الدنيا أنموذج
كتب أحدهم:”إنه نمط الزواج الأشد بؤسًا؛ فهو غير كارثي بحيث يمكنك الشكوى، وغير سعيد فينجيك من ألمك”. الرجل -في علاقة زوجية كهذه- ليس تعيساً بصورة مكتملة الأركان، ولا هو يبغض زوجته تماماً، أو يمقت نمط عيشه جذرياً، فيضطر لإلغاء هذه العلاقة، وفي الوقت نفسه ليس مبتهجاً راضياً كما يتمنى. كما أن الزوجة أيضاً لا تشعر برغبة جادة في مفارقة زوجها، وهي في الوقت نفسه لا تشعر براحة عميقة في البقاءمعه، ولا بسعادة غزيرة كما كانت تطمح في خيالاتها القديمة.
إنه نمط سائد لكثير من الزيجات حول العالم، لأن حال السعادة المكتملة، والتوافق التام، والراحة المطلقة، ليست معان دنيوية أبداً، وإنما هي أمنيات تتحقق غداً. عندما تضع أول قدم لك في الجنة.
ولكن في الدنيا لابد من لذة ما، سعادة تزورنا بين فينة وأخرى، في ما نشتهيه، أو نميل إليه. لابد من متعة صغيرة، تجعلنا نستسيغ الحياة، وتقدم لنا مبرراً لمقاومة الألم، حتى يأذن الله بخروج الروح من هذا القفص، كعصفور استرد حريته.
ابن الجوزي رحمه الله له عبارة مدهشة، يقول: «شهوات الدنيا أنموذج، والأنموذج يعرض ولا يقبض!»، فالعلاقة الممتعة بالأنثى نموذج مصغر للقاء الحور، والمتعة بالشراب اللذيذ هنا نموذج مصغر للتمتع بالخمر واللبن هناك، وكذلك التمتع بالمأكل، والخدمة، والخضرة، والوجه الحسن، والغناء، والتسوق، والمراكبالفارهة، والملابس الفخمة، كلها نماذج صغيرة، وحقيرة، بالقياس لما هنالك. وهكذا في سائر اللذات. فمباهج الدنيا نماذج، وعادة النموذج أن يكون للعرض فقط، ولا أحد يشتريه، ولا أحد يطمع به، ولا يسرقه إلا الأغبياء، ووظيفة النموذج الأساسية هي الإغراء باقتناء السلعة الأصلية فحسب.
مختارات