اسم الله المتعال 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : (المتعال) :
أيها الأخوة الكرام ، لا زلنا في اسم " المتعال " وحينما نقول تعالى الله ، أي تنزه عن كل نقص ، فإذا أردنا أن نطبق هذا المعنى فيما يخص المؤمن ، فالمعاني التي يمكن أن نستفيد منها في هذا الاسم ؟ .
في الدين حقائق لابدّ من أن تُعلم بالضرورة :
بادئ ذي بدء : المؤمن يجب أن يتعالى عن كل نقص بإيمانه ، لذلك المؤمن ينبغي أن يَعلم ما ينبغي أن يُعلم بالضرورة ، لنأتي بمثل : لو أن مظلياً يريد أن يهبط بمظلة ، هناك معلومات كثيرة يمكن أن يجهلها ، يا ترى شكل المظلة مربع ، مستطيل ، بيضوي ، دائري ، عدد الحبال ، أنواع الحبال ، مما صنعت الحبال ، كل هذه المعلومات لو أنه غفل عنها ينزل سالماً ، إلا أن معلومة واحدة إذا غفل عنها ينزل ميتاً ، إنها طريقة فتح المظلة ، فإذا غفل عن هذه المعلومة أودى بحياته نسمي هذه المعلومة بالنسبة للمظلي معلومة يجب أن تُعلم بالضرورة .
والدين واسع جداً ، في تاريخ التشريع ، وفي الفقه المقارن ، العلوم التي جاء بها الدين واسعة جداً ، لكن المسلم ما المعلومات التي لابدّ من أن يعلمها ؟ الحقيقة المعلومات التي لابدّ من أن يعلمها ، قال العلماء : أركان الإيمان ، الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب ، وما إلى ذلك ، وأركان الإسلام : الصوم ، والصلاة ، والحج ، والزكاة ، والأحكام الفقهية المتعلقة باختصاصه .
فالتاجر بأمس الحاجة أن يتعلم أحكام البيع والشراء ، والطبيب أحكام الطب ، الزوج أحكام الزواج ، والحقوق ، والواجبات .
إذاً هناك في الدين حقائق لابدّ من أن تُعلم بالضرورة ، المؤمن يجب أن يتعالى عن كل نقص في إيمانه ، لأن العلم كما قال العلماء : أصل حياة الإنسان ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، هذه واحدة .
من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر :
معلومة أخرى نحتاجها أحياناً ، أنت راكب مركبة ، في لوحة البيانات تألق ضوء أحمر ، يا ترى لماذا تألق ؟ نفرق أنه تألق أو لم يتألق ، وبين لماذا تألق ؟ تألق أو لم يتألق قطعاً تألق ، رأيته بأم عينك ، ولكن لماذا تألق ؟ لو فهمت هذا التألق تألقاً تزيينياً احترق المحرك ، وتوقفت الرحلة ، ودفعت مبلغاً فلكياً لإصلاحها ، أما لو علمته تألقاً تحذيرياً أوقفت المركبة فوراً ، أضفت الزيت سلم المحرك ، وتابعت الرحلة ، فرق كبير بين أن تفهم هذا التألق تألقاً تزيينياً ، أو تألقاً تحذيراً .
لذلك أيها الأخوة ، أحياناً تأتي مصيبة ، إذا قلت هكذا الزمان .
رماني الدهر بالأرزاء حتى فؤادي فــي غشاء من نبال
فكنت إذا أصــابتني سهـام تكسرت النصال على النصالِ
* * *
إن فهمت المصائب فهماً ساذجاً ، إن فهمت المصائب فهماً بعيداً عن الإيمان ربما لم تتعظ بها ، وقد قيل : من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر .
إذاً المؤمن ينبغي أن يتعالى عن أي نقص في إيمانه ، من هنا قيل : إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطيك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل .
على المؤمن أن يتعالى عن أي نقص في :
1ـ إيمانه ليحقق الهدف من وجوده :
إذاً حينما تبحث عن الحقيقة ، وحينما تعمل وفقها ، وحينما تصبر على البحث عنها ، والعمل بها ، وتطبيقها ، والدعوة إليها ، تكون قد حققت الهدف من وجودك ، وهذا معنى قوله تعالى : " وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ " [العصر:1-3] .
إذاً المؤمن يتعالى عن أي نقص في إيمانه ، ولو أن أي نقص في الإيمان لا يقابله سلوك منحرف ، وليكن هذا النقص ، ولكن لأن أي نقص في الإيمان ينعكس سلوكاً خاطئاً السلوك الخاطئ له حسابه عند الله .
إذاً كما أن الله سبحانه وتعالى ، تعالى عن كل نقص ، والمؤمن يستكمل طلب العلم ، ليكون السلوك صحيحاً يفضي به إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، هذا من حيث ما ينبغي أن يُعلم بالضرورة .
وذكرت مثل المظلي لأنه هذه المعلومة إذا غفل عنها نزل ميتاً ، وذكرت مثلاً تألق المصباح الأحمر في لوحة البيانات ، لأن الإنسان إذا لم يفهم حكمة المصيبة تابع خطأه ولم يعبأ بمدلولها الكبير ، ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه .
معرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم :
الآن يا ترى هل هناك فرض عين على كل مسلم أن يعرف سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية ، وسيرته العملية ؟ الجواب : معرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية والعملية ( يعني سيرته ) فرض عين على كل مسلم .
الدليل : كلنا يعلم أن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك ، والذي ضيع المسلمين توهمهم أن الإسلام عبادات شعائرية ، صوم وصلاة ، وحج ، وزكاة ، ليس غير ، الدين منهج واسع جداً ، أنا لا أبالغ قد يصل إلى خمسمئة ألف بند ، يبدأ هذا المنهج بالعلاقات الزوجية ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، لماذا ينبغي أن أعلم سنة النبي القولية ؟ لأن الله سبحانه وتعالى يقول : " وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " [الحشر:7] .
كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك :
عندنا قاعدة أصولية أن كل شيء أمرنا الله به واجب التطبيق ، وكل أمر يقتضي الوجوب ، وها قد أمرنا أن نأخذ ما أتانا النبي ، وأن ننتهي عما عنه نهانا ، فبربكم كيف نأخذ ما آتانا ، وننتهي عما عنه نهانا ، إن لم نعرف ما الذي آتانا ، وما الذي عنه نهانا ؟ دائماً هذه القاعدة ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض ، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
أرأيت إلى الوضوء ؟ إنه فرض ، لأن الصلاة فرض لا تتم إلا به ، فالقاعدة ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض ، وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، كل أمر من دون استثناء ، إلا إن وجدت قرينة تصرفه عن الوجوب ، كأن يقول الله عز وجل : " فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ " [الكهف:29] .
" فَلْيَكْفُرْ " فعل فيه لام الأمر ، هل يعقل أن نؤمر بالكفر ؟ هذا أمر تهديد ، وهناك أمر إباحة : " وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ " [البقرة:187] .
وأمر ندب : " وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ " [النور:132] لكن ما سوى ذلك كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، فالله عز وجل أمرنا أن نأخذ ما آتانا النبي " وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " لا يمكن أن نأخذ ما آتانا ، وأن ننتهي عما عنه نهانا إلا إذا عرفنا ما الذي آتانا ، وما الذي عنه نهانا ، إذاً معرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم .
معرفة سيرة النبي الكريم واجب على كل مسلم لأنه قدوة لنا :
إخوتنا الكرام ، حقائق الدين خطيرة جداً ، معنى خطيرة لها علاقة بمصير الإنسان ، حينما يغفل الإنسان عن سرّ وجوده ، وعن غاية وجوده ، وعن حكمة المصائب ربما استرسل في طغيانه ، وربما استحق العذاب الأبدي .
إذاً ينبغي أن نعلم سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية ، ما الذي يمنع أن يكون في كل بيت كتاب في الأحاديث الصحيحة نقرأها ، ونطبقها ، هذا من لوازم معرفة أحكام هذا الدين .
الآن وينبغي أن نعرف سيرته ، وأقول لكم مرة ثانية : معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم ، الدليل : الله عز وجل حينما قال : " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً " [الأحزاب:21] .
كيف يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسوة لنا إن لم نعرف سيرته ؟ كيف كان في بيته ؟ كيف كان مع زوجته ؟ كيف كان مع أولاده ؟ كيف كان مع جيرانه ؟ كيف كان مع أصحابه ؟ كيف كان في سلمه ؟ في حربه ؟ في حله ؟ في ترحاله ؟ لأن الله عز وجل جعله أسوة لنا " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً " إذاً يقتضي أن يكون النبي أسوة لنا بأن نعرف سيرته ، فالمؤمن يتعالى عن كل نقص في معرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية ، ومعرفة سيرة النبي العملية .
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :
الآن هذه العبادات المسلمون في الأعمّ الأغلب يؤدون هذه العبادات ، ولكن الذي نراه أن حالهم لا يرضي ، وأن وعود الله في القرآن الكريم رائعة جداً .
" وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ " [الروم:47] .
" إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " [غافر:51] .
" وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي " [النور:55] .
" وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ " [الصافات:173] .
" وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً " [النساء:141] .
وعود رائعة ، وكلكم يعلم أن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، أين الخلل ؟ .
2 ـ عباداته :
يجب أن يتعالى المؤمن عن كل نقص في عباداته ، الصلاة ، النبي عليه الصلاة والسلام سأل أصحابه : " أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ ؟ قالوا : المفْلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع ، قال : إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شَتَمَ هذا ، وقذفَ هذا وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيُعطَى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه ، أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه ، ثم يُطْرَحُ في النار " [مسلم] .
هذا الحديث خطير ، حديث مركزي ، مفصلي ، أنت حينما تصلي ، ولا تستقيم على أمر الله ، لا قيمة لهذه الصلاة ، لا يمكن أن تقطف ثمار الصلاة إلا إذا سبقتها استقامة والتزام ، فالمؤمن يتعالى عن كل نقص لفهمه للعبادات .
" لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا " [ابن ماجة] .
لذلك مليار وخمسمئة مليون مسلم لا وزن لهم في الأرض ، ليست كلمتهم هي العليا ليس أمرهم بيدهم ، للطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل ، لماذا ؟ لأن أمر الله هان عليهم فهانوا على الله .
فالمؤمن يتعالى عن أي نقص في عباداته ، هذه الصلاة ، فماذا عن الصيام ؟ " مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ " [البخاري] .
ماذا عن الحج ؟ " من حج بمال حرام فقال : لبيك اللهم لبيك ؛ قال الله عز وجل : لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك " [رواه الشيرازي وأبو مطيع عن عمر] .
فماذا عن الزكاة ؟ " قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ " [التوبة:53] .
من لم يستقم على أمر الله لن يقطف من ثمار الدين شيئاً :
إخوتنا الكرام ، ما لم نستقم على أمر الله لن نقطف من ثمار الدين شيئاً ، المؤمن الصادق يتعالى عن أي نقص في فهمه للعبادات ، الصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة ، بقي النطق بالشهادة .
" من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة ، قيل وما حقها ؟ قال : أن تحجبه عن محارم الله " [الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال كبير] .
فإن لم تحجبك كلمة لا إله إلا الله عن محارم لا جدوى من النطق بها .
يا أيها الأخوة ، المؤمن يتعالى عن أي نقص في فهمه للعبادات .
3 ـ معاملاته :
الآن المعاملات هناك ذنب لا يغفر ، وهو الشرك ، وهناك ذنب لا يترك ، ما كان بين العباد ، وهناك ذنب يغفر ما كان بينك وبين الله ، يجب أن تعلم علم اليقين أن الشرك بالله ذنب لا يغفر .
" إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ " [النساء:48] .
وأنا لا أقول أن هناك شركاً جلياً ، الشرك الجلي في العالم الإسلامي قلما يكون أن تقول هذا إله ، لا إله إلا الله ، لكن الذي يخشاه النبي عليه الصلاة والسلام الشرك الخفي .
" إن أخوف ما أتخوف على أمتي الإشراك بالله أما إني لست أقول يعبدون شمساً و لا قمراً و لا وثناً و لكن أعمالاً لغير الله و شهوة خفية " [أحمد و ابن ماجه عن شداد بن أوس] .
" وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ " [يوسف:106] .
والشرك أخفى من دبيب النملة السمراء ، على الصخرة الصماء ، في الليلة الظلماء .
التوحيد أخطر شيء في الدين :
إذاً ينبغي أن أكون موحداً ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، يعني للتقريب :
كيف أن الله سبحانه وتعالى لا يغفر أن يشرك به ، لو أن لك مبلغاً ضخماً جداً في مدينة حلب ، وأنت تسكن في دمشق ، وركبت القطار باتجاه حلب ، لعلك قطعت بطاقة من الدرجة الأولى ، وركبت مقطورة من الدرجة الثالثة ، هذا خطأ ، وخطأ كبير ، لكن القطار في طريقه إلى حلب ، هذا الخطأ يغفر ، سوف تصل ، وسوف تقبض المبلغ ، لو أنك جلست مع شباب ليسوا أسوياء ، وتعبت من هذه الرحلة كثيراً من صخبهم ، وضجيجهم ، وتعليقاتهم ، وسخريتهم ، هذا خطأ ثان ، لكن القطار في طريقه إلى حلب ، وسوف تقبض المبلغ ، لو أنك جلست بعكس اتجاه عكس القطار فأصبت بالدوار ، وهذا خطأ ثالث ، لكن هذا الخطأ ينتهي عند النزول ، وتذهب ، وتأخذ المبلغ الكبير ، وقد تتلوى من الجوع ، وتغفل أن هناك مقطورة فيها مطعم ، هذا خطأ رابع ، لكن القطار في طريقه إلى حلب ، وسوف تأخذ المبلغ ، لكن الخطأ الذي لا يغتفر أن تركب قطاراً آخر ، باتجاه الجنوب ، قد يكون هذا القطار من الدرجة الأولى لكن لا يوجد شيء ، ليس هناك شيء تأخذه في الاتجاه المعاكس .
لذلك : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ " يعني إذا توجهت إلى غير الله ، غير الله مفتقر إلى الله ، ما عنده شيء يعطيك إياه .
لذلك أخطر شيء في الدين التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، النقص في التوحيد خطير جداً ، بل خطره مستقبلي بل خطره مصيري ،من هنا يقول الله عز وجل: " وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ " [هود:123] ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك .
" وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً " [الكهف:26] .
" فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " [محمد:19] .
الفهم الدقيق للتوحيد أحد أسباب النجاة من عذاب الله عز وجل :
أيها الأخوة ، بالمناسبة : لو أن الله قَبِل من عباده اعتقاداً تقليدياً لكان كل الخلق ناجين عند الله ، لكن الله سبحانه وتعالى لم يقبل من عباده إلا اعتقاداً تحقيقياً ، والدليل : " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " .
الاعتقاد الذي يقبله الله عز وجل هو اعتقاد بني عن بحث وإيمان وتحقيق وتدقيق ، أما الاعتقاد التقليدي هذا لا يقدم ولا يؤخر ، وهذا يسوقنا إلى تعريف العلم ، العلم علاقة بين شيئين أو بين متغيرين ، مقطوع بصحتها ، يؤيدها الواقع ، عليها دليل ، لو ألغيت الدليل لكان هذا العلم تقليداً ، والتقليد في العقائد لا يكون " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " ليست الآية فقل لا إله إلا الله " فَاعْلَمْ " وإلا كانت كل فرقة ضالة ناجية عند الله عز وجل ، لأن أفراد هذه الفرقة قلّدت رأسها الذي قال كذا وكذا .
إذاً أنت بحاجة ماسة إلى التحقيق ، والتدقيق ، والبحث ، والدرس في العقيدة .
إذاً التوحيد يحتاج إلى جهد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
" وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ " [الزخرف:84] .
" فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ " [هود:107] .
الفهم الدقيق للتوحيد أحد أسباب النجاة من عذاب الله عز وجل .
من آمن باسم المتعال تعالى عن كل ظلم :
أيها الأخوة ، المؤمن إذا آمن باسم " المتعال " هو يتعالى عن الظلم ، لأن الظلم ظلمات يوم القيامة .
" يا عبادي إني حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي ، وجعلتُه بينكم محرَّما ، فلا تَظَالموا " [مسلم] هذا الذي يظلم لا يعرف الله عز وجل ، لو علم أن الله سيحاسبه حساباً دقيقاً لما ظلم ، هناك ظلم يبدأ في البيت ، كم من زوج يظلم زوجه ؟ وكم من ابن يظلم أباه ؟ وكم من أخ يظلم أخاه ؟ وكم من رب عمل يظلم موظفاً عنده ؟ فحينما يكون ظلم في المجتمع يتخلى الله عنا ، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم : " فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم " [أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي الدرداء] .
هذا الضعيف إن أطعمته إذا كان جائعاً ، كسوته إن كان عارياً ، علمته إن كان جاهلاً ، آويته إن كان مشرداً ، أنصفته إن كان مظلوماً ، عالجته إن كان مريضاً ، يتفضل الله على من أعانه بمكافأة من جنس عمله ، ينصره على من هو أقوى منه .
" فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم " .
المؤمن يتعالى عن كل السفاسف لأن همه الله عز وجل :
أيها الأخوة ، الله عز وجل هو الكبير " المتعال " تعالى عن كل نقص ، وأنت أيها المؤمن يجب أن تترفع عن أي نقص في عقيدتك ، وفي عبادتك ، وفي معاملاتك ، عن أي نقص في فهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن أي نقص في فهمك لسيرته العملية ، عن أي نقص في التوحيد ، التوحيد شيء مصيري ، ينعكس سلوكاً منحرفاً ، إن لم تستكمل أركانه .
أيها الأخوة ، المؤمن يتعالى عن كل السفاسف .
" إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها ودنيها " [أخرجه الطبراني عن حسين بن علي] .
المؤمن همه الله جلّ جلاله ، إلهي أنت مقصودي ، ورضاك مطلوبي ، المؤمن في الأفق الأعلى ، في أفق معرفة الله ، في أفق الدعوة إليه ، في أفق خدمة عباده ، في أفق الأعمال الصالحة ، في أفق تطهير قلبه من كل دنس .
" يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ " [الشعراء:88-89] .
وأدق ما في هذه الآية أن الله عز وجل قال " يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ " والقلب السليم هو القلب الذي سلم من شهوة لا ترضي الله ، وسلم من تصديق خبر يتناقض مع وحي الله ، وسلم من عبادة غير الله ، وسلم من تحكيم غير شرع الله هذا هو القلب السليم .
العاقل من تقرب إلى الله بكمال مشتق منه :
كما أن تقول يا رب يا متعالي ، وتعالى الله الملك الحق عن كل نقص ، عن كل ما يليق به ، وأنت أيها المؤمن تَرَفع عن الجهل في أمر دينك ، َتَرفع عن الجهل في أمر عبادتك ، ترفع عن الجهل في أمر نبيك صلى الله عليه وسلم ، ترفع عن أن تظلم ، ترفع عن أن تحبط عملك بجهل كبير .
لذلك الإنسان كما أقول دائماً :
" وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " [الأعراف:180] أي تقرب إلى الله بكمال مشتق منه ، لأن الله عز وجل يقول : " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " .
والحمد لله رب العالمين .