشر من شأن خالق البشر ، استرح وأرح ، لكن ليس معنى هذا أن ترى إنساناً يقترف معصية كبيرة وتقول هذا ولي ، هذا حمق ، هذه معصية ، لكن مستقبل هذا الإنسان لا يعلمه إلا الله .تقييم البشر من شأن خالق البشر :
لذلك دخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت أحد الصحابة ، الذين توفاهم الله اسمه أبو السائب ، فسمع امرأة تقول : هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله ، لأنه نبي مرسل ولأن كلامه حديث وتشريع ، ولأن أفعاله سنة وتشريع ، ولأن سكوته إقرار وتشريع ، ينبغي ألا يسكت ، فقال عليه الصلاة والسلام : ما يدريك أن الله أكرمه ؟ قولي أرجو الله أن يكرمه وأنا نبي مرسل ، لا أدري ما يفعل بي ولا بكم .
يعني على وجه اليقين ، أما على وجه الرجاء كل مؤمن يرجو رحمة الله ، كل مؤمن مستقيم على أمر الله ، مخلص يرجو الجنة ، الرجاء شيء ، والحكم القطعي المستقبلي على إنسان شيء آخر ، فمن باب الأدب مع الله عز وجل لا تصدر حكماً على إنسان مستقبلياً هذا إلى النار ، من قال لك كذلك ؟ الله تواب رحيم ، الآن يعصي ، كن عوناً له على الشيطان ولا تكن للشيطان عوناً عليه .
إذاً " وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " هذا أدب مع الله ، فالمؤمن لا يتألى على الله ، ولا يقيّم البشر ، ولا يصدر أحكاماً قطعية مستقبلية ، هذا ليس من شأن العبد ، هذا من شأن الرب ، العبد عبد ، والرب رب .
المعاني اللغوية التي وردت في المعاجم حول كلمة " الحكيم " :
أيها الأخوة " الحكيم " في اللغة كما ألفنا في الأسماء السابقة صيغة مبالغة ، على وزن فعيل ، بمعنى فاعل ، يعني حكيم بمعنى محكم ، أحكم الصنعة أتقنها ، والفعل حكم يحكم ، حكماً ، وحكومة .
و " الحكيم " يأتي على عدة معانٍ :
1 ـ الإحاطــة :
منها الإحاطة ، فلان أحكم قبضته على هذا المشروع ، سيطر عليه ، وأحاط به علماً ، الإحاطة والمنع ، حكم الشيء منعه ، وسيطر عليه وأحاط به ، حكمة اللجام يضعون في فم الحصان قطعة من الحديد تلجمه ، اسمها حكمة اللجام .
2 ـ المدقق في الأمور :
" الحكيم " المدقق في الأمور ، المتقن لها .
3 ـ الذي يحكم الأشياء :
" الحكيم " الذي يحكم الأشياء ، ويحسن دقائق الصناعات ويتقنها ، حكيم في صنعته ، صنعة متقنة جداً ، يقول أحدهم : أحكمته التجارب ، علمته التجارب ، أصبحت خبراته متراكمة .
4 ـ الذي يحكم الأمر :
" الحكيم " هو الذي يحكم الأمر ، يضبطه ، ويقضي فيه ، وأمره نافذ فيه .
5 ـ المدرك لدقائق الأمور :
" الحكيم " هو المدرك لدقائق الأمور ، يبين الأسباب والنتائج .
6 ـ الحاكم :
" الحكيم " هو الحاكم ، كأن تقول قدير بمعنى قادر ، وعليم بمعنى عالم ، واستحكم الرجل ؛ أي ابتعد عن كل ما يضره في دنياه وآخرته .
هذه المعاني اللغوية التي وردت في المعاجم حول كلمة " الحكيم " .
الله جلّ جلاله حكيم متصف بحكمة حقيقية :
أما الله جل جلاله نقول هو " الحكيم " يعني متصف بحكمة حقيقية ، عائدة إليه ، وقائمة به ، كسائر صفاته ، بحكمته : " خَلَقَ فَسَوَّىٰ (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ " [الأعلى:2-3] .
وأسعد وأشقى ، وأضل وهدى بحكمته ، ومنع وأعطى " الحكيم " هو المحكم لخلق الأشياء على مقتضى حكمته ، لماذا جعل الله لنا عينين ؟ لمَ لم تكن عيناً واحدة ، بالعين الواحدة ترى الطول والعرض ، ترى السطوح ولا ترى الحجوم ، بالعينين ترى البعد الثالث ، ترى العمق ، أنت بعين واحدة لا تستطيع أن تُدخل الخيط في الإبرة ، وقد تكون المسافة بينهما عشرة سنتمتر ، أما بالعينين تدرك البعد الثالث ، فمن حكمة الله عز وجل أنه جعل لنا عينين ." أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ " [البلد:8] ومن الحكمة أن جعل لنا أذنين ، بأذن واحدة لا تعرف جهة الصوت ، أما بالأذنين يأتي الصوت من هنا ، يدخل إلى هذه الأذن قبل هذه الأذن ، بفارق يساوي على واحد على 1620 جزءاً من الثانية ، تدرك جهة الصوت .
" الحكيم " هو الذي جعل قرنية العين تتغذى عن طريق الحلول ، ولولا ذلك لو غُذيت قرنية العين كأي نسيج في جسم الإنسان لرأيت ضمن شبكة أوعية دموية تغذي قرنية العين ، أما قرنية العين وحدها تتغذى عن طريق الحلول ." الحكيم " لم يجعل في شعرك أعصاب حس ، ولو جعل أعصاب حس لاضطررت إلى عملية جراحية اسمها الحلاقة .
" الحكيم " جعل لك قلباً ينبض ذاتياً ، ولو ترك النبض إليك فالنوم يعني الموت .
كل شيء في الكون يدل على حكمة الله عز وجل :
" الحكيم " يمكن أن ترى كل شيء في الكون يدل على حكمته ، وأحد أكبر أسباب الإيمان بالله دليل الحكمة ، الطفل الصغير فُتح ثقب بين أذنيه ، وهو في رحم أمه اسمه ثقب بوتال ، عند الولادة تأتي جلطة من " الحكيم " تغلق هذا الثقب ، ولو لم تغلق لمات البشر بداء الزرق .
" الحكيم " أودع في طحال الجنين كمية من الحديد تكفيه سنتين ، إلى أن يأكل الطعام ، الحديث عن الحكمة لا ينتهي ، لكن أوضح مثل قريب جداً : مفتاح الكهرباء أين يوضع ؟ على مستوى الأرض ! من أجل أن تستخدمه ينبغي أن تنبطح ، أم يوضع في رأس الحائط تحتاج إلى سلم ، أين المكان المناسب ؟ أن يكون في مستوى كتف الإنسان ، هذا المكان وضع بحكمة بالغة ، وبإمكانك أن تكتشف حكمة الله في كل شيء .
الفم ليس فيه شعر ، الأنف فيه شعر ، الشعر بالأنف ليصطاد المواد العالقة بالهواء ، أما الشعر بالفم يزعج في الطعام والشراب ، الحديث عن الحكمة يحتاج إلى عمر مديد ، أحد أكبر أدلة وجود الله عز وجل دليل الحكمة .
الماء ليس له لون ، لو أن له لوناً للون كل أطعمتنا ، لخرجنا من جلدنا من هذا اللون ، لو أن له رائحة لكانت هذه الرائحة في كل ما نأكل ، أيضاً لم نحتمل ذلك ، ليس له لون ، ولا طعم ، ولا رائحة ، شديد النفوذ ، يتبخر بدرجة 14 ، لا ينضغط ، لو وضعت متر مكعب من الماء وفوقه حجم ووزن يزيد عن مئة طن لا ينضغط ولا ميلي ، وهذا الماء إذا تمدد ليس في الأرض قوة تقف في وجهه .
لذلك أحدث طريقة لاقتلاع الرخام تحفر أنفاق ضيقة تملأ بالماء ، ويبرد الماء ، فهذا التبريد يدفع هذه الكتلة من الصخر أن تنفصل عن أصل مكانها ، خصائص الماء فيها حكمة بالغة .
خصائص الهواء ، الهواء يحمل بخار ماء ، لولا أنه يحمل بخار ماء لما كانت أمطار ، ولما كانت حياة .