اسم الله الحكيم 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (الحكيم):
أيها الأخوة الأكارم، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم " الحكيم ".
ورود اسم الحكيم في القرآن الكريم مقترناً في أغلب المواضع باسم العزيز: هذا الاسم ورد في القرآن الكريم في كثير من الآيات، وفي كثير من الأحاديث الشريفة، قال تعالى: " رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " [البقرة:129].
هذا الاسم أيها الأخوة، ورد مقترناً في أغلب المواضع باسم العزيز، العزيز الحكيم، كقوله تعالى: " لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " [آل عمران:6].
وقد ورد أيضاً مقترناً باسم الخبير، وكذلك باسم العليم.
ورود اسم الحكيم في السنة النبوية:
أما في السنة ففي صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كما قال العبد الصالح عيسى بن مريم: " وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " [المائدة:117-118].
أيها الأخوة، كتعليق على هذه الآية الكريمة التي قالها النبي عليه الصلاة والسلام تقييم العباد من شأن الله وحده، لا تفكر أن تقييم إنساناً، بل إنه من التألي على الله أن تحكم على إنسان حكماً قطعياً، قد تجد إنساناً الآن، ومن أدراك أنه سيتوب، وسيسبقك أحياناً فحجم الإنسان لا يسمح له أن يصدر حكماً قطعياً على إنسان آخر، فتقييم البشر من شأن خالق البشر، استرح وأرح، لكن ليس معنى هذا أن ترى إنساناً يقترف معصية كبيرة وتقول هذا ولي، هذا حمق، هذه معصية، لكن مستقبل هذا الإنسان لا يعلمه إلا الله.
تقييم البشر من شأن خالق البشر:
لذلك دخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت أحد الصحابة، الذين توفاهم الله اسمه أبو السائب، فسمع امرأة تقول: هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله، لأنه نبي مرسل ولأن كلامه حديث وتشريع، ولأن أفعاله سنة وتشريع، ولأن سكوته إقرار وتشريع، ينبغي ألا يسكت، فقال عليه الصلاة والسلام: ما يدريك أن الله أكرمه؟ قولي أرجو الله أن يكرمه وأنا نبي مرسل، لا أدري ما يفعل بي ولا بكم.
يعني على وجه اليقين، أما على وجه الرجاء كل مؤمن يرجو رحمة الله، كل مؤمن مستقيم على أمر الله، مخلص يرجو الجنة، الرجاء شيء، والحكم القطعي المستقبلي على إنسان شيء آخر، فمن باب الأدب مع الله عز وجل لا تصدر حكماً على إنسان مستقبلياً هذا إلى النار، من قال لك كذلك؟ الله تواب رحيم، الآن يعصي، كن عوناً له على الشيطان ولا تكن للشيطان عوناً عليه.
إذاً " وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " هذا أدب مع الله، فالمؤمن لا يتألى على الله، ولا يقيّم البشر، ولا يصدر أحكاماً قطعية مستقبلية، هذا ليس من شأن العبد، هذا من شأن الرب، العبد عبد، والرب رب.
المعاني اللغوية التي وردت في المعاجم حول كلمة " الحكيم " :
أيها الأخوة " الحكيم " في اللغة كما ألفنا في الأسماء السابقة صيغة مبالغة، على وزن فعيل، بمعنى فاعل، يعني حكيم بمعنى محكم، أحكم الصنعة أتقنها، والفعل حكم يحكم، حكماً، وحكومة.
و " الحكيم " يأتي على عدة معانٍ:
1 ـ الإحاطــة:
منها الإحاطة، فلان أحكم قبضته على هذا المشروع، سيطر عليه، وأحاط به علماً، الإحاطة والمنع، حكم الشيء منعه، وسيطر عليه وأحاط به، حكمة اللجام يضعون في فم الحصان قطعة من الحديد تلجمه، اسمها حكمة اللجام.
2 ـ المدقق في الأمور:
" الحكيم " المدقق في الأمور، المتقن لها.
3 ـ الذي يحكم الأشياء:
" الحكيم " الذي يحكم الأشياء، ويحسن دقائق الصناعات ويتقنها، حكيم في صنعته، صنعة متقنة جداً، يقول أحدهم: أحكمته التجارب، علمته التجارب، أصبحت خبراته متراكمة.
4 ـ الذي يحكم الأمر:
" الحكيم " هو الذي يحكم الأمر، يضبطه، ويقضي فيه، وأمره نافذ فيه.
5 ـ المدرك لدقائق الأمور:
" الحكيم " هو المدرك لدقائق الأمور، يبين الأسباب والنتائج.
6 ـ الحاكم:
" الحكيم " هو الحاكم، كأن تقول قدير بمعنى قادر، وعليم بمعنى عالم، واستحكم الرجل ؛ أي ابتعد عن كل ما يضره في دنياه وآخرته.
هذه المعاني اللغوية التي وردت في المعاجم حول كلمة " الحكيم ".
الله جلّ جلاله حكيم متصف بحكمة حقيقية:
أما الله جل جلاله نقول هو " الحكيم " يعني متصف بحكمة حقيقية، عائدة إليه، وقائمة به، كسائر صفاته، بحكمته: " خَلَقَ فَسَوَّىٰ (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ " [الأعلى:2-3].
وأسعد وأشقى، وأضل وهدى بحكمته، ومنع وأعطى " الحكيم " هو المحكم لخلق الأشياء على مقتضى حكمته، لماذا جعل الله لنا عينين؟ لمَ لم تكن عيناً واحدة، بالعين الواحدة ترى الطول والعرض، ترى السطوح ولا ترى الحجوم، بالعينين ترى البعد الثالث، ترى العمق، أنت بعين واحدة لا تستطيع أن تُدخل الخيط في الإبرة، وقد تكون المسافة بينهما عشرة سنتمتر، أما بالعينين تدرك البعد الثالث، فمن حكمة الله عز وجل أنه جعل لنا عينين.
" أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ " [البلد:8] ومن الحكمة أن جعل لنا أذنين، بأذن واحدة لا تعرف جهة الصوت، أما بالأذنين يأتي الصوت من هنا، يدخل إلى هذه الأذن قبل هذه الأذن، بفارق يساوي على واحد على 1620 جزءاً من الثانية، تدرك جهة الصوت.
" الحكيم " هو الذي جعل قرنية العين تتغذى عن طريق الحلول، ولولا ذلك لو غُذيت قرنية العين كأي نسيج في جسم الإنسان لرأيت ضمن شبكة أوعية دموية تغذي قرنية العين، أما قرنية العين وحدها تتغذى عن طريق الحلول.
" الحكيم " لم يجعل في شعرك أعصاب حس، ولو جعل أعصاب حس لاضطررت إلى عملية جراحية اسمها الحلاقة.
" الحكيم " جعل لك قلباً ينبض ذاتياً، ولو ترك النبض إليك فالنوم يعني الموت.
كل شيء في الكون يدل على حكمة الله عز وجل:
" الحكيم " يمكن أن ترى كل شيء في الكون يدل على حكمته، وأحد أكبر أسباب الإيمان بالله دليل الحكمة، الطفل الصغير فُتح ثقب بين أذنيه، وهو في رحم أمه اسمه ثقب بوتال، عند الولادة تأتي جلطة من " الحكيم " تغلق هذا الثقب، ولو لم تغلق لمات البشر بداء الزرق.
" الحكيم " أودع في طحال الجنين كمية من الحديد تكفيه سنتين، إلى أن يأكل الطعام، الحديث عن الحكمة لا ينتهي، لكن أوضح مثل قريب جداً: مفتاح الكهرباء أين يوضع؟ على مستوى الأرض ! من أجل أن تستخدمه ينبغي أن تنبطح، أم يوضع في رأس الحائط تحتاج إلى سلم، أين المكان المناسب؟ أن يكون في مستوى كتف الإنسان، هذا المكان وضع بحكمة بالغة، وبإمكانك أن تكتشف حكمة الله في كل شيء.
الفم ليس فيه شعر، الأنف فيه شعر، الشعر بالأنف ليصطاد المواد العالقة بالهواء، أما الشعر بالفم يزعج في الطعام والشراب، الحديث عن الحكمة يحتاج إلى عمر مديد، أحد أكبر أدلة وجود الله عز وجل دليل الحكمة.
الماء ليس له لون، لو أن له لوناً للون كل أطعمتنا، لخرجنا من جلدنا من هذا اللون، لو أن له رائحة لكانت هذه الرائحة في كل ما نأكل، أيضاً لم نحتمل ذلك، ليس له لون، ولا طعم، ولا رائحة، شديد النفوذ، يتبخر بدرجة 14، لا ينضغط، لو وضعت متر مكعب من الماء وفوقه حجم ووزن يزيد عن مئة طن لا ينضغط ولا ميلي، وهذا الماء إذا تمدد ليس في الأرض قوة تقف في وجهه.
لذلك أحدث طريقة لاقتلاع الرخام تحفر أنفاق ضيقة تملأ بالماء، ويبرد الماء، فهذا التبريد يدفع هذه الكتلة من الصخر أن تنفصل عن أصل مكانها، خصائص الماء فيها حكمة بالغة.
خصائص الهواء، الهواء يحمل بخار ماء، لولا أنه يحمل بخار ماء لما كانت أمطار، ولما كانت حياة.
والحمد لله رب العالمين
مختارات