اسم الله المتكبر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : (المتكبر) :
أيها الأخوة الكرام ، أسعد إنسان في الأرض من جعل علاقته كلها مع الله :
بادئ ذي بدء الإنسان مجبول على حبّ الجمال ، وحبّ الكمال ، وحبّ النوال ، يحب من يعطيه ، ويحب الموقف الكامل ، ويحب الشيء الجميل ، هذه جبلة في الإنسان ، والله عز وجل وصف ذاته العلية بأنه متكبر ، كبير في عطائه ، كبير في تجلياته ، كبير في توفيقه ، وصف ذاته العلية بأنه متكبر من أجل أن تقبل عليه .
الناس في الدنيا على من يقبلون ؟ على الأغنياء والأقوياء ، الناس ، لم أقل المؤمنين ، الناس في الدنيا يقبلون على الأقوياء والأغنياء ، لأنهم يتوهمون أن الأقوياء يدعمونهم ، وأن الأغنياء يعطونهم ، لكن الحقيقة أن الإنسان حينما يوحد ربه ، حينما يرى أن الله وحده يعطي ويمنع ، ويخفض ويرفع ، ويعز ويذل ، حينما يوحد ربه يتجه إليه ، وأسعد إنسان في الأرض من جعل علاقته كلها مع الله ، لذلك قال تعالى : " فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ " [الشعراء:213] .
أخطر شيء في حياة المسلمينالشرك الخفي : الشرك الخفي أخطر شيء في حياة المسلمين ، النبي عليه الصلاة والسلام يحذرنا من الشرك الخفي ، يقول : " أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ، أما إني لست أقول أنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ، ولكن شهوة خفية ، وأعمال لغير الله " [ورد في الأثر] .
هذا شرك خفي ، والشرك أخفى من دبيب النملة السمراء ، على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، قال تعالى : " وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ " [يوسف:106] الشرك الجلي نادر الوجود في العالم الإسلامي ، لا يوجد إله يعبد مع الله في العالم الإسلامي ، بشرق آسيا في آلهة كثيرة ، أما في عالم المسلمين شرك جلي ما في لكن في شرك خفي " وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْركون " حينما نتوجه لغير الله ، وحينما نعقد الأمل على غير الله ، وحينما نتوهم أن فلان يعطينا ، وفلان يمنعنا ، وأن فلان يحمينا ، وأن فلان يضرنا ، حينما نتوهم فعلاً من غير الله ، أو عطاءً من غير الله أو تكريماً من غير الله حينما نتوهم هذا الوهم نقع في الشرك الخفي .
إقبال المؤمن على الله لأن مصيره مع الله إلى الأبد :
لذلك الناس في الدنيا يقبلون على الأغنياء من أجل العطاء ، وعلى الأقوياء من أجل الحماية ، ولكن المؤمن يقبل على الله لأنه يرى أن مصيره مع الله " فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ " الله عز وجل وصف ذاته العلية بأنه متكبر من أجل تقبل عليه ، وأن تنصرف عمن سواه .
أيها الأخوة ، الشيء الثاني : والناس في الدنيا يقبلون على كل شيء جميل يحبون بيتاً جميلاً ، ومركبة فارهة ، وامرأة جميلة ، وطعاماً طيباً ، وسياحة جميلة ، فالإنسان مفطور على حبّ الجمال ، وحينما يعلم الإنسان أن كل جمال في الكون مستمد من جمال الله وأن الله سبحانه وتعالى أصل الجمال ، وأن المؤمن أسعد مخلوق في الكون ، لأنه اتصل بأصل الجمال ، وأن هذا الجمال أبدي ، أي شيء تعلقت به في الدنيا ، لابدّ من أن تفارقه عند الموت ، ولابدّ من أن يفارقك عند موته هو ، لو تعلق الإنسان بامرأته مثلاً تعلقاً يفوق حدّ الخيال ، لابدّ من أن يفارقها ، كما أنها لابدّ لها من أن تفارقه ، إلا إذا تعلقت بالله عز وجل ، فأنت معه إلى أبد الآبدين .
الله عز وجل أصل الجمال وقمته :
لذلك : " وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا " [البقرة:165] .
هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم فأحبوا غير الله ، وتعلقوا بغير الله ، وعصوا ربهم من أجل امرأة ، وعصوا ربهم من أجل دخل وفير ، يهيئ لهم بيتاً جميلاً ، أو مركبة فارهة ، هؤلاء الذين عصوا ربهم من أجل الجمال يكتشفون الحقيقة المرة أن الله سبحانه وتعالى هو أصل الجمال .
أنت حينما تمشي في الطريق ترى ملهى ، تجد خمسين سيارة واقفة ، ماذا في داخل هذا البناء ؟ هناك امرأة ترقص ، ولحم يشوى ، ومغنٍّ يغني ، وموسيقى تصدح ، هؤلاء توهموا أن لذتهم في هذا المنظر ، وهذا الطعام ، وهذا الشراب ، ولو عرفوا الله عز وجل لرأوا أن قمة السعادة ، وقمة الجمال أن تكون مع الجميل .
منهج الله عز وجل منهج قويم يُقرب الإنسان من الله تعالى :
لذلك أيها الأخوة ، الله عز وجل وصف ذاته العلية بأنه متكبر ، لأنه الجميل ، ولأنه الغني ، ولأنه القوي ، والإنسان في أصل فطرته يحب الجمال ، والكمال ، والنوال .
شيء آخر : الله عز وجل متكبر ، يعني حقيقة وحيدة في الكون هي الله ، أي تقربٍ منه هو حق ، وخير ، وجمال ، وأي ابتعاد عنه ، هو باطل ، وشر ، وقبح، هناك حقيقة واحدة : أي شيء يقربك إلى الذات العلية فهو حق ، وخير ، وجمال ، وأي شيء يبعدك عن الذات العلية هو باطل ، وشر ، وقبح ، فمنهج الله عز وجل هو المنهج القويم ، وأي ابتعاد عن منهجه هو الطريق المنحرف .
اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ : هذه الآية من تطبيقات اسم المتكبر :
لذلك من تطبيقات اسم " المتكبر " هذه الآية ، سيدنا يوسف قال لعزيز مصر : " اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ " [يوسف:55] .
أي مؤمن معه خبرات عالية جداً ، وأمته بأمس الحاجة إلى هذه الخبرات ، وعنده حلول لمشكلات عويصة ، ورأى أمته متخلفة ، تعاني ما تعاني ، فإذا قال أنا أملك خبرة ، أنا أحلّ هذه المشكلة ، هذا من علامة إيمانه ، وهذا اقتباس من كمال الله عز وجل : " اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ " .
أحياناً يكون طبيب يملك خبرات عالية جداً ، ويرى مريضاً يعاني ما يعاني والأطباء في حيرة من أمرهم ، يقول أنا أعالجه ، أن تقول أنا ، هذا ليس كبراً، هذا قمة في خدمة الخلق ، أحياناً تملك خبرة عالية جداً تحلّ بها مشكلة ، فإذا قلت أنا لا يعني ذلك ، ما لي علاقة ، لا أحب أن أقحم نفسي ، من هنا سيدنا عمر قال : " أريد أميراً ، إن كان أميراً حقيقة بدا وكأنه واحد من أصحابه ، متواضع ، وإن لم يكن أميراً بدا وكأنه أمير " .
الحالة الأولى تواضعاً ، الحالة الثانية غيرة ، أنت معقول أن تكون في حال عصيب وإنسان يدمر ، ومعك الحل ، وتبقى ساكت ؟ لا تقدر " اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ " .
اشتقاق المؤمن من كمال الله كمالاً يُمكّنه من الغيرة على مصالح المسلمين :
شخص مرة سألني ، قال لي : كيف نجمع بين هذه الآية وبين الحديث الشريف ؟
" طالب الولاية لا يولى " [ورد في الأثر] .
الإنسان حينما يطلب الولاية لمنفعة معينة ، لمكانة ، لرفعة، لكبر، لاستعلاء ، هذا الإنسان إذا طلب الولاية لا يولى ، أما حينما يملك إنسان خبرة عالية ، وبهذه الخبرة تحل مشكلة فيولى .
أوضح مثل : طبيب ، قريبه ما زاره ، زار طبيباً آخر ، لكن حالته تسوء ، هو اختصاصي في هذا المرض ، المؤمن الصادق يعرض نفسه عليه ، عندك حلّ لمشكلة اقتصادية ، لمشكلة مالية ، لمشكلة صحية ،
" اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ " .
كيف أن الله جل جلاله وصف ذاته العلية بأنه متكبر ، لماذا ؟ كي يقبل عليه عباده ، كي يطمعوا بنواله ، بعطائه ، بتوفيقه .
إذاً المؤمن يشتق من كمال الله هذا الكمال ، إذا معه خبرة ، معه حلّ لمشكلة ، لا يبقى ساكتاً ، يتدخل تدخلاً إيجابياً ، وأرقى سلوك في الحياة عند الأزمات التدخل الإيجابي أنا أقدم ، أعرض خبرتي ، أعرض إمكانياتي ،
" اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ " .
هذا ليس كبراً ، وليس تنطعاً ، وليس طمعاً ، إنما هو غيرة على مصلحة المسلمين .
الله عز وجل متكبر حتى يُقبل عباده عليه والعبد متواضع حتى يستحق تأييد الله له :
أيها الأخوة ، شأن الرب أنه متكبر ، بمعنى أنه كبير ، كبير في عطائه ، كبير في توفيقه ، كبير في حفظه ، كبير في تأييده ، كبير في نصره ، قال لك أقبل عليّ ، تعال إليّ ، دع الشركاء ، دع ما سواي ،
" فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ " .
تعذب نفسك ، إن اتجهت إلى غيري ليس عنده شيء فقير مثلك ، جاهل مثلك ، هو يحتاج إلى عناية الله عز وجل .
أيها الأخوة ، إذاً شأن الرب أنه متكبر ، أي كبير، من أجل أن نطمع بما عنده ، من أجل أن نربح عليه ، من أجل أن نتاجر معه .
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ " [الصف:10-11] .
إذا آمنت بالله ، وعملت صالحاً ، وجاهدت نفسك وهواك أنت بهذا تتاجر مع الله بمعطيات الأرض يقول لك ربحنا ثمانية عشر بالمئة نسبة عالية جداً ، معظم الشركات : 10، 12، 11، 9، 18 ! ما شاء الله ! يعني في شركة بالأرض تربح مليون بالمئة ؟ مليار بالمئة ؟ لا يوجد، لكن من وضع لقمة في فم زوجته تأليفاً لقلبها رآها يوم القيامة كجبل أحد ، الله عز وجل يريدنا أن نربح عليه .
لذلك شأن الرب أنه متكبر ، حتى يقبل عباده عليه ، وشأن العبد أن يكون متواضعاً مفتقراً حتى يستحق تأييد الله له .
شأن العبد التواضع والافتقار فمن افتقر إلى الله رفعه :
لذلك عندنا أربع تجارب ، أو تجربة ، تجربة الصحابة الكرام في معركة بدر :
" وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ " [آل عمران:123] .
افتقروا إلى الله ، تواضعوا له ، قل قبل أن تقدم على عمل : اللهم إني تبرأت من حولي وقوتي ، والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين ، أعرف طبيباً بعد أن يجهز المريض لعمل جراحي ، يصلي أمامه ركعتين ، ويناجي ربه في السجود ، يا رب أعني ، يا رب ألهمني الصواب ، يا رب وفقني .
أيها الأخوة ، في أي عمل صغير أم كبير ، جليل أم حقير ، عمل مادي أو علمي ، قبل أن تقبل عليه قل : اللهم إني تبرأت من حولي وقوتي وعلمي ، والتجأت إلى حولك وقوتك وعملك يا ذا القوة المتين .
فلذلك شأن العبد التواضع والافتقار ، فالصحابة الكرام هم نخبة الخلق ، ومعهم سيد الخلق ، لما تواضعوا في بدر ، وافتقروا إلى الله ، وتذللوا أمامه ، ومرغوا جباههم في أعتابه نصرهم الله عز وجل ، هم هم، ومعهم سيد الخلق ، في حنين، قال : " ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ " [أبو داود والترمذي] .
" وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ " [التوبة:25]
دققوا ، في بدر افتقروا فانتصروا ، هم قمة البشر ، ومعهم سيد البشر .
من قال أنا تخلى الله عنه :
في حنين اعتدوا بعددهم فلم ينتصروا ، هذا درس بليغ لنا ، نحتاجه كل يوم ، بل كل ساعة ، بل كل دقيقة ، قل أنا يتخلى الله عنك ، أنا معي شهادة عليا ، أنا أملك خبرات متراكمة ، أنا من أسرة عريقة ، قل أنا وانظر ، الله يتخلى عنك ، لأن كلمة أنا شرك خفي ، هذه حالة الفناء يصفها بعضهم ، قل الله يتولاك ، قل أنا يتخلى عنك ، يعني أنت في كل ساعة في حياتك بين التولي والتخلي ، تقول الله يتولاك تقول أنا يتخلى عنك .
في حنين نخبة البشر ، قال : نحن " ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ " .
لذلك : لي ، وعندي ، وأنا ، ونحن ، كلمات مهلكات ، إبليس قال : " أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ " [الأعراف:12] فأهلكه الله ، قوم بلقيس قالوا : " نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ " [النمل:33] فأهلكهم الله عز وجل ، قارون قال : " إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي " [القصص:78] .
" فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ " [القصص:81] .
فرعون قال : " أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ " [الزخرف:51] لي ، وعندي ، وأنا ، ونحن ، كلمات مهلكات .
من يقع في الشرك أو المعصية يؤدبه الله عز وجل :
لذلك أيها الأخوة ، تجربة بدر الافتقار إلى الله ، النتائج أن الله يتولاك ، وتجربة حنين الاعتداد ، إما بالعدد ، أو بالقوة ، أو بالشهادة ، أو بالحسب ، أو بالنسب ، حينما تقول أنا يتخلى الله عنك ، حينما تقول الله يتولاك .
تعقيباً على هاتين التجربتين في تجربة أحد لم ينتصر المسلمون ، وفي تجربة حنين أيضاً ، في أحد عصوا ، في حنين أشركوا ، لو أنهم انتصروا في أحد لسقطت طاعة رسول الله ، ولو أنهم انتصروا في حنين لسقط التوحيد ، الله عز وجل لا يحابي أحداً ، من أنت ، حينما يقع الإنسان في الشرك يؤدبه الله عز وجل ، وحينما يقع في المعصية يؤدبه الله عز وجل .
نصر الله عز وجل للمسلمين له شروط منها :
1 ـ إيمان الإنسان بالله الإيمان الذي يحمله على طاعته :
أيها الأخوة ، الآن نحن مع اسم " المتكبر " الكبير، القوي ، والمسلمون ضعاف ، والمسلمون حالهم لا يرضي ، فكيف نوفق بين حال المسلمين وبين أن الله متكبر ؟ الله عز وجل متكبر ، يعني كبير ، كبير في نصره ، كبير في إمداده ، كبير في عطائه ، كبير في عفوه ، كبير في توفيقه ، لكن نصر الله له ثمن ، له ثمن لا يمكن أن نناله إلا إذا دفعنا الثمن ما الثمن ؟ أول شرط : " وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ " [الروم:47] .
أي إيمان هذا ؟ الإيمان الذي يحملك على طاعة الله ، هذا الإيمان يقودك إلى النصر ، الإيمان الذي يحملك على طاعة الله ، والإيمان الذي لا يحمل على طاعة الله إيمان إبليسي ، لأنه قال : " فَبِعِزَّتِكَ " [ص:82] .
وقال : " خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ " [الأعراف:12] .
" قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ " [الأعراف:14] .
آمن بالله رباً ، وعزيزاً ، وخالقاً ، وآمن باليوم الآخر ، ومع ذلك هو إبليس اللعين .
إذاً الإيمان الذي لا يحملك على طاعة الله ، لا قيمة له إطلاقاً ، ولا وزن له إطلاقاً ، ولا يقدم ولا يؤخر " وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ " .
2 ـ إعداد العدة المتاحة :
هذا الشرط الأول ، لكنه شرط لازم غير كافٍ ، الشرط اللازم الثاني :
" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ " [الأنفال:60] .
لن ننتصر إلا إذا آمنا بالله إيماناً يحملنا على طاعته ، وأعددنا العدة المتاحة لنا ، إيمان بلا عدة ما في نصر ، عدة بلا إيمان ما في نصر ، كلاهما شرط لازم غير كافٍ .
الله عز وجل مع المؤمن بالحفظ والتأييد والنصر إذا أقبل عليه والتزم بمنهجه :
الآن ما دام الله هو " المتكبر " فكيف نتقوى به ؟ كيف نكون كبراء ؟ إذا أقبلنا عليه ، عندنا قاعدة هذه القاعدة تقول : " وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ " [الحديد:4] .
قال علماء التفسير : هذه المعية معية عامة ، يعني معكم بعلمه ، الله مع الكافر بعلمه ، مع الملحد ، مع المشرك ، مع العاصي ، مع المجرم ، مع الطاغية " وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ " لكن المعول عليه هو المعية الخاصة ، المعية الخاصة لقوله تعالى : " إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " [البقرة:153] .
" إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا " [النحل:128] .
هذه المعية الخاصة تعني الحفظ ، والتأييد ، والنصر ، والتوفيق ، هذه المعية الخاصة في قوله تعالى : " وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ " [الأنفال:19] .
" إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا " [النحل:128] .
" إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " .
هذه المعية الخاصة تعني الحفظ ، والتأييد ، والنصر ، والتوفيق .
التقوى مع الصبر طريق الإنسان إلى النصر :
المعية الخاصة لها ثمن ، ثمنها :
" وّقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً " [المائدة:12] .
" وّقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ " بشرط معية مشروطة العلاقة " وّقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً " .
العلاقة مع الله واضحة جداً ، ومقننة بقوانين ، الله مع المؤمنين ، ومع المتقين ، ومع الصابرين ، بالنصر ، والتأييد ، والحفظ ، والتوفيق ، لكن هذه المعية مشروطة .
الآن آية واحدة ولا أبالغ تحل بها مشكلات العالم الإسلامي بأكمله مع ما يعاني هذه الآية :
" وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً " [آل عمران:120] .
التقوى مع الصبر طريق إلى النصر ، والصبر مع المعصية ليس بعدها إلا القبر ، معصية زائد معصية هذا ليس صبراً ، هذا قهر ، معصية زائد صبر ، ليس بيدنا شيء ! أعداؤنا أقوياء جداً ، ومقيمون على معاص لا يعلمها إلا الله ، المعاصي مع الصبر طريق إلى القبر ، أما الصبر مع التقوى طريق إلى النصر .
المعاصي مع الصبر طريق الإنسان إلى القبر :
أيها الأخوة ، يجب أن يكون في علمكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " وما تواضَعَ عبد لِلهِ إِلا رَفَعَهُ اللهُ " [مسلم] .
" ومن تواضع لله رفعه الله ، ومن تجبر قصمه الله " [أخرجه البزار] الذي قال أنا قصمه الله .
" إِنَّ الله أوحَى إِليَّ : أن تواضَعُوا حتى لا يبغي أحد على أحد ، ولا يفخَر أحد على أحد " [أخرجه أبو داود] .
التقوى مع الصبر طريق النصر ، والصبر مع المعصية ليس إلا القبر ، معصية زائد صبر هذا ليس صبراً ، معصية زائد صبر ما بيدنا شيء ، أعداؤنا أقوياء جداً ، ومقيمون على معاصٍ لا يعلمها إلا الله ، المعاصي مع الصبر طريق إلى القبر، أما الصبر مع التقوى طريق إلى النصر .
تواضع المؤمن من غير منقصة وتوجهه إلى الله عز وجل لأنه متكبر :
أيها الأخوة ، يجب أن يكون في علمكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" وما تواضَعَ عبد لِلهِ إِلا رَفَعَهُ اللهُ "
" ومن تواضع رفعه الله ، ومن تجبر قصمه الله " يعني قال أنا قصمه .
" إِنَّ الله أوحَى إِليَّ : أن تواضَعُوا حتى لا يبغي أحد على أحد ، ولا يفخَر أحد على أحد " .
" طوبى لمن تواضع في غير منقصة " [أخرجه الطبراني] .
كل إنسان عندما يخطئ يرتكب خطأ فادحاً يصغر ، يعني يتواضع ، هذا تواضع المنقصة ، هذا ما له قيمة ، البطولة أن تتواضع من غير منقصة ، أنت طاهر ، ومستقيم ، ويدك نظيفة ، ودخلك مشروع ، وأنت قدوة لغيرك ، ومع ذلك متواضع ، فالتواضع من شأن العبد، والتكبر من شأن الرب ، لأنه رب العالمين ، لأنه خلقنا ليسعدنا كان متكبراً ، أي كبيراً في عطائه ، تعالوا إليّ ، دعوا الشركاء .
" ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء " [من مختصر تفسير ابن كثير] .
" وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً " [الأحزاب:71] دع الخلق واتجه إلي .
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنــــــا لغيرنا
ولو سمعت أذناك حسن خطــــابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنا
* * *
فالمؤمن يتواضع من غير منقصة ، يتواضع ويتوجه إلى الله عز وجل لأنه متكبر .
والحمد لله رب العالمين
مختارات
-
تابع " صفات النفس الخلُقية والمطلوب منها "
-
" المــروءَة "
-
ابن تيمية .. والموجة الإلحادية
-
" السعـادة "
-
" تعبير الاستغفار في الرؤية "
-
" هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم "
-
دخول الحائض المسجد لحضور مجلس علم أو حلقة لتحفيظ القرآن
-
انتفاضة الأحياء
-
شرح دعاء" اللهم اغفر لي، واهدني، وارزقني، وعافني، أعوذ بالله من ضيق المقام يوم القيامة"
-
شرح دعاء "اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك، فإنه لا يملكها إلا أنت"