العلم بالجهل
في كتابهما “أفكار وجدت لتبقى”يقول شيب هيث ودان هيث: (ما إن نعرف شيئًا ما، حتى نجد أنه من الصعب تصور ما قد تكون عليه الحال إن كنا لا نعرفه)، هذه الفكرة وقفت أمام ذهني عدة مرات، وتأملتها في أفق أوسع مدىً مما توحي
به.
لا يمكن للانسان أن يتخيّل نفسه الآن لو كان يجهل كثيراً مما رزقه الله العلم به، ماذا لو كان أمياً؟.
يفشل الخيال في تحقيق هذه المهمة. لأن العلم والفهم والوعي بهذا العالم، وبالتاريخ، يتماهي جوهرياً مع كينونة الإنسان، ويندمج في منابع إدراكه للوجود. بل لو رام أن يجهل بعض ما
عرف -لاسيما من المعارف الضرورية- لما قدر على ذلك أصلاً.
وهذا المعنى اللطيف يقودك إلى ضرورة شكر الله على ما منّ به عليك من العلم والمعرفة، فإذا كنت تقرأ كلامي هذا وتفهمه، فأنت أعلم من ملايين البشر، من الأميين، ممن لم تتح لهم الفرصة للتعلم.
وكما أنه يتعذر عليك إدراك الجهل، فكذلك يتعذر عليك تخيّل ما الذي سيتغير في حالتك
الجوانية والبرانية لو كنت أعلم مما أنت عليه الآن، فإذا علمت شيئاً من العلوم، أو طرفاً من
المعارف، أدركت قعر الدرك الذي كنت فيه، وتذكرت خيالاتك وسماديرك الفاسدة عن مقدار فهمك، ووفرة علومك، وربما كان هذا المعنى (أقصد خفاء صورة الجهل وصورة العلم) هو ما يوقع بعض الناس في الرضا والاطمئنان
الساذج لحالهم، ومدى فهمهم للأمور، فتموت الأسئلة في مهدها، ويكثر الرماد في عقولهم
الباردة.
مختارات