اسم الله الآخر 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (الآخر):
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في اسم " الآخر ".
من معاني هذا الاسم أن:
أمور الخلائق تنتهي إلى الله عز وجل:
من معاني هذا الاسم أيضاً أن أمور الخلائق تنتهي إليه، للتقريب:
إنسان توفيت زوجته، وفي إخبارية أنها توفيت مسمومة، وصار في ادعاء من قِبل أهلها، والمحاكم عملت، من محكمة الجنايات للاستئناف للنقد، صدر حكم بالإعدام رفع إلى رئيس الجمهورية، آخر جهة تبت في هذا الموضوع القصر الجمهوري، إما أن يوافق ويصدق، أو أن له وجهة نظر قد لا يوافق، من هي آخر جهة تبت في هذا الموضوع؟ رئيس الجمهورية، هذا للتقريب.
الله عز وجل قال: " أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ " [الشورى:53].
في النهاية الحكم هو الله، في خلافات مذهبية، عقائدية، دينية، في النهاية الحكم هو الله.
حالة الخوف والإحباط التي يعيشها بعض الناس سببها ضعف التوحيد:
لكن هذه الآية: " أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ " لها معنى آخر: معظم الناس الذين لم يكن إيمانهم توحيدياً يتوهمون، أن الأمر بيد فلان، أو فلان، أو فلان، يتعاملون مع شركاء لله عز وجل، يوم القيامة يتضح لكل الخلائق أن الأمر بيد الله، أما المؤمن وهو في الدنيا يعلم علم اليقين أن الأمر بيد الله، إلا أن عامة الناس الذين لم يكن إيمانهم إيماناً تحقيقياً، توحيدياً، مع إيمانهم بالله يرون في الأرض آلهة، من بني البشر، بيدهم مصائر الشعوب، بيدهم قصف هذه المدينة أو عدم قصفها، مثلاً، فالإنسان إذا عاش بجو الشرك الحياة لا تطاق، قال تعالى: " فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ " [الشعراء:213].
أي أحد أكبر عذابات الإنسان أن يرى مع الله إلهاً آخر، شيء لا يحتمل، حالة الإحباط أساسها ضعف التوحيد، حالة الخوف أساسها ضعف التوحيد، حالة اليأس أساسها ضعف التوحيد " فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ".
الإيمان ألا ترى مع الله أحدا ً:
لذلك الأمور بيد الله، كانت، ولا تزال، وستبقى، هذا عند المؤمنين، ما من إله إلا الله، إن أردت أن تتغط دعوات الأنبياء جميعاً: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ " [الأنبياء:25].
" فَكِيدُونِي جَمِيعاً " [هود:55].
أحد الأنبياء يتحدى قومه: " فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " [هود:55-56].
" لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ " [الأعراف:54].
" مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً " [الكهف:26].
" وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ " [هود:123].
هذا هو الإيمان، الإيمان ألا ترى مع الله أحدا، الإيمان أن ترى أن يد الله تعمل وحدها.
إيمان الإنسان بالله عز وجل إيمان يسعده ويريحه:
الإيمان أن تؤمن أن: " وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ " [الزخرف:84].
الإيمان أن تؤمن: " وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا " [الأنعام:59]هذا الإيمان، هذا الإيمان المسعد، المريح، علاقتك مع جهة واحدة، بيدها كل شيء.
فلذلك الآية بمعناها الأول: " أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ " يعني الجهة التي بيدها أن تحكم هي الله.
الله عز وجل بيده مصير كل شيء:
أيها الأخوة، هذا الاسم ورد أيضاً في صحيح البخاري، في صحيح البراء بن عازب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أوْيتَ إلى فراشك، فقل: اللَّهمَّ أسْلَمْتُ نَفْسي إليك، ووجَّهْتُ وجهي إليك وفوَّضْتُ أمْري إليك، وألجَأْتُ ظَهْري إليك، رَغْبة ورَهْبة إليك، لا مَلْجأ، ولا مَنْجَا منك إلا إليك ".
أريد أن أبين لكم من خلال بعض القصص، ما معنى اسم " الآخر " ؟ قصة رمزية طبعاً:
إنسان يجلس مع زوجته، يأكل الدجاج، طُرق الباب، ذهبت لتفتح الباب فإذا سائل يطلب طعاماً، فهمت أن تعطيه جزءاً من هذه الدجاجة، لأنه سائل وجائع، فنهرها زوجها وعنفها، وقال: اطرديه، ساءت العلاقة بينه وبينها فطلقها، وتزوجها إنسان آخر، ولحكمة بالغةٍ بالغة كانت تجلس معه تأكل الدجاج، فطُرق الباب، فذهبت لتفتح الباب، فاضطربت، فلما عادت رآها مضطربة، قال: من الطارق؟ قالت: سائل، قال: لا، من الطارق؟ قالت: زوجي الأول، فقال لها: وهل تدرين من أنا؟ السائل الأول، قصة رمزية.
لكن أحياناً أنت تتخذ قراراً، لكن الله عز وجل بيده للمصير.
الله هو " الآخر " وحكمه الأخير في كل شيء:
أيها الأخوة، كثيراً ما يأخذ أكبر الأخوة المال كله، أخوته صغار وأخواته بنات متزوجات، وله هيمنة عليهم، أعطوه وكالة عامة، اغتصب كل أموال الأب، الله عز وجل هو " الآخر " هؤلاء الصغار يوفقون، ويوفقون، ويوفقون، وهذا المغتصب لا يوفق، يذهب ماله، فيضطر أن يعمل عند إخوته الصغار محاسباً، الله عز وجل هو " الآخر ".
والله أيها الأخوة، سمعت قصة وقعت في هذه البلدة، إنسانة تعمل في حقل القضاء، هناك جمعية سكنية تتيح لمن في القضاء أن يشتري بيتاً بسعر مخفض، وبالتقسيط فسجلت اسمها على بيت، ولا تملك كامل الثمن، دخل أخوها معها مناصفة، والبيت ارتفع سعره حوالي خمسين ضعفاً، لما صار ثمنه عشرين مليوناً، والبيت باسم الأخت، والأخ دفع نصف البيت بالتمام والكمال، وابن هذا الأخ أحد الأخوة الكرام، فقالت له: اخرج من البيت، والبيت باسمي (القصة طويلة) كانت أشهر طويلة، لم يترك وسيلة يرجو أخته أن تبقيه في البيت، هي أقوى منه بالقانون، لأن البيت باسمها، فلم تجدي كل المحاولات، فأخرجته من البيت، يقول لي ابن أخيها: عمتي مريضة، قلت: ما المرض؟ قال لي: ورم خبيث بأحشائها، بعد شهر، قال لي: توفيت، وذهبت إلى البيت وألقيت كلمة في التعزية، وعاد البيت إلى أخيها.
أنت لا تهتم بما تفعل، اهتم بما سيفعل الله معك.
" أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ " [الزخرف:79].
الله هو " الآخر " دائماً الله مع المظلوم، أحياناً يكون الزوج ظالم يطلق امرأته طلاقاً تعسفياً، يهيئ الله لهذه المرأة صالحاً يكرمها، ويحميها، وينسيها الأول، ويهيئ للثاني زوجة تعد نقمة لزوجته التي ظلمها، الله هو " الآخر " حكمه الأخير، في الشراكة، في الزواج في العلاقات.
بطولة الإنسان أن يخشى الله وأن يعلم علم اليقين أن الأمر بيده:
دائماً أيها الأخوة، هناك نقطة دقيقة أن كل واحد منا بحكم حياته، وعلاقاته، يعرف مئات القصص، يعرف آلاف القصص، هذه القصص يعرفها من آخر فصل، ما لها معنى، لكن بحكم علاقاتك المتينة، والوشيجة، تعرف خمس قصص، من أول فصل لآخر فصل، هذه القصة المجدية ترى فيها عدلاً مطلقاً.
مرة كنت أمشي في الطريق استوقفني إنسان، قال لي: فلان جاء إلى محله التجاري ليكسب قوت أولاده، أليس هذا العمل عبادة؟ قلت له: نعم.
بالمناسبة الحرفة التي تحترفها، والعمل الذي ترتزق منه، إذا كان في الأصل مشروعاً، وسلكت به الطرق المشروعة، وابتغيت منه كفاية نفسك وأهلك، وخدمة المسلمين هذا العمل ينقلب إلى عبادة.
قال لي: جاء رجل في أحد أسواق دمشق، فتح محله التجاري يبيع أقمشة سمع إطلاق رصاص، يبدو في إنسانين تبادلا إطلاق الرصاص، فمدّ رأسه فجاءت رصاصة استقرت في عموده الفقري، فشُلّ فوراً، قال لي: بعنف، ما ذنب هذا الإنسان؟ جاء ليكسب قوت يومه، قلت له: والله لا أعلم، أنا لي ثقة مطلقة بعدل الله، أما هذه القصة لا أعلم تفاصيلها، والظاهر أن هذا الإنسان ما له علاقة بالموضوع، لكن أراد أن يعرف من أين إطلاق الرصاص؟ مدّ رأسه، جاءت رصاصة طائشة هي اسمها طائشة، خطأ، ليست طائشة.
فالأمر مضى عليه أسبوعان أو ثلاثة، عندي أخ في المسجد، حدثني عن هذه القصة، قال لي: لنا جار يسكن فوقنا، وقد اغتصب بيتاً لأولاد إخوته الأيتام، وهم في أمس الحاجة إليه، لم يتركوا طريقة إلى أن وصلوا إلى أحد العلماء الكبار، فحكّموه في الأمر فاستدعاه، وكان وقحاً جداً مع هذا العالم، قال له: لن أعطيهم هذا البيت، هذا العالم التفت إلى أولاد أخيهم، قال لهم: يا بني هذا عمكم، لا يليق بكم أن تشكوه إلى القضاء، اشكوه إلى الله، هذا الأمر تمّ الساعة التاسعة ليلاً في الساعة التاسعة نهاراً جاءته الرصاصة الطائشة هو نفسه وشلته.
الله هو " الآخر " خذ قراراً، كُلْ مالاً حراماً، طلق طلاقاً تعسفياً، خذ ما ليس لك شركة باسمك، الشريك ضعيف، لكنه الممول، أخذت خبرته، وماله، وهي باسمك ثم طردته، هذا قرارك " أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ " بطولتك أن تخشى الله، بطولتك أن تخاف منه، بطولتك أن تعلم علم اليقين أن الأمر بيده هو " الآخر ".
الله تعالى ينظر إلى كل إنسان ليرى تصرفه وحكمه:
هو ينظر إليك.
" فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ " [الأعراف:129] ينظر إليك، يرى ماذا تفعل، يرى قرارك، يرى حكمك، يرى تعسفك، أو يرى عدلك، يرى تطاولك، أو يرى تواضعك، يرى إنصافك أو يرى " أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ " والله أيها الأخوة، معي آلاف القصص، من أول فصل إلى آخر فصل، شيء لا يصدق.
حدثني إنسان، ذاهب إلى المطار مع إنسان آخر، هذا الإنسان الآخر أراد أن يقطع يدي كلب صغير، جالس على طرف الطريق، ليظهر مهارته في القيادة، لم يقتله دهس يديه فقط، هذه تحتاج إلى مهارة كبيرة جداً، وأطلق ضحكة هستيرية، يقسم لي بالله هذا الأخ، قال لي: بعد أسبوع في المكان نفسه أصاب العجل عطل، رفع المركبة في الرافعة، وسحب العجل، فسدت الرافعة ووقعت المركبة فوق العجلة، والعجلة فوق رسغيه، فإلى أن وصل إلى المستشفى اسودت يداه، فلابدّ من قطعهما، أقسم لي بالله بعد أسبوع كانت يداه مقطوعة.
الله كبير
" أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ "
آلاف القصص.
ما كل مسيء يعاقب في الدنيا و لا كل محسن يثاب فيها لحكمة من الله عز وجل:
بالمناسبة إياكم، ثم إياكم، ثم إياكم أن تتوهموا أن كل مسيء يعاقب في الدنيا، لا، الله عز وجل يعاقب بعض المسيئين، ردعاً للباقين، ويكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين، قد يقول قائل فلان فعل كذا وكذا وما أصابه شيء، نحن لسنا في دار جزاء، نحن في دار ابتلاء، لكن من رحمة الله بنا كي يردعنا عن الإساءة، وكي يشجعنا على العمل الصالح، يكافئ بعض المحسنين في الدنيا، نرى مكافأة عالية جداً، ويعاقب بعض المسيئين في الدنيا، الذين يكافئهم تشجيعاً للباقين والذين يعاقبهم ردعاً للباقين لكن الآية المؤلمة:
" أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ "
إنسان أحياناً يأكل ما ليس له، قوي، والأمر بيده، والرخصة له، وشريكه ضعيف، يستطيع أن ينهي له إقامته إذا كان ببلد معه كفيل، بتوقيع تلغى الإقامة، والأموال كلها باسمه، وكم حدثت هذه القصص؟ هذا الإنسان لا يعرف الله، الله عز وجل يدمره دققوا في هذا الحديث الشريف: " من أخذ أَموال الناس يُريدُ أَداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذ أَموال الناس يُرِيدُ إِتْلافها أتلفه الله عز وجل " [البخاري].
من لا يعرف الله لا يخافه:
مرة طالب، قال لي: أنا لا أخاف من الله، قصة قديمة، جاءني جواب رائع قلت له: أنت بالذات معك الحق، قال لي: كيف؟ قلت له: أحياناً الفلاح يأخذ ابنه الصغير إلى الحصيدة، ابنه عمره سنتان، أين يضعه؟ أخذه معه، وضعه بين سنابل القمح يمر ثعبان طوله عشرة أمتار، لا يخاف منه، بالعكس يضع يده عليه لماذا لا يخاف منه؟ لأنه ما فيه إدراك، لو فيه إدراك خاف منه.
والإنسان الذي لا يعرف الله لا يخافه، والذي يعرفه، النبي الكريم رأى تمرة على سريره، قال: يا عائشة والله لولا أنني أخشى أنها من تمر الصدقة لأكلتها (اشتهاها) خاف أن تكون من تمر الصدقة، هذا هو الورع.
إذاً: " أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ".
الأمر في النهاية بيد الله عز وجل، لا تظلم زوجتك، تكبر، وتضعف، والأولاد يكبرون، وينحازون لأمهم، وتذوق ألوان الإهمال، لا تغتصب شركة، لا تغتصب بيتاً، الله هو " الآخر " آخر حكم عنده، هناك طلاق تعسفي يُكْره المرأة المظلومة ويريها النجوم ظهراً، هناك شريك آثم يوفق الشريك المظلوم.
حتى عالم قال: أنا أشكر من ظلمني، قيل له لماذا؟ قال: لأنه جعل الله معي.
التطبيق العملي لاسم " الآخر ":
1 ـ على الإنسان أن يكون قوياً لإحقاق الحق وإبطال الباطل لا ضعيفاً مهزوماً:
أيها الأخوة، أما التطبيق العملي لهذا الاسم، الله قوي، وبيده كل شيء، والحكم بيده بالنهاية، والأمر له " وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ " من أجل أن تستمد من هذا الاسم كمالاً يعينك على أن تتصل بالله، كن قوياً، لا تكن ضعيفاً.
" المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف " [مسلم].
كن حكماً أخيراً في أي موضوع، لا تكون بمكان ما ضعيف مهزوم، مهضوم حقك، متهم، ذليل.
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
كن مع الله تـــــرى الله معك واترك الكل وحاذر طــــــــمعك
وإذا أعطــــــاك من يمنعه ثــــــــم من يعطي إذا ما منعـــك
***
القوي متاح له من الأعمال الصالحة في الحياة الدنيا ما لم يتح لغيره:
أخوانا الكرام، لأن الدنيا دار عمل، القوي متاح له من الأعمال الصالحة ما لم يتح لغيره، والقوي هنا قوي المال، والقوي قوي العلم، والقوي قوي السلطان، إما أن تكون قوياً في منصبك، بجرة قلم تحق حقاً وتبطل باطل اً، بجرة قلم تقر معروفاً وتزيل منكراً، وإما أن تكون قوياً بمالك، تحل بهذا المال مشكلات من حولك، وإما أن تكون قوياً بعلمك تدلي بعلمك الصحيح، كن قوياً.
" المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف " [مسلم].
ولكن إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله، يجب أن تكون قوياً.
" قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ " [يوسف:55].
من كان طريق القوة عنده على حساب قيمه وآخرته فالضعف وسام شرف له:
لا يوجد مؤمن متقوقع، انهزامي، ينسحب من الحياة، لا، يجب أن تكون إيجابياً يجب أن تري الناس من هو المؤمن، يجب أن تري الناس نزاهة المؤمن، إنصاف المؤمن، صدق المؤمن، وفاء المؤمن، حرص المؤمن، عفة المؤمن، يجب أن تري الناس من أنت، إذاً إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً، أما إذا كان سالكاً على حساب مبادئك وقيمك وآخرتك، لا، كن ضعيفاً، والضعف عندئذٍ وسام شرف لك، الله عز وجل قال: " وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ " [الشورى:39].
خنوع ما في بالإيمان، خنوع، استلام، تطامن، ما بيدنا شيء، الله ينتقم منهم لا " وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ " لكن لا يظلمون.
" وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ " [الشورى: 40].
حينما يغلب على ظنك أنك بعفوك عنه تصلحه، يعني سائق دهس طفلاً، لكن أنت متأكد أنه يمشي بسرعة نظامية وبهدوء، والابن قفز أمام المركبة، هذا عفوك عنه سائق فقير يمشي بشكل صحيح، ما ارتكب مخالفة بالسير، الابن طائش، قفز إلى أمام المركبة، فأنت كأب إذا عفوت عنه تقربه إلى الله " فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ " يعني أيقن أن عفوك عنه يصلحه، قال " فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ " إذا وعدك ملك أن يعطيك عطاءً كم تتصور هذا العطاء؟ قلم رصاص؟ أم بيت؟ في فرق، ملك، قال لك: حقك عندي، معناها في عطاء كبير جداً " وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ".
" وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ".
2 – على المؤمن أن يجمع العدل إلى جانب القوة في إحقاق الحق:
لكن الملاحظة الدقيقة: لا يكفي أن تكون قوياً، ينبغي أن تكون قوياً عادلاً، الأقوياء الآن يتوهمون أنهم على حق، بل هم يقولون، أنت على حق لأنك قوي فقط، العالم الغربي الآن يؤمن أنت قوي إذاً أنت على حق، أما المؤمن بالله أنت على حق فأنت قوي معكوسة، أهل الدنيا يرون الحق في القوة، لكن أهل الإيمان يرون القوة في الحق.
فلذلك لا يكفي أن تكون قوياً، ينبغي أن تجمع مع قوتك العدل، الله عز وجل يحب عباده المتفوقين.
في درس قديم، قلنا إن الله وتر يحب كل وتر، الله عز وجل يحب الإنسان المتفوق، إنسان عادي، رقم لا معنى له، مع هذا العدد الكبير الذي لا يقدم ولا يؤخر، ثقافة العامة، والفئة المتدنية في المجتمع، كن قوياً، وكن عالماً، وكن عادلاً، واجعل الأمر بيدك، لا تكن رقماً ليس له معنى، كن رقماً صعباً.
أيها الأخوة الكرام، ننتقل في درس قادم إن شاء الله إلى اسم آخر.
والحمد لله رب العالمين
مختارات