مِنْ أسْماءِ الله الحُسْنى "العزيز"
أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية مصدرها القرآن الكريم والسنة النبوية، لا مجال للعقل والاجتهاد فيها، يجب الوقوف فيها على ما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة. وأهل السنة يثبتون ما أثبته الله عز وجل لنفسه ـ من أسماء وصفات ـ في كتابه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، كما ينفون ما نفاه الله عن نفسه في كتابه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن الله عز وجل أعلم بنفسه من غيره، ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلم الخَلْقِ بربه.
قال أبو بكر الإسماعيلي الجرجاني: " ويعتقدون ـ يعني: أهل السنة والجماعة ـ أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسنى، وموصوف بصفاته التي سمى ووصف بها نفسه، ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم ".
وقال ابن تيمية في " منهاج السنة النبوية ": " ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. يثبتون له الأسماء والصفات ".
وقال الشيخ ابن عثيمين: " أسماء الله تعالى توقيفية، لا مجال للعقل فيها، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، فلا يُزاد فيها ولا يُنْقَص، لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص، لقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}(الإسراء:36)..
ولأن تسميته تعالى بما لمْ يُسَمِّ به نفسه، أو إنكار ما سَمَّى به نفسه، جناية في حقه تعالى، فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص ".
والله عز وجل ليس كمثله شيء، فإنه سبحانه الكامل في أسمائه الحسنى وصفاته العُلى، الذي دلت النصوص والعقول على أنه لا نظير له سبحانه وتعالى، فلا مثيل له في ربوبيته، ولا مثيل له في إلهيته، ولا مثيل له في أسمائه وصفاته، قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشورى:11).
قال السعدي: " {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أي: ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لأنَّ أسماءه كلها حسنى، وصفاته صفات كمال وعظمة ".
و " العزيز " اسم من أسماء الله تعالى الحُسْنى، والعزيز في اللغة: هو القوي الشديد الغالب، الذي لا يُغلب.
قال الزَّجَّاج: " العزيز: هو الْمُمْتَنِعُ فَلَا يَغْلِبُه شَيْء ".
وقال: " والعزيز هو: الغالب القاهر، وهو الجليل الشريف، وهو القوي ".
وقال ابن منظور في " لسان العرب: " العزيز: هُوَ الْقَوِيُّ الْغَالِبُ كُلِّ شَيْء ".
وقال الزبيدي في " تاج العروس ": " العَزيز: مَأْخُوذٌ من العِزّ، وهو الشِّدَّة والقَهْر، وسُمِّي بِهِ الملك، لِغَلَبَتِه على أهلِ مَمْلَكَته ".
وقال ابن الأثير في " النهاية في غريب الحديث والأثر ": " (الْعَزِيز) وهوَ: الغالِبُ القَويُّ الذي لَا يُغْلَب. والعِزَّة في الأصل: القُوَّة والشِّدَّة والغَلَبة ".
وقال الأصفهاني في " المفردات في غريب القرآن ": " العزة حالة مانعة للإنسان مِنْ أن يُغْلَب من قولهم أرض عزاز أي صلبة.. فـسبحانه عزيز أي غالب لا يُغلب، قاهر لا يُقهر، وهو عزيز جليل وهو عزيز قوي شديد، وهو عزيز أي لا مثل له ولا نظير، وهو عزيز تشتد الحاجة إليه، ويصعب الوصول إليه ".
وقد ورد اسم الله " العزيز " في الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ومن ذلك:
ـ قال الله تعالى: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}(الأنعام:96).
قال ابن كثير: " أي: الجميع جار بتقدير العزيز الذي لا يُمَانَع ولا يُخَالَف العليم بكل شيء، فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وكثيرا ما إذا ذكر الله تعالى خلق الليل والنهار والشمس والقمر، يختم الكلام بالعزة والعلم، كما ذكر في هذه الآية، وكما في قوله: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}(يس:37:38) ". وقال السعدي: " الذي مِنْ عزته انقادت له هذه المخلوقات العظيمة، فجرت مذللة مسخرة بأمره، بحيث لا تتعدى ما حده الله لها، ولا تتقدم عنه ولا تتأخر {الْعَلِيم} الذي أحاط علمه، بالظواهر والبواطن، والأوائل والأواخر ".
ـ وقال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ}(هود:66)، قال الطبري: " في بطشه إذا بطش بشيء أهلكه، كما أهلك ثمود حين بطَش بها. {الْعَزِيزُ} فلا يغلبه غالب، ولا يقهره قاهر، بل يغلب كل شيء ويقهره ".
وقال السعدي: " ومن قوته وعزته أن أهلك الأمم الطاغية ونجى الرسل وأتباعهم ".
ـ وقال عز وجل: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}(الشعراء:9).
قال ابن كثير: " أي: الذي عز كل شيء وقهره وغلبه، {الرَّحِيمُ} أي: بخلقه، فلا يعجل على من عصاه، بل يُنْظِره ويؤجله ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر ".
وقال السعدي: " {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ} الذي قد قهر كل مخلوق، ودان له العالم العلوي والسفلي، {الرَّحِيمِ} الذي وسعت رحمته كل شيء، ووصل جوده إلى كل حي، العزيز الذي أهلك الأشقياء بأنواع العقوبات، الرحيم بالسعداء، حيث أنجاهم من كل شر وبلاء ".
ـ وقال الله سبحانه: {بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(سبأ:27). قال ابن كثير: " أي: ذو العزة التي قد قهر بها كل شيء، وغلبت كل شيء، الحكيم في أفعاله وأقواله، وشرعه وقدره، تعالى وتقدَّس ".
ـ وقال تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}(يس:38)، وقال سبحانه: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}(الملك:2). وقال: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ}(ص:66)، وقال عز وجل: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}(البروج:8).
قال القرطبي: " العزيز معناه المنيع، الذي لا يُنال ولا يُغالب ".
الله تعالى هو " العزيز "، وعزته سبحانه هي العزة الدائمة الباقية وهي الحقيقية، وهي من صفات ذاته تعالى التي لا تنفك عنه، فغلب بعزته وقهر بها كل شيء. وكل عزة حصلت لخلقه فهي منه.
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُون) رواه مسلم. قال المباركفوري: " أي: بغلبتك فإن العزة لله جميعا ".
وقال ابن حجر: " جواز الحلف بعزة الله، والحديث وإن كان بلفظ الدعاء لكنه لا يستعاذ إلا بالله، أو بصفة من صفات ذاته ".
قال ابن القيم: " العزة متضمنة لأنواع ثلاثة: عزة القوة، الدال عليها من أسمائه القوي المتين. عزة الامتناع، فإنه هو الغني بذاته، فلا يحتاج إلى أحد، ولا يبلغ العباد ضره فيضروه، ولا نفعه فينفعوه، بل هو الضار النافع المعطي المانع.
عزة القهر، والغلبة لكل الكائنات، فهي كلها مقهورة لله خاضعة لعظمته، منقادة لإرادته، لا يتحرك منها متحرك إلا بحوله وقوته ". وقال في قصيدته " النونية ":
وهو العزيز فلن يُرام جنابه أنى يُرام جناب ذي السلطان
وهو العزيز القاهر الغلاب لمْ يغلبه شيء، هذه صفتان
وهو العزيز، بقوة، هي وصفه فالعز حينئذ: ثلاث معان
وهي التي كملت له سبحانه مِنْ كل وجه عادم النقصان
قال الشيخ محمد خليل هراس في " شرح القصيدة النونية ": " وأما العزيز: فهو الموصوف بالعزة، وقد ذكر المؤلف لها ثلاث معان: العزة: بمعنى الامتناع على من يرومه من أعدائه، فلن يصل إليه كيدهم، ولن يبلغ أحد منهم ضره وأذاه، كما في الحديث القدسي: (يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني) رواه مسلم.
وإلى هذا المعنى أشار بقوله: " فلن يرام جنابه " أي لن يقصد أحد حماه الأقدس فيقهره أو يغلب. والثاني: العزة: بمعنى القهر والغلبة، وهي من: عَزَّ يعُز، بضم العين في المضارع، يقال: عزه إذا غلبه. فهو سبحانه القاهر لأعدائه الغالب لهم، ولكنهم لا يقهرونه ولا يغلبونه.. وهذا المعنى هو أكثر معاني العزة استعمالا. والثالث: العزة: بمعنى القوة والصلابة، مِنْ عَزَّ يعَز بفتحها، ومنه قولهم: أرض عَزَاز، للصلبة الشديدة. وهذه المعاني الثلاثة للعزة ثابتة كلها للّه عز وجل، على أتم وجه وأكمله، وأبعده عن العدم والنقصان ".
وقال السعدي في " تفسير أسماء الله الحسنى ": " (العزيز): الذي له العزة كلها، عزة القوة، وعزة الغلبة وعزة الامتناع. فمُمْتَنَع أن يناله أحد من المخلوقات، وقهر جميع الموجودات، ودانت له الخليقة وخضعت لعظمته. فمعاني العزة الثلاث كلها كاملة لله العظيم: عزة القوة، الدال عليها من أسمائه (القوي المتين)، وهي وصفه العظيم الذي لا تنسب إليه قوة المخلوقات، وإن عظمت. وعزة الامتناع، فإنه هو الغني بذاته، فلا يحتاج إلى أحد، ولا يبلغ العباد ضره فيضرونه، ولا نفعه فينفعونه، بل هو الضار النافع المعطي المانع. وعزة القهر والغلبة، لكل الكائنات، فهي كلها مقصورة لله خاضعة لعظمته منقادة لإرادته، فجميع نواصي المخلوقات بيده، لا يتحرك منها متحرك، ولا يتصرف متصرف، إلا بحوله وقوته وإذنه، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا به ".
" العزيز " اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، فهو سبحانه الذي لا يعجزه شيء، الشديد في انتقامه من أعدائه، الذي عزَّ على كل شيء فقهره وغلبه.. فذَلَّت لعزته الصعاب، ولانت لقوته الشدائد الصلاب، أعطى العزة لرسوله وللمؤمنين، فمن أراد العزة فليطلبها بطاعة الله، والتمسك بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. فالعزيز في الدنيا والآخرة هو من أعزه الله، قال تعالى: {قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(آل عمران:26)، فمَنْ طلب العزة فليطلبها من رب العزة، قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَللهِ العِزَّةُ جَمِيعًا}(فاطر:10).
ومَنْ أحب أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة فليحافظ على طاعة الله، فإنه يحصل له مقصوده، لأن الله مالك الدنيا والآخرة، وله العزة جميعا. وقد ذمَّ الله أقوامًا طلبوا العزة من غيره سبحانه، قال الله تعالى: {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}(النساء:139).
قال ابن كثير: " أخبر تعالى بأن العزة كلها لله وحده لا شريك له، ولِمَن جعلها له. كما قال في الآية الأخرى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} (فاطر:10)، وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}(الْمُنَافِقُون:8)..
والمقصود من هذا التهييج على طلب العزة من جناب الله، والالتجاء إلى عبوديته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين الذين لهم النصرة في هذه الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد "..
مختارات