فقه الخليل ابراهيم عليه السلام
للدعوه فقها ينبغي أن يتعلمه كل من يسلك طريق الدعوة إلى الله ذلك أن منهج الدعوة توقيفي لم يتركه الله ورسوله لأهواء الناس وإنما حُدتْ حدودُه وعُلمتْ أركانُه وقوائمُه وهذا هو قوله تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ}[يوسف:108] تأمل قوله على بصيرة أنا ومن اتبعني. فالنبي على بصيرة من الله في دعوته وكل من خاض طريق الدعوة فإنما ينبغي أن يكون على بصيرة من الله ورسوله في الدعوة لا يتبع هواه ولا يتقلد مذهبا ولا فكرا يخالف منهج الله ورسوله في الدعوة.
ومن أركان الدعوة إلى الله وقوائمه التي لا تقوم من دونه هو فقه الأولويات في الدعوة، ذلك أن للدعوة فقها ولها أولويات ينبغي أن يبدأ بها فيها ومن خلال وقوفنا في هذه الأيام المباركة مع سيدنا إبراهيم -عليه السلام- نحاول سريعا أن نستلمح فقه دعوته -صلى الله عليه وسلم-وهذا من جانبين:أولهما بماذا بدأ إبراهيم دعوته،وثانيهما:بمن بدأ إبراهيم دعوته.
أولاً:بماذا بدأ إبراهيم دعوته؟
*إن من فقه إبراهيم في الدعوة إلى الله أن بدأ أول ما بدأ بالدعوة إلى التوحيد ونفي الشرك مع الله. فبدأ إبراهيم بأصل الأصول وقمة القمم وهي الدعوة إلى التوحيد ورفع الشرك من الأرض وذلك قوله تعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الأنعام: 74].ومعلومة هذه المحاورة الطويلة في سورة الأنعام بين إبراهيم وقومه والمتأمل فيها سيجد الدعوة فيها منصبة على التوحيد وإبطال الشرك والشركاء عن الله وتبيين أن هذه الآلهة التي كان يعبدها قومه لا تضر ولا تنفع ولا تملك موتا ولا حياة ولا نشورا ثم أعلنها صريحة مدوية:{يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}[الأنعام: 78].
*وهذا أصل أصيل عظيم من أصول الدعوة بدأ به كل الأنبياء بلا استثناء دعوتهم كل نبي كان يقول أول ما يقول لقومه:{اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}
ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بداية دعوته بدأ بهذا أيضا كما جاء في السير أنه كان يتبع الناس في الأسواق وفي مواسم الحج يقول(يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) وظل في مكة ثلاث عشرة سنة يدعوا الناس إلى التوحيد.
فالدعوة إلى التوحيد هي أصل الأصول وهي بيت القصيد في الدعوة إلى الله وهي منطلق كل داعية ناجح
وكيف لداع إلى الله يدعو الناس إلى أمور كثيرة، وهم بالله مشركون لا يعرفون التوحيد يصلون لغير الله ويذبحون لغيره ويحتكمون لغيره ويستسلمون لغيره فأي دعوة هذه وأي داعية؟!فالتوحيد هو الأول في الدعوة إلى الله وبه بدأ إبراهيم -عليه السلام-.
-ثانيا: بمن بدأ إبراهيم دعوته؟: هذا العنصر يبين لنا فقها غاليا من فقه الدعوة إلى الله وأصلا عظيما من أصولها ألا وهو بمن نبدأ؟
*إن إبراهيم -عليه السلام- بدأ أول ما بدأ دعوته بأسرته بأهله بيته وهذا واضح في محاورته لأبيه آزر كما هو موضح في سورة مريم بجلاء ثم إن أسلوب إبراهيم في محاورته لأبيه تحتاج إلى وقفة طويلة ذلك الأسلوب الذي يفيض بالرحمة وهي أصل الدعوة لا كمن يريد أن يدعو الناس فينفرهم كما قال النبي(يا أيها الناس إن منكم لمنفرين) وإنما يخاطب أباه بأسلوب مهذب مفعم بالرحمة والشفقة وهذا الشعور لو فقده الداعي إلى الله في دعوته أو في أحد مراحلها لباءت دعوته بالفشل.
ولعل هذا المعنى هو الذي دعا لتقديم آزر في الآية على قوم إبراهيم ليبين لك بمن بدأ إبراهيم دعوته بدأها بالأسرة ثم المجتمع ممثلا في قومه ثم القادة والساسة كما في قصة إبراهيم مع النمروز وهكذا يتدرج الداعي في دعوته لا يطلب أن يخاطب الساسة والقادة وأهل بيته وقومه من حوله هلكى كيف هذا؟ والأقربون أولى بالمعروف كما قال النبي فحري بكل داعية أن يبدأ بما بدأ به إبراهيم -عليه السلام-.
وهكذا كانت دعوة إبراهيم عليه السلام وهذا فقهها الذي يجب أن يتمثله كل داع إلى الله.
مختارات