اسم الله البصير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (البصير):
أيها الأخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم " البصير ".
ورود اسم البصير في القرآن الكريم:
أيها الأخوة، ورد هذا الاسم " البصير " في أكثر من خمسين آية، ورد معرفاً بأل وورد منوناً، ورد مقترناً باسم السميع والخبير، وورد غير مقترن، فمن الآيات التي ورد فيها اسم " البصير " معرفاً قوله تعالى في مطلع سورة الإسراء: " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " [الإسراء:1].
الإسراء والمعراج جاء مكافأة لسيد الخلق عن جفوة أهل الأرض بترحيب السماء له:
لو أن بعض الأخوة المؤمنين كان حفظه للقرآن ضعيفاً فنسي أواخر هذه الآية فتصور أن " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ " على كل شيء قدير، لماذا جاءت " إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ".
نحن نذكر أن خط الدعوة الإسلامي البياني وصل إلى الحضيض في الطائف حينما سخر أهل الطائف من رسول الله، وحينما كذبوه، وحينما نالوه بالأذى، فماذا قال؟ قال: " اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي " كحال المسلمين اليوم " وهواني على الناس، يا رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى عدو ملّكته أمري " الدعاء طويل " إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي " [الطبراني عن عبد الله بن جعفر، وفي سنده ضعف] هذه محنة ما بعدها محنة، هذه شدة ما بعدها شدة، ولكن شاءت حكمة الله أن يكون بعد كل محنة منحة، وبعد كل شِدة شَدة إليه.
فجاء الإسراء والمعراج مكافأة لسيد الخلق وحبيب الحق، وجاء تعويضاً عن جفوة أهل الأرض، بترحيب السماء له، " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " يعني يا محمد سمعنا قولك في الطائف، ورأينا معاناتك، وهذا ردنا، وأنت سيد الأنبياء والمرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين.
ما من مؤمن مستقيم يبتليه الله عز وجل بمحنة إلا وراء هذه المحنة منحة:
دققوا أيها الأخوة، ما من مؤمن مستقيم يبتليه الله عز وجل بمحنة إلا وينبغي أن يعتقد اعتقاداً جازماً أن وراء هذه المحنة منحة، أنا أقول ما من مؤمن مستقيم يبتليه الله بشدة إلا كان وراء هذه الشِدة شَدة إلى الله، هذا مبدأ وهذا قانون.
" وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " [آل عمران:139].
" وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ " [القصص:5-6].
فلذلك هذه الآية في نهايتها " إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " إن دعوت الله يسمعك، وإن عانيت ما تعاني يراك، سميع بصير، وإن أضمرت نية طيبة يعلمها، إن تكلمت يسمعك وإن تحركت يراك، وإن أضمرت شيئاً فهو يعلمه، فالتعامل مع الله سهل جداً، لا تحتاج لا إلى إيصال، ولا إلى يمين، ولا إلى دليل، حتى أن بعضهم قال: الحمد لله على وجود الله.
ورود اسم البصير في القرآن الكريم منوناً:
وورد هذا الاسم أيضاً منوناً في قوله تعالى: " اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ " [الحج:75] يراك.
" أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً * وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً " [الإسراء:78-79].
آية أخرى: " فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيم ِ(217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ " [الشعراء:213-218].
أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله يراه، اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، لا تجعل ربك أقل الناظرين إليك، لماذا؟ لأن الله ينظر إلى قلوبكم، هل في هذا القلب حقد؟ هل في هذا القلب كبر؟ هل في هذا القلب استهزاء بالآخر؟ لا تجعل ربك أهون الناظرين إليك، يراك، سميع بصير.
ورود اسم البصير في السنة الشريفة:
هذا الاسم أيضاً ورد في السنة الصحيحة: " إنَّكْم لا تَدْعُونَ أصَمَّا، ولا غَائِبا، إنكم تَدْعُونَ سَمِيعا بَصِيرا " [البخاري ومسلم].
أفضل دعاء المرء أن يكون خفية:
أفضل الذكر إخفاء الذكر، أفضل الدعاء أن يكون خفية.
" ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً " [الأعراف:55] لأنه يسمعك، وإذا كنت في موقف عصيب بإمكانك أن تدعوه دون أن تحرك شفتيك.
" إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً " [مريم:3].
تعريف البصير من حيث اللغة:
أيها الأخوة، معنى كلمة " البصير " أولاً بنيتها صيغة مبالغة، والمبالغة في اللغة تعني مبالغة الكم، مبالغة النوع، فإذا قلنا الله عز وجل غفور يعني يغفر مليار ذنب، وإذا قلنا غفور يغفر أكبر ذنب، نوعاً، وكماً، فالله بصير، وصيغة بصير من صيغ المبالغة والمبالغة تعني مبالغة كم، أو مبالغة نوع، أنت أحياناً تنظر إلى جهة واحدة، وليس في الإمكان أن تنظر إلى جهتين معاً، لكن الله سبحانه وتعالى ينظر إلى كل الخلائق من دون استثناء ويرى أدق شيء، ومهما خفي على الناس لا يخفى عليه.
إذاً هذا الاسم من أبنية المبالغة، على وزن فعيل، ككريم، سميع بصير، البصر العين، اسم ذات، والبصر الرؤية اسم معنى، اسم ذات أو اسم معنى، نقول مثلاً حائط اسم ذات، أما دراسة اسم معنى، لكن الذي يلفت النظر أن البصر هو النور الذي تبصر به الأشياء.
بربكـم هذه العيـن مهما تكـن دقيقة من دون نـور يتوسـط بينها وبين المنظـور لا قيمـة لهـا، يستوي في غرفة مظلمة البصير وغير البصير (الكفيف) لا بد من نـور يتوسـط بين العيـن وبين المرئيـات هو نور الكهربـاء أو نـور الشمس.
حاجة عقل الإنسان إلى وحر السماء كحاجة العين إلى ضياء الشمس:
الكلام الذي سأقوله خطير جداً، مهما يكن الإنسان ذكياً، لو كان عقله كعقل أنشتاين، مهما يكن الإنسان ذكياً، متألق الفكر، إن لم يستنر هذا العقل بنور الوحي فهو أعمى، يعني حاجة الإنسان إلى وحي السماء، بل حاجة عقل الإنسان إلى وحر السماء كحاجة العين إلى ضياء الشمس، لذلك من دون وحي: " إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ " [المدثر:18-30].
يعني إنسان ذكي متألق، ذكاؤه من أرفع مستوى، من دون وحي يهتدي به فهو جاهل.
البشر من دون وحي السماء مصيرهم إلى المحق والهلاك:
أزمة العالم أنهم اعتمدوا على العقل البشري وحده، وغفلوا عن وحي السماء، لذلك العالم يعاني ما يعاني، يعاني من الحروب، من القتل، من الظلم، من سوء توزيع الثروة 10% من أهل الأرض يملكون 90% من ثروات الأرض، و90% من أهل الأرض يعيشون دون الكفاف، العقل البشري من دون وحي السماء قاد إلى هذه المهالك.
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا " [الحجرات:13] لا ليقتل بعضكم بعضاً، لا ليستغل بعضكم بعضاً، لا ليقهر بعضكم بعضاً، لا ليمحق بعضكم بعضاً، البشر من دون وحي السماء كما ترون.
نور الوحي يُبعد الإنسان عن الظلم والعدوان:
" تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً حتى يأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً " [ابن ماجه عن عبد الله بلفظ قريب منه].
يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى، ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه.
" موت كقعاص الغنم " [الجامع الصغير عن معاذ بسند صحيح].
و: ".... وتفيض اللئام فيضاً ويغيض الكرام غيضاً " [رواه الطبراني في الأوسط عن أم الضراب].
أيها الأخوة، هذا المعنى تؤكده الآية الكريمة:
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ " [الحديد:28].
هذا نور الوحي " وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " [الحديد:28].
الله عز وجل يبصر جميع الموجودات في عالم الغيب والشهادة:
الآن التبصر ؛ التأمل، التعرف، البصيرة ؛ الحجة.
" بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ " [القيامة:14].
الآن الله جل جلاله هو " البصير " المتصف بالبصر، و " البصير " صفة من صفات ذاته، تليق بجلاله، في علم العقيدة يجب إثباتها من دون تمثيل، ولا تكييف، ولا تعطيل، ولا تحريف، نفوض معنى البصير إلى الله عز وجل، لا نجسد ولا نعطل، إن ألغينا أنه بصير تجرأنا عليه وإن مثلنا بصره كبصرنا وقعنا في خطأ كبير.
" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ " [الشورى:11].
كل ما خطر ببالك فالله تعالى بخلاف ذلك، الله عز وجل يبصر جميع الموجودات في عالم الغيب والشهادة، يرى الأشياء كلها مهما دقت أو عظمت، مهما خفيت أو ظهرت.
" يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ " [غافر:19].
عبادة غض البصر عبادة الإخلاص:
أنت في البيت والنافذة مفتوحة، وأنت في غرفة مظلمة، ولا يراك أحد على وجه الأرض، وخرجت امرأة متبذلة إلى الشرفة التي في اتجاه البيت، لك أن تطلق بصرك فيها، ولك أن تغض البصر، من يعلم " خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ " الله جل جلاله، لذلك عبادة غض البصر عبادة الإخلاص.
أنت طبيب ومن حقك أن ترى المكان الذي تعاني منه المرأة، اختلست نظرة إلى مكان آخر، هل في الأرض كلها جهة تستطيع ضبط هذه المخالفة؟ أبداً " يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ " [غافر:19].
السر عنده علانية، والغيب عنده شهادة، أحد العارفين بالله قال:
يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليلي
ويرى نياط عروقها في نحرها والمخ في تلك العظام النُحلي
* * *
الله بصير ينظر إلى المؤمنين بكرمه ورحمته ويمن عليهم بمنته وجنته:
الله بصير، الآن في معنى جديد، الله بصير ينظر إلى المؤمنين بكرمه ورحمته، ويمن عليهم بمنته وجنته، ويزيدهم كرماً منه بلقائه ورؤيته، ينظر إلى المؤمنين، ولا ينظر إلى الكافرين، لا ينظر إلى الكافرين إيقاعاً لعقوبته، فهم بعيدون عن نظره،محجوبون عن رؤيته،كما قال تعالى: " كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ " [المطففين:15].
من حجب عن الله عز وجل خسر الدنيا و الآخرة:
والله أيها الأخوة، ما من عقاب على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة كعقاب من نوع أن تُحجب عن الله، هذا معنى لعنه الله، أبعده عنه، وقد تكون في أصعب محنة وقد تكون في قاع البحر، في بطن حوت، وقد تكون في غار، وأنت ملاحق، وقد تكون في النار كإبراهيم، فإذا كانت معك عناية الله، فأنت في خير، هذه السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، هذه السكينة أين وجدها إبراهيم؟ وهو في النار، أين وجدها يونس؟ وهو في بطن الحوت، أين وجدها أهل الكهف؟ وهم في الكهف وأين وجدها النبي عليه الصلاة والسلام؟ وهو في غار ثور، وقد هُدرت دمه، ولاحقه الكفار " كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ " إذا أخذ منك الدنيا وتجلى عليك فأنت الفائز الأول، وإذا أعطاك الدنيا كلها وحجبك عنه فأنت الخاسر الأكبر.
" أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " [آل عمران:77] بطولتك أن تكون موصولاً بالله، بطولتك أن ينظر الله إليك.
من نظر الله إليه أعطاه بصيرة يفرق فيها بين الحق والباطل:
أيها الأخوة، المؤمن حينما يتقي الله ينظر الله إليه.
" يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً " [الأنفال:29].
ويجعل له بصيرة تريه الحق حقاً، والباطل باطلاً، تريه الحق حقاً فيتبعه وتريه الباطل باطلاً فيجتنبه.
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ " [الأنفال:29].
من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا وأقرب مما اتقى:
الآن في موضوع دقيق: الأعمال البشرية، أي عمل بشري تسبقه رؤيا، في علم التجارة والتسويق، ما في إنسان يشتري حاجة، إلا رأى أن هذه الحاجة أثمن من المال الذي سيدفعه ثمناً لها، ولا في بائع في الأرض يبيع حاجة إلا ويرى أن ثمنها أثمن منها رؤيا، أي حاجة تُباع الشاري يرى أنها أغلى من ثمنها حتى اشتراها، والبائع ما باع شيئاً إلا أيقن أن ثمنها أغلى منها، رؤيا، رؤيا حيادية، أما الذي يكذب ماذا يرى؟ يرى أنه بالكذب يعدّ ذكياً، بالكذب عمّ على نفسه، فيفضحه الله عز وجل فيغدو غبياً، من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا، وأقرب مما اتقى.
" من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى الناس عنه، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط الناس عليه " [أخرجه الترمذي والإمام أحمد عن عائشة أم المؤمنين].
مستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل وألف وألف مستحيل أن تعصيه وتربح.
من ملك رؤيا صحيحة وضع الدنيا تحت قدميه:
إذاً كل عمل بشري في قبله رؤيا، وبعد الرؤيا إرادة، وبعد الإرادة تنفيذ قانون.
الآن سيدنا يوسف حينما دعته امرأة ذات منصب وجمال، شاب، في ريعان الشباب، غريب، غير متزوج، هو تحت أمر سيدته، وليس من صالحها أن يفشى الخبر عنها، يعني العلماء عدوا عشرة أسباب تدعوه إلى قبول عرضها، ماذا قال: " قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ " [يوسف:23].
ماذا رأى؟ هنا البطولة، الذي يقبل الرشوة ماذا رأى؟ رأى أنه ذكي جداً قبض مبلغاً كبيراً بلا جهد، الذي يسرق ماذا رأى؟ الذي يزني ماذا رأى؟ البطولة أن تملك رؤيا صحيحة، أنت بهذه الرؤيا الصحيحة تضع الدنيا كلها تحت قدميك.
" والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلك دونه " [السيرة النبوية].
عندنا قانون جاء به عالم اسمه دورك هاين، هذا القانون علاقتك مع المحيط رؤيا، إدراك، انفعال، سلوك، شخص رأى بالبستان أفعى، اضطرب، علامة صحة رؤيته وإدراكه أنه اضطرب، وعلامة اضطرابه أنه هرب، أو قتلها، يعني في حركة، صحة الإدراك تقتضي الانفعال، والانفعال يقتضي الحركة، أما قل لشخص على كتفك عقرب بقي هادئاً، مرتاحاً، مبتسماً، قال لك: شكراً لك على هذه الملاحظة، وأرجو الله أن يمكنني أن أكافئك عليها، معنى ذلك أنه ما فهم مما قلت له شيئاً.
المؤمن يملك رؤيا صحيحة فيهتدي برحمة الله وتوفيقه:
لذلك في درس سابق السمع عند الله تتبعه حركة، يتبعه سلوك.
" إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا " [التحريم:4].
فلذلك أي عمل تسبقه رؤيا، أنت ماذا رأيت؟ المؤمن يرى أن الدنيا كلها لا تعدل أن يعصي الله، يضع الدنيا تحت قدميه، المؤمن لا يرى أن الغش فيه شطارة، أنت حينما تغش المسلمين ترى أن هذا المال الذي سيأتيك من الغش أكبر من الله، ما قلت الله أكبر ولا مرة، ولو رددتها بلسانك ألف مرة.
ديننا دين حقائق، لا دين كلمات جوفاء تلقى، تقول الله أكبر، وتغش المسلمين، تكذب عليهم، تدلس، تغير صفات البضاعة، توهم أنها من ألمانيا وهي من الصين، ماذا فعلت؟ أنت ترى أن هذا المبلغ الكبير الذي سيأتيك من إيهام الشاري أن هذه البضاعة مصنوعة في ألمانيا وهي تأتي من الصين، بأدنى صفات أنت ترى بهذا أن هذا المال أكبر عندك من الله.
لذلك قل لي ماذا ترى؟ المؤمن يملك رؤيا صحيحة، لذلك يمشي في ظل الله وفي رحمة الله، وفي توفيق الله، والمؤمن الله معه، وإذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان الله معك فمن عليك؟.
الله سبحانه وتعالى بصير يشاهد الأشياء كلها ظاهرها وباطنها:
الله سبحانه وتعالى بصير يشاهد ويرى حتى لا يحجب عنه ما ترى الثرى، وإبصاره منزه عن أن يكون بحدقة أو أجفان، مقدس عن أن يرجع إلى انطباع الصور والألوان، هو المبصر لجميع المبصرات، ويشاهد الأشياء كلها ظاهرها وباطنها، من دون جارحة ولا أداة، ولا تغير في الذات، الآية الكريمة:
" اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ (45) قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ " [طه:43-46].
هذه الآية يجب أن يتمثلها كل مؤمن " إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى " الأمر بيدي يا عبدي، أنا معك.
آية أخرى: " وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " [التوبة:105].
آية ثالثة: " فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " [الشعراء:213-220].
أيها الأخوة، هذه آيات واضحة جلية، معانيها قطعية لأن الله يرى ويسمع، فجبريل سأل النبي عليه الصلاة والسلام: " أخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تَراه، فإنه يَراكَ " [مسلم].
أما تستحي منا ويكفيك ما جرى أما تختشي من عتبنا يوم جمعنا
* * *
شهوة المال وشهوة المرأة من أقوى الشهوات التي أودعها الله في الإنسان:
" إِن الدنيا حُلْوةٌ خَضِرَة " [مسلم].
الآن ترقص، كلها مباهج، نساء كاسيات عاريات، أماكن جميلة، بيوت فخمة مركبات فارهة، سفر، ركوب طائرات، فنادق خمس نجوم.
" إِن الدنيا حُلْوةٌ خَضِرَة وإن الله مُستَخْلِفُكم فيها، فناظرٌ كيف تعملون؟ ".
يعني لا سمح الله ولا قدر الإنسان يتزوج أم يزني؟ يكسب المال الحلال أم المال الحرام؟ يصدق أم يكذب؟ يرحم أم يقسو؟ ينصف أم يظلم؟.
" وإن الله مُستَخْلِفُكم فيها، فناظرٌ كيف تعملون؟ فاتَّقُوا الدنيا " لأنها تضر، وتغر، وتمر " فاتَّقُوا الدنيا " الغرور أن تراها بحجم أكبر من حجمها، أن تراها كل شيء، أن ترى المال كل شيء، أن ترى المرأة كل شيء، أن ترى المنصب كل شيء.
" فاتَّقُوا الدنيا، واتَّقوا النساء ".
في سببين كبيرين لهلاك الإنسان، المال والنساء، وتسعة أعشار الأحكام الشرعية في ضبط كسب المال وإنفاقه، وفي ضبط علاقتك بالنساء، لأن شهوة المال وشهوة المرأة من أقوى الشهوات التي أودعها الله في الإنسان.
والحمد لله رب العالمين
مختارات