حقائق بغيضة
عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال النبي الكريم :”لا يُبَلِّغُنِي أحدٌ من أصحابي عن أحدٍ شيئًا، فإنِّي أحبُّ أن أخرج إليكم وأنا سَلِيم الصَّدر”. تأملت مغزى هذا الحديث -وفيه ضعف-، وتذكرت كم ندمت على بعض ما عرفته عن أناس حولي. قد تجالس صديقاً، أو قريباً، أو زميلاً في عمل مدة سنوات، ثم يقفز أحمق منقمقم ما، ليخبرك -دون مبرر- عن بعض الأحوال الخفية لأولئك، سلوكيات أخلاقية غير محبّذة، أو صفة ذميمة لا تعرفها، أو اختلاسات مالية بتأويل أو بدونه، أو تعثرات أسرية صغيرة، أو أية مساوئ من جملة ما يلغ فيه الناس، وكلنا لا يكاد يخلو منها، ولكن الله يستر ويعفو، فإذا وقرت تلك الأحاديث في قلبك، لم تقدرأن تقابل من عرفت بعض أحوالهم بنفس الوجه الذي اعتادوا أن يروك به، ولابد لك من أن تتكلّف لإخفاء انطباعاتك الجديدة عن عيون ملاحظتهم، كما ستستأنف تأويلات جديدة لأحاديثهم، تنسجم مع الأخبار التي سمعتها عنهم، لتدخل في دوامة بائسة تختلط فيها الحقائق بالأكاذيب.
وهذا العلم بخفايا رذائل الناس من أقبح العلوم -إن جاز التعبير-، والجهل خير منه، فلا أجمل من سذاجة القلب، وبراءة الضمير. أن تقابل كل من حولك بنفس صافية، وتفترض دوماً أنهم كذلك. لستَ أبلهاً، لكنك لا تسمح لنقلة الأسرار، والأخبار، والفضائحيون بأن يكدروا صفو روحك، لأن فيها ما يكفيها.
حتى لو كان الناس أوغاداً، لا أريد أن أعرف ذلك، إلا بالقدر الذي يحميني من الضرر، وأما ما سوى ذلك، فتسميم للقلب، وكآبة للخاطر، وبؤس للذاكرة.
أريد أن أكون سليم الصدر قدر ما أستطيع، فلا تشوه نفسي بأحاديثك، ولو كانت حقائقاً ملموسة. منحني الله وإياك قلباً أبيضاً، ونفساً صافية، وروحاً نقية.
مختارات